الخميس، 27 فبراير 2014

منتج يقضي على 99.9% من الجراثيم

 

تم نشر المقال في جريدة أخبار الخليج في 7 يناير 2014

منذ فترة وبعض الأفراد يكتب لي أو يتصل بي حول ذلك المنتج أو بالأحرى المطهر الذي يعلن عنه على أنه يقضي على 99.9% من الجراثيم، ويسألون هل هذا حقيقي ؟ وهل هذا ممكن ؟

في الحقيقة وببساطة أن هذا الكلام غير حقيقي حتى يثبت الشركة أن هذا الكلام صحيح، فما يثبت هذا الكلام ؟ وإن كانت الشركة ترغب في تأكيد هذا الموضوع يجب أن تنشر ما يؤكد ذلك عبر وسائل الإعلام، علمًا أن ما يؤكد ذلك ليس مجرد كلام مصفوف قام بصفه وترتيبه خبراء يعملون في الشركة وإنما ما نريده ابحاث علمية منشورة في المجلات العلمية المحكمة.

وأنا أحاول ما يثبت كلامي قرأت منذ عدة أيام تقرير بعنوان (مفعول الصابون المضاد للبكتيريا لا يزيد عن العادي)، وإن كان التقرير يتكلم عن الصابون إلا أن الموضوع متشابه، وسنحاول من خلال هذه البقعة أن نلخص هذا التقرير ونقتبس بعض الجزئيات منه.

يقول التقرير (أصدرت إدارة الاغذية والعقاقير الأميركية لوائح جديدة تلزم الجهات القائمة على تصنيع صابون اليد ومستحضرات الاستحمام المضادة للبكتيريا بتقديم ما يبرهن على أن منتجاتها آمنة وأكثر فعالية من الماء والصابون في الوقاية من العدوى وانتشار البكتريا. وقالت إدارة الاغذية والعقاقير الأميركية في بيان "على الرغم من أن المستهلكين ينظرون عادة إلى هذه المنتجات باعتبارها أدوات فعالة تسهم في منع انتشار الجراثيم إلا أنه لا توجد في الوقت الراهن أي أدلة على أنها باتت أكثر فاعلية من الماء والصابون العادي في منع الإصابة بالأمراض".

وأضافت الإدارة أن الأبحاث أشارت إلى أن التعرض على المدى الطويل للمواد الكيماوية المضادة للبكتريا – مثل ترايكلوسان في الصابون السائل وترايكلوكربون في الصابون العادي – يمكن أن تكون له آثار هرمونية تتيح للبكتريا تكوين طفرات وسلالات يصعب القضاء عليها. وقالت الإدارة إن الشركات التي لن تتمكن من البرهنة على سلامة وفاعلية منتجاتها يتعين عليها أن تعيد مراجعة المواد الكيماوية المكونة لهذه المنتجات وإعادة تسمية المنتجات على نحو يتوافق ولوائح إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية.

وقالت الإدارة إن هذا الإجراء يجيء في إطار مراجعة حالية أوسع نطاقًا تضطلع بها للاطمئنان إلى سلامة وفاعلية المكونات الكيميائية المضادة للبكتريا، إلا أنها أضافت أن هذه اللوائح لا تسري على منتجات أخرى كالمناديل المبللة والمنتجات الأخرى المستخدمة في العناية بالجسم والبشرة.

ولقد وجد أن معظم أنواع الصابون المكتوب عليها مضاد للبكتريا أو مضاد للميكروبات أو لإزالة العرق تحتوي في تركيبها على واحد أو أكثر من المواد الكيماوية التي تتناولها لوائح إدارة الأغذية والعقاقير الاميركية. وستطرح هذه اللوائح المقترحة على الجمهور لإبداء الرأي خلال 180 يومًا وفي الوقت نفسه ستمنح الشركات مهلة عامًا لتقديم معلومات وبيانات جديدة.

وقالت الإدارة أنه يوجد بالولايات المتحدة نحو الفي منتج من الصابون يحتوي على المضادات الميكروبية 93% منها في صورة سائلة). أ. هـ.

هذا ما يحدث في أمريكا، ترى ماذا يحدث عندنا ؟ لا شيء. ولكن على الأقل – نعتقد – أنه يجب أن تقوم وزارات التجارة وغرف التجارة في المنطقة بمراقبة الإعلانات الكاذبة ومنعها حتى لا تلوث بها عقول المستهلكين، وهذا أقل الإيمان.

علمًا أنه لو كان هذا المنتج أو غيره يقضي على 99.9% من الجراثيم لما تلوث المرضى من غرف العمليات ولما تفشت البكتيريا في العالم، أليس هذا من السخرية واللعب على الذقون ؟

انستغراميات

Foto69

الثلاثاء، 25 فبراير 2014

كائنات فطرية- الأشنة أو الأشنات

 

  تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٥ فبراير ٢٠١٤

الأشنَّـة كائن عضوي يتألف من طحلب وفطر يعيشان معًا، ويستطيع الطحلب أن يصنع طعامه الخاص بمساعدة ضوء الشمس، أما الفطر فلا يستطيع تصنيع طعامه الخاص، غير أنه يمتص الماء بسرعة، لذلك يعيش الكائنات معًا بطريقة تعرف المعيشة التكافلية، أحدهما يصنع الطعام ويتغذى منه هو والآخر، وأما الآخر فيمتص الماء ليستفيد منه الكائنان.
وتشير الدراسات إلى وجود ما لا يقل عن حوالي عشرين ألف نوع من الأُشنات التي ينمو بعضها على التربة، لكن غالبيتها تنمو على الصخور أو لحاء الشجر. وتعيش الأُشنّة في عدة مناطق لا يستطيع العيش فيها إلا نباتات قليلة. فبعض أنواعها يعيش في المنطقة القارسة البرودة ضمن الدائرة القطبية، وبعضها الآخر يعيش في الصحاري أو على الجبال.
وليس للأشْنَّة جذور، ولكنها ذات طبقة خارجية من خلايا فطرية ملونة بالأخضر، والبني والأصفر، أو الرمادي، وهذه الطبقة الحافظة تُدعى القشرة العليا وهي تُغطِّي نطاقًا من خلايا طحلبية خضراء اللون، أو زرقاء مخضرة. ويقع تحت الخلايا الطحلبية نطاق مخزن للطعام يُدعى اللب، وطبقة حافظة أخرى تدعى القشرة الدنيا، وغالبية الأُشنة ذات جدائل فطرية تربط السطح التحتي للأُشنة بالشجرة أو الصخرة. وقد توصَّل عُلماء النبات إلى التعرف على ثلاث مجموعات من الأشْنَة: الأشنة شجرية الشكل، وهي شبه شجيرات، وترتبط فقط عند قاعدتها بالطبقة التحتية (السطح) الذي تنمو عليه، والأشنة ورقية الشكل، وهي شبيهة بالورقة في مظهرها؛ والأشنة قشرية الشكل، وهي شبيهة بالقشرة، وترتبط بالطبقة التحتية بكامل سطحها التحتي.

المضافات الغذائية الكركم (E100)

 

  تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٥ فبراير ٢٠١٤

الكركم ويعرف بالإنجليزية (Turmeric)، واسمه العلمي (Curcuma longa)، وهو نوع من النباتات العشبية الاستوائية والتي تنتمي إلى جنس الكركم ومن الفصيلة الزنجبيلية، وينتشر هذا النبات في الهند واندونيسيا.
والنبات يتميز بأنه تمتد أفقيًا عبر ما يعرف بالسيقان الريزوموية (سيقان أرضية شبيهة بالجذر، وتمتد أفقيًا تحت سطح الأرض وتتفرع في كل اتجاه، وتنقسم إلى عقد وسلاميات وتحمل عند العقد جذورًا عرضية ليفية، كما تحمل أوراقًا حرشفية - تغطي الساق - وفي آباط هذه الأوراق توجد البراعم)، والنبات عشبي معمر بجذوره ولكن أوراقه حولية. ومن الجدير بالذكر إن هذه الريزومات، هي الجزء الذي يجفف ويطحن ويستخرج منه مسحوق الكركم المعروف.
ومسحوق الكركم لونه أصفر بني، ويستعمل كلبخة للجلد وتفيد في الكدمات والأورام، ويوضع على الشعر الزائد فيقلل نموه، وينشط الكبد لإفراز الصفراء ويزيد حركة المعدة، ويزيد ذوبان حصوات المرارة لأنه مدر للصفراء، وبه زيوت عطرية وأصباغ تذوب في الماء، وكذلك يمنع المغص وطارد للأرياح وينظم العادة الشهرية وبه مادة (Curcumin) الصبغة الصفراء والمعروفة في المضافات الغذائية بالرمز (E100)، ولها تأثير يفوق الكورتيزون في الأمراض الجلدية وتستخدم الصبغة عادة كمضادة للأكسدة، وتساهم في خفض ضغط الدم.
وتستخدم هذه الصبغة (E100) اليوم كبديل للعديد من الصبغات الكيميائية.
ومن هذا المسحوق تحضر الخلطة المعروفة باسم (الكاري)، وهي ذات التاريخ الطويل في بلاد الشرق كأشهر التوابل حيث يعطيها الطعم الحاد والمر نسبيًا، والرائحة المميزة وذلك نتيجة لوجود زيت الكركومين الطيار (Curcumins oil).
ويوجد من الكركم عدة أنواع تنمو في أماكن مختلفة من العالم، يسمى بعدة أسماء بالعربية منها الكركم والكركب والهِرِدْ وعقيد الهند والزعفران الهندي والزرنب وعروق الصباغين والورس.

الطريق إلى البر

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٥ فبراير ٢٠١٤

زكريا خنجي

منذ أيام وخاصة بعد الانتهاء من اختبارات الفصل الدراسي الأول وبداية عطلة الربيع والناس في البحرين تشد رحالها إلى منطقة الصخير.
ويتميز البر هذا العام بالخضرة والهواء الرائع والأجواء المشمسة.
كل منا يحتاج إلى قضاء ولو جزء يسير من يومه أو أسبوعه بين ربوع الأجواء الصحراوية، فالخلوة الصحراوية تعيد توازن النفس البشرية بصورة غير طبيعية.
وهذا العام، فرض على المخيمين مبلغ وقدره 50 دينارا وذلك كتأمين للمغادرة النظيفة والمحافظة على البر، وهذه الفكرة ممتازة إلى حد كبير، حيث أن هدفها أن يقوم المخيم بتنظيف المنطقة التي قام بالتخييم عليها والمحافظة عليها وتركها كما كانت قبل أن يقوم باستخدامها والتمتع بها، وعندما تتأكد المحافظة الجنوبية أن المخيم قد أدى كل مهام النظافة فإنها ستعيد المبلغ المذكور إليه.
في السنوات الماضية كانت المخلفات تتراكم في البر، وفي نهاية الموسم تقوم البلدية الجنوبية بتنظيف البر وبذل الجهد الكبير في ذلك حيث تظل تعمل منذ لحظة خروج آخر المخيمين حتى عودة أول المخيمين من الموسم التالي، وهذا العمل - كما أشار أحد المسئولين - يكلف البلدية الجنوبية سنويًا مبلغ لا يقل عن 100 ألف دينار إن لم يكن أكثر.
ونحن نقول إن هذا المبلغ كبير، ربما امكن من الاستفادة منه في توفير الخدمات الأولية والضرورية في البر بدلاً من هدرها في عمليات التنظيف التي يمكن أن يقوم بها المخيم نفسه.
يقول لي صديق أن قضى نهاية عطلة الأسبوع المنصرم في البر - هو وأهله - وفي نهاية اليوم كان ناتج المخلفات حوالي 3 أكياس من القمامة.
فلنتصور، هذا ليوم واحد فقط، فإن جلسنا حوالي 30 يوما، فبعملية حساب بسيطة فإن ناتج المخلفات ستكون حوالي 90 كيس قمامة.
أضف إليها كميات من الخشب التي قمنا بجلبها إلى البر للحرق ولكنها لم تحرق لأنها كانت كميات كبيرة، وليس من المعقول أن نعيدها إلى المنزل بعد نهاية الموسم.
أضف إليها بعض الكنبات القديمة التي نريد أن نتخلص منها فجلبناها للبر لتقضي آخر أيام حياتها.
أضف إليها بعض إطارات السيارات التي استخدمناها لتنزيين المخيم وأدوات للعب الأطفال، ولا نريد أن نعيدها إلى المنزل.
أضف إليها أشياء كثيرة، ربما تتخيلونها أكثر مني.
ترى ماذا سيكون منظر المخيم بعد الانتهاء من الموسم، وترك كل شيء مكانه؟
حتمًا ستكون المنطقة وكأنها ساحة معركة ولكنها من حيث لا جثث.
كل الذي نرجوه من المخيمين الاهتمام بنظافة البر، فالبر بيئة صحراوية تحتاج منا إلى رعاية، وخاصة أن البر لدينا في البحرين ليس بالمساحات الكبيرة حتى يمكن غض الطرف عن تلك الكميات من القمامة التي تترك.
فالبر صغير ولكنه ممتع، فستمتع بقدر ما تستطيع وأترك الحياة الفطرية من غير أن تتسبب في إيذائها.
Zkhunji@hotmail.com
@ Z_Khunji

الاثنين، 24 فبراير 2014

الدكتور زكريا خنجي - التواصل الإعلامي

اختلف معك .. ولكني لا أكرهك

 

لنبدأ هذا المقال من حيث ما انتهينا في المقال السابق، وهي الجملة المأثورة "إن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية"، هذه الجملة نعيدها ونكررها كثيرًا بألسنتنا وأفواهنا، ولكن هل لامست شغاف قلوبنا وأفئدتنا ؟ في الحقيقة لا يمكن لأحد أن يجيب عن أحد في هذا الموضوع، فكل إنسان يتمتع بالقدرة الذهنية الكافية ليرد ويفند آراءه بنفسه.

ومرة أخرى نقول أن نختلف فهذا أمر طبيعي، وفي الحقيقة أن لا نختلف فإن هذا هو الأمر غير الطبيعي، نختلف في الآراء والأفكار والاطروحات ووجهات النظر، ولكننا في النهاية نشد على أيدي بعضنا البعض ونبتسم للآخر، لأني لا أكره الشخص ولا أكره آراءه وإنما لي وجهة نظر أخرى.

يروى عن فولتير قوله " أكره ما تقول، لكني سأدافع حتى الموت عن حقك في أن تقوله".

روى لي أحدهم ذات مرة أنه كان في زيارة للبرلمان أوروبي، يقول "عندما بدأ النقاش في واحدة من القضايا، كنت استمتع بأدب الحوار بين الطرفين، ولكن فجأة تحول الحوار الهادئ إلى نقاس ساخن جدًا وصراخ وكنت أعتقد أنه لو تمكن أحد المناقشين من الآخر لقتله، وكنت أقول في نفسي: أهذا هو البرود الإنجليزي الذي يقال عنه ؟ استمر هذا الصراخ حوالي ساعة، وبعدها ضرب الرئيس مطرقته إعلانًا ببدء فترة الاستراحة التي تمتد حوالي نصف ساعة، وبعدها يتم مواصلة الجلسة".

يقول هذا الشخص "خرجت مع الخارجين وذهبنا لتناول بعض الشاي والقهوة، وهناك رأت منظر أذهلني، رأيت الذين كانوا بالداخل وتحت القبة يتطاولون على بعضهم البعض بالصراخ والعويل يتضاحكون ويشربون الشاي مع بعض وكل شخص يقدم للآخر البسكويت والحلاوة، والذي أذهلني أكثر أن أحدهم دعا آخر لحفلة عيد ميلاد ابنته الليلة في منزله !!"

يقول: "وقفت لحظات، وأنا أحاول أن اربط بين ما حدث هناك بما يحدث هنا، ولكني لم أستطيع، كنت أعتقد أنهم في فترة الاستراحة سيتقاتلون ويتضاربون بالأحذية والأحزمة، ولكن لم يحدث أي شيء من ذلك، فقلت في نفسي أمر مذهل، ولكني أعتقد أنه فاتني شيء بالداخل وربما تصالحوا وانتهت المشكلة"، ويواصل "وبعد أن انتهت فترة الاستراحة عندنا إلى تحت القبة وإذا بالصراخ والعويل يعودان مرة أخرى وبين نفس الأشخاص".

يواصل هذا الأخ قوله "وعندما نقلت هذا الموقف وتساؤلاتي إلى أحد المرافقين، قال ببساطة: ماذا كنت تعتقد أن يتقاتلا بالأيدي ؟ طبعًا لا، نحن هنا نختلف تحت قبة البرلمان ولكل إنسان الحق في التعبير عن نفسه في حدود الأدب والاحترام المتبادل بين الجميع، وفي الخارج فإننا أحباب ولا نكره بعضنا البعض بسبب آرائنا، أنتم في عالمكم لا تعرفون كيف تختلفون".

وهذا في الحقيقة الذي يحدث في معظم الدول العربية إن لم نقل كلها، يصل بنا النقاش إلى درجة العناد والتعصب للرأي حتى وإن كانت كل الأدلة تشير إلى خطأ هذا الرأي، المهم – كما يقول صاحب الرأي – ن كلامي لا ينزل الأرض، على الرغم من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أنا زعيمٌ ببيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقاً"، والمراء هو درجة أعلى من الجدال، فهي المجادلة المبنية على الشك والريبة، وهو كثرة الملاحاة للشخص لبيان غلطه وافحامه، والباعث على ذلك الترفع، ويقول الجرجاني: (المراء: طعن في كلام الغير لإظهار خلل فيه، من غير أن يرتبط به غرض سوى تحقير الغير).

ويا ليت الأمر يصل إلى حد الجدال والمراء لهان الأمر وإنما في بعض الأحيان يتحول الأمر إلى فحش في الخصومة وفجر في الانتقام لمجرد الاختلاف في الرأي.

فلقد كنت شاهدًا على مدير في إحدى المؤسسات اختلف مع رئيس قسم، فتحول الأمر إلى بطش وانتقام شديدين استخدم فيها المدير كل الوسائل الإدارية الرسمية وغير الرسمية من أجل إخضاع رئيس القسم، وذلك لمجرد أن هذا الرئيس أبدى رأيه في قضية كانت مطروحة للنقاش.

ومرة أخرى تحول اختلاف الرأي بين أثنين من الإداريين في إحدى المؤسسات إلى صراع، وأصبح كل إداري همة الأول والوحيد أن يجمع حولة من الأنصار لمحاربة الشخص الثاني، فهل نحن في ساحة معركة أم في مؤسسة مهنية من المفروض أن يتعاون الجميع فيها لمصلحة المؤسسة والدولة ؟

أيها السادة، أن جميع الشرائع السماوية وكل المواثيق البشرية أعطت البشر حق التعبير عن الذات، ففي القرآن الكريم تسجيل للكثير من تلك المواقف التي حدثت في سالف الأزمان للتعبير عن النفس مثل الحوار الذي جرى بين الله سبحانه وتعالي وملائكته عندما أعلمهم أنه عازم على خلق بشر، ويصور لنا ذلك الحوار الرائع الذي جرى بين الله جلت قدرته والملائكة، فلم ينههم ولم يسكتهم ولكنه تعالى أعطاهم الفرصة الكاملة ليعبروا عن مخاوفهم، وكذلك ذلك الحوار الذي جرى بين الله تعالى وإبليس عليه لعنة الله عندما طلب منه تعالى أن يعطيه الفرصة إلى يوم القيامة ليتمكن من اغواء بني آدم، على الرغم من أن الله سبحانه وتعالى كان بإمكانه اسكاته بلحظة. فمن منا أفضل من الله ومن منا أسوء من إبليس ؟

وأما في الشرائع البشرية فإن المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الأمم المتحدة 1948 ينص على القول التالي: "لكل إنسان الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية".

دعونا نتحاور ونختلف ولكن في أفكارنا وأطروحاتنا ونوقفها عند هذا الحد، ولا نتركها تصل إلى حياتنا وعلاقاتنا، لماذا عندما نختلف في الآراء والأفكار يكره بعضنا البعض ؟ هل من حقك أن تعبر عن ذاتك وليس من حقي ذلك ؟

لماذا تقف المعارضة – دائمًا – ضد الحكومة، والحكومة ضد المعارضة وكأن كل منهما يريد القضاء على الآخر، لماذا مكتوب في منهج المعارضة أن الحكومة دائمًا على خطأ ؟ لماذا لا تحاول المعارضة أن تتفهم الحكومة وبالعكس حتى تصل السفينة إلى بر الأمان ؟

فليس من الحكمة أن نصنع خندقًا من الكراهية بيني وبينك من أجل التعبير عن الرأي والأفكار، بل على العكس فإن تحاورنا بنية الوصول إلى تقاطعات ايجابية بين رأيي ورأيك حتمًا سنصل إلى بعض من تلك التقاطعات، عندها لنتعاون معًا من أجل تحقيق تلك النقاط، ومن ثم لننتقل إلى النقاط الأخرى.

لكن يجب أن يكون معلومًا بالضرورة أن التعبير عن الرأي والاختلاف في طرح الأفكار لا يكون بقلة الأدب والاحترام، ولا يكون بالسباب والشتائم، وإنما يجب أن نترفع عن كل هذا المستوى في الحوار فالقاعدة الذهبية تقول "إن العقول الصغيرة تناقش الأشخاص، والعقول المتوسطة تناقش الأشياء، والعقول الكبيرة تناقش المبادئ" فاحترامك للأخرين هو احترام لنفسك أولاً فأنت لا تناقش هذا الشخص وتفنده هو ولكن الحوار والنقاش يكون في الأفكار والمبادئ، وعندما يتحقق ذلك فإننا فعلاً لا نكره الأشخاص، فأنت تناقش فكر الآخر لا تناقش حياته وشخصيته، لذلك فإنه لا وجود حينئذ للكراهية التي تأتي عندما نمس كرامة الأفراد وشخصياتهم.

الخلاصة: أن نناقش أفكار الناس وآرائهم وهذا حق لنا وله أيضًا، وأن لا نكرههم بسبب تلك الأفكار والآراء، فربما كنا ننظر إلى أفكاره من منظار آخر، فلنتخيل رقم (7) باللغة العربية أو (6) باللغة الإنجليزية فإن نظرت لها من فوق فإنها ستكون (8) وإن نظرت لها من تحت فإنها (7)، على الرغم من أن الرقم لم يتغير، وإنما تغير موقفك أنت من الرقم. لذلك ببساطة أطرح رأيك وناقش وهذا حقك ولكن لا تكره المخالفين لرأيك مهما كان خلافهم.

أخبار الخليج

2 أغسطس 2013

شعرة معاوية في العلاقات الإنسانية

 

يقال أن أعرابيًا سأل الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: كيف حكمت الشام أربعين سنة ولم تحدث فتنة والدنيا تغلي ؟ فقال رضي الله عنه: "إن بيني وبين الناس شعرة إذا أرخوا شددت، وإذا شدوا أرخيت".

هذه المقولة على الرغم من بساطة كلماتها وتعبيرها إلا أنها تعد نبراسًا ليس في نظام الحكم فحسب وإنما هي تضع أحكام للعلاقات الإنسانية كلها، فهي تنفع في السياسة العامة للدولة وتضع سياسة الإنسان مع نفسه ومع أهله وأصدقائه، فهي قاعدة أساسية – نجد أنها – بنيت على الآية الكريمة التي وردت في سورة آل عمران – الآية 159 والتي يقول فيها عز وجل (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)، ومن الملاحظ أن هذه الآية وهذا الكلام موجه إلى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهو الرحمة المهداة إلى البشرية، فكيف هو الحال مع بقية البشر؟

ولقد حظى موضوع التعرف ودراسة الشخصيات البشرية المختلفة وكيفية التعامل معها بالاهتمام في مستهل القرن العشرين، مع الطفرة العلمية بظهور وتنامي علمي النفس والاجتماع، وأبلى العلماء في ذلك الشيء الكثير، وأدلى كل عالم بدلوه حسب تخصصه واهتماماته، فمنهم من صنف البشر إلى صعبي المراس وليني المراس، ومنهم من وجد أننا محاطون بأنواع مختلفة من الشخصيات منهم شخصيات مرتابة وشخصيات ساذجة وشخصيات قاسية وشخصيات هستيرية وأشخاص لا نطيقهم وأشخاص نحبهم وشخصيات نرجسية وما إلى ذلك، وبعدها امتلأت الأسواق بالعديد من الأبحاث والكتب التي تتناول طرق التعامل مع كل صنف من البشر، ولكننا إن كنا نريد أن نؤصل لهذا العلم فإننا ببساطة يمكننا أن نلخص كل ذلك في قول الله تعالي في الآية 199 من سورة الأعراف التي يقول فيها (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).

ليس هذه الآية فحسب، وإنما ورد في القرآن الكريم الكثير من الآيات وكذلك جاء في السنة النبوية العديد من الأحاديث الشريفة التي تشير إلى حسن التعامل مع البشر، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس أحسنهم خُلُقاً) وكذلك قوله: (المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس)، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعايش الناس بهذه الأخلاق العالية، لذلك أحبه واحترمه أعداءه قبل صحابته الكرام.

ولكن في هذا الخضم الهائل المليء بجميع أنواع البشر، وبمختلف أمزجتهم، يبقى السؤال المهم: كيف يمكن التعامل معهم ؟ هل أغير جلدي مع كل إنسان ؟ ماذا يمكن أن أفعل إن تطاول على كرامتي أحدهم ؟ وربما العديد من الأسئلة التي تشغل بالنا وربما تعتبر في الكثير من الأحيان حواجز تقف في وجهنا عندما نتعامل خاصة مع صعبي المراس من البشر.

ولسنا هنا – في هذا المقال – بصدد الإجابة على تلك الأسئلة، إلا إننا سنحاول – ولو بصورة مبسطة ومبدئية – أن نأتي ببعض الطرق والأساليب التي يمكن من خلال ممارستها أن نحقق الكثير من الرضا بيننا وبين الناس الآخرين، ومن ثم يمكن من خلال المقالات القادمة أن ندخل في بعض التفصيلات حسب نوعية الشخصيات التي نتعامل معها.

فإن كنت تحب أن تتعامل مع البشر بالأسلوب الصحيح فقم بالتالي:

1- اهتم بالناس وتواضع لهم: يحب الناس من يهتم بهم ويجلس في مجالسهم، ويصافحهم ويبش في وجوههم، بل ويبادر بالسلام، ويتواضع لهم، ويسمع لهم، ويحاول أن يواسيهم في مصابهم ويفرح معهم في أفراحهم وخاصة إن كنت ذو مستوى اجتماعي أو وظيفي عالي، فالناس لا تريد مالك ولا تحسدك على منصبك، وإنما تريد مشاركتك وتواجدك واهتمامك، عندئذ تأكد أنهم سيحبونك بقدر ما تظهر لهم من اهتمامك.

2- لا تنتقد ولا تلوم أحد أمام الناس، وحتى انتقادك يجب أن يكون بناءً: كلنا نخطأ وربما معظمنا ليس لديه مانع أن يسمع النصيحة، ولكننا – حتمًا – لا نقبل أن ينصحنا أو ينتقدنا أحد أمام الناس، مهما كانت النصيحة أو الانتقاد، وممن، حتى من آباءنا وأزواجنا. لذلك يجب أن تكون حريصًا أن لا تنتقد أحد أمام الناس حتى وإن كان ابنك أو بنتك أو حتى الموظفين الذين يعملون تحت أمرتك، فما بالنا بأناس لا تعرفهم حق المعرفة ؟ وإن كان لديك انتقاد أو ملاحظة فإنه يجب أن تكون إيجابيًا في طرحها وأن تأتي بالبدائل بقدر الإمكان، ولا تنتقد من أجل الانتقاد، وإنما حتى يكون انتقادك ايجابيًا فإنه يجب أن تأتي بالحلول والبدائل الأخرى.

3- أجزل الثناء على الشخص الذي أمامك – وخاصة المنجز – وتكلم معه بإيجابية: إن كان الانتقاد أمام الناس غير مقبول فإن المديح والثناء أمام الناس جدًا مطلوب، فلا تبخل أن تجزل الثناء على زوجك وأطفالك وموظفيك، وخاصة إن كان الثناء على عمل تم إنجازه حتى وإن كان العمل صغير في نظر الآخرين. فالكلمة الإيجابية الجميلة اللينة لها مفعول السحر بين البشر، فماذا يمكن أن يفعل ثناءك وإيجابيتك لابنك الصغير الذي رسم لوحة صغيرة بسيطة ؟ أو طبخة بسيطة أنجزتها ابنتك ؟ وهذا لا يعني أن تكذب ولكنك تمتدح أقل إنجاز يقوم به الشخص، وهذا يحثه لعمل المزيد.

4- كلم الناس بما يريدون هم ويعرفون، وليس بما تريد أنت وتعرف من موضوعات لا يعرفونها: وهذا لا يعني أبدًا ألا نقوم بتثقيف الناس وتوعيتهم في القضايا العلمية والسياسية وغيرها من موضوعات، وإنما ليس من المعقول أن نلقي النكات في مجلس عزاء، أو نتكلم اللغة الأجنبية بين أناس لا يعرفون إلا اللغة الأم. لماذا نتكلم نحن عن ما نحب نحن ؟ لماذا لا تتكلم عن ما يحبه محدثك (الشخص الآخر) ؟ لماذا لا نتكلم فيما يحبه هو ويرغب فيه ؟ لماذا نصر على أبناءنا وأزواجنا وجهات نظرنا في الموضوع ؟ لماذا لا نفكر فيما يرغبون بدلاً فيما نرغب ؟

5- ابتسم: أليس جميلاً أن تكون الابتسامة في ديننا الإسلامي عبادة، فلماذا لا نبتسم إذن ؟ ابتسم في وجوه من يلقون عليك التحية، ابتسم في وجه زوجك وأولادك. ولقد أثبت الطبيب الأميركي (وليم فرابي) أن الجانب الأيمن من المخ يحتوي على الأحاسيس والانفعالات التي تساعد الشخص على الضحك، والذي يعتبره الطب من أهم التمرينات الرياضية للجسم بصورة عامة وللقلب بصورة خاصة، حيث أن الابتسامة والضحك يعملان على زيادة نسبة بنية القلب. وقد أجريت أبحاث كثيرة عن تأثير الابتسامة، وتأثيراتها المفيدة على القلب، فالابتسامة والضحك يحرِّكان عضلات الوجه والبطن والصدر والكتفين، وكذلك ينشط الدورة الدموية بصورة عامة، ولقد شبَّه أحد العلماء الضحك بالهرولة وأنت جالس. ويقول علماء النفس، إن الأشخاص الذين يضحكون عادة مسالمون طيبو القلب لأنهم يفرجون عن طاقتهم العدوانية بالضحك.

6- أذكر أجمل الأسماء لمحدثك: يقول راوي الحديث حنظلة بن حذيم في الحديث المرفوع (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ أَنْ يُدْعَى الرَّجُلُ بِأَحَبِّ أَسْمَائِهِ إِلَيْهِ، وَأَحَبِّ كُنَاهُ)، ولكننا نحن نبحث عن الاسم الذي يخلق عند محدثنا الاشمئزاز والضيق والنفور، ليس ذلك فحسب وإنما نعلنه أمام الجميع، ونقول للجميع أن (س) من الناس لا يحب هذا الاسم، ونحن نضحك سخرية من الرجل، ثم نذيل حديثنا بتحذير أن لا يقولون أمامه أننا قلنا ذلك. أهذه صفات نعتقد أنه ممكن من خلالها أن نكسب الأفراد ؟ لماذا لا نسأل الفرد عند أول لقاء لنا عن اسمه وكنيته وأجمل الأسماء التي يحب سماعها، ثم نناديه بها ؟ والأجمل أن لا ننسى هذا الاسم.

7- أصغ أولاً: معظمنا إن لم نكن كلنا لدينا مشكلة مع آذاننا، إنها لا ترغب في سماع الآخرين، إن ألسنتنا في صراع دائم مع آذاننا، ألسنتنا تريد أن تتكلم وتتكلم ولا ترغب في اتاحة الفرصة للآذان أن تسمع. جرب بنفسك عندما تجلس في مجلس مع أهلك وأخوتك، أو في مجلس عام، شاهد كل من حولك ثم أسأل نفسك: من يسمع من ؟ ومن يكلم من ؟ ستجد أن الجميع يتكلم، ولا أحد يسمع. لذلك من الصفات الحميدة التي ترغب الناس فيك أن تصغي لهم وتعطيهم الفرصة المناسبة والوقت الكافي للحديث، فإن كان لديك تعليق فليكن في نهاية الحديث بعد أن تستمع لمحدثك حتى النهاية.

8- أجعل الشخص يشعر بأهميته: لا نريد أن ننافق، ولكن حتى تشعر الإنسان بأهميته تحدث معه عن عمله واهتماماته وتفكيره وآرائه، كأن تقول له: ما رأيك في كذا وكذا، ولا تسفه آراءه وأحلامه، فإن كان موظفًا أبرز مجهوداته أمام الآخرين وقل له في بعض المناسبات – مثلاً – وجودك مهم في الإدارة، وكذلك للزوج أو الولد فلا تسفه أي بادره من الطرف الآخر لتحسين صورة ما أو تعديل وضع قائم، صور للإنسان الذي أمامك إن ما يقوم به عظيم حتى وإن كان الموضوع صغير.

9- لا تغضب: لا يمكن أن ننسى ونحن نتحدث عن الغضب الحديث الشريف الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه الذي قال: إن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم "أوصني" قال: "لا تغضب"، فردد، قال: "لا تغضب". فلا يمكن لثورة الغضب أن تصلح بين طرفين حتى وإن كانت المشكلة بسيطة بينهما وإنما توسع الشق وتزيد من حالات النفور.

10- اهتم بشكلك ومظهرك: المنظر الحسن يعكس جزء من شخصية الإنسان، فلا يمكن أن تجالس الناس وأن تتحدث معهم وأنت رث الثياب منكوش الشعر، وسخ اليدين والوجه والنفس، كيف تريد أن يحبك الناس وأنت هكذا ؟

عمومًا، هذه بعض المظاهر والأساليب التي يمكن أن نتبعها لتحسين علاقتنا ببعض البشر، قد تنفع في الكثير من الأوضاع ولكنها حتمًا لا تضر، لذلك فلنمارسها بأكبر قدر حتى نعيش ونتعايش مع الناس بسعادة تغمر قلوبنا نحن، ولنا لقاء آخر.

أخبار الخليج

23 فبراير 2014

بسم الله نبدأ منذ هذا اليوم افتتاح الموقع

 

Dr.Zakareya 1