السبت، 30 أغسطس 2014

العمل ضمن الدقائق السبع

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٣١ أغسطس ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

قد أكون ضمن الكثيرين الذين يؤمنون أنه ينبغي للمرء أن يبدأ دائمًا بالعمل الأصعب وربما الذي لا نشعر بالرضا أو الرغبة في انجازه وبالتالي نتهرب منه، ربما أنا وغيري من الذين يؤمنون بهذا الأسلوب نفكر بطريقة أو بأخرى بأسلوب أكل أبشع «ضفدعة» تواجهك في اليوم، كما يشير إلى ذلك الباحث «برايان تريسي» في كتابه «ابدأ بالأهم ولو كان صعبًا.. التهم هذا الضفدع»، هذا الكتاب وإن كان صغيرًا في حجمه إلا أنه من الكتب العملية الذي يتحدث عن إدارة الوقت وكيفية الاستفادة منه، ولكن الذي يهمني في الكتاب هذه الفقرة التي يقول فيها المؤلف:
«يقال على مر السنين بأنه إذا كان أول شيء تفعله كل صباح هو أكل ضفدعة حية، فإنك ستكون راضيًا طوال اليوم لأنك تعرف أن هذا سيكون أسوأ شيء سيحدث لك طيلة النهار.
ضفدعتك هي واجبك الأكبر والأهم، وهي أكثر شيء تماطل به إذا لم تفعل شيئًا ما من أجله، وهي أيضًا المهمة التي لها الوقع الإيجابي العظيم على حياتك ونتائج اللحظة الراهنة.
ويقال أيضًا: إذا كان عليك أكل ضفدعتين فابدأ بالأبشع، وهناك قول آخر إنه إذا كان لديك واجبان مهمان، فابدأ بالأكبر، والأصعب والأهم أولاً. واضبط نفسك بأن تبدأ مباشرة وتتابع المهمة إلى أن تنهيها قبل أن تبدأ بالأخرى» وانتهى الاقتباس.
وقد يخالف آخرين هذا الرأي بحجة أن المرء يجب أن يبدأ أو يؤدي العمل الذي يرغب فيه، أما الأعمال الأخرى يمكن أن يتجنبها أو أن يفوضها لشخص آخر، ونحن من جانبنا نرى أن هذا المنطق يجانبه الصواب نوعًا ما، ولكن يبقى السؤال المهم: ماذا لو أجبرت أن تعمل هذا العمل الذي بين يديك؟ ماذا إن لم تجد من تفوض له العمل ورفض الزملاء تفويضك للعمل بحجة أنهم مشغولون؟ كيف ستتصرف؟
في واحدة من البرامج التدريبية التي أقدمها بين الفينة والأخرى في مواضيع الإدارة، قال لي أحد المتدربين: عندما غضب مسئولي عليّ وأراد أن يعاقبني حولني - أو نفاني كما قال الشاب - إلى قسم آخر يختلف تمامًا عن عملي السابق، نصحني زملائي الامتثال للأوامر حتى يهدأ المسئول وحينئذ سيتكلمون معه ويحاولون إرجاعي إلى عملي.
ذهبت إلى عملي الجديد وأنا مرغم على تنفيذ الأوامر، دخلت الغرفة فلم أجد إلا رجلا كبيرا في السن ربما تجاوز الستين من العمر (أبو عبد الله)، وكأن الدهر نساه هناك، رحب بي الرجل أحسن ترحيب، وأنا أتكلم معه على مضض، ثم جلس على مقعده الذي ينافسه في العمر وتلك الطاولة العتيقة.
جلسنا ساعات من غير أن أتكلم أو يتكلم هو، ومرّ اليوم الأول من غير أن أقوم بعمل أي شيء، واليوم الثاني والأسبوع الأول، ويبدو أن المسئول لم يشف غليله مني بعد.
وخلال تلك الفترات كنا أنا وأبو عبدالله نتبادل بعض الأحاديث من هنا وهناك، ولم يسألني قط، لماذا تم تحويلي إلى هنا، أو ما قصتي؟ ومن تلك الأسئلة الفضولية، ولكنه يبدو أنه رجل مرح يضحك ودائم الابتسامة، وكأن لا يكدر صفو حياته شيء.
وكانت الأعمال التي تحول إليه يقسمها إلى ثلاثة أقسام، الأول: ينجزها بسرعة ويعيدها في نفس الوقت تقريبًا، الثاني: كان ينظر إليها ويقلب الأوراق ويحاول خلال بضع دقائق أن يقرر ما أن ينجزها أم لا، فإن قرر أن ينجزها أنجزها ولكن يقوم بها على مضض، وفي النهاية يعيدها في أقرب وقت ممكن، الثالث: يقلبها أيضًا ولكن بعد دقائق معدودة يضعها في السلة التي بقربه على الطاولة، وبعد سويعات يعود إلى تلك الأوراق، فيحاول أن ينجزها وإلا فإنه يعيدها في نفس تلك السلة، ويكرر العمل مع هذه الأوراق حتى ينجزها كلها.
مرّ على وجودي مع أبو عبدالله قرابة ثمانية أشهر وهو على هذا الحال، ولأني من غير عمل، جلست أراقب سلوكه وقدراته في انجاز الأعمال حتى ضجرت من هذا التصرف الغريب، في اعتقادي.
فسألته ذات يوم عن طريقة توزيع الأوراق إلى ثلاث مجموعات وطريقة عمله، فتبسم العجوز، وقال: هل لاحظت ذلك، حقًا إنك شديد الملاحظة. ثم قال: اسمع يا ابني، أنا بالفعل أقسم الأعمال إلى ثلاث مجموعات، المجموعة الأول: أحب إنجازها لذلك أنجزها بسرعة وأعيدها اليهم، حتى يتأكدوا أني أقوم بعملي، أما المجموعتان الثانية والثالثة فهي أعمال لا أحب إنجازها، لذلك أقسمها كالتالي: أعطي لنفسي 7 دقائق للنظر وتنفيذ العمل في العمل المرسل كبداية للتنفيذ، وبعد الدقائق السبع إن وجدت نفسي أني استحسنت العمل أستمر فيه حتى أنجزه في النهاية، وهذه هي المجموعة الثانية من الأعمال، وإن وجدت نفسي بعد الدقائق السبع أني لا أرغب في تنفيذ هذا العمل أتركه في هذه السلة التي أمامي، وأتوجه إلى أداء عمل آخر أو ربما لشرب الشاي أو لأخذ استراحة قصيرة، وبعد أن أعود أحاول إتمام ذلك العمل الذي لم أرغب في إتمامه، وأعطي نفسي 7 دقائق أخرى لتنفيذ العمل، فإن شعرت برغبة في إتمامه أنجزته وإلا أرجعته في السلة مرة أخرى، وأتركه هناك حتى وقت لاحق، وهكذا.
يقول الشاب: وكان هذا من أجمل الدروس التي تعلمتها في حياتي من أبي عبدالله، ربما كان عقاب من المسئول ولكني تعلمت الدرس.
ونحن من خلال هذا المقال ننقل هذه التجربة للذين يجدون أنفسهم أمام مهمات لا يرغبون في أدائها، وضفدعة لا يرغبون في ابتلاعها، وعقبات يصعب عليهم اجتيازها.
العمل ضمن الدقائق السبع، فكرة أو نظرية أعجبتني، ولا أعرف - في الحقيقة - من أين تعلمها الشيخ أبو عبد الله ولكنها واقعية ومنطقية تمامًا، فالعمل - أيًا كان - إما أن نرغب في إنجازه أو نستثقله فلا نجد في أنفسنا رغبة في إتمامه، فالأولى سنتمها لأننا نحبها ونرغب في إنجازها، ولكن المشكلة في المجموعة الثانية التي لا نرغب في إتمامها، فما الذي يمكن أن نفعله حيالها، هل نقف مكتوفي اليد، أو أن نضع رؤوسنا بين أيدينا ونلطم؟ لا أعتقد أن أمورنا يجب أن تصل إلى هذا المستوى، لذلك وببساطة فإنه إن لم نرغب في هذا العمل فيمكن أن نمارس عليه فكرة الدقائق السبع، هي مجرد سبع دقائق فقط، ولكن بشرط ألا ننظر إلى الساعة، فإن النظر إلى الساعة أثناء أداء عمل يسبب التوتر والقلق، وتشعرك نفسك أنك لا تريد القيام بهذا العمل، وكأنك تقول لعقارب الساعة هيا أسرعي لتنتهي الدقائق السبع بسرعة حتى أرمي هذا العمل.
فكرة الدقائق السبع تقوم على الرغبة في إنجاز العمل، وليس من أجل الهروب منه وتركه وراء أظهرنا، وإنما لمقاومة النفس التي لا ترغب في أداء هذه المهمة، نحن نتحايل عليها، كما نتحايل على الطفل ليذاكر أو ينجز فروضه المدرسية، ونجبر النفس لكي تنتهي من أعمالها بدل من التسويف وإضاعة الوقت، وكلنا يعلم أن النفس البشرية ميالة للدعة والراحة، لذلك فنحن نتحايل عليها بهذه الدقائق وكأننا نقول لها: «حسنا، لنقوم بهذا العمل ضمن الدقائق السبع، من غير أن ننظر إلى الساعة، ربما وجدنا أنفسنا نرغب في إتمام المهمة، هيا لننجز هذه المهمة».
وإلا فإنه سيأتي علينا يوم نجبر على أكل أبشع ضفدعة حية، عندئذ فنحن مجبرون على إنجاز أي مهمة سيتم تكليفنا بها، فما نحن فاعلون؟
إذن عش الدقائق السبع وتعلمها وتدرب عليها، حتمًا سيأتي ذلك اليوم الذي ستجد نفسك تسير على هذه الفكرة وهذه النظرية.

الجمعة، 29 أغسطس 2014

الوصايا المحمدية في القضايا البيئية

 

بقلم: الدكتور زكريا خنجي

تم نشره في جريدة أخبار الخليج بتاريخ 31 أغسطس 1993

 

من مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

هذا الرسول وهذا الإنسان استطاع أن يجمع في كيانه البشري كل شمائل الخير والعظمة والعبقرية والنبوة، فستحق بجدارة لا مثيل لها أن يكون العظيم الأول في هذه الأرض منذ أن خلق الله آدم وحتى فناء آخر إنسان، بل وعلى مدار التاريخ، فلّيّكذب ذلك من يشاء وليصدق من يشاء ولكن تبقى الحقيقة هي هي لا تتغير.

استطاع هذا الرسول أن يجمع في وصاياه وأحاديثه وسيرته النقية الطاهرة كل معالم الحضارة والرقي والسمو، فلم يترك صغيرة ولا كبيرة، ولا شاردة ولا واردة إلا وذكرها، فلقد دعا إلى التعلم، إلى العبادة بمعناها الكبير، إلى الصناعة، حب الحياة والاستعداد للموت، وله وصايا كثير في الحرب والسلام، شؤون الدولة الاسلامية وعلاقاتها بالدول الأخرى وكل ما يرد على الخاطر، فلو اتبع المسلمون اليوم هذه الهدي لما تكالبت عليهم الأمم ولما باتوا يستغيثون بالعدو لمحاربة العدو.

وعلى الرغم من المهام العظيمة التي أرسل لأجلها، وعلى الرغم من المشاغل الكثيرة التي كان يعيشها، إلا أنه لم ينسى الإنسان – هذا المخلوق الذي سجدت له الملائكة – فأوصى بالمحافظة على كرامته وحياته، ليس ذلك فحسب فقد دعا إلى المحافظة عليه وعلى ممتلكاته وكل ما يمت إليه بصلة، كما أوصى بالمحافظة على الحيوان والنبات وكل ما يدب على الأرض، وحارب الاحتكار والمحتكرين، والإسراف والمسرفين، وكذلك لم ينسى رسول الله النظافة بكل معانيها، وكيف ينسى النظافة والإسلام رديف النظافة !

ونحن هنا لا نريد أن نقحم أنفسنا وقراءنا في قضايا ليست من شأن الصفحة، وإنما ما نريده هو أن نذكرهم ببعض وصايا الرسول العظيم في شؤون البيئة والصحة.

1- المحافظة على الصحة والعافية: يذكر أبن عباس رضي الله عنهما، إن إعرابيًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ما أسأل الله بعد الصلوات الخمس ؟ فقال : سل الله العافية. فأعاد عليه فقال له في الثالثة: سل الله العافية في الدنيا والآخرة. وعن أبي بكر الصديق – صاحب رسول الله وخليفته الأول – رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سلوا الله اليقين والمعافاة، فما أوتى أحد بعد اليقين خير من العافية. وغني عن الذكر إن العافية هي الصحة.

2- الدعوة إلى الاعتدال ونبذ الإسراف: روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: طعام الاثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة. كما روى الترمذي دعوة رسول الله إلى نبذ الإسراف في قوله: ما ملأ ابن آدم وعاء شرًا من بطنه حسب ابن آدم لقيمات يقمن بها صلبه، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه. وهل يسرف الإنسان الآن إلا على طعامه ومعدته ؟ كما وأن الأحاديث النبوية تدعوا في مجملها إلى الاعتدال في كل شيء، فالإسلام دين الاعتدال والوسطية.

3- الدعوة إلى الطهارة والنظافة: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عشرة من الفطرة: قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظافر وغسل البراجم (عقد الاصابع) ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء (الاستنجاء)، قال الراوي: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة. وكما قلنا إن الإسلام هو النظافة بكل ما في هذه الكلمة من معنى.

4- ملابس الإنسان: عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم. وعن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البسوا البياض فإنها أطهر وأطيب. وهل ينفع في هذا المناخ الحار ذو الشمس الحارقة إلا الملابس البيضاء ؟

5- الدعوة إلى المحافظة على الممتلكات العامة: في رواية لأبي داود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الماء، وفي الظل، وفي طريق الناس. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إماطة الأذى عن الطريق صدقة. وقال أيضًا: من أذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم. ودعوة رسول الله مبنية على القاعدة الشرعية "لا ضرر ولا ضرار".

6- الدعوة إلى الاستزراع وحماية البيئة الحيوية: روى البخاري ومسلم والترمذي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة. كما قال أيضًا: إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها. وفي رواية للنسائي وابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قتل عصفورًا عبثًا عج إلى الله يوم القيامة يقول يا رب أن فلانًا قتلني عبثًا ولم يقتلني منفعة. ألا يشتكي العالم اليوم من انقراض الكائنات الحية ؟ ألم تناقش هذه القضية على مستوى زعماء العالم في قمة الارض ؟

وبعد ماذا يمكن أن يقال، وهذا غيض من فيض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يسعني إلا أن نتوقف هنا، فالموضوع أكبر مما يتصور إنسان، فلو أراد دارس أن يحصي كل شيء لوسع ذلك مجلدات ومجلدات، وفي النهاية يجد نفسه في بداية الطريق، فرسول الله هو المعلم الأول، فمهما نهل الإنسان من محيطه فهناك المزيد والمزيد لكل الدارسين والباحثين وكذلك للمرجفين والحانقين والحاقدين.

يا رسول الله صلى الله عليك وسلم، نحتفل هذا الأسبوع بمولدك، وكذلك نقتبس من نورك وهديك فأنت القائد، ولا قائد لنا سواك، ونسير على هديك ونبحث في سيرتك لعلنا نصبح خير أمة أخرجت للناس.

فيا أيها المسلمون هذا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحافظة على الإنسان والبيئة، فهل نتخذ هذه السنة نبراسًا وسراجًا نسير عليهما لننقذ ما يمكن انقاذه من البيئة ؟ أم سنصبح جاحدين لهذا الهدي وهذه السنة المحمدية، وبالتالي ناكرين جميل المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام ؟

وأخيرًا نقول هذه دعوة رسول الله إلى المسلمين، فمن من هؤلاء سيستجيب ؟

النخلة في مهرجان التراث والثقافة

 

بقلم: الدكتور زكريا خنجي

تم نشره في جريدة أخبار الخليج بتاريخ 26 إبريل 1994

 

الاهتمام بالنخلة وتبني تربيتها والاكثار منها والعناية بها اتجاه صحيح لا نختلف عليه، بل على العكس تمامًا فإنه من المهم أن نشد على أيدي المسؤولين الذين اتخذوا من هذا الكائن شعارًا للمهرجان الثالث للتراث والثقافة. فإن كان شعار المهرجان يتخذ حسب أهميته فليس لهذا الكائن من فوائد فحسب وإنما فوائدها أكثر مما يتصوره إنسان، فقد لخص أحد الأعراب فوائد هذه النخلة فقال: (إننا نستفيد من النخل فوائد كثيرة، فإننا نستظل بها من وهج الشمس، ونأكل ثمرها، ونعلف ماشيتنا بنواها، ونعلن عن أفراحنا بسعفها، ونتخذ من عصير تمرها عسلاً، ونصنع من جريدها وخوصها الأسرة والحصران وغيرها من الأثاث، ونصنع من جذوعها خشبًا لسقوفنًا وأعمدة لبيوتنا ووقودًا لمطبخنا).

وقد حاول القائمون على المهرجان – ولهم جزيل الشكر – أن يبرزوا تلك الفوائد الكثيرة التي استطاع المواطن البحريني أن يجنيها من هذا الكائن طوال القرون الماضية فنجحوا في الكثير منها إلا أنهم لم يتمكنوا من أن يستعرضوا الجزء الآخر من تلك الفوائد، فعلى سبيل المثال – لا الحصر – لم نشاهد في المهرجان أو لم نقرأ عن الأهمية الغذائية لمنتجات النخلة مثل الدبس والرطب والمنتجات الأخرى ؟ وكذلك لم يتطرق المهرجان للكيفية الصحيحة لحفظ التمور – مثلاً – ولم يعرف المستهلك من خلال المهرجان الأساليب التي يتخذها البعض في غش التمور تجاريًا. أليست هذه قضايا مهمة كان من المفروض أن يحويها الكتيب – الجيد – الصادر بمناسبة مهرجان النخلة ؟

يقول الدكتور عبدالرحمن مصيقر – أستاذ التغذية الذي خسرناه – عن الدبس: (أما الدبس فهو عبارة عن عصير التمر الصافي ويحتوي على العديد من العناصر الغذائية الهامة
ويعتبر الدبس منجمًا حقيقيا للأملاح المعدنية فهو يحتوي على مجموعة كبيرة من هذه الأملاح، كما أنه من المصادر النباتية الهامة لمادة الحديد المهم للوقاية من مرض فقر الدم الغذائي والمنتشر بكثرة في البحرين بخاصة بين أطفال الحضانة والأمهات الحوامل والبنات في سن المراهقة. ويصلح الدبس بشكل خاص للمرضى في حالة النقاهة وكبار السن والأطفال المصابين بالنحافة فهو مصدر عال للطاقة الحرارية ولا يحتوي على الدهون. وبعد هذه الفوائد للدبس أليس من الأوجب أن نجعل الدبس أحد الأغذية الرئيسية في وجباتنا ونستغني عن ما يسمى بالمربى كليًا).

وأما الرطب فإن القرآن الكريم قد نصح السيدة مريم العذراء بتناوله عندما ولدت بالسيد المسيح، وذلك لأن هذه الفاكهة بما تحويها من مواد سكرية ونشوية تمد الجسم بالطاقة الحرارية ومواد أخرى تساعد على إدرار الحليب وتغذية الرضيع، بالإضافة إلى الفيتامينات والأملاح المعدنية التي تساعد الجسم على تعويض ما فقدته المرأة من دم أثناء المخاض والولادة، كما وجد أيضًا أن هذه الفاكهة تحتوي على عناصر مهدئة ومزيلة للألم وجالبة للنعاس والنوم.

هذه بعض المعلومات المتعلقة ببعض منتجات النخلة التي كنا نتمنى أن نراها وغيرها في كتيب "النخلة" الذي تم توزيعه أثناء المهرجان، فهذه المعلومات – في رأينا المتواضع – قد تساعد الناس كثيرًا على رعاية هذا الكائن الحي والمحافظة عليه، ليس ذلك فحسب وإنما قد تجعلهم يبادرون إلى اقتناء النخلة – التي تم توزيع فسائلها أيضًا خلال المهرجان – وزرعها في منازلهم بدلاً من الكثير من نباتات الزينة عديمة الفائدة الاقتصادية، وأعتقد أن هذا هدف سامي سعت الوزارة لتحقيقه من خلال هذه التظاهرة الثقافية الفنية.

كما كنا نتمنى أن نرى بصمات بعض الوزارات والجهات ذات العلاقة بزراعة النخيل والمحافظة عليه ولو ببعض الكتيبات أو الملصقات، وذلك لإثراء الجانب البيئي من المهرجان بدلاً من التركيز على الجانب الفني والحرفي، وخاصة ونحن نعيش يوم الأرض ويوم البيئة الإقليمي.

وعمومًا هذه الملاحظات لا تنقص من المهرجان أو كتيب "النخلة" الشيء الكثير ولا تحط من قدره فما تم عرضة كان جيدًا، ولكن – كما قلنا – كان ينقصه الاهتمام بالجانب الصحي والبيئي، وهذا القصور لا يمس القائمون على المهرجان بقدر ما يشير إلى الجهات المهتمة بهذه الجوانب ويتساءل عن سر اختفائهم الدائم عن الساحات الثقافية. وإن كانت إجاباتهم تقول إن هذا ليس من صميم عملنا، فنحن نتساءل عن ماهية وظائفهم ؟

السبت، 23 أغسطس 2014

قبعات التفكير والتفكير الملون

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٤ أغسطس ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

عندما نجلس في اجتماع، أو عندما نشاهد ونستمع إلى نقل مباشر لجلسات المجالس النيابية، أو حتى عندما نكون في مجالس عامة، وعندما نسترخي لنستمع ونشاهد كل ما يدور حولنا في هذه الأماكن وبين كل هذا الخضم من البشر، نجد أن تفكير هؤلاء البشر يختلف من شخص إلى آخر، فلو طرح موضوع أو طرحت فكرة نجد أن أحدهم يجد أن الفكرة إيجابية وأنها سوف تساهم في تطوير كذا وكذا، وعلى العكس من ذلك نجد أن أحدهم يسخر من الفكرة ومدى تفاهتها، بينما نجد ثالثا يبحث في الجوانب السلبية للفكرة والأسباب التي تدعو إلى عدم تنفيذها وما إلى ذلك.
لنلقِ نظرة على وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال هذه الوسائل تطرح إحدى الحكومات فكرة إنشاء حديقة معلقة في مكان ما، فننتظر قليلاً ثم نقرأ تعليقات الجمهور: يقول أحدهم إن تلك الحديقة بعيدة عن منطقتي السكنية فكيف يمكنني الذهاب إليها، ألا يمكن للحكومة أن تبني هذه الحديقة في المنطقة التي نعيش فيها.. ويقول الآخر: لماذا هذا التبذير على حديقة ونحن نطالب بإنشاء منازل سكنية، أليس من الأولى أن تفكر الحكومة في بناء المنازل؟ ترى ماذا تقول أنت في مثل هذه الفكرة؟
وهذا النوع من التفكير الملون سواء كان التفكير السلبي أو الإيجابي أو الذي يتعامل بالأرقام أو التفكير العملي أو العاطفي تفكير صحي وسليم، وخاصة إن كان تفكيرا منظما يسعى للوصول إلى هدف أو تحقيق أهداف، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشير الصحابة رضوان الله عليهم في الكثير من الأمور فقد كان يقول لهم: «أشيروا علي أيها الناس»، فقد استشارهم في غزوة بدر وأحد والخندق، فكان الصحابة يتكلمون ويبدون آراءهم حتى وإن خالفت رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسولنا الكريم يدير كل تلك الحوارات والنقاشات، وفي الختام كان يجمع كل تلك الآراء ويفندها ويصل معهم إلى قرارات معنية تخدم الفكرة والهدف الذي يسعون إليه.
إذن، لم تكن تلك النوعيات من التفكير أنواعا جديدة وطرقا ابتكارية من التفكير، إلا أن العالم البريطاني (إدوارد دى بونو) استطاع أن يعيد تصميمها وتقسيمها وتصنيفها ليضع أمام العالم ستة أنماط من التفكير، وأعطاها ألوانا مختلفة حتى يبين الاختلاف بين كل تلك الأنماط من التفكير، وأطلق عليها حينئذ «قبعات التفكير الستة» وهي: قبعة التفكير البيضاء - قبعة التفكير الحمراء - قبعة التفكير السوداء - قبعة التفكير الصفراء - قبعة التفكير الخضراء - قبعة التفكير الزرقاء. حسنٌ، لماذا الألوان؟ وما تأثير هذه النوعية من التفكير على الإنسان؟ وقبل ذلك ما هذه النوعيات من التفكير؟
1- قبعة التفكير البيضاء: وهي تعني التفكير المحايد، أي أنها قبعة الحقائق المجردة، وهذا النمط من التفكير يتطلب التجرد من العواطف والاهتمام بالوقائع والأرقام، أي الحيادية والموضوعية التامة في استجلاء الأمور. ويركز الشخص أو صاحب هذا النوع من التفكير على المعلومات، فهو لا يتكلم أو يبدي رأيه إلا إذا توافرت لديه المعلومات والحقائق الكافية عن الفكرة أو المشروع. ويمكننا أن نميز صاحب هذا النوع من التفكير عندما يقوم هذا الإنسان بتسجيل الآراء المتباينة المختلفة في حالة وجود معلومات متضاربة، ويقوم بتقييم صحة المعلومات ومدى علاقتها بأصل الموضوع المطروح، وفي النهاية يقوم بالتفريق بين الحقائق المجردة والتخمين والتأملات، ويحدد طبيعة الخطوات التي يجب تنفيذها لسد أي نقص.
2- قبعة التفكير الحمراء: وهي نمط التفكير العاطفي، وهذا يعني أن هذه الشخصية يختلف عن شخصية القبعة البيضاء. فصاحب قبعة التفكير الحمراء يهتم بالمشاعر والأحاسيس ويظهر الجانب الإنساني غير العقلاني للمشروع أو الفكرة، ليس ذلك فحسب وإنما عادة يتحيز لأفكار معينة ويعبر عما يشعر به حيال الفكرة أو المشروع، وربما تكون قراراته أو تفكيره ناتجة أو مبنية على خبرات وتجارب سابقة لذلك لا نطالبه عادة بالتوضيح والشرح، وكثيرًا ما يعتمد الحدس في اتخاذ القرار.
3- قبعة التفكير السوداء: وهي رمز التفكير السلبي، وهو الذي نجده عند المتشائمين والمترددين والذين يتوقعون الفشل دائمًا ويرونه أكثر احتمالاً من النجاح. صاحب هذه النوعية من التفكير يرفض أي أفكار جديدة وسرعان ما ينقدها وينقضها ويظهر الجانب السلبي فيها حتى قبل الشروع في دراستها ومناقشتها أو حتى إعطائها الفرصة للظهور. وباختصار فهذا الإنسان دائمًا ما يركز على الأخطاء والمشاكل والمعوقات. ومن الجدير بالذكر أنه يخطئ من يعتقد أنه يجب التخلص من هذه الشخصيات التي تفكر بهذه النوعية من التفكير، ولكن في الحقيقة هذه الشخصيات ذات قيمة وفائدة وضرورة، إذ إنها تمنعنا من الوقوع في العديد من الأخطاء التافهة التي يصعب علينا التفكير فيها، بالإضافة إلى أنها تبين لنا بعض الصعوبات التي يمكن أن تكون ناجمة من تنفيذ الفكرة أو المشروع، هذه السلبيات التي يقوم هذا الشخص بإظهارها تفرض علينا أن نعيد دراسة المشروع مرات عدة حتى لا نقع في الأخطاء.
4- قبعة التفكير الصفراء: وهي قبعة التفكير المتفائل، التفكير الذي يرى الشمس الصفراء الساطعة التي تنير كل شيء، فصاحب هذه النوعية من التفكير متفائل، مقدام يمتلك التفكير الإيجابي والاستعداد للتجريب. ونجد أن صاحب هذا النمط من التفكير يتميز بالتركيز على الجوانب الإيجابية ويسعى إلى تهوين المشكلات والمخاطر، فعندما يتقابل صاحب قبعة التفكير الصفراء بصاحب قبعة التفكير السوداء مثلاً فإن صاحب قبعة التفكير الصفراء يقول للمتشائم: هل يمكن تعديل الفكرة حتى تصبح قابلة للتنفيذ؟ كيف يمكننا تطبيق هذه الفكرة الرائعة؟ ثم يستعرض الجوانب الإيجابية للمشروع، أيًا كانت الفكرة حتى وإن كانت صغيرة. فهو إذن -ببساطة- يشجع الأفكار الإبداعية والمبتكرة.
5- قبعة التفكير الخضراء: وهو نمط التفكير الإبداعي، فصاحب هذا النوع من التفكير يسعى دائمًا إلى التطوير والتحسين، ودائمًا يبحث عن البدائل والأفضل حتى ولو كان بتكلفة مالية أو أدت إلى مغامرة خاسرة، فهذا النوع من التفكير يعتبر -حتى- الخسارة درسًا إيجابيًا يمكننا أن نستفيد منها. فهذا الإنسان يبذل الجهد ويعدل أفكاره هو وأفكار غيره، ويزيل الأخطاء بمهارة ويتخذ الابتكار والإبداع ثقافة له.
6- قبعة التفكير الزرقاء: وتعني التفكير المنطقي والموجه، وهذا النمط من التفكير ينجح كثيرًا صاحبه في إدارة الاجتماعات وإدارة الندوات، فهذا النمط يتميز بالتفكير في تلخيص الأفكار وتجميعها للخروج بنتائج عملية ومفيدة. وصاحب هذه القبعة لدية معرفة وحسن إدارة لأصحاب القبعات الآخرين فهو يراهم ويحسن التعامل معهم ويصحح تفكيرهم وأخطاءهم، وفي النهاية يقوم هو وبالاستعانة بأنماط التفكير الأخرى بإصدار القرار المناسب.

يجد الكثيرون أن استخدام نمطية قبعات التفكير الست يمكن أن تعد أداة تفكير فعالة، حيث إنها يمكن أن تشجع التفكير المتوازي وتخصص مساحة وزمنا للتفكير الإبداعي ويتيح الفرصة لاستكشاف موضوع ما بعمق وتفحص بالإضافة إلى أنها نمطية من التفكير يمكن من خلالها أن يفصل المرء ما بين الأنا والأداء، ويجد صاحب النظرية (إدوارد دى بونو) أنه يمكن للفرد الواحد ممارسة كل هذه النوعيات من التفكير حيث يمكنه أن يستخدم قبعة واحدة ولفترة محددة من الوقت لتبني نمط تفكير معين وذلك لأغراض كتابة تقرير أو تسيير أعمال اجتماع أو في محادثة، أو يمكنه تغير نمط تفكيره بين لحظة وأخرى لبحث واستكشاف موضوع معين.

عمومًا، فإن المدير الناجح أو المسئول الناجح يمكن أن يستفيد من كل تلك الأنماط في التفكير في كل القضايا المحورية التي تعرض عليه، وحتى إن لم يجد من أفراد الإدارة من له قدرة على نوعية من التفكير فعليه أن يدير العملية وكأن الجميع موجود.

الأحد، 17 أغسطس 2014

استنهاض أمة

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٧ أغسطس ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

يحكى أن رجلاً خرج يومًا ليعمل في الحقل كما كان يفعل كل يوم، ودّع زوجته وأولاده وخرج يحمل فأسه، لكن الرجل الذي اعتاد أن يعود الى بيته مع غروب الشمس لم يعد ذلك اليوم، وعبثًا حاول الناس أن يعثروا عليه إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل.
وبعد عشرين عامًا سمعت الزوجة طرقات الباب، فعرفت منها أن زوجها الغائب قد عاد، ففتحت الباب فوجدته شيخًا هرمًا يحمل معوله، وفي عينيه رأت رجلها الذي غاب عنها عقدين من الزمن. دخل الرجل بيته وألقى بجسده المتعب في أول مساحة فراغ في البيت فاستلقى، وجلست زوجته على ركبتيها أمامه، ثم همست في أذنه: أين كنت يا زوجي طوال تلك المدة؟
تنهد الرجل، وسالت دموعه، ثم قال: تذكرين ذلك اليوم الذي خرجت فيه من البيت متوجهًا الى الحقل آخر مرة، في ذلك اليوم رأيت رجلاً واقفًا في الطريق وكأنه يبحث عن شيء أو ينتظر قدوم أحد ما، فلما رآني اقترب مني وطلب أن يهمس في أذني، فطاوعته، فهمس في أذني بهمهمات لم أتبين ما هي وما فهمت منها شيئًا، فقلت له: ماذا قلت يا رجل؟
فضحك ضحكات عالية مخيفة ورأيت الشر يتطاير من عينيه، فقال: هذه تعويذة سحر أسود ألقيت بها في أعماق روحك، وأنت منذ اليوم عبد لي ما بقيت حيًا، وإن خالفت لي أمرًا تخطفتك مردة الجان والشياطين فمزقت جسدك وألقت بروحك في قاع بحر العذاب العظيم حيث تبقى في عذابك ما بقي ملك الجان جالسًا على عرشه.
فتسمرت مكاني من غير حراك، ثم سار بي الرجل إلى بلاد بعيدة، وأنا أخدمه في النهار وأحرسه في الليل، حتى وصلنا إلى البلدة التي جاء منها، فدخلنا بيته الذي كان أشبه بالقبر، ورأيت رجالاً كثيرين مثلي يخدمون الرجل، وكان كل واحد منهم يحمل في رقبته قلادة بها مفتاح، فإذا ما جاء الليل دخل كل منهم سجنه وأغلق القفل بالمفتاح ثم نام، فصرت أفعل مثلما يفعلون، فإذا نام القوم جعلت أنظر إلى المفتاح وأتذكر وجهك وأبكي، ذلك أنه ليس بيني وبينك إلا أن أفتح هذا القفل بالمفتاح الذي بين يدي ثم أرحل إليك، ولكني كنت خائفًا من مجرد التفكير في الموضوع، فكيف المحاولة! ومرت الأيام والشهور وأنا على هذه الحال.
وخلال السنوات الماضية رأيت من ظلم ذلك الرجل ما لم يخطر على بال أحد، فهو لا يعرف الرحمة، ولا يكترث لعذاب البشر، فكم سمعت ممن كانوا يعيشون معي من الرجال يبكون كالأطفال، ويرجونه أن يرفع عنهم ما أوقعه عليهم من السحر، فكان يقول: أقسم أني لا أعرف لهذه التعويذة من خلاص، ولا ينجو أحدكم بروحه إلا إذا مات وهو يخدمني وأنا عنه راض.
وكان دائمًا يتبع ذلك ضحكات مجللة مخيفة.
ومرت السنون وهرم الرجل، فلما اشتدت عليه أمراض الشيخوخة وشارف على الموت، وكنت واقفًا ذات يوم بجانب سريره إذ اني كنت أنا أخدمه وهو في سكرات الموت، فقلت له: يا سيدي، أنت الآن تحتضر، ولا نعلم كيف يكون الخلاص من السحر الذي ابتليتنا به، خلصني من ذلك أرجوك.
فضحك الرجل كعادته، فقال: أيها الأحمق، أنا لا أعرف شيئًا عن السحر، وما تلك الهمهمات والتماتم التي همستها في أذنك ذات يوم إلا كذبة ابتدعتها، لكن نفسك الضعيفة جعلتك عبدًا لي، وخوفك من الموت جعل روحك سجينة في زنزانة أنت تغلقها بيديك، وقد أعطاك الله عقلاً كالمفتاح الذي وضعته في عنقك، ولولا أنك رضيت لنفسك الذلّ والهوان والخنوع لفتحت باب السجن الذي كنت تعذب نفسك به، وكنت أسمع بكاءكم فأعجب من ضعف عقولكم وقلة حيلتكم.
فأسرعت إلى زنزانتي فالتقطت فأسي وعدت إلى الرجل أريد قتله فوجدته قد فارق الحياة، فعدت إلى الزنازين فأخبرت السجناء فهرعوا إلى جسده المسجي فقطعوه وأحرقوه، ثم جئت راكضًا، وها أنذا بين يديك.
هذه القصة الخيالية ذكرتني بوضع أمتنا العربية الإسلامية، فنحن سجنّا أنفسنا ووضعناها في قيد من الخوف والذل، مفتاح خلاصنا بأيدينا إلا أننا نخاف أن نفكر في الخلاص، استعذبنا العبودية والهوان، واستمتعنا بالركون والخنوع، فتكالبت علينا الأمم من كل جانب.
ماذا يمكن أن يحدث لو جلجلنا مفاتيحنا ودرسنا حال أمتنا؟
في عام 1983 صدر تقرير في الولايات المتحدة تحت عنوان (أمة في خطر)، أعدّته لجنة مكونة من 18 عضوًا يمثلون الحكومة والقطاع الخاص والتربويين من كل أرجاء أمريكا.
وكان الدافع الأساسي لإعداد التقرير – كما تشير بعض الدراسات – هو التحذير الذي أطلقه الكثير من المسئولين عن التعليم في الولايات المتحدة من أن النظام التعليمي في أمريكا متخلف في مستواه عن الدول المتقدمة الأخرى، واعتبار أن هذا يمثل خطرًا يهدد مستقبل الأمة الأمريكية. وعلى أساس هذا التقرير، تحددت ثلاثة أهداف كبرى لعمل اللجنة التي أعدت التقرير، وهي:
1- القيام بعملية تقييم موضوعية شاملة من جميع الأوجه للنظام التعليمي في أمريكا في جميع مراحله.
2 - إجراء مقارنة أمينة بين مستوى ودرجة تقدم التعليم في المدارس والجامعات الأمريكية وبين مثيلتها في الدول المتقدمة الأخرى.
3 - اقتراح التوصيات الضرورية الكفيلة بالنهوض بالنظام التعليمي في جميع المجالات ومعالجة أوجه التخلف.
وفي نهاية التقرير تم تقديم 38 توصية لمعالجة أوجه القصور والخلل والنهوض بالتعليم.
ويبقى السؤال، لماذا جيشت أمريكا كل مؤسساتها الحكومية والخاصة لكتابة مثل هذا التقرير الذي يكشف بكل وضوح مواقع الضعف والخلل في الجسد الأمريكي؟
تشير التقارير إلى أنه في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين تزايد القلق الأمريكي من الاتحاد السوفيتي الذي وصل إلى حد الهستيريا، حيث كانت أمريكا في حرب باردة مع الاتحاد السوفيتي، ولقد بات من المتيقن لدى الأمريكيين أن الاتحاد السوفيتي يحيك المؤامرات، ولقد زادت مخاوف الأمريكيين نتيجة تطور السلاح النووي الروسي مما زاد من الاعتقاد أن التفوق الأمريكي بدأ ينهار.
عندئذ أوصت الجمعية القومية لمعلمي العلوم والجمعية الأمريكية لتقدم العلوم بضرورة تعديل مناهج العلوم لكي تساير التطور المذهل في المعرفة العلمية، وبالفعل حدثت بعض التغيرات في المناهج إلا أن هذا التغير كان طفيفًا ولم يكن يخدم الحلم الأمريكي.
في عام 1950 تم إنشاء (المؤسسة القومية للعلوم) التي أخذت على عاتقها مواجهة مشكلة نقص القوى البشرية في العلم والهندسة وتدريب المعلمين لتطوير طرق تدريسهم، وكذلك إعادة النظر في الكتب المدرسية المطبقة التي لم تكن صالحة للتغيرات العلمية والتكنولوجية.
وفي عام 1957 تعرضت مناهج الفيزياء في أمريكا للنقد اللاذع من أساتذة الجامعات بعد إطلاق القمر السوفيتي (سبوتنك) والذي كان بمثابة مؤشر مهم يدل على تفوق العلوم الروسية، فسارعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى علمائها تجمعهم وتحثهم على النظر في تطوير مناهج العلوم والرياضيات وإعادة صياغتها، ولهذا نشطت الجهود في أمريكا في أواخر الخمسينيات للنهوض بمناهج العلوم وظهر أكثر من 53 مشروعا منفصلا لتطوير مناهج العلوم كلفت حوالي 117 مليون دولار.
وعلى الرغم من هذا التطور الهام في مجال التربية العلمية فإن التربويين اكتشفوا في السبعينيات أن مناهج العلوم التي طورت تناسب فئة معينة من الطلبة وهم العلماء والمهندسون، أما السواد الأعظم من الطلاب فلن يكونوا من هذه الفئة، حيث ان المناهج في هذه المرحلة كانت تركز على الجانب الأكاديمي، ولا تأخذ في اعتبارها الجانب الاجتماعي للعلم أو الجوانب الشخصية للمتعلمين.
وخلال هذه الفترة دخلت على الساحة العلمية دولة صغيرة تحطمت بنيتها التحتية ولكنها لم تنهر معنوياتها وهي (اليابان)، وأدى ظهور هذا المارد التكنولوجي الصغير إلى استشعار الغرب للخطر، ليس ذلك فحسب وإنما اتجه إلى ضرورة الاستجابة لهذا التحدي العلمي الجديد.
فاستجابت كل الجهات لهذه النداءات وركز معظمها على موضوع العلم والتكنولوجيا والمجتمع فضلاً عن استخدام الكمبيوتر في المدارس. ولكن استمر الأمر يسير بخطى متثاقلة وذلك بسبب أنها لم تكن منظمة حيث انها كانت فردية حتى عام 1983 حيث صدر تقرير (أمة في خطر)، والذي ساهمت الحكومة في توجيهه ونشره والاعتناء به.
والحديث عن هذا التقرير طويل وتعليقاتنا أطول، وربما سنعاود الحديث عنه مستقبلاً، ولكن قبل أن نختم حديثنًا نود أن نقول: هل نشعر نحن – كأمة عربية إسلامية – بالخطر من جراء تقدم الأمم من حولنا وتخلفنا نحن فنستنهض الهمم ونتوجه إلى القمم؟ هل نصارح أنفسنا – ذات يوم – بأننا متخلفون علميًا واقتصاديًا وسياسيًا وبأننا تبع لأفكار ومذاهب سياسية تتقاذفنا كل تلك التيارات من غير حول لنا ولا قوة؟ هل نتكاشف فنتملك قراراتنا بأنفسنا؟ هل نجلل المفتاح الذي وضعناه في رقابنا ونفتح زنزانة أنفسنا وننطلق إلى المعالي؟

الخميس، 14 أغسطس 2014

النباتات السامة والمخدرة الموجودة في البحرين

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج 21 ديسمبر 1993

بقلم الدكتور زكريا خنجي

منذ أيام قليلة تعرض أحد طلاب المرحلة الإعدادية – وهو في نفس الوقت ابن أحد الأخوة الأفاضل – لحادث تسمم خطير كاد أن يؤدي بحياته لولا العناية الإلهية.

وهذا الحادث يتلخص في أن الطالب حمل معه إلى البيت – من قبيل حب الاستطلاع – ثمار إحدى النباتات المزروعة في حديقة المدرسة، وفي المساء بدأ يلعب بها مع أصدقائه الذين يصغرونه سنًا، ومن قبيل حب الاستطلاع أيضًا مضغ جزء من إحدى الثمار، ومن لطف الله به أنه ازدرائها فلفظها، وبعد ساعتين من هذا الحادث بدأت تظهر على الطفل آثار التسمم من غير أن يشعر هو أو الوالدين بذلك، فقد بدأت الأعراض وكأنها حمى وربما يصاحبها صداع وهذيان، ولكن بمرور الوقت بدأ الطفل يفقد حواسه بالتدريج ثم بدأ الهذيان يتزايد وأصبحت العضلات عديمة الفائدة، عمومًا خلال هذه الفترة وربما بعدها نقل الطفل إلى مستشفى السلمانية، وهناك أجريت له عملية غسيل معدة – فنجا الطفل برحمة الله – وبعد أن أفاق أخبر والديه والطبيب أنه تناول جزء من ثمرة أحضرها معه من المدرسة أو من بيت زميله اعتقادًا منه أنها من نباتات التين الشوكي التي يمكن تناول ثمارها !

وعند مشاهدتي للنبات الكامل ولثمرتها وبقية أجزائها تأكدنا من هويتها حيث وجدنا أنها من نباتات "الداتورة" السامة، وللأسف فإن هذه النباتات تزرع في المدارس والحدائق العامة والخاصة من غير انتباه أو رقابة أو حتى توعية بأضرارها، فهذه النباتات سامة جدًا حيث يمكنها أن تسبب الوفاة في سويعات قليلة، والطالب وحتى المواطن العادي لا يعرف عن هذه النباتات ألا انها ذات أزهار بيضاء المخلوطة بعروق صفراء ذات شكل كأسي جميل، تضفي على حديقته الخاصة لمسة جمال.

أعتقد أنه كان الأجدى من الجهات الخاصة في وزارة الزراعة أن تنوه لمثل هذه النباتات السامة وتشرح للمواطنين فوائدها واضرارها وخطورتها وكيفية التعامل معها في حالة الرغبة في زراعة بعض أنواعها، وذلك عن طريق الكتيبات والملصقات الارشادية بدلاً من التركيز الدائم على طرق زراعة والمحافظة على نبات الطماطم، ليس هذا فحسب وإنما في حالة الرغبة في زراعة بعض أنواعها فإنه يجب أن يتم استشارة الجهات المسئولة في الوزارة المذكورة، وأن تعزل المنطقة أو تحاط بسور خاص حتى لا يقترب منها الأطفال، مع كتابة لوحة تحذيرية لمن يريد الاقتراب. كما يستحسن أن لا تزرع في المدارس إلا في أضيق حدود وفي المدارس التي تستخدمها كوسيلة تعليمية فقط، وأما غير ذلك فإن زراعتها تشكل خطورة على سلامة الطالب والمواطن.

وبالإضافة إلى هذه النباتات السامة، فإنه – كما حدثنا البعض – تزرع في بعض المدارس وربما بعض المزارع الخاصة نباتات "الخشخاش" الذي يستخلص منه مادة الأفيون المخدرة، وذلك ليس جهلاً بهذه النباتات وإنما لحاجة في النفس المريضة ولنشر الرذيلة في هذا البلد الآمن، وللحقيقة نقول أن هذا قد يحدث بعيدًا عن أعين صاحب المزرعة أو بعلمه ولكنه لا يعرف من هذه النباتات إلا أزهارها الحمراء الجميلة، وربما هي من أجمل الأزهار الحمراء التي تسر العيون.

وهنا نعود ونتساءل أين هي الجهات المسئولة عن التثقيف الزراعي ؟ أليس من الأجدى تثقيف المواطنين بمثل هذه النباتات السامة والمخدرة ؟ ماذا يحدث لكم – لا سمح الله – أن تناول أحد ابنائكم مثل هذه النباتات عن طريق الخطأ، ماذا تفعلون وكيف تواجهون الموقف ؟ ألا يوجد تفتيش دائم على الحدائق والمتنزهات ؟ ماذا تفعل الجهات المسئولة (والحديث موجة إلى وزارة الزراعة والصحة والداخلية) إذا وجدت مثل هذه النباتات في بعض الحدائق العامة والخاصة ؟

أيها السادة، نريد توعية مبنية على أصول علمية لتوضح نوعية النباتات التي توجد في البحرين، نريد توعية زراعية لتوضح كيفية التعامل مع مثل هذه النباتات التي لم نذكر منها إلا نوعين على الرغم من وجود المئات منها، نريد توعية مبنية على تعاون من الوزارات الثلاثة لتوضح كل ما يتعلق بمثل هذه النباتات، حتى نحافظ على أولادنا والمواطنين.

أيها السادة هذه قضية نتركها بين أيديكم، ونرجو أن تتخذوا فيها الموقف المناسب قبل أن يستفحل الأمر، ونندم في الوقت الذي لا ينفع فيه الندم.

وقبل أن نختم نقول إنه إيماننا من الجريدة وهذه الصفحة بالتوعية المبنية على أسس علمية سليمة، سنحاول من هذا العدد أن نستعرض بعض من هذه النباتات السامة والمخدرة تحت عنوان "أحذروا هذه النباتات"، ومع العلم أن هذا لا يغني عن ما ذكرناه سابقًا، ولكن محاولة منا في الإسهام والتوعية.

المستهلكون والأغذية المجمدة

 

تم النشر في جريدة أخبار الخليج بتاريخ 19 إبريل 1994

بقلم الدكتور زكريا خنجي

سألني صاحب أحد الاسواق الكبيرة (السوبرماركت) المنتشرة على أرض الوطن النصيحة في بعض الزبائن الذين يعيدون الأغذية المجمدة (مثل الدجاج، اللحم المفروم، السمبوسة وما شابه ذلك) بعد شرائها وأخذها للمنزل، سألني الجانب العلمي في هذه القضية حتى لا يخسر زبائنه الذين يصر الكثير منهم القيام بذلك، فنصحته بادئ ذي بدأ أن يضع لافتة على هذه النوعية من الأغذية ينوه فيها أن مثل هذه الأغذية لا يمكن إرجاعها وذلك لأسباب صحية، ثم شرحت له الأسباب الصحية التي أقصدها، وحتى لا نقصر الحديث على طرفين سنحاول أن نلقي بعض من الضوء على هذه النوعية من الأغذية.

لماذا تجمد الأغذية ؟

يستخدم التجميد لتثبيط التفاعلات الكيميائية وعمل الإنزيمات الذاتية ولإبطاء أو إيقاف نمو الكائنات الدقيقة في الطعام، فكلما انخفضت درجة الحرارة بطأت التفاعلات الكيميائية والفعل الإنزيمي والنمو الميكروبي، حتى تصل لمرحلة تتوقف فيها تلك الأنشطة نهائيًا أو إلى ما قبل مرحلة الصفر.

ومن ناحية القيمة الغذائية فإن عملية التجميد تحفظ الأغذية في ظروف قريبة من حالتها الطبيعية، وأما من الناحية الأخرى – وهي فساد الأغذية – فيمكننا الافتراض بأن الغذاء سواء كان من مصدر نباتي أو حيواني يحتوي على مجموعة متباينة من البكتيريا والفطريات، وهذه الكائنات لا تحتاج إلا لظروف ملائمة لكي تنمو وتتكاثر وتسبب التغيرات غير المرغوبة في الغذاء.

التجميد والكائنات الدقيقة

يسبب التجميد عادة تخفيضًا كبيرًا للكائنات الدقيقة في الغذاء لكنه لا يؤدي إلى تعقيمه وخلوه منها، وتختلف النسبة المئوية للكائنات الدقيقة المقتولة خلال علمية التجميد باختلاف عوامل كثيرة منها نوع الكائن وحالته وكذلك درجة حرارة التجميد وسرعته وأيضًا خزن المادة الغذائية وزمن الخزن بالإضافة إلى نوع الغذاء وقيمته الغذائية، ولكنه وجد أن عملية التخلص من الميكروبات خلال التجميد لا تقل عن 50% ولا تزيد عن 80%، وهذا يعني أن الأغذية المجمدة تحتفظ بجزء كبير من كائناتها الطبيعية التي ارتبطت بها منذ لحظات الحصاد والجني أو الذبح الأولى، ومرورًا بمراحل التجميد كلها حتى عندما تصل هذه الأغذية إلى يد المستهلك. لذلك ينصح عادة بأخذ الحيطة والحذر أثناء عملية تذويب هذه الأغذية، وأن لا تترك في العراء – درجة حرارة الغرفة – فترة زمنية طويلة نسبيًا فيذوب الجليد مما يتيح الفرصة المناسبة للكائنات الدقيقة بالنمو والتكاثر، فمن الجدير بالذكر أن البكتيريا تستطيع أن تنقسم إلى خليتين في غضون فترة زمنية تتراوح ما بين 10 - 20 دقيقة، وبهذه الطريقة فإن الخلية البكتيرية الواحدة – المسببة فسادًا للغذاء أو الممرضة – يمكن أن تنتج عدة ملايين من الخلايا خلال 24 ساعة، وبذلك يعج الغذاء المجمد بعدة ملايين من الخلايا البكتيرية التي تظهر تأثيراتها وأعراضها في روائح كريهة أو لزوجة غير مرغوبة والكثير من عوامل الفساد غير المرغوبة.

الأغذية المجمدة المرتجعة

والآن، لنعود للموضوع الذي بدأنا منه ولنفترض أحد أمرين، الأول: أن يكون المستهلك حريصًا على المادة الغذائية فحفظها مباشرة في المجمدة المنزلية بعد أن أخذها من السوبرماركت، ولكنه اكتشف بعد ذلك أنه لا يرغب في استهلاك مثل هذا المادة الغذائية أو لنقل إنها لم تعجب أفراد الأسرة، فما كان منه إلا أن أرجعها لمصدرها لعله يسترجع جزء من ماله المهدر. قد يكون المستهلك على حق ولكن ألم يكن من الأفضل أولاً وقبل كل شيء التأكد من المادة الغذائية التي يرغب في شرائها، هل هي نفس المادة الغذائية المقبولة لدى أفراد الأسرة كلهم ؟ ثانيًا من يضمن أن المادة الغذائية المجمدة لم تتعرض للتلف خلال السويعات القليلة التي قضاها المستهلك منذ لحظة الشراء حتى وصوله للمنزل ؟

أما الأمر الثاني: فهو أن لا يكون المستهلك حريصًا على المادة الغذائية المجمدة، وهذا الإنسان لا يناقش فيكفيه عدم حرصة.

ونقول للجميع من منا يرغب في شراء مادة غذائية مجمدة مرتجعة ؟ وإذا رغبنا هل نضمن سلامتها ؟

الثلاثاء، 12 أغسطس 2014

سرطان أو سلطعون حدوة الحصان

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٢ أغسطس ٢٠١٤

بقلم الدكتور زكريا خنجي

سرطان حدوة الحصان، حيوان بحرى يشبه حافر الحصان في الشكل لذلك سمى (سرطان حدوة الحصان)، ويسمى في بعض الأحيان (ملك السرطانات) أو (السرطان المجن)، وينتمي إلى مفصليات الأرجل التي تعيش في المياه الضحلة، وهو شبيه بالقشريات إلا أنه ينتمي إلى شعبة منفصلة تعرف باسم الكلابيات (Chelicerata).
ويعتبر سرطان حدوة الحصان من الحفريات الحية، وهي من الكائنات التي يوجد لها حفريات لكنها مازالت على قيد الحياة، وقد عثر على حفريات له تعود إلى 450 مليون سنة مضت ولم يحدث لهذا السرطان أي تغيير ملحوظ خلال الـ250 مليون سنة الماضية.
ويتكون جسم سرطان حدوة الحصان من ستة أزواج من الأرجل، يستخدم الأول منها للتزاوج ومسك الانثى، والخمسة الباقية للحركة والتقاط العوالق البحرية التي هي غذائه، ويتكون جسمه من غطاء عظمي قوي تشبه إلى حد كبير الخوذة العسكرية ما يجعله مميزًا ولا يمكن نسيان شكله بسهولة، ويتنفس باستخدام الخياشيم، ويتغذى على الديدان والرخويات والأسماك الصغيرة والقشريات والتي يقوم بالبحث عنها في قاع المحيط.
حجم إناث هذا السرطان أكبر من الذكور وقد يصل حجمها إلى 60 سم وخلال موسم التزاوج تقوم الإناث بوضع البيض المخصب في حفر رملية على الشواطئ، وقد تضع ما بين 60 ألف و 120 ألف بيضة في المرة الواحدة ويفقس البيض خلال اسبوعين، ولكن في هذه الفترة يكون هذا البيض وجبة شهية للطيور الجائعة.
وعلى الرغم من هذا الكم الكبير من أجيال هذا الكائن فإن كثيرا من البيض يؤكل بفعل الطيور، والبعض الآخر يستخدمه الإنسان كطعم في أمريكا لاصطياد الثعابين، وجزء كبير من أجيال هذا السرطان يصطاده الصيادون لبيعه وهذا لأن هناك بعض الناس يقومون بأكل هذا الكائن.
وجزء آخر يأخذه العلماء لدراسته في مختبرات علمية للحصول على مادة مقاومة للبكتيريا يفرزها جسمه لأن هذا الكائن قد وهبه الله إمكانية عدم تأثره بالجروح وعدم حدوث أي التهابات له عند حدوث أي جرح له، وهذا بفعل مادة رغوية تفرزها أنسجته وهي تقوم بالإحاطة بالبكتيريا عند أماكن الجروح لتقوم بمنعها من الاقتراب من الجرح أو دخول الجسم.
وقد تم منع اصطياد هذا السرطان في بعض الدول بينما قام البعض الآخر بمنع اصطياد إناثه.

3

 

110

صبغة بونسو 4 آر (E124)

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٢ أغسطس ٢٠١٤

بقلم الدكتور زكريا خنجي

صبغة بونسو 4 آر (Ponceau 4R) وتعرف بعد بأسماء تجارية أخرى مثل: (C.I. 16255)، والصبغة القرمزية الحمراء (A)، (C.I الحمض الأحمر 18)، وما إلى ذلك، وهو صبغة صناعية تستخدم كمادة ملونة للغذاء، وعرفت في التصنيف العالمي بالرقم (E124)، أما كلمة (Ponceau) فهي كلمة فرنسية تعني لون الخشخاش (أي اللون الأحمر الفاتح).
وتعد صبغة بونسو 4 آر (E124) من مجموعة صبغات الآزو الحمراء، التي يمكن استخدامها في مجموعة متنوعة من المنتجات الغذائية، وعادة ما يتم تصنيعها من الهيدروكربونات العطرية من البترول.
ولأن صبغة بونسو 4 آر (E124) تعد من مجموعة صبغات الآزو، فإنها تثير الحساسية عند الناس الذين يعانون من مادة الساليسيلات (الاسبرين)، بالإضافة إلى أنها تنتج الهستامين، وتسهم بصورة أو بأخرى في زيادة أعراض الربو.
وتعتبر صبغة بونسو 4 آر (E124) مادة مسرطنة في بعض الدول، بما فيها الولايات المتحدة، والنرويج، وفنلندا، كما تعد من الصبغات المحظورة من قبل هيئة الغذاء والدواء الأمريكية. ومنذ عام 2000 فإن المنظمات المسئولة عن الغذاء في الولايات المتحدة ضبطت ومنعت أنواعا عديدة من الحلويات الصينية من دخول البلاد بسبب احتوائها على صبغة بونسو 4 آر (E124).
وفي شهر أغسطس من عام 2009 قررت هيئة سلامة الغذاء الأوروبية خفض المتناول اليومي المقبول (ADI) من الصبغة من 4 ملغ / كغ إلى 0,7 ملغ / كغ من وزن الجسم في اليوم الواحد. وفي 6 سبتمبر 2007 نشرت هيئة المواصفات والمقاييس الغذائية البريطانية تقريرًا بشأن بعض المضافات الغذائية الاصطناعية، بما في ذلك صبغة بونسو 4 آر (E124). وقال البروفيسور جيم ستيفنسون من جامعة ساوثهامبتون، كاتب التقرير: «لقد كان هذا التحقيق دراسة رئيسية ومجالاً مهمًا للبحث، وتشير النتائج إلى أن استهلاك بعض صبغات الطعام الاصطناعية والمواد الحافظة مثل بنزوات الصوديوم ترتبط بصورة مباشرة مع زيادات سلوك الأطفال مفرطي النشاط».
في 10 إبريل 2008، دعت هيئة المواصفات والمقاييس الغذائية إلى التخلص الطوعي من الألوان (فما عدا بنزوات الصوديوم E211) بحلول عام 2009، وكانت هذه الحملة مقدمة للتخلص منها في دول الاتحاد الأوروبي على مدى محدد. وفي المقابل، فإن هيئة سلامة الغذاء الأوروبية ما زالت في انتظار المزيد من النتائج حتى يمكنها أن تتخذ بناء عليها قرارا.

واقع مشكلة المخلفات في البحرين

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٢ أغسطس ٢٠١٤

بقلم الدكتور زكريا خنجي

لم يهلني كثيرًا ما نشر في جريدة «أخبار الخليج» بتاريخ 22 يوليو 2014 حول أن ما تنتجه البحرين من مخلفات طعام في شهر رمضان يقدر يوميًا بنحو 400 طن، فمثل هذا الموضوع تطرقنا إليه مرارًا وتكرارًا، بالإضافة إلى اننا كتبنا فصلاً حول هذا الموضوع في كتاب «البيئة في مملكة البحرين.. الواقع والتحديات» الذي أصدر مركز الدراسات والبحوث سنة 2008.
وحتى نوضح واقع مشكلة المخلفات في البحرين دعونا نقتبس جزءا من الفصل الذي كتبناه (تقدر نسبة زيادة المعدل السنوي للمخلفات المنزلية في مملكة البحرين بحوالي 2,9% وهذه النسبة تقارب إلى حدٍ بعيد معدل الزيادة السنوية التي وجدت في المملكة العربية السعودية (3%) التي يقدر عدد سكانها بحوالي 20 مليون نسمة، على الرغم من أن عدد سكان البحرين لا يتجاوز بأي حال من الأحوال مليون نسمة.
وعند دراسة كمية ونوعية المخلفات المنزلية في البحرين خلال الأعوام 2001 إلى 2005 اتضح أن كمية النفايات المنزلية كانت تتزايد بوتيرة متسرعة حيث - مثلاً - كانت تبلغ عام 2003 حوالي (293111,051 طن متري) وبلغت عام 2004 حوالي (318068,100 طن متري)، ولكن يمكن أن يلاحظ أن كمية المخلفات المنزلية قد نقصت عام 2005 حيث بلغت حوالي (306202,900 طن متري) وهذا ربما يكون راجع إلى تزايد مشاريع جمع وفرز المخلفات قبل أن تصل إلى مكبات المخلفات في منطقة عسكر، وتشير الدراسات أيضا الى أن الفرد في البحرين ينتج سنويًا ما معدله حوالي (0,4526 طن متري) على أساس أن عدد سكان البحرين حوالي (650604 آلاف نسمة بحسب تعداد سنة 2001).
ولا تختلف النسب كثيرًا عند المقارنة كميات النفايات المنزلية التي تنتج بصورة يومية في مملكة البحرين، ولكن يمكن أن يلاحظ أن الفرد الواحد ينتج يوميًا ما معدله حوالي (1,239 كيلو جرام)، ويمكن أن تقارن هذه الدراسة بالدراسة التي جرت عام 1995 (World Environmental Statistics - from UNEP, FAO and OECD) والتي تمت فيها المقارنة بين عدد من الدول في العالم بما ينتجه الفرد من مخلفات في اليوم، حيث يتضح أن المواطن في البحرين ينتج في اليوم الواحد ما يقدر بحوالي 2 كيلو جرام بالمقارنة مع الأفراد في الدول الأخرى، وبالمقارنة فإن إنتاج الفرد من المخلفات المنزلية في دولة الإمارات العربية المتحدة حوالي (2,0 كيلو جرام في اليوم) وفي مصر (1,58 كيلو جرام في اليوم) وفي فرنسا وألمانيا تقدر بحوالي (0,9 كيلوجرام/اليوم).
ومن ناحية أخرى فإنه بدراسة نوعية ونسب المخلفات المنزلية في البحرين عبر ثلاثة سنوات مختلفة يتبين أن النفايات الغذائية (53 - 56,9 - 59,07%) تشكل النسبة الأعلى من حيث نسبة الحجم خلال سنوات الدراسة (87 - 93 - 1995 على التوالي) بالمقارنة مع الأنواع الأخرى من المخلفات).
هذا هو واقع مشكلة النفايات في مملكة البحرين، فما ذكر ليس بجديد، وللأسف سيستمر الوضع حتى تقوم الدولة بوضع حلول جذرية للمشكلة، حيث إن الوضع الحالي وذلك بالتخلص من تلك النفايات في مدفن عسكر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعد حلا.
نحن في البحرين نحتاج إلى إدارة متكاملة للنفايات، وليس إلى رميها ودفنها في مدفن عسكر، لنعود مرة أخرى ونشتكي، أرجو أن يكون كلامي واضح.

السبت، 9 أغسطس 2014

لماذا نخاف العولمة؟

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٠ أغسطس ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

بعد أن تعرفنا - من خلال بعض المقالات السابقة- على العولمة وفلسفتها وفكرها ومنبعها، وعرفنا وضع العالم العربي الإسلامي، نجد أنفسنا أمام السؤال الصعب: لماذا نخاف العولمة؟ هل العالم العربي الإسلامي ضعيف لدرجة عدم الرغبة أو الخوف من المواجهة؟ ولا نقصد هنا المواجهة المسلحة وإنما نحن نتحدث عن الإرث والهوية والفكر الثقافي والروحي. وربما يحق لنا أن نتساءل بطريقة أخرى: هل أعددنا أنفسنا للمواجهة؟ وهل نمتلك الفكر والهوية الثقافية حتى نستطيع المواجهة؟ هل فعلاً أعددنا عدتنا وبدأنا نصدر فكرنا وثقافتنا إلى الغرب لنتمكن من هزيمته في عقر داره؟
وحتى لا نلوك الماضي والتاريخ، وإن كان ماضينا الجميل يقول إننا كنا ذات يوم سادة العولمة على الكرة الأرضية والدول المعروفة آنذاك، ولكن كل ذلك انتهى لأسباب كلنا يعلمها.
أما واقع اليوم فإنه يقول إننا أصبحنا في مؤخرة الركب، آسف، أقصد خارج سرب الحضارة الإنسانية، فلم يعد لنا وجود ولم يعد لصوتنا الحق في الوصول إلى الآذان، ولماذا أصبحنا خارج السرب؟ ببساطة لأننا ارتضينا ذلك، ارتضينا هذا الهوان وهذا الذل، وحتى ندلل على ما نقول بالأرقام، وحتى لا نظلم أنفسنا ولا نظلم أحدا دعونا نتدارس الواقع الثقافي والإعلامي - فقط - في الوطن العربي مقارنة بالغرب.
ورد في تقرير منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة والتربية (اليونسكو) أن معدل نشر الكتاب في العالم العربي لا يتجاوز نسبة 7%، وأن نصيب كل مليون عربي من الكتب لا يتجاوز ثلاثين كتابًا، في مقابل 584 كتابا لكل مليون أوروبي، وما لا يقل عن 212 كتابا لكل مليون أمريكي. وورد في تقرير التنمية البشرية (2003) أن أعداد النسخ المطبوعة من الكتاب العربي في المعدل العام بين ألف إلى ثلاثة آلاف، بينما يبلغ عدد النسخ المطبوعة للكتاب في أوروبا وأمريكا عشرات الآلاف· ويشير نفس التقرير إلى أن الدول العربية مجتمعة أنتجت 6,500 كتاب عام 1991، بالمقارنة بـ 102,000 كتاب في أمريكا الشمالية، و42,000 كتاب في أمريكا اللاتينية والكاريبي.
وتكشف دراسة أخرى أن الأوروبي يقرأ بمعدل 35 كتابًا في السنة، والإسرائيلي 40 كتابًا في السنة، أما العربي فإن 80 شخصًا يقرأون كتابًا واحدًا في السنة.
أي لكي يتم قراءة 35 كتابًا باللغة العربية (في الوطن العربي)، فإننا نحتاج إلى (2800 عربي)، ولكي يتم قراءة 40 كتابًا فإننا نحتاج إلى 3200 عربي. أي أن ثقافة أوروبي واحد يساوي ثقافة 2800 عربي، وأن ثقافة إسرائيلي واحد تساوي ثقافة 3200 عربي.
وفي إحصائية أخيرة- بحسب إحصائيات حديثة لليونسكو والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليسكو)- تشير الأرقام إلى أن معدل القراءة في العالم العربي يبلغ حوالي ست (6) دقائق في السنة، وينشر في البلدان العربية سنويًا كتاب واحد لكل ربع مليون شخص. وتشير نفس الإحصائيات إلى أن العالم العربي يصدر كتابين مقابل كل مائة (100) كتاب يصدر في دول أوروبا الغربية، علمًا أن هذه الأخيرة تنشر كل سنة كتابًا لكل خمسة آلاف (5000) شخص كما، أن مدة القراءة في السنة تبلغ 36 ساعة في الغرب.
هل هذا واقع أمة تطالب بالمجد والمعالي؟ هل يمكننا أن نصدر واقعنا الثقافي وفكرنا؟ هل من حقنا -إذن - أن نخاف العولمة؟
أما بالنسبة الى الفضائيات العربية، فإننا نقف أمام أرقام خطيرة، فمثلاً تشير بعض الإحصاءات إلى أن عدد الفضائيات العربية اليوم تجاوز 400 فضائية، وكل هذا الفضائيات دشنت خلال خمسة عشر عاما فقط، وهي قفزة قياسية من ناحية الكم، ولكن هل حققت هذه الفضائيات (النوعية) التي يعتبر العالم العربي في أمس الحاجة إليها اليوم؟ وفي المقابل فقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن العرب لم ينتجوا سوى 101 مجلة مخصصة للطفل خلال 130 عاما.
إذن العدد كبير، ليس ذلك فحسب وإنما تطل علينا بين فترة وأخرى قناة جديدة ومعها جملة (بث تجريبي)، فتبث وتجرب من غير أي ضابط، وتعد أنها ستكون القناة المميزة التي ينتظرها العرب من انطلاقة أول فضائية عربية. وفعلاً كلها أيام أو شهور حتى تطل تلك القناة للوجود بكم هائل من الجعجعة التي بلا طحين، أفلام عربية وأجنبية مستهلكة، مسلسلات عربية سمجة، برامج فارغة من الهوية والثقافة العربية.
في هذه القنوات ما أن ينتهي الفيلم أو المسلسل، حتى تبدأ أغنية مصورة - طبعًا- يجب أن تكون راقصة، ومن مسلسل إلى أغنية إلى فيلم أجنبي، إلى مذيعة تتمايل أمام الكاميرا، وتتفنن في نطق الكلمات، ولا تأبه إن كان الجو صيفًا أم شتاء فالملابس هي هي، كلها صيفية عارية.
لقد أكدت دراسات اليونسكو أن المحطات العربية تستورد من الدول الأجنبية، وبخاصة الولايات المتحدة ما بين 40 و 60% من البرامج والمسلسلات والأفلام، الأمر الذي يؤشر إلى تسيد الثقافة الأمريكية المعولمة الهادفة إلى الوصول إلى المجتمع العربي.
يجد (أمين سعيد عبدالغني) في أطروحته للدكتوراه من جامعة المنصورة أن أداء الفضائيات العربية بعامة يركز أولاً على الترفيه، حيث تمثل البرامج الفنية ما نسبته 60% من ساعات البث الفضائية. كما ويلاحظ غياب الفنون العربية مثل السينما العربية الجادة والمسرح والفنون الشعبية والآداب العربية والفنون التشكيلية على شاشات القنوات الفضائية العربية، وكذلك غياب الواقع العربي سياسيا واقتصاديا وثقافيا ودينيا وعلميا عن خريطة القنوات الفضائية العربية، وأنها تعرض ثقافة الفئات العليا من المجتمع العربي.
وفي دراسة أخرى تبين أن برامج المقدمة في الفضائيات العربية تتنوع ما بين نشرات الأخبار التي تستحوذ على ما نسبته ما بين 11 و40% من عدد ‏ساعات البث، وبرامج ثقافية ومنوعات ودراما وغناء وترفيه يعتمد على الإثارة والإغراء الغرائزي. وتبلغ نسبة البرامج المعدة محليا أو عربيا في القنوات الفضائية العربية ما بين 55 و 84%، بينما تشكل البرامج المستوردة ما بين 15 و45%، وتشكل الفضائيات وفقًا لدراسة إعلامية 73% من مصادر الأخبار لدى المشاهد العربي.
إذن، من حقنا أن نخاف العولمة وهذا هو واقعنا.
ليس ذلك فحسب، وإنما قس على ذلك، غلق المراكز البحثية، والقضاء على العقول العربية المفكرة وربما هجرتها إلى دول الغرب، صعود الفئة المطبلة إلى قمة هرم السلطة وإلغاء دور المفكرين، إلغاء الفكر التخطيطي والاستعاضة عنه بفكر الرجل الواحد والرغبة الواحدة، وما إلى ذلك.
واقع مرير، ثم نقول أو نسأل لماذا نخاف العولمة؟ وهل من حقنا أن نخاف العولمة؟
وحتى نكون إيجابيين، ربما يمكننا أن نسأل وأن نختم مقالنا بهذا السؤال: هل يمكننا أن نفعل شيئا أمام هذا الضعف الذي يعيشه العالم العربي الإسلامي وهذه الهجمة الشرسة التي يقوم بها العالم الغربي الرأسمالي؟
نعم يمكننا ذلك، ولكن يجب أن يكون معلوما أنه لا توجد حلول معلبة يمكن أن نستوردها وثم أن نمارسها، وإنما حلولنا تنبع من ذواتنا ومن أوطاننا، وأما بالنسبة الى الطرق فأمامنا العشرات من الطرق والحلول، ولكن يبقى الموضوع الأهم، هو: هل فعلاً نحن - كوطن عربي إسلامي- مازلنا نريد أن نسود؟ هل فعلاً نريد أن نزيل هذا الركام الذي يغطينا مئات السنين؟ هل مللنا من أن نكون خارج الحضارة؟ هل استوعبنا الدروس تلو الدروس؟ أم نحن مازلنا نعيش في أوهام الماضي والتاريخ التليد والعسل والنوم الطويل؟ أترك الإجابة لكم ولشباب هذه الأمة.

الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

إذاعة- استديو البيئة – سواحلنا .. هل هي صالحة للسياحة ؟

 

Foto63

كائنات فطرية - نبات الأقحوان

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٥ أغسطس ٢٠١٤

بقلم الدكتور زكريا خنجي

الاقحوان أو ذهبي الزهر (يعرف باللاتينية: Chrysanthemum) هو جنس نباتي ينتمي إلى الفصيلة النجمية، يضم حوالي 30 نوعًا من نباتات الزينة ذات الأهمية الاقتصادية.
هو نبات من فصيلة المركبات، وهي عشبة يتراوح ارتفاعها ما بين 50 إلى 120 سنتيمترا، لها ساق مضلعة عارية وقليلة الفروع، والأوراق مجنحة ومسننة وتفوح منها رائحة تشبه رائحة الكافور عند هرسها، أما الأزهار فمستديرة في وسطها رأس نصف كروي أصفر اللون يتكون من زيت طيار، ومواد مرة.
والأقْحُوان نبات قصير، شديد التحمل، لا يتطلب عناية خاصة، موطنه الأصلي هو الصين ويزرع حاليًا في أغلب بقاع الأرض، وهو عشب معمر ينمو على المنحدرات الصخرية، الأسوار، الأماكن البالية.
الجزء المستخدم منه الرؤوس المزهرة بعد تفتحها بالكامل، وتتكون مجموعاته من زهور صغيرة بيضاء، شبيهة بزهور الربيع، وتظهر في أواخر الصيف، وعندما تُسْحق أوراقه تظهر لها رائحة قوية، وقد اعتقد بعض أهل أوروبا في الماضي بقدرة الأقحوان على علاج الحُمى، لذا فإن اسمه في اللغة الإنجليزية يعني طارد الحمَّى.
وحين يُزهر الأقحوان، تُجفف أوراقه بهدف استخراج عنصر معروف بمزاياه الملطِّفة، لأنه غنيّ طبيعيًا بمادة الستيرول النباتية، مركّبات نباتية قريبة من الكولستيرول الموجود في الجسم تتدخّل مباشرةً في عمليّة الدفاع عن البشرة عبر تنظيم آليات الالتهاب.
وفي الصين استخدم اقحوان الحدائق منذ آلاف السنين كعلاج وشراب منعش، ويعتبر من الأدوية العشبية الجيدة لعلاج الإجهاد؛ والطريقة أن يؤخذ ملء ملعقة أكل من الأزهار في كوب ثم يصب عليها الماء المغلي وتقلب جيدًا، ثم تحلى بملعقة سكر ويفضل عليه العسل ويمكن الاستغناء عن التحلية في حالة مرضى السكر، ويشرب هذا المشروب مرة في الصباح وأخرى في المساء ويستمر عليه الشخص أربعة اسابيع.
وقال العلماء في كلية كينجز في جامعة لندن إن النبات المعروف باسمه اللاتيني «فيرنونيا أنثلمنتيكا» يبدو مفيدًا في علاج مرض الصدفية، وإنه يحتوي على حبوب تطلق مادة كيماوية تساعد في معالجة الالتهابات الجلدية. ليس ذلك فحسب وإنما للأقحوان استخدامات عديدة في العلاج.

 

d8a7d984d8a3d982d8add988d8a7d986-d8a7d984d8a3d8a8d98ad8b6

 

untitled22

صيد الروبيان وقرار منع الصيد

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٥ أغسطس ٢٠١٤

بقلم الدكتور زكريا خنجي

إن لم تخني الذاكرة فإنه مع بدايات عام 1994 صدر قرار بحظر صيد الروبيان لمدة أربعة اشهر تبدأ مع بداية يوم 15 مارس حتى 15 يوليو، هذا يعني اننا اليوم نحتفل بعيد ميلاد العشرين لصدور القرار.
وبهذه المناسبة نشر في جريدة أخبار الخليج يوم السبت الموافق 26 يوليو 2014 تصريح لوكيل الزراعة والثروة البحرية بوزارة شؤون البلديات والتخطيط العمراني الشيخ خليفة بن عيسى آل خليفة يمكن أن ننشر بعض المقتطفات منه، يقول الخبر «وكشف الشيخ خليفة بن عيسى عن التصدي لأكثر من 500 محاولة صيد روبيان خلال موسم الحظر، ومصادرة شباك الجر القاعية والمعروفة بـ «الكوفة» الممنوعة نظرًا الى تأثيرها السلبي على البيئة البحرية من البحر بعد فرار المخالفين، كما تم ضبط 10 صيادين يزاولون صيد الروبيان في موسم الحظر وتمت إحالتهم إلى النيابة العامة لتقديمهم إلى المحاكمة، مما يعرضهم لإجراءات صارمة مثل إلغاء الرخصة نهائيًا، ومصادرة القارب».
ويواصل الخبر فيقول «أكد وكيل الزراعة والثروة البحرية بوزارة شؤون البلديات والتخطيط العمراني الشيخ خليفة بن عيسى آل خليفة نجاح موسم حظر صيد الربيان لهذا العام بنسبة تتجاوز الـ90%».
ونحن نتساءل ونقول أليس من المخجل أنه بعد عشرين سنة وأكثر أن موسم الحظر ينجح بنسبة لا تتجاوز 90%؟ أليس من المخجل أنه ما زال هناك أنسان يخالفون كل القرارات ويضربون بها عرض الحائط؟ لماذا نحتاج إلى دوريات وفرق لمطاردة 500 محاولة صيد الروبيان في موسم الحظر؟
ويقول الخبر «فقد عملت الزراعة والثروة البحرية متمثلة بإدارة الرقابة البحرية على تفعيل وتدشين دوريات الرقابة البحرية في إطار تطبيق قرار حظر صيد الروبيان ووقف التجاوزات، وذلك للمرة الأولى بالتعاون مع قيادة خفر السواحل، حيث قامت الزراعة والثروة البحرية بتزويد إدارة الرقابة البحرية بخمسة قوارب سريعة وبرادارات تكشف لهم أي وجود للصيادين في أماكن حظر صيد الروبيان».
أليست هذه تكاليف مالية وجهود كان من الممكن استثمارها في أمور كان المواطن محتاج لها أكثر؟ لماذا نفرض - نحن - على الدولة القيام بأمور يمكن أن نقوم بها نحن ؟ ألم يكن من الممكن الامتناع عن كسر الحظر والالتزام بالقانون؟
ويواصل الخبر «ولفت الشيخ خليفة بن عيسى إلى أن الفريق عمل على رصد وضبط المخالفات على مدار الساعة حيث كانت تقوم تلك الفئة من الصيادين بالإبحار من البنادر والسواحل في المناطق الشمالية والجنوبية من دون التسجيل لدى قيادة خفر السواحل بشأن عملية الإبحار، مؤكدا أن صيادي الروبيان المخالفين خلال موسم الحظر أصبحوا بمثابة عصابات منظمة تعمل على مراقبة حركة دوريات خفر السواحل والرقابة البحري للتهرب من مراقبتهم».
إذن فنحن نتكاسل عن عصابات هدفها تجاوز القانون، ولكن من هم هؤلاء؟ هل هم من أهل البحرين؟ أم هم أناس يعملون لدى مالكين بحرينيين؟ هذا يعني أن هناك مواطنا يخالف القانون في نهاية المطاف؟
ونحن نسأل إن كان بحق مواطن، فلماذا يخالف القانون؟ أم يصدر هذا القانون للمحافظة على ثروة من ثروات الوطن له ولأبنائه وأهله؟
وربما سؤال آخر، من يشتري هذا الروبيان في موسم حظر الروبيان؟ وأين يباع؟
ألا يباع في الأسواق وفي الطرقات ومن خلال السيارات التي تجوب شوارع القرى والمدن ؟ إذن كيف يمكن أن نمنعها ونمنع المخالفين؟ كيف يمكن أن نقنع الناس والمستهلكين بالامتناع عن شراء الروبيان في موسم الحظر؟
وأسئلة كثيرة أجبنا عنها منذ سنوات.

الأحد، 3 أغسطس 2014

نحن.. بين العولمة ونظرية المؤامرة

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٣ أغسطس ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

بعد انتهاء الحرب الباردة وتفرد الفكر الرأسمالي الواحد على الشعوب، برز مصطلح العولمة، وبدأت الدول ذات الفكر الرأسمالي تنمي وتنفخ في هذا الوحش الذي أطلقته، ولكن بأسماء مختلفة، فمرة باسم التجارة الدولية وتارة باسم كسر الحواجز الثقافية بين البشر ومرات بحجة إلغاء الحدود التي تعيق تقدم البشرية وأخيرًا تحقيق ديمقراطية الشعوب وحريتها وما إلى ذلك.
وعلى الرغم من هذا الوضوح في توجه تلك الدول للتحكم في مقدرات الشعوب، فإن هناك بعض الفئات في الوطن العربي ما زال يقلل من شأن تلك الرغبة الأمريكية الرأسمالية في التحكم في عقول البشر، فيقلل من شأن مصطلح العولمة فيقلصها حتى لا تتعدى انتشار الرغبة الاستهلاكية في النفوس وبين أبناء الوطن العربي، مثل فتح محلات الأغذية السريعة و«الكوفي شوب» وما إلى ذلك.
إلا أننا يمكننا أن نقول إنه يخطئ من يعتقد أن العولمة لا تخرج عن نطاق الانتشار الواسع لأنواع مختلفة من المشروبات الغازية أو بعض الوجبات السريعة أو انتشار المحلات التي تبيع القهوة الأمريكية بأنواعها المختلفة وما شابه ذلك.
ويخطئ أيضًا من يعتقد أن العولمة هو انتشار فكر وفلسفة الحواسيب والتليفونات النقالة واستخدام الإنترنت ومتصفح جوجل ووسائل التواصل الاجتماعية الحديثة.
ويخطئ كذلك من يعتقد أن مقاطعة كل هذه المنتجات الاستهلاكية هي في الحقيقة محاربة ووقوف أمام زحف الفكر الغربي الرأسمالي.
وللأسف - فإن المقاطعة بهذه الصورة السمجة - تعد جزءا من تفكير قطاع فئة معينة من شعوب العالم العربي الإسلامي، وفي المقابل فإننا أمام فئة أخرى - وهي فئة كبيرة - تناقض الفكر الأول، فهي ترى أن ننفتح أمام الفكر الغربي الرأسمالي بكل ما فيه، وتعتقد أن كل ما يأتي من الغرب الرأسمالي فهو خير، سواء كانت أفكار وآراء سياسية أو اقتصادية وترى كذلك أن حتى الفكر العقائدي يجب أن يتبع بل يخضع للفكر الغربي الليبرالي العلماني الذي يرى أن الاقتصاد والإعلام والسياسة هو الرب الذي يتحكم في الشعوب، وإن على الشعوب أن تسجد في محراب هذا الرب الجديد بعد أن زال الفكر والرب اليساري الشيوعي.
ولقد وجدنا أن هناك فئة ثالثة من الشعوب العربية الإسلامية التي تقف موقف الوسط، حيث ترى أنه يمكن أن تستفيد مما تنتجه هذه الحضارة من مواد استهلاكية إلى أقصى درجات الاستفادة، ولكنها تقف سدًا أمام أي فكر غربي يؤثر على فكرها وثقافتها التي تجد أن جذورها ضاربة في أعماق صفحات التاريخ، لذلك لا تجد أن هناك غضاضة بين التوازن والوسطية بين ما تحمله هي من فكر وبين ما تستفيد مما تنتجه المصانع الغربية.
وفئة رابعة حائرة، لا تعرف أين تقف ومع من تتكلم، فكل يجذبها إلى جهته، ويلمع جبهته حتى تبدو ناصعة البياض، لتجذب الأفراد الواقعين تحت الفئة الرابعة والذين هم السواد الأكبر من العالم العربي والإسلامي. وكذلك هناك فئة خامسة وهي الفئة غير المبالية لما يحدث من صراعات في هذا الجزء من العالم، فهي لا تعرف أو بالأحرى لا تريد أن تعرف ولا تريد أن تفكر ولا تريد أن تتجاذبها أي تيارات فكرية أو سياسية، فهي تعيش اليوم ومن أجل اليوم فقط.
ترى من أي الفرق أنت ؟ وكيف تفكر؟
وللأسف، فإن كل فئة من تلك الفئات تعيب على الفئة الأخرى موقفها وتوجهها، ونكون محظوظين إن كان الموضوع يقف عند حد المعاتبة والمجادلة والحوار واختلاف الفكر والرأي، ولكن - اليوم - يعيش أبناء العالم العربي الإسلامي في حالة صراع حاد قد يصل إلى الصراع الدموي. ليس ذلك فحسب وإنما - على المستوى العالمي - يعاب على العالم العربي والإسلامي أنه يقف موقف المنكمش على نفسه الخائف من زحف العولمة على معتقداته وفكره وإرثه وهويته الثقافية، وعلى الرغم من ذلك فهو - أي هذا الجزء من العالم - لا يستطيع أن يمنع سريان وتدفق كل ما ينتجه الفكر الغربي الرأسمالي بخيره وشره.
فغدا أبناء العرب يتشربون كل ما يأتي من الغرب بلهفة الظمآن إلى الماء، سواء كانت موضة ملابس أو تسريحات شعر، أو أفكار أو تحريك اللسان ليصبح وكأنه يتكلم اللغة الأجنبية، فأصبحت الأم لا تكلم أبناءها إلا باللغة الأجنبية أو على أقل تقدير تخلط ما بين العربية والأجنبية، وتفتخر بأن أبناءها لا يدرسون إلا في مدارس أجنبية، ولا يتحدثون إلا بتلك اللغة.
وأصبحت الأفلام الأجنبية - وخاصة الأمريكية الهوليودية - تتصدر صالات السينما وعروض الفضائيات العربية، وفي تلك الأفلام قيم وعقائد وأخلاق الغرب، التي عادة ما تكون بعيدة عن قيمنا العربية الإسلامية، فيتشربها أبناء العرب، ويكون المحظوظ منهم من استطاع أن يقلد البطل الذي صنعته هوليود - سواء كان فتى أو فتاة - فيقلده في طيشه وانحرافه وعلاقاته وتحلله من القيم والسخرية منها، وحتى يصل الأمر إلى كيفية مسكه للسيجارة وطريقة مشيته وملابسه وشربه للخمرة وتعاطيه للمخدرات وما إلى ذلك.
وفي الحقيقة، نحن لا نعيب الغرب على كل ذلك، فهذا العالم عديم القيم والعقائد فكيف ننتظر منه أن يصّدر لنا القيم النبيلة والعقائد الصالحة ؟ ولكننا نعيب على عالمنا الذي يوقف موقف المتفرج، موقف الخائف السلبي الذي لا يستطيع تقديم البديل على الرغم من كل تلك القيم والهوية والإرث الثقافي الذي يزخر به.
وللحقيقة والتاريخ، وفي رأي المتواضع، فإن عالمنا العربي الإسلامي لا يخاف العولمة، لأنه لا يعرفها ولم يعرفها بعد، وإنما يخاف شيئا خفيا، شيئا مطمورا في باطن النفوس يغطيه ركام قرن من الزمان، يخاف عالمنا أبناءه، الذين من الممكن ان يعوا في غفلة من الزمان أن لديهم إرثا وهوية ثقافية مدفونة تحت هذا الركام الهائل من الإهمال والجهل والأمية، بالإضافة إلى الإحباط وتدمير التطلع البشري إلى المعالي والتغيير.
فالمناهج الدراسية في العالم العربي الإسلامي تعلم الطفل أن يحفظ المنهج لأنه سيدخل الاختبار، فما عليه إلا أن ينجح لينتقل إلى المرحلة التالية، ولكن تلك المناهج لا تعلمه أن يصنع حاسوبا، ولا تعلمه طرق التفكير الإبداعي، ولا تعلمه طرق التفكير والتخطيط أثناء الأزمات أو حتى في الحياة العادية، وحتى لا تعلمه أن يكتب رسالة بسيطة من صديق إلى صديقه، تلك المناهج هدفها الأول والأسمى أن تخرج جيلا من الشباب - من الجنسين - ذوي عقول بيضاء لا تفكر ولا تستطيع أن تفكر.
فضائياتنا تنتج أفلاما ومسلسلات عقيمة خالية من القيم والفكر والثقافة والعقيدة، مسلسلات ساخرة هدفها الضحك على الذقون، مسلسلات مليئة بالسباب والشتائم والاستهبال، ومسلسلات لا تمس الواقع بشيء، وإن ادعت أنها تحدثت عن الواقع فإنها - في الحقيقة - تتحدث عن الرذيلة والانحرافات الشبابية والخيانات الزوجية والسلبيات التي يمكن أن يعايشها فئة صغيرة من البشر، مثل تعاطي المخدرات والخمور والزنا، حتى أن بعض المسلسلات حاولت أن تنشر الرذيلة عبر نشر موضوع زنا المحارم.
وزادت تلك الفضائيات الطين بلة أنها استوردت كل البرامج الأجنبية الممجوجة والتي تعرف ببرامج «الواقع»، والتي من خلالها - كما تدعي - أنها تبحث عن المواهب والمبدعين، ولكنها في الحقيقة تبحث عن المغنيين والراقصين والراقصات فقط، حتى يصنعوا منهم أبطالا أمام الشباب العربي، فإن كانوا يبحثون عن كل المبدعين – كما يدعون – فلم لم يبرز من المتقدمين مبدع في تصنيع آليات الحاسوب وبرامجه وكيفية الاستفادة منه، ولم لم نجد من تلك البرامج من المتقدمين من صنع الرجل الآلي «الروبوت»، ولم لم نجد من ابتكر فكرة جديدة لتقطير المياه أو المحافظة على البيئة، لم نكتشف الخطيب المفوه، لم نجد المدير المبدع، لم نجد أي شيء من ذلك.
فهل نلوم العالم الغربي الرأسمالي على ذلك ؟
والغريب أن عالمنا العربي الإسلامي يريد من شبابنا – من الجنسين – أن يكون خانعًا مطبلا يتابع الحياة اليومية للاعبي كرة القدم والممثلين والممثلات والمغنيين والمغنيات، يريد عالمنا أن يُمكّن الشباب والشابات رقابهم لسادة العولمة، فإن فكروا في تحريك ذلك الركام، فعندها وعندها فقط تبرز «نظرية المؤامرة»، وهي نظرية افتعلها العالم الغربي ليقضي على أي فكرة إبداعية لدى الشباب العربي.
وما زال للموضوع بقية