الأحد، 7 يونيو 2015

فترة حظر صيد الربيان.. المشكلة والحل

 تاريخ النشر :٧ يونيو ٢٠١٥
بقلم: د. زكريا خنجي

حظي موضوع حظر صيد الربيان خلال الآونة الأخيرة باهتمام مبالغ فيه مقارنة لما كان يجري خلال العشرين سنة الماضية، فإن لم تخني الذاكرة فإنه مع بدايات عام 1993 صدر قرار بحظر صيد الربيان مدة أربعة أشهر تبدأ مع بداية يوم 15 مارس حتى 15 يوليو، هذا يعني أننا اليوم نحتفل بعيد ميلاد العشرين ونيف من السنين لصدور القرار.
واليوم يحاول قطاع الثروة السمكية بوزارة الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني أن يمدد فترة الحظر لتصبح ستة أشهر بدلاً من الشهور الأربعة المتعارف عليها، وعندما تناهى إلى سمع العاملين في هذا القطاع من الصيادين المحترفين هذا الخبر ضجوا وتضاربت الآراء، فأصبحت كل جهة جبهة وخندقا يحارب الآخر، بل تحاول كل جهة أن تصور القرار بحسب مصالحها وتوجهاتها، فالدولة تضرب على وتر البيئة والمحافظة على الثروة البحرية وفي المقابل فإن الصيادين والجهات ذات المصلحة تعزف على وقت الحاجة والفاقة والمشاكل المالية التي يعيشونها وضيق ذات اليد وما إلى ذلك. 
وفي الحقيقة، فإن لكل جِهة وجْهة نظر يجب أن تحترم وأن تأخذ في الاعتبار حينما نريد أن نفكر في حل لهذا الموضوع، والتي نحن نسميها المشكلة التي لو استمرت كما هي لأصبحت أزمة تحتاج إلى تفكير آخر.
لجأت الدولة هذه المرة إلى وسائل الإعلام المختلفة لبث وفرض توجهها، وفي نفس الوقت قدمت بعض الحلول الجبرية الترقيعية التي ربما لا تخدم الصياد من وجهة نظر الصيادين، مثل التقليل من عدد رخص الصيد، ووقف القروض البنكية خلال فترة الحظر، ووقف الصيد وكذلك مصادرة شباك الجر القاعية والمعروفة بـ «الكوفة» الممنوعة نظرًا الى تأثيرها السلبي على البيئة البحرية، وما شابه ذلك من قرارات لتحل الموضوع.

إلا أن هذا لم يقنع الصيادين المحترفين الذي يعيشون ويقتاتون على صيد الربيان، فهؤلاء يلوحون بأن الشهور الستة التي سيحظر فيها صيد الربيان ستخرب بيوتهم فمن أين وكيف يعيشون خلال هذه الفترة، وأن عمليات وقف القروض البنكية ما هي إلا عملية ترقيعية حيث ان البنك سيعاود مطالبة الصيادين ببقية المبالغ المتراكمة عليهم أثناء فترة الصيد، وكذلك فإنهم يصرخون لأن هذه النوعية من الشباك (الكوفة) ليس لها أي تأثير على البيئة القاعية للبحر، وإنما البحر انخفضت إنتاجيته بسبب الحفر والردم لإنشاء الجزر الصناعية والأراضي الإنشائية، وأنهم يجلبون العمالة الوافدة للعمل ستة أشهر من السنة وهي فترة السماح بالصيد، فماذا يمكن أن يفعلوا مع هذه العمالة وكيف سوف يتصرفون معهم أثناء فترة الحظر، فمن يعطيهم رواتبهم ومن يصرف عليهم؟ وما شابه ذلك من أمور وقضايا الميلودرامية التي يتباكى عليها الصيادون.
واليوم يقف الجميع على خندق ينافح عن فكرته وقراراته، وأصبحت طريقة حل المشكلة تعرف بطريقة شد الحبل، فمن كانت عضلاته أقوى يمكن أن يسحب الفريق الآخر إلى جهته رغمًا عنه.
وكلنا نعلم أن حل المشكلات لا يأتي ولا تحل بهذا الأسلوب، فما بالنا ونحن نتكلم عن موضوع له العديد من التفريعات مثل موضوع فترة حظر صيد الربيان، لذلك نجد أن هذه القضية يجب أن تحل بطريقة أخرى وبأسلوب يختلف عن كل الأساليب الماضية.
ومن ناحية أخرى فنحن نحمد الله أن هذه القضية لم تبلغ مرحلة الأزمة، ولكنها في طور المشكلة التي يمكن حلها برضا جميع الأطراف، ولكن إن بقيت من غير حلول ناجعة فإنها حتما ستبلغ مرحلة الأزمة، وحينئذ تغدو من الأزمات التي يصعب حلها، وكذلك فنحن هنا أيضًا لسنا بحاجة إلى قرار سيادي، أعتقد - في رأيي المتواضع- أننا بحاجة إلى رضا جميع الأطراف بصورة أو بأخرى.

في البداية، إن كنا نريد فعلاً أن نحل المشكلة فإننا يجب أن نرفعها إلى مستوى الأزمة، حتى ولو لم تبلغ مستوى الأزمة، ونحاول أن نتعامل معها كأزمة وأن نتعامل معها على أعلى المستويات الإدارية من متخذي القرار، وكلنا يعلم الأساليب المتبعة في إدارة الأزمات لذلك فإن هذه النوعية من القضايا يجب أن تخضع لمنهجية إدارة الأزمات.
ونعتقد في المرحلة الثانية يجب أن ننظر إلى القضية من أربع جهات وليس من جهة واحدة، فاليوم الدولة تنظر إلى الموضوع نظرة بيئية بحتة، والصيادون ينظرون إلى الموضوع من ناحية المالية البحتة، هنا يأتي القصور في وجهات النظر وبالتالي لا يمكن أن تتلاقى تلك الرغبات.

والمحاور الأربعة التي نقصدها هي المحاور التي تقوم عليها منظومة التنمية المستدامة؛ وهي: النواحي البيئية، النواحي الاقتصادية، النواحي الاجتماعية وأخيرًا النواحي السياسية، علمًا أننا لا نرغب في التحدث عن الجوانب السياسية هنا. ولنحاول أن نلقي ولو بصيصا من الضوء على هذه المحاور.

أولاً: المحور البيئي: نتفق مع الدولة تمام الاتفاق أن البيئة البحرية غدت في حالة يرثى لها، وهذا يعرفه القاصي والداني، ولكن هذا ليس في مياه البحرين الإقليمية فحسب، وإنما كل التقارير العالمية تشير إلى انخفاض كميات الإنزال السمكي حتى من المحيطات. وإن كنا نتفق مع الدولة على خراب البيئة البحرية في مياهنا الإقليمية إلا أنه من حقنا أن نسأل ويجب أن نحدد: ما الأسباب الحقيقية من وراء هذا الخراب؟ هل فعلاً بسبب تلك النوعية من الشباك الجر القاعية؟ أم بأسباب الحفر والردم المستمرين؟ هل بسبب الملوثات النفطية والكيميائية التي تجوب بحارنا؟ هل بسبب الملوحة وزيادة ملوحة مياه البحر على مر الأيام؟ يجب أن توضع كل هذه المعطيات وكل تلك الظروف وأي أمور أخرى لم نذكرها تحت ميكروسكوب البحث العلمي، وبالتالي تظهر أمامنا وأمام الجميع الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هلاك تلك المساحات من الأرض المنتجة، وبناء على ذلك توضع الحلول بوضوح وموضوعية، على أن تلتزم جميع الأطراف بالحلول التي تم التوصل إليها والاتفاق عليها، فليس من المعقول أن نتوصل إلى حل منطقي وموضوعي ومثبت بالبحث العلمي ثم يأتي طرف ما ويدعي أن هذا مخالف للعرف او المنطق.

ثانيًا: المحور الاقتصادي: يحكم الجانب الاقتصادي في هذه القضية - بحسب رأينا المتواضع - عناصر الإنتاج الأربعة، وهي: العمل والعمال، رأس المال، الموارد الطبيعية، وأخيرًا الإدارة والتنظيم. 

