الجمعة، 29 أغسطس 2014

الوصايا المحمدية في القضايا البيئية

 

بقلم: الدكتور زكريا خنجي

تم نشره في جريدة أخبار الخليج بتاريخ 31 أغسطس 1993

 

من مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

هذا الرسول وهذا الإنسان استطاع أن يجمع في كيانه البشري كل شمائل الخير والعظمة والعبقرية والنبوة، فستحق بجدارة لا مثيل لها أن يكون العظيم الأول في هذه الأرض منذ أن خلق الله آدم وحتى فناء آخر إنسان، بل وعلى مدار التاريخ، فلّيّكذب ذلك من يشاء وليصدق من يشاء ولكن تبقى الحقيقة هي هي لا تتغير.

استطاع هذا الرسول أن يجمع في وصاياه وأحاديثه وسيرته النقية الطاهرة كل معالم الحضارة والرقي والسمو، فلم يترك صغيرة ولا كبيرة، ولا شاردة ولا واردة إلا وذكرها، فلقد دعا إلى التعلم، إلى العبادة بمعناها الكبير، إلى الصناعة، حب الحياة والاستعداد للموت، وله وصايا كثير في الحرب والسلام، شؤون الدولة الاسلامية وعلاقاتها بالدول الأخرى وكل ما يرد على الخاطر، فلو اتبع المسلمون اليوم هذه الهدي لما تكالبت عليهم الأمم ولما باتوا يستغيثون بالعدو لمحاربة العدو.

وعلى الرغم من المهام العظيمة التي أرسل لأجلها، وعلى الرغم من المشاغل الكثيرة التي كان يعيشها، إلا أنه لم ينسى الإنسان – هذا المخلوق الذي سجدت له الملائكة – فأوصى بالمحافظة على كرامته وحياته، ليس ذلك فحسب فقد دعا إلى المحافظة عليه وعلى ممتلكاته وكل ما يمت إليه بصلة، كما أوصى بالمحافظة على الحيوان والنبات وكل ما يدب على الأرض، وحارب الاحتكار والمحتكرين، والإسراف والمسرفين، وكذلك لم ينسى رسول الله النظافة بكل معانيها، وكيف ينسى النظافة والإسلام رديف النظافة !

ونحن هنا لا نريد أن نقحم أنفسنا وقراءنا في قضايا ليست من شأن الصفحة، وإنما ما نريده هو أن نذكرهم ببعض وصايا الرسول العظيم في شؤون البيئة والصحة.

1- المحافظة على الصحة والعافية: يذكر أبن عباس رضي الله عنهما، إن إعرابيًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ما أسأل الله بعد الصلوات الخمس ؟ فقال : سل الله العافية. فأعاد عليه فقال له في الثالثة: سل الله العافية في الدنيا والآخرة. وعن أبي بكر الصديق – صاحب رسول الله وخليفته الأول – رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سلوا الله اليقين والمعافاة، فما أوتى أحد بعد اليقين خير من العافية. وغني عن الذكر إن العافية هي الصحة.

2- الدعوة إلى الاعتدال ونبذ الإسراف: روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: طعام الاثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة. كما روى الترمذي دعوة رسول الله إلى نبذ الإسراف في قوله: ما ملأ ابن آدم وعاء شرًا من بطنه حسب ابن آدم لقيمات يقمن بها صلبه، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه. وهل يسرف الإنسان الآن إلا على طعامه ومعدته ؟ كما وأن الأحاديث النبوية تدعوا في مجملها إلى الاعتدال في كل شيء، فالإسلام دين الاعتدال والوسطية.

3- الدعوة إلى الطهارة والنظافة: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عشرة من الفطرة: قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظافر وغسل البراجم (عقد الاصابع) ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء (الاستنجاء)، قال الراوي: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة. وكما قلنا إن الإسلام هو النظافة بكل ما في هذه الكلمة من معنى.

4- ملابس الإنسان: عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم. وعن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البسوا البياض فإنها أطهر وأطيب. وهل ينفع في هذا المناخ الحار ذو الشمس الحارقة إلا الملابس البيضاء ؟

5- الدعوة إلى المحافظة على الممتلكات العامة: في رواية لأبي داود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الماء، وفي الظل، وفي طريق الناس. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إماطة الأذى عن الطريق صدقة. وقال أيضًا: من أذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم. ودعوة رسول الله مبنية على القاعدة الشرعية "لا ضرر ولا ضرار".

6- الدعوة إلى الاستزراع وحماية البيئة الحيوية: روى البخاري ومسلم والترمذي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة. كما قال أيضًا: إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها. وفي رواية للنسائي وابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قتل عصفورًا عبثًا عج إلى الله يوم القيامة يقول يا رب أن فلانًا قتلني عبثًا ولم يقتلني منفعة. ألا يشتكي العالم اليوم من انقراض الكائنات الحية ؟ ألم تناقش هذه القضية على مستوى زعماء العالم في قمة الارض ؟

وبعد ماذا يمكن أن يقال، وهذا غيض من فيض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يسعني إلا أن نتوقف هنا، فالموضوع أكبر مما يتصور إنسان، فلو أراد دارس أن يحصي كل شيء لوسع ذلك مجلدات ومجلدات، وفي النهاية يجد نفسه في بداية الطريق، فرسول الله هو المعلم الأول، فمهما نهل الإنسان من محيطه فهناك المزيد والمزيد لكل الدارسين والباحثين وكذلك للمرجفين والحانقين والحاقدين.

يا رسول الله صلى الله عليك وسلم، نحتفل هذا الأسبوع بمولدك، وكذلك نقتبس من نورك وهديك فأنت القائد، ولا قائد لنا سواك، ونسير على هديك ونبحث في سيرتك لعلنا نصبح خير أمة أخرجت للناس.

فيا أيها المسلمون هذا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحافظة على الإنسان والبيئة، فهل نتخذ هذه السنة نبراسًا وسراجًا نسير عليهما لننقذ ما يمكن انقاذه من البيئة ؟ أم سنصبح جاحدين لهذا الهدي وهذه السنة المحمدية، وبالتالي ناكرين جميل المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام ؟

وأخيرًا نقول هذه دعوة رسول الله إلى المسلمين، فمن من هؤلاء سيستجيب ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق