السبت، 25 أكتوبر 2014

التغافل .. لغة نحتاج إلى فهمها

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٦ أكتوبر ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

يروى أنه دخل رجل على الأمير المجاهد قتيبة بن مسلم الباهلي، فكلمه في حاجة له، وأثناء ذلك وضع الرجل نصل سيفه على الأرض فجاء على أصبع رجل الأمير، وجعل يكلمه في حاجته وقد أدمى النصلُ أصبع الأمير، والرجل لا يشعر، والأمير لا يظهر ما أصابه، وجلساء الأمير لا يتكلمون هيبة له، فلما فرغ الرجل من حاجته وانصرف دعا قتيبة بن مسلم بمنديل فمسح الدم من أُصبعه وغسله، فقيل له: ألا نحَّيت رجلك أصلحك الله، أو أمرت الرجل برفع سيفه عنها، فقال: خشيت أن أقطع عنه حاجته.
يقول راوي الحكاية: فلقد كان في قدرة الأمير أن يأمره بإبعاد نصل سيفه عن قدمه، وليس هنالك من ملامة عليه، أو على الأقل أن يبعد الأمير قدمه عن نصل سيفه، ولكنه أدب التغافل حتى لا يقطع على الرجل حديثه، وبمثل هذه الأخلاق ساد أولئك الرجال.
ونعني بالتغافل تعمّد الغفلة، أي أن يراه الآخر أنه غافل، إلا أنه في الحقيقة يعلم تمام العلم بما يحيط به ومدرك لما يتغافل عنه؛ وذلك تكرمًا وترفعًا عن سفاسف الأمور. فالمتغافل يتعمد الغفلة عن أخطاء وعيوب من حوله، مع أنه مدركٌ لها، عالمٌ بها؛ لكنه يتغافل عنها كأنه لم يعلم بها؛ لكرم خلقه.
وقد ذكر ابن الأثير متحدثًا عن صلاح الدين الأيوبي أنه «كان صبورًا على ما يكره، كثير التغافل عن ذنوب أصحابه، يسمع من أحدهم ما يكره، ولا يعلمه بذلك، ولا يتغير عليه. وبلغني أنه كان جالسًا وعنده جماعة، فرمى بعض المماليك بعضًا بسرموز– يعني بنعل – فأخطأته، ووصلت إلى صلاح الدين فأخطأته، ووقعت بالقرب منه، فالتفت إلى الجهة الأخرى يكلم جليسه؛ ليتغافل عنها».
والتغافل – كما قال حسن البصري – من فعل الكرام، وهو «تسعة أعشار حسن الخلق» كما قال الإمام أحمد بن حنبل، وذلك بسبب أن الإنسان الذي يتمتع بأدب التغافل يترفع عن سفاسف الأمور.
فالمدير – مثلاً – يجب أن يتجاوز عن موظفيه إن هم قصروا بشيء ما، فلا يستقصي مكامن تقصيرهم فيبرزها لهم ليلومهم ويحاججهم عليها، ولا يذكرهم بحقوقه الواجبة عليهم تجاهه عند كل زلّة، وإنما يتغافل عن اليسير وهو يعلمه، ليس ذلك فحسب وإنما إن أمكن يحاول أن يرشدهم إلى فعل الصواب.
وكيف يكون حال الأب أو الأم الذي يعاقب الابن أو البنت على كل خطأ ثم يفكر في تعليمه بعد ذلك؟ كيف سينشأ هذا الطفل وهل يتقبل النصح بعد العتاب والتجريح وربما الضرب؟ حتمًا سينشأ محملاً بالجروح والاهانات وتنعدم سبل التواصل بينه وبين والديه. هذا هو الحال مع أب وابنه أو أم وابنتها، فكيف سيكون الحال بين زوج وزوجته؟
في مجتمعنا العربي الزوج يختار زوجته وهو يحلم أن تكون مثالية جدا، وينتظر أن تفعل له ما يريد، وأن تقوم بما يحب، وكأنها تعلم بما في نفسه أو خلقها الله شاذة عن الخلق الذين جبلوا على الخطأ، وعندما يعيشان معًا تبدأ المشاكل، والسبب كثرة الانتقاد والمحاسبة وقلة التشجيع والاهتمام، وما ينطبق على الزوج ينطبق على الزوجة كذلك.
وتروي كتب التربية هذه الحكاية على لسان أحد الأبناء، فيقول:
بعد يوم طويل وصعب من العمل وضعت أمي طعام العشاء أمام أبي على الطاولة، وبجانبه خبز محمص لكن الخبز كان محروقًا تمامًا.
أتذكر أنني ارتقبت طويلاً كي يلحظ أبي ذلك، ولا أشك على الإطلاق أنه لاحظه إلا أنه مدّ يده إلى قطعة الخبز، وابتسم لوالدتي، وسألني كيف كان يومي في المدرسة؟ لا أتذكرُ بم أجبته لكنني أتذكر أني رأيتهُ يدهنُ قطعة الخبز بالزبدة والمربى ويأكلها كلها.
عندما نهضتُ عن طاولة الطعام تلك الليلة، أتذكر أني سمعتُ أمي تعتذر لأبي عن حرقها للخبز وهي تحمصهُ، ولن أنسى رد أبي على اعتذار أمي حينما قال: لا تكترثي يا حبيبتي بذلك، أنا أحب أحيانًا أن آكل الخبز محمصًا زيادة عن اللزوم وأن يكون به طعم الاحتراق.
وفي وقت لاحق تلك الليلة عندما ذهبتُ لأقبل والدي قبلة تصبح على خير، سألته إن كان حقًا يحب أن يتناول الخبز أحيانًا محمصًا إلى درجة الاحتراق فضمني إلى صدره، وقال لي:
يا بني، أمك اليوم كان لديها عمل شاق وقد أصابها من التعب والإرهاق في يومها الشيء الكثير، فهل نرهقها ونعاتبها بسبب قطعة خبز محترقة بعض الشيء؟ إن قطعًا من الخبز المحمص زيادة عن اللزوم أو حتى محترقة لن تضرّ حتى الموت.
إن الحياة يا بني مليئة بالأشياء الناقصة، وليس هناك شخص كامل لا عيب فيه، علينا أن نتعلم كيف نقبل النقصان في الأمور، وأن نتقبل عيوب الآخرين، وهذا من أهم الأمور في بناء العلاقات وجعلها قوية مستديمة. خبز محمص محروق قليلاً لا يجب أن يكسر قلبًا جميلاً فليعذر أحدنا الآخر، ولا نظن بالآخرين إلا خيرًا فنحن لا نعرف ظروف الآخرين. أ. هـ
فالبشر جبلوا على الخطأ، والخطأ من الجهتين، المتحدث والمستمع، فمن غير الحكمة أن ننتظر من الناس أن يفعلوا ما نريد أو أن يقولوا ما نريد، بل يجب أن نتعامل مع الناس معاملة واقعية مرنة تأخذ في حسبانها الطبيعة البشرية التي جبلت عليها، كما أننا في الكثير من الأحيان قد لا نفهم الكلمة التي تخرج من فم الإنسان المتحدث أو ربما نعيد صياغتها في أذهاننا وذلك لحاجة في نفوسنا.
قال الفاروق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لا تظنَّ بكلمة خرجت من أخيك كالمؤمن إلا خيرًا، وأنت تجد لها في الخير محملاً». وقال جعفر بن محمد: «إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره فالتمس له عذرًا واحدًا إلى سبعين عذرًا، فإن أصبته وإلا، قل لعل له عذرًا لا أعرفه».
وقال الإمام ابن القيم: «من أساء إليك ثم جاء يعتذر من إساءته، فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته، حقًا كانت أو باطلاً، وتوكل سريرته إلى الله»، ويواصل ويقول: «وعلامة الكرم والتواضع أنك إذا رأيت الخلل في عذره لا توقفْه عليه ولا تحاجّه، وقل: يمكن أن يكون الأمر كما تقول، ولو قضي شيء لكان، والمقدور لا مدفع له ونحو ذلك».
وعلى الرغم من ذلك، فإننا يجب أن ندرك ثلاثة أمور تتعلق بالتغافل، حتى لا نسيء فهم هذا الأدب الرفيع وكذلك حتى لا نسيء إلى أنفسنا، وهي:
1- هناك التغافل عن السلبيات، وهذه سمة إيجابية مقبولة ومرغوبة.
2- وهناك تغافل عن الإيجابيات، وهذه سمة سلبية غير مقبولة وغير مرغوبة.
3- وفي مواقف أخرى يكون من الحماقة أن نتغافل عن الخطأ، فليس من الحكمة الاستمرار بالتغافل الكامل عن الخطأ المستمر أو المتعمد، ففي هذه الحالة فإننا نحتاج إلى تدخل سريع للتنبيه إلى سلوك معين، وذلك من أجل وقف الضرر القائم وربما إحقاق الحق.

الخلاصة: أن نتغافل عن الأخطاء البسيطة من البشر وخاصة من الناس الذين يعيشون حولنا ونتعايش معهم ونحبهم، ولكن حتى هؤلاء إن تمادوا في الخطأ فإنه من الواجب أن نوجههم ونرشدهم إلى الخطأ ولكن بعيدًا عن التأنيب والإذلال.
أما الأشخاص الذين يتعمدون الخطأ في حقنا ويستمرون في الخطأ مع علمهم أن ذلك خطأ فإن ذلك يحتاج منا إلى وقفة، توقفهم عند حدّهم، فليس من الحكمة أن نتغافل عن تاجر يحاول أن يغشنا في البيع أو سارق أو محتال ونحن ندرك أنه يقوم بذلك.

الأحد، 19 أكتوبر 2014

دور العلاقات العامة في بناء الصورة الذهنية للمؤسسات

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٩ أكتوبر ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

هناك حقيقة ثابتة لا يمكن إغفالها في دراسة الشخصية ألا وهي «الفردية»، أي أن التفرد يجب أن يكون هو السمة المميزة لكل فرد، أو لكل مؤسسة.
فكلنا يعلم إن الإنسان مخلوق فريد من نوعه ما بين الكائنات، ليس ذلك فحسب وإنما من المستحيل أن نجد شخصيتين متشابهتين تمام التشابه، حتى التوائم، والناس في تفردهم أشبه ببصمات الأصابع، فمن المستحيل أن نجد بصمتين متشابهتين لشخصين مختلفين.
وعلم نفس الشخصية يركز اهتمامه على الفردية المميزة لهذا الشخص عن ذاك الآخر أو هذه المؤسسة عن تلك. فنحن حين نقوم بدراسة الشخصية لا نكون في الحقيقة إزاء شخص مجرد بإزاء شخص محدد بالذات، أي إزاء فرد يعتبر مشكلة بالنسبة لنا، كما أن حل هذه المشكلة تكمن في هذا الفرد بالذات. فالخاصية المميزة للإنسان هي فرديته، أعني اعتباره مخلوقًا فريدًا في الطبيعة، وأنه مستقل مكانيًا عن غيره من الأفراد ولا يشبه تمامًا أي فرد آخر، وأنه يسلك في مجاله الخاص في الحياة، وعلى طريقته الخاصة، وأنه يخضع في سلوكه لعوامل متعددة كالجينات والتكوينات البيولوجية والغددية والتي تختلف اختلافًا كبيرًا من شخص لآخر، هذا بالإضافة إلى اختلاف الظروف البيئية التي يعيش فيها، وهذا كله من شأنه أن يجعل النمط مميزًا فريدًا لكل فرد.
ومعنى ذلك أن المعرفة السيكولوجية لا يمكنها بحال من الأحوال أن تغفل دراسة الفردية، وإلا فإنها لا تصبح معرفة سيكولوجية بالمعنى الدقيق، طالما أن كل سلوك هو سلوك فرد بالذات، ندخل معه في علاقات وصلات، سلوكي وسلوكك باعتباري أو باعتبارك شخصية متميزة مستقلة عن الآخرين. وهذا بالضبط ما ينطبق على سيكولوجية الصورة الذهنية للمؤسسات، فالتفرد لدى المؤسسات هي القضية المحددة التي يجب أن ينظر إليها عندما نخطط لرسم الصورة الذهنية لها، فمثلاً:
1- ما أبعاد مؤسستنا؟
2- ماذا تقدم للجمهور؟
3- ما تنظيمها الداخلي؟
4- كيف تخاطب الجمهور العام والجمهور الخاص؟
5- ما حاجة المجتمع لمنتجاتنا؟
ما القيمة المضافة التي تقدمها مؤسستنا للمجتمع ولم تتمكن المؤسسات الأخرى من تقديمها؟
ومثل هذه الأسئلة وغيرها يجب أن تطرح، ونحن نفكر في الصورة الذهنية وهي التي يمكن أن تضع لنا مؤشر واضح للصورة الذهنية وسيكولوجيتها.
وينظر إلى الصورة الذهنية للمؤسسات على أنها واحدة من الأصول الاستراتيجية التي تقود إلى إيجاد ميزة تنافسية وظروف مشجعة للبقاء والتطور للمنظمة. ويستخدم الكثير من الكتاب مصطلحا «الصورة الذهنية والشهرة» على أنهما متماثلين في حين ذهب آخرون إلى اختلاف المفهومين في أن الصورة الذهنية قد تتضمن معاني سلبية وفيها اختلاق وصيانة ولا تنم عن الحقيقة. ومنهم من يستعمل هوية المنظمة بدلاً من الصورة الذهنية الذاتية، وإدارة الانطباع بدلاً من الصورة الذهنية المتوقعة، وأما كلمة الشهرة فيستعملونها بدلاً من الصورة الذهنية المدركة.
وعلى الرغم من ذلك فإن شخصية المؤسسة تصنع من خلال رؤية هذه المنظمة، الرسالة، التوجه، الأسلوب الإداري، التاريخ، والأهداف. وهذه الشخصية هي التي تشكل هوية المؤسسة، وهي مجموعة من الرموز التي تستخدمها المؤسسة لتعرف بها نفسها للناس مثل المنتجات، الخدمات، الشعار، البنايات، وغيرها. وكل هذه الإشارات هي التي تصنع الصورة الذهنية للمؤسسة. لذلك فإن الصورة الذهنية تعتبر مجموعة من الانطباعات عند الجمهور لهذه المؤسسة، وبمجرد أن تتكون الصورة الذهنية بطريقة إيجابية تتكون الشهرة.
ونعتقد أن لكل مؤسسة صورة ذهنية، وأن الصورة الذهنية الجيدة لها تأثير كبير على نجاح المؤسسات، حيث إن الصورة الذهنية قادرة على إيجاد قيمة وأن لها تأثير على سلوك المستهلك حيث تتضمن إدراكا معينا لديهم، وقد لا يعكس هذا الإدراك الحقيقة الموضوعية، كما تسهم الصورة الذهنية للمؤسسات في تحسين السلوك والمواقف الفردية عند الموظفين.
وبما أن الصورة الذهنية تؤثر في سلوك أصحاب المصلحة، فإن المؤسسات تكافح من أجل تطوير وإدارة صورها الذهنية وذلك للعديد من الأسباب والتي تشمل: تنشيط المبيعات، ترسيخ النوايا الحسنة للمؤسسة، خلق هوية للموظفين، التأثير في المستثمرين والمؤسسات المالية، تعزيز علاقات ايجابية مع المجتمع والحكومة، ومجموعات المصلحة الخاصة وقادة الرأي وآخرون من أجل تحقيق وضع تنافسي.
ونعلم اليوم أن بناء الصورة الذهنية عملية ثقافية تتطلب رؤية واضحة وذهنًا يستوعب المستجدات وإدراكًا سليمًا للقيم الثابتة والقيم المتغيرة في المجتمع، ولا تتطلب بالضرورة زيادة معلومات ولا تخصصًا، فكم من عوام صاروا تجارًا أو بارزين في الفنون والمهن وبنوا لأنفسهم ولمؤسساتهم صورة ذهنية إيجابية بسبب وضوح الرؤية لديهم ولأنهم يملكون ذهنيات منفتحة، لذلك فهي عملية تحتاج إلى وقت طويل وجهد قليل، ورؤية واضحة وعقول منفتحة تستطيع أن تلم بأوجه نشاطات الوزارة أو المؤسسة وتحديد المسار الرئيس والهدف الأهم ليسهل تحديد هويتها التي تعاني من أزمة، والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية غير محصنة من أي حملة تشويه سمعة، كما أنها غير محصنة من بروز قيادي بارع يستأثر بهذا التراث الضخم من السمعة الجيدة المهملة في ظل استمرار تجاهل إعلامها وعلاقاتها العامة لأهمية بناء الصورة الذهنية وإدارة السمعة.
ويرى «بول جاريت» أحد رواد العلاقات العامة والذي تولى مسؤوليتها في شركة جنرال موتورز الأمريكية عام 1931 أن (العلاقات العامة ليست وسيلة دفاعية لجعل المؤسسة تبدو في صورة مخالفة لصورتها الحقيقية، وإنما هي الجهود المستمرة من جانب الإدارة لكسب ثقة الجمهور من خلال الأعمال التي تحظى باهتمامه واحترامه)، وإن العلاقات العامة ينبغي أن تكون تعبيرًا صادقًا عن الواقع كما أنها لابد أن تسمو إلى الدرجة التي تحظى باحترام الجمهور.
فإذا كان الواقع سيئا أو تشوبه بعض الشوائب فينبغي تنقية هذا الواقع وتدارك ما به من أخطاء بدلاً من محاولة إخفائها أو تزييفها بكلمات معسولة سرعان ما يزول أثرها وينكشف زيفها، كما ينبغي أن تسهم العلاقات العامة في مواجهة المشكلات التي تؤثر على الجمهور من خلال الأعمال البناءة والجهود الحقيقية الهادفة إلى تحقيق الرخاء والرفاهية للمجتمع.
وقد كان هذا المبدأ أحد المبادئ الرئيسية التي أرساها أبو العلاقات العامة الحديثة «إيفي لي» حينما أخذ على عاتقه تغيير الصورة السيئة التي تكونت عن رجل الأعمال الأمريكي «روكفلر» الذي كان هو وابنه أكثر أغنياء أمريكا تعرضًا للنقد واتهامًا بالجشع؛ فقد كان روكفلر سخيًا في تبرعاته للجمعيات الخيرية وللكنائس ولأطفال المدارس، ولكنه كان جافًا في تعامله مع الصحفيين ولا يبالي بحملات النقد التي توجه إليه فكانت نصيحة ايفي لي الأساسية أن يتخلى هذا الرجل عن غلظته، وأن يحسن معاملة الصحفيين ويتودد إليهم، كما أوضح الجانب الإنساني الذي لم يكن غريبًا على روكفلر ولكنه لم يكن معلنًا للجمهور، وهذا هو المبدأ الذي ارساه ايفي لي، وهو أنه لا يكفي أن تفعل الخير وإنما لابد أن يعلم الناس ما تفعله من خير، كما أن الصورة الذهنية الإنسانية لأي فرد لا تتحقق إلا من خلال مشاركته الاجتماعية مع من حوله، ونجح ايفي لي في أن يغير صورة روكفلر بهذه الطريقة فكان أول ما فعله هو الاتفاق مع أحد الصحفيين على أن يلاعب روكفلر الجولف ولم يمض وقت طويل حتى بدأت صورة الرجل تظهر في الصحف وهو يلعب الجولف بتواضع ومرح ويتردد على الكنائس ويمنح الهبات للمحتاجين ويداعب الأطفال.
ولم يكن ايفي لي بهذه الطريقة يتجاوز حقيقة روكفلر أو يضفي عليه ما ليس من خصاله وإنما ينقل الصورة الحقيقية إلى الجمهور بدلاً من الصورة الزائفة التي لم تكن تعبر عن واقع الرجل وسلوكه، وهذا ما التزم به ايفي لي طوال حياته، وهو نقل الصورة الحقيقة الصادقة لأي فرد أو منظمة إلى الجمهور، وشتان ما بين هذا المبدأ وبين ما يسعى إليه بعض الدخلاء على مهنة العلاقات العامة من محاولات لخلق صورة مشرقة لفرد معين أو منشأة ما، بغض النظر عن واقع ذلك الفرد أو تلك المنظمة، وهو ما يتنافى مع قيم العلاقات العامة وأخلاقياتها وقد أعلنها فولتير صريحة مدوية حين قال «إن الطريقة الوحيدة التي تجعل بها الناس يتحدثون عنك بصورة حسنة هي أن تتصرف بطريقة طيبة».
وهذا بالضبط ما لخصه المولى سبحانه و تعالى في سورة البقرة في الآيات التالية حين قال: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263)).

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2014

رسالة موجهة إلى سعادة وزير شئون البلديات والتخطيط العمراني

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٤ أكتوبر ٢٠١٤

بقلم: الدكتور زكريا خنجي

ربما بعد خمسة أشهر من مقالنا الثاني الذي كان بعنوان (بلدية المحرق.. أذن من طين وأذن من عجين) والذي نشر بتاريخ 3 يونيو 2014 يحق لنا أن نوجه خطابنا ومقالنا هذه المرة إلى سعادة وزير شئون البلديات والتخطيط العمراني نفسه.
وللأمانة والحقيقة نقول إنه بعد أن نشر المقال يوم الثلاثاء اتصلت بي أخت فاضلة من بلدية المحرق، واستعلمت عن الموضوع، وبعدها بيومين جاء وفد من البلدية لمعاينة مشكلة المنطقة الخدمية في عراد، وبعدها بحوالي أسبوعين حضر عدد من المفتشين ووضع أوراقا لاصقة (استكرات) على السيارات الواقفة لعدة شهور والمغبرة، ثم غادروا، وبعدها بأسبوع قام أصحاب الكراجات وورش العمل بإزالة كل الاستكرات، وكأن الموضوع لم يكن، وتوقف الموضوع هنا بالتحديد، ولم تعاود بلدية المحرق بمتابعة الموضوع مرة أخرى حتى كتابة هذا المقال.
يا سعادة الوزير..
منطقة عراد الخدمية – وحتى نعطي المصطلحات حقها ولا نقول إنها كارثة – فهي تعد مشكلة بيئية، وتحتاج من البلديات الاهتمام بها ودراستها ووضع حلول آنية وجذرية للمشكلة، فالسيارات القديمة والتي لا تعمل توضع في الشوارع المحيطة بالمنازل السكنية لتستخدم كمخازن لقطع الغيار، بالإضافة إلى أن تلك الكراجات والتي ما رخصت إلا لتستوعب سيارة واحدة تستقبل في اليوم عدة سيارات وتضعها خارج الورشة فيقوم العاملون بفك السيارة وتصليحها خارج الورشة.
بعض ورش العمل مثل ورش تصليح الجتسكي والدراجات النارية ولضيق مكانها فإنها تركن تلك الأجهزة بين المنازل وخلفها، وكذلك بعض معارض السيارات تعرض سياراتها الجديدة في الهواء الطلق وأمام كل المارة من غير حسيب أو رقيب.
فتصور – يا سعادة الوزير – تلك الفوضى العارمة في منطقة عراد الخدمية، ونحن حتى لا نتبلى على أحد فإننا ننشر مع هذا المقال جزءا يسيرا من الصور التي أخذت من عدة شوارع في تلك المنطقة.
علمًا أن سكان المنطقة يشتكون بل ويعانون من هذه الفوضى العارمة، فلا أحد يستمع ولا أحد يريد أن يتدخل، ومن الجدير بالذكر أن الكثير من سكان المنطقة ترك منزله وغادر إلى مناطق أخرى بسبب كل تلك الفوضى والمواد الكيميائية التي تنثر في الهواء عندما يتم تنظيف السيارات والأجهزة فتدخل من غير أذن إلى الأجهزة التنفسية التي غدت تعاني من الكثير من المشاكل، وكذلك تداخل المنطقة الخدمية التي بدأت تزحف على المنازل، ترى من أعطاها هذه الصلاحيات؟ وكيف امتدت المنطقة الخدمية لتدخل إلى داخل أنفاس البشر؟
وللأسف فإن مثل تلك المحلات ترخص، وبعدما ترخص يضرب بالاشتراطات والقوانين عرض الحائط، فالمنطقة غير خاضعة لرقابة البلدية أو أي جهة أخرى، لذلك يحلو للقائمين على تلك الورش عمل ما يريدون لأنهم يعرفون أنه لا أحد يقوم بما هو المفترض القيام به، والغريب أنني أتساءل دائمًا، كيف تدار مثل هذه المناطق في فرنسا وسويسرا والهند وماليزيا وبقية دول العالم؟ هل تعيش كل تلك الدول بمثل هذه الفوضى؟
ونحن نعلم يا سعادة الوزير أن نقل المنطقة الخدمية إلى مكان آخر ضرب من الخيال، ولكننا نطمح – فقط – في تنظيم المنطقة وإدارتها ومراقبتها وعدم إهمالها وتركها للمخالفين.
عذرًا سعادة الوزير، فلولا ثقتنا بكم ومعرفة حرصكم على المحافظة على البيئة الخالية من الملوثات، وسعيكم الدائم لتوفير البيئة المناسبة للمواطن وتوفير الخدمات اللازمة له لما توجهنا إلى سعادتكم بهذا المقال.
طبتم وطاب مسعاكم لتوفير أفضل الخدمات للمواطنين.

 

Foto8-1

Foto8-2

Foto8-3

Foto8-4

Foto8-5

Foto8-6

كائنات فطرية -حشرة العصا

 

 تاريخ النشر :١٤ أكتوبر ٢٠١٤

بقلم الدكتور زكريا خنجي

حشرة العصا أو تعرف أيضًا الحَشَرة العَصَوِيَّة حشرة تشبه الغصن الصغير أو ساق النبات، وهي بنِّية اللون أو خضراء ولها جسم طويل نحيل وأرجل رفيعة جدًا، وسميت كذلك لأنها تشبه العصا أو أغصان الأشجار التي تعيش عليها إلى حد كبير، ويعد هذا الشبه بينها وبين العصا أو الأغصان واحدًا من التمويهات الطبيعية الأكثر فاعلية على الأرض التي زودها بها الخالق سبحانه وتعالى، يوفِّر لها شكلها ولونها الحماية من المفترسات كالطيور، وبعض أنواعها تتنكر أكثر من ذلك حيث يكون على جسمها زوائد تشبه أشواك النباتات.
وبعض أنواع الحَشَرة العَصَوِيَّة تشبه فرع الشجرة الصغير، حيث تُرى الحشرة طويلة ورفيعة تتدلى من غصن وهي مختفية تمامًا من أعدائها وتأكل ورق الشجر، وفي بعض الأحيان تضر بالأشجار.
وهناك وسائل تمويهية أخرى تتبعها تلك الحشرات للهروب من أعدائها مثل اختلاق الموت، وكذلك ترك بقاياها أو أحد أطرافها للحيوان المفترس حتى تستطيع الهروب، وسرعان ما ينمو لها الطرف المفقود. كما أن بعض أنواعها تفرز سائلا له رائحة عفنة مثل نوع (Anisomorpha buprestoides) في أمريكا الشمالية. والكثير من حشرات العصا يكون لها أجنحة والتي يبدو بعضها جميلا بشكل مذهل، في حين أن البعض الآخر يشبه الجذع، وبعضها لديه درنات وأشواك على أجسامها. وكذلك لديها مقدرة على التلون بلون البيئة المحيطة بها، وأن لونها عادة بني أو أخضر.
تعيش هذه النوعية من الحشرات غالبًا في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، على الرغم من أن العديد من الأنواع تعيش في المناطق المعتدلة، حيث تزدهر في الغابات والمراعي، وتتغذى على الأوراق، كما أنها مخلوقات ليلية بشكل رئيسي، وتقضى معظم يومها نهارًا بلا حراك مختبئة تحت النباتات.
وهذه الحشرات لا تعض ولا تلسع ولا تلدغ، وتتكاثر بكريًا أو عذريًا، أي بلا تلقيح، ولكن جميع الصغار سوف يكونون إناثا، ولكن عند التلقيح هناك فرص متساوية في خروج الصغار من البيضة إناثًا أو ذكورا، لأنها تتكاثر بكريًا في أغلب الأحيان، فإن أغلب هذه الحشرات تكون إناثًا وتكون نسخة طبق الأصل للحشرة الأم. وبيضها يشبه بذور النباتات، وترميها الأنثى على أرض الغابة عشوائيًا حتى يكون هناك فرصة أكبر في نجاة أعداد أكثر من الصغار.
ولقد أحصى العلماء حتى الآن حوالي 3 آلاف نوع من نوعية هذه الحشرة، وهي تعد من أطول الحشرات في الكرة الأرضية إذ يمكن أن يبلغ طولها حوالي 30 سنتمتر وربما أطول بقليل.

Ctenomorpha_chronus02

 

DSC00036

الأحد، 12 أكتوبر 2014

منظومة العلاقات العامة.. ما هي؟ وكيف نتعامل معها؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٢ أكتوبر ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

قلنا في المقال السابق إنه مما يزيد من غموض مفهوم العلاقات العامة اتجاه عدد من الباحثين والخبراء إلى وضع تعريفات متعددة للعلاقات العامة تتسم بالتفاوت والتباين، لذلك فمن الضروري الوصول إلى مفهوم موحد وشامل وحديث للعلاقات العامة يصلح كأساس لتحديد وظائف العلاقات العامة وأنشطتها وأهدافها، وكمعيار لقياس مدى قيام المنظمات بالأداء السليم للعلاقات العامة، ويتبع هذا الاحتياج من عدة عوامل من أهمها:
أ‌- يؤدي عدم وضوح النشاط الذي يقع في محيط العلاقات العامة إلى تضارب الاختصاصات في المنشآت المختلفة، مما يعرقل سير العمل ويؤدي إلى سوء التفاهم بين الإدارات، وبعضها البعض.
ب‌- يؤدي عدم وضوح الاختصاصات إلى عدم إمكانية تنظيم إدارة العلاقات العامة تنظيمًا سليمًا بحيث تؤدي الأعمال المنوطة بها على أحسن وجه.
ت‌- يؤدي عدم وضوح مفهوم العلاقات العامة إلى إهمال الإدارة العليا لها، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى الاستغناء عن خدماتها أو على الأقل عدم وضعها في المكان المناسب.
ث‌- يؤدي عدم الاتفاق على تحديد نشاط العلاقات العامة إلى صعوبة تحديد ميزانية لأعمالها.
وقد أسهمت عدة عوامل في زيادة صعوبة تحديد مفهوم العلاقات العامة وتعريفها، ومن أهمها:


أ‌- تعتبر العلاقات العامة من أحدث الوظائف الإدارية، ومازال باب الاجتهاد النظري والتطبيقي مفتوحًا أمام المزيد من تطوير أساليب الممارسة وطرائقها، وصقل المفاهيم النظرية للعلاقات العامة على ضوء الممارسة.
ب‌- على الرغم من أن العلاقات العامة قد ظهرت وحققت تقدمًا ملموسًا ولاقت قبولاً متزايدًا خلال الخمسين عامًا الأخيرة، فمازال يشوبها حتى الآن الغموض وعدم الفهم الحقيقي لرسالتها وأهدافها، كما لم تحظ باهتمام الباحثين مثلما حظيت فروع علمية أخرى، وهكذا لم يتحقق لها قدر كبير في الإطار النظري الذي ترتكز عليه ويشكل نظريتها فضلاً عن خلط الممارسين لمفاهيمها، وتباينهم في تقدير أهميتها للمنظمة.
ت‌- كما تواجه العلاقات العامة مشكلة أجمع عليها كل الخبراء والتي تتمثل - من جهة - في الاعتقاد أن العلاقات العامة هي الدعاية أو النشر أو الإعلان، أو العلاقات الإنسانية أو المعلومات أو الشئون العامة أو الإقناع، كما تتمثل - من جهة أخرى - في تداخل أنشطة العلاقات العامة مع بعض الأنشطة الأخرى كالدعاية والإعلام والإعلان والتسويق وترويج المبيعات والعلاقات الإنسانية والعلاقات الصناعية، وتزيد هذه المشكلة من صعوبة الوصول إلى اتفاق على مفهوم موحد للعلاقات العامة، أو الوصول إلى تحديد الأنشطة المتخصصة للعلاقات العامة التي تميزها عن غيرها من الوظائف الأخرى المتداخلة معها.
ث‌- وجود عدة مفاهيم للعلاقات العامة يعبر كل مفهوم منها عن زاوية معينة تتكامل معًا لتأكيد المفهوم المتكامل للعلاقات العامة فهناك المفهوم الفلسفي للعلاقات العامة الذي يؤكد أن العلاقات العامة مهمة كل شخص في المنظمة، وهناك المفهوم التنظيمي، والمفهوم الإداري، والمفهوم الوظيفي، والمفهوم الاتصالي والفني، كما أن هناك محاولات علمية للتفرقة بين العلاقات العامة كعلم وبينها كفن، ومثل هذه المفاهيم الفرعية قد تقود - في غياب نظرة متكاملة للعلاقات العامة - إلى تشتيت الجهد الذي يستهدف التوصل إلى مفهوم شامل للعلاقات العامة.
ج‌- كما ساعد على ذلك أيضًا اجتهاد عدد كبير من الباحثين - منذ بداية القرن العشرين حتى الآن - في صياغة مصطلحات للعلاقات العامة تتميز بالاختلاف والتنوع إما بسبب اختلاف الخبراء والباحثين، وإما بسبب التطور الزمني وما صاحبه من تطور في مجالات العلاقات العامة وأنشطتها ونتائج أعمالها. وقد قام أحد الباحثين بحصر معظم هذه التعريفات ونشرها ضمن محتويات (دائرة معارف العلاقات العامة الدولية) التي صدرت عام 1968م، إلا أن تعريفات كثيرة للعلاقات العامة ظهرت بعد ذلك في العديد من المؤلفات الحديثة أضافت إلى التعريفات القديمة متغيرات ومكونات جديدة.
ومن هنا تأتي أهمية استخلاص وتحديد مفهوم للعلاقات العامة يتسم بالشمول والدقة والتكامل، وخاصة أنه قد أثبتت بعض نتائج البحوث - الخاصة بمفاهيم العـلاقات العامة وأساليب ممارستها- أن وضوح هذه المفاهيم والأساليب يساعد على تقوية الأداء في مجال العلاقات العامة وتحقيق الأهداف الوظيفية لها.

وجملة القول إنه يمكن استخلاص العديد من النقاط الآتية من تعريفات العلاقات العامة حتى يمكن أن نتعامل مع هذه المنظومة والإدارة الأساسية المهمشة في المؤسسات، وهي كالتالي:
أ‌- العلاقات العامة علم يستعين بالأسلوب العلمي، ويستند إلى النظريات العلمية والخبرات المقننة والتجارب المدروسة.
ب‌- العلاقات العامة فن، بمعنى أنها تعتمد تطبيقات العلوم الاجتماعية، وتعتمد على مهارات خاصة في تطبيق النظريات المختلفة، واستعدادات فردية تختلف من متخصص لآخر.
ت‌- تحتاج العلاقات العامة إلى متخصصين على مستويات مختلفة، يتخرجون من خلال معاهد وكليات متخصصة، فهم يقومون بتحديد وتقييم الرأي العام من الزاوية التي تهم المنظمة وتتعلق بها، كما أنهم يقدمون النصح والمشورة إلى المديرين بالنسبة إلى طرق التعامل مع الرأي العام.
ث‌- تعد العلاقات العامة وسيلة لتدريب وإعداد الجماهير لتقبل أفكار وآراء جديدة أو للقيام بمسئوليات مطلوبة.
ج‌- تتضمن العلاقات العامة التفاهم بين المؤسسات وجماهيرها، وتعمل على الترابط وتحقيق التعاون بينها.
ح‌- تستخدم العلاقات العامة أدوات الاتصال والإعلام والبحوث العلمية لتحقيق أغراضها.
خ‌- أصبحت العلاقات العامة ضرورية، ولا بد من وجودها في جميع المؤسسات، على كل المستويات، فهي تدخل في مجال التجارة والصناعة والإدارة والتعليم والصحة والجيش وغيرها، كما توجد في المجتمعات المتقدمة والنامية، على السواء، وبين الجماهير في مختلف المجتمعات.
د‌- وهي عملية اتصال تعبر تعبيرا صادقا عن الواقع وتحترم الجمهور، وهي رسالة صريحة وصادقة تستهدف إعلام الجمهور وإغرائه بهدف تغيير ميوله واتجاهاته، وهي وظيفة للإدارة مستمرة ومخططة هدفها كسب التفاهم بين المؤسسة والجمهور وهي تستهدف الرأي العام وتقيسه وتستخدم الإعلام كأهم وسيلة من وسائلها، وهي علم اجتماعي تطبيقي لها أجهزتها المختلفة ويفرد لها مستوى تنظيمي واضح في كل مؤسسة أو منظمة.

فالعلاقات العامة ببساطة هي وظيفة إدارية دائمة ومنظمة تحاول المؤسسة العامة أو الخاصة عن طريقها أن تحقق مع من تتعامل أو يمكن أن تتعامل معهم بالتفاهم والتأييد والمشاركة، وفي سبيل هذه الغاية على المؤسسة أن تستقصي رأي الجمهور إزاءها وأن تكيف معه بقدر الإمكان سياستها وتصرفاتها وأن تصل عن طريق تطبيقها لبرامج الإعلام الشامل إلى تعاون فعال يؤدي إلى تحقيق جميع المصالح المشتركة.
ولسنا بحاجة إلى أن نشير إلى أن بعض الجماهير التي تدخل في نطاق علاقات هيئة واحدة، قد تكون متعارضة المصالح، وبالتالي فإن مشاكل العلاقات العامة بالنسبة لهيئة أو إدارة تبدأ بالتعرف على الجماهير المختلفة وفهمها وإدراك توقعاتها، والعمل على استمرار الصلات بينها وبين الهيئة في حالة طيبة.
وأخيرًا فإن أهمية العلاقات العامة تظهر في إحساس المؤسسة بأهمية الاتصال الفعال الذي يجب أن تقوم به مع جميع الهيئات والجماهير ذات الصلة بالنشاط الذي تقوم به، وخاصة تلك التي اهتمت بوضع العلاقات العامة كوظيفة أساسية للمؤسسة.

الاثنين، 6 أكتوبر 2014

كائنات فطرية - عشب الفريزية

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٧ أكتوبر ٢٠١٤

الدكتور زكريا خنجي

عشب الفريزية نبات جذاب عطر الرائحة، ينتمي إلى فصيلة السوسن. وموطنه الأصلي جنوب إفريقيا، ولكن البستانيين يزرعونه في البيوت المحمية في كل أنحاء العالم. ولهذا النبات جذر بصلي، وأوراق طويلة ضيقة تُشبه السيوف.
ولمعظم الفريزية أزهار بيضاء، أو صفراء غير أن لبعضها ألوانًا كثيرة. وتنمو هذه الأزهار في مجموعات عنقودية، ويزرع معظم الناس الفريزية لأن أزهارها تتفتح في الشتاء، وهم عادة ما يزرعون الجذر البصلي داخل البيوت في منتصف أغسطس.
وتنمو الفريزية بصورة أفضل في البيوت المحمية التي لا تتعدى درجة الحرارة فيها ليلاً 10°م، وحينما تظهر الأزهار يجب أن يروى النبات بكثرة.

Micromeria_fruticosa

المضافات الغذائية - صبغة اريثروسيني (E127)

 

 تاريخ النشر في أخبار الخليج :٧ أكتوبر ٢٠١٤

الدكتور زكريا خنجي

تعد صبغة اريثروسيني والمعروفة أيضًا باسم «الأحمر رقم 3»، هو مركب من اليود العضوي (organoiodine)، وتحديدًا مشتق من (مركب الفلورونfluorine)، وهي صبغة صناعية ذات لون الكرز الوردي، وتستخدم في المقام الأول لتلوين الطعام، وهي من مجموعة صبغة الآزو الحمراء، والتي يمكن استخدامها في مجموعة متنوعة من المنتجات الغذائية، وعادة ما يتم تصنيعها من المواد البترولية.
والصبغة ذات لون يتراوح ما بين الكرز الوردي واللون الأحمر. غير قابلة للذوبان في المحاليل الحمضية، وتستخدم بشكل خاص لتلوين معلبات الكرز، وللكشف عن البلاك (الترسبات الجيرية) على الأسنان ولأحبار آلات الطباعة ويستخدمها الآخرون في الأفلام التي تستخدم للتصوير الملون. وتتحلل صبغة (Erythrosine) جزئيًا خلال تحضير وطبخ الأغذية في درجات حرارة عالية أكثر من 200 م، لينتج اليوديد.
وكصبغة للغذاء تستخدم (Erythrosine) في تزيين بعض أنواع الحلويات، والمواد الهلامية (الجلي) وتزيين الكعكة بالإضافة إلى أنها تستخدم في تزيين أغلفة الفستق. وتعرف (Erythrosine) كمادة مضافة للغذاء الملون ويطلق عليها الرمز (E127).
بينما يشيع استخدام (Erythrosine) في العديد من الدول، فإنه يقل استخدامها في الولايات المتحدة وذلك بسبب وجود بدائل أقل خطورة من هذه الصبغة مثل (Allura Red AC)، وإن كانت الصبغة الثانية محظورا استخدامها في العديد من البلدان الأوروبية.
وقد أعرب عن مخاوف من أن (Erythrosine) قد تزيد من مستويات هرمون الغدة الدرقية بسبب ارتفاع محتوى اليود (577 ملغ / غرام)، وبالتالي تؤدي إلى فرط نشاط الغدة الدرقية. وأجريت العديد من التجارب على الفئران لمعرفة ما إذا كان الأمر كذلك، فتبين أنه قد زادت أوزان الغدة الدرقية للجرذان الذكور بشكل غير طبيعي، وأنه نمت بعض الأورام الحميدة عندما تم إطعامهم بأغذية تحتوي على 4% من صبغة (Erythrosine).
إلا أن التجارب اليابانية توصلت إلى أن الإنسان والجرذان لا يمتصون إلا نسبة ضئيلة من اليود الموجود في (Erythrosine)، وعلى الرغم من ذلك فمازال الاحتمال قائمًا من أن المتناولات الغذائية من (Erythrosine) يمكن أن تؤثر على الغدة الدرقية بالإضافة إلى المتناول العادية، لذلك فإن هذه الصبغة يمكن أن تشكل خطورة – نوعًا ما – على الأطفال بصورة خاصة.
ومنذ السبعينيات من القرن العشرين حتى عام 1990 ونتيجة لجهود عديدة وضعت هيئة الغذاء والأدوية الأمريكية حظرًا جزئيًا على صبغة (erythrosine)، حيث وجدت أن الجرعات العالية منها يمكن أن تكون مسرطنة في الفئران. وفي يونيو 2008، التمس مركز العلوم المصلحة العامة الهيئة فرض حظر كامل على (erythrosine) في الولايات المتحدة.
إلا أن اللجنة الاستشارية للأغذية في المملكة المتحدة درست كل الاحتمالات والدراسات المتاحة حول علاقة الصبغة وتأثيراتها على الطفرات السرطانية فتوصلت إلى أن صبغة (Erythrosine) ربما لا تكون مطفرة، وأوصت أيضًا بأنها قد تحتاج إلى المزيد من الدراسات.
ومن ناحية أخرى وجد أن صبغة (Erythrosine) يمكن أن يكون لها تأثير في الاختلال الوظيفي في المخ عند الأطفال.

فوضى التخطيط البيئي

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٧ أكتوبر ٢٠١٤

الدكتور زكريا خنجي

تفتخر دول العالم بأنها تخطط لإقامة المشاريع بمختلف أنواعها سواء كانت الصناعية أو الخدمية أو حتى الإسكانية، لذلك فعندما تزور مثل هذه الدول تجد أن كل الأمور مرتبة، شوارعها نظيفة، مدنها مزدانة بالأشجار، وحتى مصانعها تجد أنها موجودة في مناطق محددة وتراعي أبسط الاعتبارات البيئية، وإن كانت هناك مخالفات إلا أنها تبقى حالات فردية واستثنائية.
أما في البحرين فإن الفوضى هي السائدة، فما أن تدخل أي منطقة خدمية - مثلاً - سواء في عراد أو سلماباد أو غيرها، تشعر وكأنك رجعت ثلاثة قرون إلى الخلف من حيث التنظيم والتخطيط، وكذلك النظافة والاهتمام بالمكان وإدارته، تشعر وكأن من قام بتخطيط هذه الأماكن لا يعرف معنى التخطيط ولم يسمع قط عن الإدارة البيئية للمناطق الخدمية، تجد أن ورش عمل السيارات تضرب بالأنظمة عرض الحائط غير مبالية بالمؤسسات الحكومية لأنها تعرف أن هذه المؤسسات عاجزة تمامًا عن تنظيم مثل هذه المناطق.
تبنى مدن جديدة، ولكن لا يراعى فيها أي اعتبارات بيئية، فلا تستخدم فيها مواد بناء صديقة للبيئة، ولا تستخدم فيها أجهزة لتوفير الطاقة، ولا يراعى فيها حتى تهوية المناطق ووجود الحدائق والمتنفسات التي يمكن أن يستخدمها السكان للترويح عن النفس وتنقية البيئة.
تغلق سواحل وتفتح، ثم تفتح ويتم دفنها وتبنى عليها مدن ترفيهية أو تجارية من أجل بعض أفراد يستطيعون أن يدفعوا، عندئذ تموت الكائنات الحية، تتلف السواحل، تتأثر الثروة السمكية، الموضوع وكأن لم يكن.
وإن كنا لا نعترض - أبدًا - على إقامة المشاريع التنموية إلا إننا بحاجة إلى ما يعرف بالإدارة البيئية لمثل هذه المناطق، فليس من المعقول - ونحن في القرن الواحد والعشرين - أن نرى الفوضى تعم مثل تلك المشاريع، ولم يعد من المقبول أن تتداخل المناطق الخدمية بالمناطق السكنية، وكذلك لم يعد من المقبول أنه بين ليلة وضحاها أن تتحول المناطق السكنية إلى مناطق تجارية لأن فلانا من الناس سكن في تلك المنطقة ويريد أن يحول منزله إلى محل تجاري!
أتمنى أن يقام مشروع تنموي في البحرين وفق تخطيط هندسي بيئي اجتماعي، مشروع ينظر إلى عشرات السنوات في المستقبل، مشروع يتم التحكم فيه وإدارته بيئيًا، لا أن يترك الحبل على الغارب لما شاء وكيفما شاء، عندئذ تتحول تلك المشاريع إلى فوضى عارمة كما هو حادث اليوم.
ونحن لا نجني على أحد، فأينما تلو وجهك تجد فوضى.
لذلك دائمًا يدور في ذهنك سؤال، هل مثل هذه المشاريع موجودة في الغرب؟ وإن كانت موجودة، كيف تدار؟ هل تدار بالفوضى الموجودة في البحرين؟
لا أمتلك الإجابة.

السبت، 4 أكتوبر 2014

العلاقات العامة.. هل هي علم أم فن؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٥ أكتوبر ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

يختلف الباحثون والمشتغلون بالعلاقات العامة في تفسير مفهوم العلاقات العامة، فيما إذا كانت العلاقات العامة فنًا تكتيكيًا لا يرقى إلى مرتبة العلم، أم علمًا لا ينطبق عليه مضمون العلم، من حيث النظرية والمنهج، وللحكم على ذلك يجب أن نتفق أولاً على معنى الفن ومعنى العلم.
فالفن – كما هو معروف – مجموعة من الأعمال الإنسانية المنظمة، التي تتخذ وسيلة لغاية معينة، أو صناعة من الصناعات التي يزاولها الإنسان لغرض معين، فالفنان لا يعمل عملاً لذاته، يقصد به شيئًا آخر أو غرضًا معينًا. وتقسم الفنون إلى فنون نفعية مادية ورفيعة (أو جميلة)، والفنون النفعية كالملاحة والتجارة والعمارة، أما الفنون الجميلة فتشمل الموسيقى والغناء والتمثيل والرقص وما إلى ذلك.
والعلم يعرف على أنه مجموعة من الحقائق المنظمة المتحدة الموضوع، الثابتة الدليل العقلي أو التجريبي، وبمعنى آخر فهو تنظيم المعرفة لطبيعة الظواهر والعلاقات بينها.
إلا أنه يجب ألا نغفل من معرفة أن العلم والفن يتصلان بروابط وثيقة، فليس من المتصور أن يقوم علم بدون فن، أو يرقى فن بدون علم، ويتجلى ذلك في العلوم التطبيقية التي تظهر فائدتها في التطبيق الفني. بيد أن الفن يعتمد في الغالب على علم أو علوم مختلفة، فالتجارة تعتمد في رقيها على علم الاقتصاد والرياضيات، والملاحة تعتمد على الرياضيات وتخطيط البحار، وهكذا.
ويمكننا القول إن العلم ينطوي على الإدارة والمعرفة، والفن ينطوي على العمل. وأما فيما يتعلق بالعلاقات العامة فإن بعض التعريفات تشير إلى أن العلاقات العامة فن، والمقصود بالفن هنا – كما نعتقد – الفن المهاري، وليس بالمعنى الجمالي، والفن المهاري هو القدرة على التعامل مع الناس ومسايرتهم ومجاراتهم، أي أنها تحتاج إلى مهارة ولباقة وحسن تصرف وإلى تجديد وابتكار مستمر بحسب مقتضيات الظروف والمواقف، وهي الفن في كيفية التعامل مع الجمهور والحصول على رضاه ومحبته وكسب ثقته وتأييده، ويتحقق ذلك عن طريق الاتصال بالجماهير، ليس ذلك فحسب وإنما التعايش معهم لنقل الحقائق إليهم، وتفسير هذه الحقائق حتى تلقى هذه المؤسسات والهيئات تأييد الجماهير لها.
ويرى (D.Bloomfield) أن العلاقات العامة هي فن التأثير على الآخرين لسلوك الطريق نفسه الذي تتبعه تلك المؤسسات. كما عرف (هوارد بونهام Howard Bonham) عضو مجلس إدارة الصليب الأحمر الأمريكية العلاقات العامة بأنها فن التفاهم مع الجمهور، مما يؤدي إلى زيادة الثقة بالأفراد والمنظمات.
كما أن هناك من التعريفات ما اعتبر العلاقات العامة علمًا له قواعده وأصوله، فهي تُعنى بدراسة سلوك الأفراد والجماعات وقياس هذا السلوك وتحليل الرأي العام، بقصد تنظيم العلاقات الإنسانية على أسس من التعاون والمحبة والوعي، ويتضمن التخطيط العلمي لبرامج العلاقات العامة، ويهتم بالتوصيل الجيد للمعلومات بين الهيئة التي يعنيها الأمر وبين جمهورها، بهدف تحقيق المصلحة المتبادلة بينهما، والوصول إلى درجة عالية في المساندة الكلية والمشاركة الوجدانية.
وربما يؤخذ على اتجاه دراسة وتفسير السلوك الإنساني أنه بحر واسع ليس له حدود، فمن غير الصحيح القول إن العلاقات العامة تدرس كل النشاط الإنساني بكل ما فيه، وفي المقابل يرى أصحاب هذا الاتجاه أن المجتمعات القديمة لم تكن بحاجة إلى هذا العلم، لأن العلاقات العامة كانت عادية وبسيطة، ولكن بتقدم الحضارة وما صاحبها من تصنيع وزيادة عدد التخصصات وتقسيم العمل، بدأت المجتمعات تتعقد، وبالتالي العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والجماعات تتعقد أيضًا، ونتيجة لهذا من الضروري أن يحدث توازن في المجتمع، قوامه التفاهم المتبادل والتساند الوظيفي بين الأعضاء. ومن هنا كان هدف العلاقات العامة متمثلاً في رعاية العلاقات الإنسانية السليمة بين أعضاء المؤسسة من جانب، وبين المؤسسة والجماهير من جانب آخر. إذ يهتم علم العلاقات العامة بالكشف عن الأسس والمبادئ التي تساعد على إقامة علاقات مفعمة بالثقة بين فئات الشعب المختلفة، بقصد نجاح المشروعات النفعية.
في مقال نشر بعنوان (علاقات العامة وإلا.. تطور المفهوم وتجدد الحاجة للعلاقات العامة في ضوء الأحداث التي يشهدها العالم العربي) للدكتور عبدالرحمن العناد يحاول من خلاله أن يلقي الضوء على مفهوم العلاقات العامة في العالم العربي مقارنة بمفهومه في العالم الغربي الذي يعد منشأة العلاقات العامة، فلنقتبس بعض أجزاء من تلك المقالة.
«ومنذ أن بدأت ممارسة العلاقات العامة في مطلع القرن الماضي، كانت من الناحية المثالية، ومن منطلق ما ينبغي أن تكون عليه، مفهومًا إنسانيًا يهتم بالجماهير التي تؤثر وتتأثر بالمؤسسات المختلفة في المجتمع، وتعمل على تحقيق مصالح المؤسسات، ومصالح الجماهير، والصالح العام في المجتمع بشكل عام».
ويقول «ويوضح استعراض تاريخ العلاقات العامة وأدبياتها، للمختصين وغيرهم، أن العلاقات العامة ومنذ أن نادى بالأخذ بها أبو العلاقات العامة (Ivy Lee) عانت من عدم الوضوح الدقيق في مفهومها أحيانًا، ومن سوء في ممارستها وتطبيقها في أحيان أخرى كثيرة».
«وعلى الرغم من الوضوح النسبي في المفهوم للمختصين، واجه العاملون على أرض الواقع صعوبة أكبر لتعريفها، وتحديد مفهومها، وبخاصة عندما يعملون أو يتعاملون مع غيرهم من غير المختصين، فأسيء فهم العلاقات العامة من قبل أفراد الجمهور العام، ومن قبل رجال الإدارة العليا، ومن قبل رجال الإعلام في المجتمع».
«وفي اعتقادنا أن رحلة غموض مصطلح «العلاقات العامة» قد بدأت منذ أن نقل المصطلح للغة العربية بترجمة غير دقيقة لا تعكس حقيقة العلم والمهنة فنقلها من نقلها للغتنا وكأنها ترجمة لمصطلح آخر مثل (General Relations) وإذا جاز لأحد أن يترجم كلمة (Public) – في أي موقع كانت – لكلمة (عام) باللغة العربية، فإنه لا يجوز أبدًا أن يحدث ذلك عندما نترجم مصطلح (العلاقات العامة)، لأن هذه الترجمة، بهذه الكلمات، لذلك المصطلح، ترجمة خاطئة. الغريب في الأمر أن الدلالات اللغوية للفظتي (Public) و(Relations) في كتب مبادئ العلاقات العامة باللغة الإنجليزية – قديمها وحديثها – واضحة ومفسرة تفسيرًا بدائيًا. فكلمة (Public) تعني (مجموعة من الناس لهم خصائص مشتركة) – أي جمهور، بينما تعني كلمة (Relations) روابط أو صلات أو علاقات.
ويواصل: «إن من المشكلات الأساسية في مفهوم العلاقات العامة في العالم العربي هي أن العلاقات العامة مفهوم ديمقراطي انتقل إلى مجتمعات غير ديمقراطية. فالمفهوم نشأ هناك نتيجة طبيعية للظروف البيئية المحيطة، بينما نقل إلى المجتمعات العربية وكأنه ترف، فتم التعامل معها كوظيفة ثانوية، أو وظيفة خدمات مساندة، فالمفهوم والممارسة خرجا عن سياقهما الصحيح، وعن فلسفتها الديمقراطية التي تحترم آراء الجماهير وتقدرها وتخشاها، فاستمرت النظرة الدونية للعلاقات العامة. إننا لا نبالغ عندما نقول إن أي منشأة قد لا تحتاج للعلاقات العامة مع الموظفين، مثلاً، ما لم تخش احتجاجهم او إضرابهم. كما أننا لن نهتم بالرأي العام ما دام الرأي العام سلبيًا، لا يستطيع أن يقوم بأي نشاط سياسي للتعبير عن سخطه حول قضية ما. وعلى الرغم من ذلك، تمر في الأدبيات العربية مسألة الرأي العام وقوته، وكأنها أمر آخر، له علاقة، وليس مدعاة، لوجود العلاقات العامة.
ولما كانت العلاقات العامة قد نشأت في بيئة مختلفة عن البيئة العربية من النواحي السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، فقد كانت هناك اشكالية مهمة في نقل العلاقات العامة مفهومًا وممارسة لبيئات مختلفة، وكان هناك دائمًا تساؤل حول مدى ملائمة العلاقات العامة كما قننت في المجتمعات الغربية للبيئة العربية. وانطلقت هذه الإشكالية وهذا التساؤل المهم من أساسيات بروز الحاجة للعلاقات العامة في مجتمعات ديمقراطية لها خصائص اقتصادية مختلفة، وعاشت ظروفًا أكسبت الرأي العام والتنظيمات العمالية قوة غير عادية، وهي أساسيات قد لا تتوفر في كل المجتمعات العربية.
ومن الواضح أن العلاقات العامة التي قامت على أسس ديمقراطية بحتة، وتنطلق من الاهتمام الكامل بالرأي العام ورأي الجماهير الخاصة، وتؤمن بقوة رأي الجمهور، وتخشى تأثيره في أوضاع المؤسسات التي تخدمها، لا يمكن أن تعمل بنفس الطريقة في مجتمعات غير ديمقراطية، لا تهتم بالرأي العام، ولا بآراء الجماهير، بل إن الحاجة إلى العلاقات العامة في مجتمعات تنظر للجمهور جمهورًا سلبيًا قد لا تظهر أصلاً، ولهذا تساءلنا في السابق عن امكانية تطبيق العلاقات العامة في مجتمعات ليست ديمقراطية؟
وقد اتضح لنا أن الاختلافات في سمات البيئتين الغربية والعربية كانت سببًا مباشرًا في سوء توظيف العلاقات العامة في العالم العربي، وفي عدم حماس المؤسسة السياسية والمؤسسة الإدارية، وبالتالي الإدارات العليا في المنشآت المختلفة للأخذ بها وتوظيفها بالشكل السليم».
«وأحسب أن سلبية الرأي العام وخمول الجماهير، عاملة كانت أو مساهمة، أو مستفيدة من خدمات المنشآت، وغياب التنظيمات والنقابات العمالية القوية حتى وقت قريب في الوطن العربي، كانت سببًا مهمًا في عدم ظهور حاجة حقيقية لممارسة العلاقات العامة الصحيحة، صحيح أن ممارسة العلاقات العامة حاولت كسب تأييد وتعاون وتعاطف الجمهور واعتبرت ذلك وظيفة أساسية لها، وصحيح أن المؤسسات التجارية والصناعية والحكومية وظفت العلاقات العامة بهدف كسب الجمهور وكسب تفاهمه، لكنني أقول إن تلك المهمة كانت لا تتجاوز التنظير، ولم تكن الممارسة الفعلية للعلاقات العامة تصب فعلاً في ذلك الاتجاه، وسبب ذلك كما أظن واحاول شرحه في هذه الورقة هو أن الرأي العام لم يكن قويًا، وأن آراء الجماهير لم تكن قوية، وأن الثقافة العربية التقليدية السلطوية لا تحسب – إن حسبت – حسابًا واحدًا وليس ألف حساب لرأي الجمهور وما يريده وما يتطلع اليه. والمعنى هو أن المؤسسات السياسية والاقتصادية تحديدًا لم تكن تخشى من الجماهير، لأن الجماهير كانت إلى حد كبير قنوعة، وأقصى ما يظهر منها التذمر – بالسر أحيانًا – أو الشكوى بالطرق التقليدية.
وإذا ما قارنا ممارسة العلاقات العامة في العالم العربي بشكل عام في مثل هذا الجو السلبي للجماهير، عن ممارستها في البلدان الغربية نلاحظ أن هناك غياب شبه تام للاتصال بالاتجاهين، فالتركيز في العالم العربي يكون على الاتصال المتجه من المؤسسة للجمهور، ولهذا كان البحث العلمي واستطلاعات الرأي نادرة الاستخدام. وكما تعلمون فإن هذا الأمر مرتبط بالبعد الثقافي واحترام الرأي الآخر، واحترام الرأي العام، ومدى الخشية من نتائج عدم الرضا والآراء السلبية، فتعاملت القوى العليا في المجتمعات العربية مع الجماهير بفوقية، ورأت أن الشعوب لا تزال غير قادرة حتى على تحديد مصلحتها، ولهذا النوع من الممارسة أبعاده السياسية حيث يغيب الفكر الديمقراطي في غالبية الدول العربية، الأمر الذي أثر بشكل واضح في مفهوم العلاقات العامة وفي طبيعة ممارستها».
«إن علينا كأساتذة وممارسين أن نقرع الجرس، وأن نحذر المؤسسات التي نعمل لصالحها، أن عليها أن تغير النظرة للعلاقات العامة، وعلينا أن نوجه عمل العلاقات العامة لتكون جهاز استشعار للكشف عن المشكلات قبل أن تقع، علينا أن نهتم أكثر بآراء الجمهور موظفين كانوا أو عمال أو مستهلكين أو مراجعين أو غيرهم، وكلما تمكنا من معرفة التوجهات بدقة وتعاملنا معها بالشكل الصحيح وفي الوقت المناسب ساعدنا المنشآت من خطر تحول الآراء إلى أفعال احتجاجية كالعصيان والاضراب والمقاطعة والشغب وغير ذلك من السلوكيات التي لا تتمنى أي مؤسسة اينما كانت مواجهتها.
وعلينا أن ندرك وأن نؤكد لمن يثقون بنا أن سمات البيئة الجماهيرية المؤثرة في عمل العلاقات العامة، اختلفت اليوم في العالم العربي كثيرًا عن السابق، الشعب يريد - والموظفون يريدون - والمستهلكون يريدون، وكلمة «يريد» و«يريدون» التي لم تكن تعني شيئًا كثيرًا حتى وقت قريب، أصبحت اليوم كلمة مخيفة، فالجمهور أصبح أكثر جسارة وأكثر قدرة على التعبير والمطالبة، هذه البيئة الجماهيرية بسماتها الجديدة تستدعي تطوير أداء العلاقات العامة لتكون جهاز استشعار يستبق فورة أو ثورة أو احتجاج أو إضراب أو اعتصام، ويستدعي كذلك التعامل مع الجماهير عندما تبدأ في التعبير عن رأيها ورغباتها وطموحاتها بحنكة وبإيجابية، وليس بفوقية وفرض وإملاء، هذه هي الرسالة التي ينبغي أن ننقلها لأصحاب القرار في كل المؤسسات التي نعمل بها، علينا أيضًا أن نعي السمات الجماهيرية التي حددها (نولت) وترجمتها قبل نحو عقدين من الزمان، ونشرتها في كتابي». أ. هـ.
وتظل العلاقات العامة قضية مفتوحة للنقاش.

الأربعاء، 1 أكتوبر 2014

مهارات إدارة التواصل الإعلامي للعاملين في حقل التواصل الحكومي – العلاقات العامة – والإعلام البيئي – الدكتور زكريا خنجي

بعون من الله وتوفيقه .. اقمت دورة تدريبية خلال الفترة ما بين 28 إلى 30 سبتمبر بالتعاون مع وزارة البيئة بدولة الامارات العربية المتحدة بعنوان (مهارات إدارة التواصل الإعلامي للعاملين في حقل التواصل الحكومي – العلاقات العامة – والإعلام البيئي).

شكر خاص إلى سعادة الدكتور وزير البيئة بدولة الإمارات

شكر خاص للموظفين الذين حضروا الدورة

شكر خاص وكبير إلى أهل الإمارات الرائع

 

٢٠١٤٠٩٢٨_٠٩٤٥٣٩

٢٠١٤٠٩٣٠_٠٩١٩٥٣

 

DSC00191

 

DSC00230