فمن ناحية العمل والعمال، فإن الفئة من الصيادين الرافضين لتمديد فترة حظر صيد الربيان هم أنفسهم الذين رفضوا في السابق فكرة «وجود النوخذة البحريني»، حسبما جاء في المرسوم بقانون رقم (20) لسنة 2002 بشأن تنظيم صيد واستغلال وحماية الثروة البحرية، وهذا يعني أن موضوع العمال يحتاج إلى دراسة فاحصة، وكيف يجب أن تدار هذه الفئة من الناس، وكم عدد من يجب أن تشملهم سفينة الصيد، ونوعياتهم، ومستوى تعليمهم وما إلى ذلك من معلومات يمكن أن تؤثر بصورة مباشرة في عملية الصيد في حد ذاتها. فالعمالة الأجنبية لا تكترث بالأرض المنتجة والكيفية الفعالة في المحافظة عليها، فكل همه أن يأتي بالصيد الوفير وبأي نوع من الشباك وبأي طريقة، المهم أن يملأ جيبه وجيب كفيله بالمال الذي يرضيه هو وكفيله.
أما من ناحية رأس المال فنحن هنا نتحدث عن سفن الصيد، وعن نوعيات الشباك المستخدمة في صيد الربيان، وأجور العمال، وكفالتهم، والرسوم التي تطلبها سوق العمل والقروض التي يأخذها صاحب السفينة وما إلى ذلك، فكل هذا يقع عبئها على مالك السفينة أو العمال الذين يستأجرون تلك السفن ورخصها. وربما هنا يتبادر إلى أذهاننا مجموعة من الأسئلة التي نوجهها: ماذا يمكن أن يفعل صاحب السفينة بالعمال الذين يعملون على ظهر السفينة أثناء فترة الحظر التي يمكن أن تمتد ستة أشهر؟ هل نتركهم يتسكعون في الشوارع والطرقات؟ ما البدائل التي قدمت لمثل هذه المشكلة؟ هل ستلغي هيئة سوق العمل حقها في الرسوم التي تأخذها عن هذه الفترة؟ 
ومن ناحية أخرى الوزارة تطالب الصيادين بالتخلص التام من شباك الجر القاعي، وهذا حق، لما تسببه هذه الشباك من أذى، ولكن ما البديل المطروح لهذه النوعية من الشباك؟ هل قدمت الوزارة حلولا؟ هل حاولنا أن ندرس كيف وماذا يستخدم صيادو الربيان في بقية دول العالم، هل في نيوزيلندا - مثلاً - يستخدمون شباك الجر القاعية؟ هل في الدول المطلة على البحر المتوسط يستخدمون هذه النوعية من الشباك؟ أكيد توجد بدائل، فما تلك البدائل ومن أين يمكن جلبها؟
أما بالنسبة الى الموارد الطبيعية، فنحن نتحدث هنا عن أرض وكائن حي وهو الربيان، فهل درسنا الكفاءة الإنتاجية للمتر المربع من الأرض البحرية؟ وكم ينتج هذا المتر المربع من ربيان في موسم الصيد، وبالتالي يمكن على أثره أن نحدد عدد رخص الصيد التي توازي الكفاءة الإنتاجية لتلك المساحة، فهل المساحة المتاحة والأرض المنتجة وكفاءتها الإنتاجية تكفي لكل هذا الكم من سفن صيد أم يجب علينا أن نقلص أعدادها؟ وإن رغبنا في التقليص فكم سفينة يمكن أن تجوب مياهنا الإقليمية ويسمح لها بممارسة عملية الصيد؟
وأخيرًا، التنظيم والإدارة فإننا يجب أن نعيد تنظيم هذه المنظومة الإدارية ليس لفترة قصيرة وإنما لفترات طويلة مستقبلية، وليس المقصود هنا تغير الأفراد المعنيين وإنما نحن نتكلم عن منظومة متكاملة وبصورة تشمل جميع الأطراف.
وربما هنا أيضًا يحق لنا أن نتساءل؛ لماذا أوقفت الدولة مشروع الحظر مدة عشرين سنة وتأتي اليوم لتحاول تطبيقه أسوة ببقية دول الخليج؟ تقول الجهات الإدارية إنها راعت وضع الصياد البحريني سواء من الناحية الاقتصادية أو من بقية النواحي الأخرى، لذلك يحق لنا هنا أيضًا أن نتساءل: هل تغير الوضع اليوم فأصبح الصياد في وضع آخر؟ لا أعلم. وهذه نقطة يجب أن تدرس، حيث يقول قائل - وهذا الكلام على ذمة من قال - إن صيادي الربيان أصبحوا يمتلكون ملايين الدنانير اليوم، فهل هذا صحيح؟ لا أعلم أيضًا. 

ثالثًا: المحور الاجتماعي: لاشك أن الوضع الاقتصادي سوف يؤثر بصورة او بأخرى على الوضع الاجتماعي للعاملين في هذا القطاع.
في الماضي كان الربيان متوافرا، فكان المواطن يقوم في فترة الوفرة بشراء كميات كبيرة من الربيان، وبعد ذلك يقوم بتجفيفه، ليقوم باستهلاكه طوال السنة، ولكن اليوم هذه العادة تلاشت بسبب التغيرات الاجتماعية التي يعيشها الإنسان البحريني.
اليوم في زمن الوفرة يتم تصدير الربيان إلى دول الجوار، بغض النظر عن تأثير ذلك على الأسعار وتأثيره على المواطن البحريني، وربما يريد من يقومون بتصدير الربيان إلى الخارج المحافظة على ارتفاع أسعاره في الوطن وبالتالي يقللون المعروض حتى تزيد الأسعار، وهذه سياسة اقتصادية يعرفها الجميع.
وهنا ربما نتساءل؛ ألا يمكن إقامة مصانع لتجميد الربيان - وإن كنت أعتقد بوجود مثل هذه المصانع في البحرين - ففي زمن الوفرة يجمد الربيان، وبالتالي يمكن بيعه مجمدا أثناء بقية الموسم، فما الفرق؟ ألا يمكن تغيير نمط استهلاكنا للربيان؟ ألا يمكن الامتناع عن شراء الربيان أثناء فترة الحظر؟ أسئلة كثيرة نطرحها ولا تجد الإجابة الناجعة التي يمكنها أن توضح الأمور.

وبعد كل ذلك وكل هذا العمل والكثير من الإجراءات، تجمع كل المعطيات والحقائق وكل تلك النتائج التي تم التوصل إليها، وتعرض أمام الرأي العام والمجلس النيابي، وبعد يمكن اتخاذ القرار المناسب وبالتوافق مع جميع الجهات. 

عمومًا، هذه بعض التصورات والأفكار والاطروحات لحل هذه المشكلة التي فعلاً تحتاج إلى حل عملي وعلمي، وكما أشرنا سابقًا فإنه يجب علينا أن ننظر إلى هذه القضية من عدة زوايا ووجهات نظر وليس من وجهة نظر واحدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق