الاثنين، 24 فبراير 2014

شعرة معاوية في العلاقات الإنسانية

 

يقال أن أعرابيًا سأل الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: كيف حكمت الشام أربعين سنة ولم تحدث فتنة والدنيا تغلي ؟ فقال رضي الله عنه: "إن بيني وبين الناس شعرة إذا أرخوا شددت، وإذا شدوا أرخيت".

هذه المقولة على الرغم من بساطة كلماتها وتعبيرها إلا أنها تعد نبراسًا ليس في نظام الحكم فحسب وإنما هي تضع أحكام للعلاقات الإنسانية كلها، فهي تنفع في السياسة العامة للدولة وتضع سياسة الإنسان مع نفسه ومع أهله وأصدقائه، فهي قاعدة أساسية – نجد أنها – بنيت على الآية الكريمة التي وردت في سورة آل عمران – الآية 159 والتي يقول فيها عز وجل (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)، ومن الملاحظ أن هذه الآية وهذا الكلام موجه إلى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهو الرحمة المهداة إلى البشرية، فكيف هو الحال مع بقية البشر؟

ولقد حظى موضوع التعرف ودراسة الشخصيات البشرية المختلفة وكيفية التعامل معها بالاهتمام في مستهل القرن العشرين، مع الطفرة العلمية بظهور وتنامي علمي النفس والاجتماع، وأبلى العلماء في ذلك الشيء الكثير، وأدلى كل عالم بدلوه حسب تخصصه واهتماماته، فمنهم من صنف البشر إلى صعبي المراس وليني المراس، ومنهم من وجد أننا محاطون بأنواع مختلفة من الشخصيات منهم شخصيات مرتابة وشخصيات ساذجة وشخصيات قاسية وشخصيات هستيرية وأشخاص لا نطيقهم وأشخاص نحبهم وشخصيات نرجسية وما إلى ذلك، وبعدها امتلأت الأسواق بالعديد من الأبحاث والكتب التي تتناول طرق التعامل مع كل صنف من البشر، ولكننا إن كنا نريد أن نؤصل لهذا العلم فإننا ببساطة يمكننا أن نلخص كل ذلك في قول الله تعالي في الآية 199 من سورة الأعراف التي يقول فيها (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).

ليس هذه الآية فحسب، وإنما ورد في القرآن الكريم الكثير من الآيات وكذلك جاء في السنة النبوية العديد من الأحاديث الشريفة التي تشير إلى حسن التعامل مع البشر، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس أحسنهم خُلُقاً) وكذلك قوله: (المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس)، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعايش الناس بهذه الأخلاق العالية، لذلك أحبه واحترمه أعداءه قبل صحابته الكرام.

ولكن في هذا الخضم الهائل المليء بجميع أنواع البشر، وبمختلف أمزجتهم، يبقى السؤال المهم: كيف يمكن التعامل معهم ؟ هل أغير جلدي مع كل إنسان ؟ ماذا يمكن أن أفعل إن تطاول على كرامتي أحدهم ؟ وربما العديد من الأسئلة التي تشغل بالنا وربما تعتبر في الكثير من الأحيان حواجز تقف في وجهنا عندما نتعامل خاصة مع صعبي المراس من البشر.

ولسنا هنا – في هذا المقال – بصدد الإجابة على تلك الأسئلة، إلا إننا سنحاول – ولو بصورة مبسطة ومبدئية – أن نأتي ببعض الطرق والأساليب التي يمكن من خلال ممارستها أن نحقق الكثير من الرضا بيننا وبين الناس الآخرين، ومن ثم يمكن من خلال المقالات القادمة أن ندخل في بعض التفصيلات حسب نوعية الشخصيات التي نتعامل معها.

فإن كنت تحب أن تتعامل مع البشر بالأسلوب الصحيح فقم بالتالي:

1- اهتم بالناس وتواضع لهم: يحب الناس من يهتم بهم ويجلس في مجالسهم، ويصافحهم ويبش في وجوههم، بل ويبادر بالسلام، ويتواضع لهم، ويسمع لهم، ويحاول أن يواسيهم في مصابهم ويفرح معهم في أفراحهم وخاصة إن كنت ذو مستوى اجتماعي أو وظيفي عالي، فالناس لا تريد مالك ولا تحسدك على منصبك، وإنما تريد مشاركتك وتواجدك واهتمامك، عندئذ تأكد أنهم سيحبونك بقدر ما تظهر لهم من اهتمامك.

2- لا تنتقد ولا تلوم أحد أمام الناس، وحتى انتقادك يجب أن يكون بناءً: كلنا نخطأ وربما معظمنا ليس لديه مانع أن يسمع النصيحة، ولكننا – حتمًا – لا نقبل أن ينصحنا أو ينتقدنا أحد أمام الناس، مهما كانت النصيحة أو الانتقاد، وممن، حتى من آباءنا وأزواجنا. لذلك يجب أن تكون حريصًا أن لا تنتقد أحد أمام الناس حتى وإن كان ابنك أو بنتك أو حتى الموظفين الذين يعملون تحت أمرتك، فما بالنا بأناس لا تعرفهم حق المعرفة ؟ وإن كان لديك انتقاد أو ملاحظة فإنه يجب أن تكون إيجابيًا في طرحها وأن تأتي بالبدائل بقدر الإمكان، ولا تنتقد من أجل الانتقاد، وإنما حتى يكون انتقادك ايجابيًا فإنه يجب أن تأتي بالحلول والبدائل الأخرى.

3- أجزل الثناء على الشخص الذي أمامك – وخاصة المنجز – وتكلم معه بإيجابية: إن كان الانتقاد أمام الناس غير مقبول فإن المديح والثناء أمام الناس جدًا مطلوب، فلا تبخل أن تجزل الثناء على زوجك وأطفالك وموظفيك، وخاصة إن كان الثناء على عمل تم إنجازه حتى وإن كان العمل صغير في نظر الآخرين. فالكلمة الإيجابية الجميلة اللينة لها مفعول السحر بين البشر، فماذا يمكن أن يفعل ثناءك وإيجابيتك لابنك الصغير الذي رسم لوحة صغيرة بسيطة ؟ أو طبخة بسيطة أنجزتها ابنتك ؟ وهذا لا يعني أن تكذب ولكنك تمتدح أقل إنجاز يقوم به الشخص، وهذا يحثه لعمل المزيد.

4- كلم الناس بما يريدون هم ويعرفون، وليس بما تريد أنت وتعرف من موضوعات لا يعرفونها: وهذا لا يعني أبدًا ألا نقوم بتثقيف الناس وتوعيتهم في القضايا العلمية والسياسية وغيرها من موضوعات، وإنما ليس من المعقول أن نلقي النكات في مجلس عزاء، أو نتكلم اللغة الأجنبية بين أناس لا يعرفون إلا اللغة الأم. لماذا نتكلم نحن عن ما نحب نحن ؟ لماذا لا تتكلم عن ما يحبه محدثك (الشخص الآخر) ؟ لماذا لا نتكلم فيما يحبه هو ويرغب فيه ؟ لماذا نصر على أبناءنا وأزواجنا وجهات نظرنا في الموضوع ؟ لماذا لا نفكر فيما يرغبون بدلاً فيما نرغب ؟

5- ابتسم: أليس جميلاً أن تكون الابتسامة في ديننا الإسلامي عبادة، فلماذا لا نبتسم إذن ؟ ابتسم في وجوه من يلقون عليك التحية، ابتسم في وجه زوجك وأولادك. ولقد أثبت الطبيب الأميركي (وليم فرابي) أن الجانب الأيمن من المخ يحتوي على الأحاسيس والانفعالات التي تساعد الشخص على الضحك، والذي يعتبره الطب من أهم التمرينات الرياضية للجسم بصورة عامة وللقلب بصورة خاصة، حيث أن الابتسامة والضحك يعملان على زيادة نسبة بنية القلب. وقد أجريت أبحاث كثيرة عن تأثير الابتسامة، وتأثيراتها المفيدة على القلب، فالابتسامة والضحك يحرِّكان عضلات الوجه والبطن والصدر والكتفين، وكذلك ينشط الدورة الدموية بصورة عامة، ولقد شبَّه أحد العلماء الضحك بالهرولة وأنت جالس. ويقول علماء النفس، إن الأشخاص الذين يضحكون عادة مسالمون طيبو القلب لأنهم يفرجون عن طاقتهم العدوانية بالضحك.

6- أذكر أجمل الأسماء لمحدثك: يقول راوي الحديث حنظلة بن حذيم في الحديث المرفوع (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ أَنْ يُدْعَى الرَّجُلُ بِأَحَبِّ أَسْمَائِهِ إِلَيْهِ، وَأَحَبِّ كُنَاهُ)، ولكننا نحن نبحث عن الاسم الذي يخلق عند محدثنا الاشمئزاز والضيق والنفور، ليس ذلك فحسب وإنما نعلنه أمام الجميع، ونقول للجميع أن (س) من الناس لا يحب هذا الاسم، ونحن نضحك سخرية من الرجل، ثم نذيل حديثنا بتحذير أن لا يقولون أمامه أننا قلنا ذلك. أهذه صفات نعتقد أنه ممكن من خلالها أن نكسب الأفراد ؟ لماذا لا نسأل الفرد عند أول لقاء لنا عن اسمه وكنيته وأجمل الأسماء التي يحب سماعها، ثم نناديه بها ؟ والأجمل أن لا ننسى هذا الاسم.

7- أصغ أولاً: معظمنا إن لم نكن كلنا لدينا مشكلة مع آذاننا، إنها لا ترغب في سماع الآخرين، إن ألسنتنا في صراع دائم مع آذاننا، ألسنتنا تريد أن تتكلم وتتكلم ولا ترغب في اتاحة الفرصة للآذان أن تسمع. جرب بنفسك عندما تجلس في مجلس مع أهلك وأخوتك، أو في مجلس عام، شاهد كل من حولك ثم أسأل نفسك: من يسمع من ؟ ومن يكلم من ؟ ستجد أن الجميع يتكلم، ولا أحد يسمع. لذلك من الصفات الحميدة التي ترغب الناس فيك أن تصغي لهم وتعطيهم الفرصة المناسبة والوقت الكافي للحديث، فإن كان لديك تعليق فليكن في نهاية الحديث بعد أن تستمع لمحدثك حتى النهاية.

8- أجعل الشخص يشعر بأهميته: لا نريد أن ننافق، ولكن حتى تشعر الإنسان بأهميته تحدث معه عن عمله واهتماماته وتفكيره وآرائه، كأن تقول له: ما رأيك في كذا وكذا، ولا تسفه آراءه وأحلامه، فإن كان موظفًا أبرز مجهوداته أمام الآخرين وقل له في بعض المناسبات – مثلاً – وجودك مهم في الإدارة، وكذلك للزوج أو الولد فلا تسفه أي بادره من الطرف الآخر لتحسين صورة ما أو تعديل وضع قائم، صور للإنسان الذي أمامك إن ما يقوم به عظيم حتى وإن كان الموضوع صغير.

9- لا تغضب: لا يمكن أن ننسى ونحن نتحدث عن الغضب الحديث الشريف الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه الذي قال: إن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم "أوصني" قال: "لا تغضب"، فردد، قال: "لا تغضب". فلا يمكن لثورة الغضب أن تصلح بين طرفين حتى وإن كانت المشكلة بسيطة بينهما وإنما توسع الشق وتزيد من حالات النفور.

10- اهتم بشكلك ومظهرك: المنظر الحسن يعكس جزء من شخصية الإنسان، فلا يمكن أن تجالس الناس وأن تتحدث معهم وأنت رث الثياب منكوش الشعر، وسخ اليدين والوجه والنفس، كيف تريد أن يحبك الناس وأنت هكذا ؟

عمومًا، هذه بعض المظاهر والأساليب التي يمكن أن نتبعها لتحسين علاقتنا ببعض البشر، قد تنفع في الكثير من الأوضاع ولكنها حتمًا لا تضر، لذلك فلنمارسها بأكبر قدر حتى نعيش ونتعايش مع الناس بسعادة تغمر قلوبنا نحن، ولنا لقاء آخر.

أخبار الخليج

23 فبراير 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق