السبت، 23 أغسطس 2014

قبعات التفكير والتفكير الملون

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٤ أغسطس ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

عندما نجلس في اجتماع، أو عندما نشاهد ونستمع إلى نقل مباشر لجلسات المجالس النيابية، أو حتى عندما نكون في مجالس عامة، وعندما نسترخي لنستمع ونشاهد كل ما يدور حولنا في هذه الأماكن وبين كل هذا الخضم من البشر، نجد أن تفكير هؤلاء البشر يختلف من شخص إلى آخر، فلو طرح موضوع أو طرحت فكرة نجد أن أحدهم يجد أن الفكرة إيجابية وأنها سوف تساهم في تطوير كذا وكذا، وعلى العكس من ذلك نجد أن أحدهم يسخر من الفكرة ومدى تفاهتها، بينما نجد ثالثا يبحث في الجوانب السلبية للفكرة والأسباب التي تدعو إلى عدم تنفيذها وما إلى ذلك.
لنلقِ نظرة على وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال هذه الوسائل تطرح إحدى الحكومات فكرة إنشاء حديقة معلقة في مكان ما، فننتظر قليلاً ثم نقرأ تعليقات الجمهور: يقول أحدهم إن تلك الحديقة بعيدة عن منطقتي السكنية فكيف يمكنني الذهاب إليها، ألا يمكن للحكومة أن تبني هذه الحديقة في المنطقة التي نعيش فيها.. ويقول الآخر: لماذا هذا التبذير على حديقة ونحن نطالب بإنشاء منازل سكنية، أليس من الأولى أن تفكر الحكومة في بناء المنازل؟ ترى ماذا تقول أنت في مثل هذه الفكرة؟
وهذا النوع من التفكير الملون سواء كان التفكير السلبي أو الإيجابي أو الذي يتعامل بالأرقام أو التفكير العملي أو العاطفي تفكير صحي وسليم، وخاصة إن كان تفكيرا منظما يسعى للوصول إلى هدف أو تحقيق أهداف، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشير الصحابة رضوان الله عليهم في الكثير من الأمور فقد كان يقول لهم: «أشيروا علي أيها الناس»، فقد استشارهم في غزوة بدر وأحد والخندق، فكان الصحابة يتكلمون ويبدون آراءهم حتى وإن خالفت رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسولنا الكريم يدير كل تلك الحوارات والنقاشات، وفي الختام كان يجمع كل تلك الآراء ويفندها ويصل معهم إلى قرارات معنية تخدم الفكرة والهدف الذي يسعون إليه.
إذن، لم تكن تلك النوعيات من التفكير أنواعا جديدة وطرقا ابتكارية من التفكير، إلا أن العالم البريطاني (إدوارد دى بونو) استطاع أن يعيد تصميمها وتقسيمها وتصنيفها ليضع أمام العالم ستة أنماط من التفكير، وأعطاها ألوانا مختلفة حتى يبين الاختلاف بين كل تلك الأنماط من التفكير، وأطلق عليها حينئذ «قبعات التفكير الستة» وهي: قبعة التفكير البيضاء - قبعة التفكير الحمراء - قبعة التفكير السوداء - قبعة التفكير الصفراء - قبعة التفكير الخضراء - قبعة التفكير الزرقاء. حسنٌ، لماذا الألوان؟ وما تأثير هذه النوعية من التفكير على الإنسان؟ وقبل ذلك ما هذه النوعيات من التفكير؟
1- قبعة التفكير البيضاء: وهي تعني التفكير المحايد، أي أنها قبعة الحقائق المجردة، وهذا النمط من التفكير يتطلب التجرد من العواطف والاهتمام بالوقائع والأرقام، أي الحيادية والموضوعية التامة في استجلاء الأمور. ويركز الشخص أو صاحب هذا النوع من التفكير على المعلومات، فهو لا يتكلم أو يبدي رأيه إلا إذا توافرت لديه المعلومات والحقائق الكافية عن الفكرة أو المشروع. ويمكننا أن نميز صاحب هذا النوع من التفكير عندما يقوم هذا الإنسان بتسجيل الآراء المتباينة المختلفة في حالة وجود معلومات متضاربة، ويقوم بتقييم صحة المعلومات ومدى علاقتها بأصل الموضوع المطروح، وفي النهاية يقوم بالتفريق بين الحقائق المجردة والتخمين والتأملات، ويحدد طبيعة الخطوات التي يجب تنفيذها لسد أي نقص.
2- قبعة التفكير الحمراء: وهي نمط التفكير العاطفي، وهذا يعني أن هذه الشخصية يختلف عن شخصية القبعة البيضاء. فصاحب قبعة التفكير الحمراء يهتم بالمشاعر والأحاسيس ويظهر الجانب الإنساني غير العقلاني للمشروع أو الفكرة، ليس ذلك فحسب وإنما عادة يتحيز لأفكار معينة ويعبر عما يشعر به حيال الفكرة أو المشروع، وربما تكون قراراته أو تفكيره ناتجة أو مبنية على خبرات وتجارب سابقة لذلك لا نطالبه عادة بالتوضيح والشرح، وكثيرًا ما يعتمد الحدس في اتخاذ القرار.
3- قبعة التفكير السوداء: وهي رمز التفكير السلبي، وهو الذي نجده عند المتشائمين والمترددين والذين يتوقعون الفشل دائمًا ويرونه أكثر احتمالاً من النجاح. صاحب هذه النوعية من التفكير يرفض أي أفكار جديدة وسرعان ما ينقدها وينقضها ويظهر الجانب السلبي فيها حتى قبل الشروع في دراستها ومناقشتها أو حتى إعطائها الفرصة للظهور. وباختصار فهذا الإنسان دائمًا ما يركز على الأخطاء والمشاكل والمعوقات. ومن الجدير بالذكر أنه يخطئ من يعتقد أنه يجب التخلص من هذه الشخصيات التي تفكر بهذه النوعية من التفكير، ولكن في الحقيقة هذه الشخصيات ذات قيمة وفائدة وضرورة، إذ إنها تمنعنا من الوقوع في العديد من الأخطاء التافهة التي يصعب علينا التفكير فيها، بالإضافة إلى أنها تبين لنا بعض الصعوبات التي يمكن أن تكون ناجمة من تنفيذ الفكرة أو المشروع، هذه السلبيات التي يقوم هذا الشخص بإظهارها تفرض علينا أن نعيد دراسة المشروع مرات عدة حتى لا نقع في الأخطاء.
4- قبعة التفكير الصفراء: وهي قبعة التفكير المتفائل، التفكير الذي يرى الشمس الصفراء الساطعة التي تنير كل شيء، فصاحب هذه النوعية من التفكير متفائل، مقدام يمتلك التفكير الإيجابي والاستعداد للتجريب. ونجد أن صاحب هذا النمط من التفكير يتميز بالتركيز على الجوانب الإيجابية ويسعى إلى تهوين المشكلات والمخاطر، فعندما يتقابل صاحب قبعة التفكير الصفراء بصاحب قبعة التفكير السوداء مثلاً فإن صاحب قبعة التفكير الصفراء يقول للمتشائم: هل يمكن تعديل الفكرة حتى تصبح قابلة للتنفيذ؟ كيف يمكننا تطبيق هذه الفكرة الرائعة؟ ثم يستعرض الجوانب الإيجابية للمشروع، أيًا كانت الفكرة حتى وإن كانت صغيرة. فهو إذن -ببساطة- يشجع الأفكار الإبداعية والمبتكرة.
5- قبعة التفكير الخضراء: وهو نمط التفكير الإبداعي، فصاحب هذا النوع من التفكير يسعى دائمًا إلى التطوير والتحسين، ودائمًا يبحث عن البدائل والأفضل حتى ولو كان بتكلفة مالية أو أدت إلى مغامرة خاسرة، فهذا النوع من التفكير يعتبر -حتى- الخسارة درسًا إيجابيًا يمكننا أن نستفيد منها. فهذا الإنسان يبذل الجهد ويعدل أفكاره هو وأفكار غيره، ويزيل الأخطاء بمهارة ويتخذ الابتكار والإبداع ثقافة له.
6- قبعة التفكير الزرقاء: وتعني التفكير المنطقي والموجه، وهذا النمط من التفكير ينجح كثيرًا صاحبه في إدارة الاجتماعات وإدارة الندوات، فهذا النمط يتميز بالتفكير في تلخيص الأفكار وتجميعها للخروج بنتائج عملية ومفيدة. وصاحب هذه القبعة لدية معرفة وحسن إدارة لأصحاب القبعات الآخرين فهو يراهم ويحسن التعامل معهم ويصحح تفكيرهم وأخطاءهم، وفي النهاية يقوم هو وبالاستعانة بأنماط التفكير الأخرى بإصدار القرار المناسب.

يجد الكثيرون أن استخدام نمطية قبعات التفكير الست يمكن أن تعد أداة تفكير فعالة، حيث إنها يمكن أن تشجع التفكير المتوازي وتخصص مساحة وزمنا للتفكير الإبداعي ويتيح الفرصة لاستكشاف موضوع ما بعمق وتفحص بالإضافة إلى أنها نمطية من التفكير يمكن من خلالها أن يفصل المرء ما بين الأنا والأداء، ويجد صاحب النظرية (إدوارد دى بونو) أنه يمكن للفرد الواحد ممارسة كل هذه النوعيات من التفكير حيث يمكنه أن يستخدم قبعة واحدة ولفترة محددة من الوقت لتبني نمط تفكير معين وذلك لأغراض كتابة تقرير أو تسيير أعمال اجتماع أو في محادثة، أو يمكنه تغير نمط تفكيره بين لحظة وأخرى لبحث واستكشاف موضوع معين.

عمومًا، فإن المدير الناجح أو المسئول الناجح يمكن أن يستفيد من كل تلك الأنماط في التفكير في كل القضايا المحورية التي تعرض عليه، وحتى إن لم يجد من أفراد الإدارة من له قدرة على نوعية من التفكير فعليه أن يدير العملية وكأن الجميع موجود.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق