الاثنين، 30 يونيو 2014

المضافات الغذائية - الكارماين أو الكارمين (E120)

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١ يوليو ٢٠١٤

بقلم: الدكتور زكريا خنجي

كارماين أو كارمين (Carmine) هي صبغة ذو لون أحمر مشرق اللون أو يمكن أن يطلق عليه القرمزي، ولقد وجد أنه يمكن الحصول عليه من حمض الكَرْمِنيك الذي تنتجه بعض الحشرات القشرية مثل الدودة القرمزية وحشرة القرمز البولندية (Polish cochineal)، ويستخدم اسم الكارمين للدلالة على أحد درجات اللون الأحمر الداكن. وقد يطلق عليه أيضا اسم (Crimson Lake)، أو (Cochineal)، أو (Natural Red 4)، أو (C.I. 75470)، ويدرج بحسب أنظمة الاتحاد الأوروبي فإنها تعرف بالرقم (E120). وتستعمل صبغة الكارمين في صناعة الملونات الغذائية والأدوية ومستحضرات التجميل، كما يستخدم في صناعة الزهور الصناعية، والطلاء، وأحمر الشفاه، والحبر القرمزي، والمواد الغذائية مثل اللبن وبعض أنواع العصائر وخصوصًا تلك التي تتمتع بلون أحمر قرمزي.
وتستخرج الصبغة القرمزية من أنثى الحشرة التي تعرف بالدودة القرمزية (Cochineal) وتسمى أيضًا (Dactylopiuscoccus)، وتبلغ نسبة محتوى حمض الكرمنيك الطبيعي المستخرج من الدودة ما بين 19 - 22%، وحتى يتم استخراج هذه الصبغة فإنه يتم قتل الحشرات بالغمس في الماء الساخن أو بالتعرض لأشعة الشمس أو البخار أو حرارة الفرن. وكل طريقة من هذه الطرق تعطي لونًا مختلفًا مؤدية إلى التنوع الكبير في ألوان الأصبغة الناتجة، ويجب أن تجفف الحشرات حتى تبلغ 30% من وزن جسم الحشرة الأصلي قبل أن تخزن من دون أن تتعفن، ونحتاج إلى 70000 حشرة لصنع رطل واحد من صبغة الدودة القرمزية. ويوجد نوعان رئيسيان من صبغة الدودة القرمزية، وهما: خلاصة الدودة القرمزية وهي مادة ملونة مصنوعة من أجسام الحشرة الخام المجففة والمسحوقة، والكارمين وهي مادة ملونة مستخرجة من الحشرة وهي أكثر نقاءً. ولقد أنتجت البيرو في سنة 2005 م حوالي 200 طن من صبغة الدودة القرمزية في السنة وتنتج جزر الكناري 20 طنا في السنة، وقد بدأت شيلي والمكسيك حديثًا في تصدير الدودة القرمزية. تعد فرنسا أكبر مستورد للدودة القرمزية، كما تستورد إيطاليا واليابان أيضًا هذه الحشرة. ومن الجدير بالذكر أن معظم هذه المستوردات تعالج ثم يعاد تصديرها للاقتصاديات المتطورة الأخرى. ويبلغ السعر السوقي للدودة القرمزية في سنة 2005 بين 50 و80 دولارًا أمريكيًا للكيلوغرام الواحد، في حين أن سعر الأصبغة الغذائية الخام الاصطناعية متوافرة بسعر من 10 إلى 20 دولارًا أمريكيًا للكيلوغرام الواحد.
ومن الناحية الصحية فإن الدراسات التي تجريها مجموعة دعم الأطفال مفرطي النشاط (the Hyperactive Children’s Support Group) أشارت إلى أنه يجب استبعاد هذه الصبغة من النظام الغذائي للأطفال، في حين لم تشر أي دراسة أجريت لتتبع خطورتها المسرطنة أن هذه الصبغة يمكن أن تسبب السرطان أو أي تأثيرات سرطانية.
وأما من الناحية السوقية فإن الكثير من الدول لا تفضل استخدام هذه الصبغة في الأغذية المنتجة وذلك لغلاء أسعارها السوقية، لذلك يستعاض عنها بصبغة (E124).
ومن الناحية الدينية ربما تكون الصبغة مصدرا للقلق لأصحاب بعض الأديان أكثر من كونها مسببا لبعض الحساسيات، وخاصة عند اليهود والمسلمين.

في يوم البيئة العالمي 2014 (ارفع صوتك.. لا مستوى البحر)

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١ يوليو ٢٠١٤

بقلم الدكتور زكريا خنجي

نعلم جميعًا أنه في عام 1972، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 5 يونيو يومًا عالميًا للبيئة، في ذكرى افتتاح مؤتمر «استكهولم حول البيئة الإنسانية»، كما صدقت الجمعية العامة في اليوم ذاته على قرار تأسيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
ومن الجدير بالذكر أن يوم البيئة العالمي الذي نحتفل به كل عام يجب أن يشكل إحدى الوسائل الرئيسية لشحذ الوعي والسلوك البيئي في نفوس الناس، وتعزيز الاهتمام والعمل لدى متخذي القرار على المستوى العالمي.
ولقد اتفق هذا العام (2014) على أن يكون شعار يوم البيئة العالمي «ارفع صوتك.. لا مستوى سطح البحر»، ومن الملاحظ أن هذا الشعار له علاقة مباشرة بموضوع تغير المناخ والمشاكل الناجمة عن هذه الظاهرة التي ترعب العالم أجمع وخاصة الدول الجزرية مثل البحرين.
ومن جانب آخر عينت الأمم المتحدة عام 2014 سنة دولية للدول الجزرية الصغيرة النامية (SIDS)، لذلك سوف يتركز موضوع يوم البيئة العالمي هذا العام على الدول الجزرية الصغيرة النامية وما تواجه من تحديات نتيجة لتغير المناخ والكوارث الطبيعية. الهدف هو المساعدة في بناء الزخم نحو مؤتمر الأمم المتحدة الدولي الثالث المعني بالدول الجزرية الصغيرة النامية، والذي سيعقد في سبتمبر 2014 في أبيا، ساموا، ويهدف إلى رفع الوعي والفهم بأهمية الدول الجزرية الصغيرة النامية، والحاجة الملحة إلى المساعدة في حماية الجزر في مواجهة تزايد المخاطر ومواطن الضعف، ولا سيما نتيجة تغير المناخ.
ومن المفروض أن يوم البيئة العالمي يكون فرصة ممتازة لرفع دعوة للتضامن مع الجزر.
والبحرين جزيرة، فما أعددنا للتعامل مع ظاهرة تغير المناخ؟
إن كنا نؤمن بأن ظاهرة تغير المناخ ظاهرة حتمية وأنها سوف تتسبب في إحداث العديد من المشاكل فإنه يجب أن نستنهض ونحث على عمل خطة للتعامل مع هذه الظاهرة منذ الآن، حتى وإن كنا مشغولين في تصوير جمال بعض المحميات وإخفاء المشاكل الصحية التي تعاني منها تلك المحميات، حتى وإن كنا مشغولين بعمل ورش عمل من أجل إنقاذ السلاحف والضفادع والحشرات، أو أن نصور ونحن نبكي أمام شجرة أو دلفين أو سلحفاة ميتة.
إننا نحتاج إلى خطة متكاملة محكمة، وليس في الأمر هزل، ولا الظهور أمام عدسات الكاميرات أو التصريح وأخذ أقوالنا ونشرها في الجرائد.
مرة أخرى نحن نحتاج إلى خطة متكاملة محكمة، وليس إلى حلول ترقيعية، وعندها نكون بالفعل رفعنا صوتنا قبل أن يرتفع منسوب البحر ليغرقنا جميعًا.

الأحد، 29 يونيو 2014

الصحراء والتصحر .. قضية عربية مصيرية

 

بقلم الدكتور زكريا خنجي

نشر في جريدة أخبار الخليج بتاريخ 29 نوفمبر 1993

ناقش المنتدون في الأسبوع الماضي (ما بين 22 – 25 نوفمبر93) قضية من أخطر القضايا البيئية التي تمس العالم العربي الممتد من الخليج العربي حتى المغرب العربي وهي قضية الصحراء والتصحر من خلال الندوة التي أقيمت في جامعة الخليج العربي تحت عنوان "ندوة التصحر واستصلاح الأراضي في منطقة مجلس التعاون لدول الخليج العربي".

والتصحر يعني ببساطة تحطيم القدرة الحيوية الكامنة للإنتاج النباتي للأرض، وبمعنى آخر تحول الأرض الزراعية – بفعل عوامل كثيرة ومن أهمها الإنسان – إلى أراضي قاحلة لا يرى من خلال رمالها الصفراء الناعمة إلا بعض الأنواع من الأعشاب غير الصالحة للاستخدام الآدمي أو الحيواني، وهذه التحطيم لقدرة الأراضي على الإنتاج الزراعي الذي يمكن أن نطلق عليه مصطلح (التصحر) يهدد الحياة الاجتماعية والاقتصادية في معظم دول العالم العربي إن لم يكن كلها، فمثلاً دول الخليج وشبة الجزيرة العربية تقع جغرافيا في المنطقة التي تعرف بالشريط الصحراوي من العالم، فماذا يمكن أن تفعل مثل هذه الدول إن حاصرها الجفاف من كل جانب ؟ والتصحر يهدد الحياة في مصر والسودان والصومال وارتيريا وجنوب المغرب والجزائر وتونس وذلك بهجرة سكانية كبيرة من الأراضي الزراعية الخصبة باتجاه المدن التي بدأت تئن تحت وطأة الزاحفين، بالإضافة فإنه يهدد ببطالة لا حدود لها في الأردن وسوريا والعراق.

والأرقام تقول إنه بلغت المساحة المتأثرة بالتصحر نحو 50 مليون كيلومتر مربع (30 % من مساحة اليابسة) وأن المتضررين بهذه المشكلة يزيدون عن 850 مليون نسمة، وأن أكثر من 21 مليون هكتار من اليابسة تتحول سنويًا إلى أراضي عديمة النفع، كما وتتحول 6 ملايين هكتار إلى صحاري، وأما في العالم الإسلامي فإن المناطق المتصحرة تشكل حوالي 86% من جملة مساحة الأرض، هذا على الرغم من أن هذه البقعة من الأرض تعتبر من أكثر المناطق عجزًا في الإنتاج الغذائي – وهذا الموضوع تحدثنا فيه سابقًا – ومن الجدير بالذكر أن التصحر يسير جنبًا إلى جنب العجز الغذائي والبطالة والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وفي كثير من الأحيان يكون سببًا مباشرة في الأحداث السياسية، والعالم العربي يشهد بذلك.

فالقضية إذن أكبر من أن تناقش في ندوة يتيمة أو ندوتين، إنما نحن بحاجة إلى سلسلة من الندوات الفعالة التي من المفروض أن تضع أيدينا على الجرح ثم تساهم بشكل كبير أيضًا في وضع الحلول الجذرية لهذه الظاهرة التي نعاني منها وسيعاني منها ابناءنا إن لم نضع لها الحلول المناسبة اليوم. وهذه هي إحدى توصيات الندوة التي نرجو لبنودها أن ترى النور، وأن لا تنام في الأدراج قريرة العين كما حدث لتوصيات الكثير من الندوات التي اقيمت والتي ستقام مستقبلاً.

عمومًا لا نريد أن نستبق الأحداث، ولا نريد أن نفكر في التوصيات بقدر تفكيرنا في الحلول التي طرحتها الندوة والتي سنحاول أن نتناولها بشيء من التفصيل من خلال الصفحة في الأسابيع القادمة، وذلك حتى نسد الغياب الدائم لوسائل الإعلام عن مثل هذه التظاهرات العلمية الثقافية، آسف فالثقافة في مفهوم وسائل الإعلام لا تتعدى الأدب والفن فقط، وأما ما يمس حياتنا وحياة ابناءنا المستقبلية فكلام ثقيل لا جدوى منه، فليس من المعقول أن يناقش من خلال وسائل الإعلام المختلفة.

••••

أهلاً بالدكتور شحته وبيئتنا الصحراوية

سيشاركنا منذ هذا العدد الدكتور شحته بن عمر الخطيب مدير برنامج علوم الصحراء والأراضي القاحلة بجامعة الخليج العربي في الكتابة في صفحة "بيئتنا" فأهلاً وسهلاً به، وسيشاركنا بسلسلة مقالات تحت عنوان "بيئتنا الصحراوية" والتي سيحاول من خلالها توضيح أبعاد مشكلة التصحر التي يعاني منها العالم العربي، وهذا هو العدد الأول، ومرة أخرى نقول أهلاً وسهلاً بالدكتور شحته.

وقبل أن نختم نكرر ونقول إن صفحة "بيئتنا" ترحب بكافة الأقلام التي ترغب في المشاركة، فليس من حقنا أن نرفض مشاركة المختصين والقراء، فأهلاً وسهلاً بالجميع.

السبت، 28 يونيو 2014

تهنئة برمضان

Foto73

فرق العمل.. ما هي ؟ وكيف تعمل ؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٩ يونيو ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

إن أول ما نتصوره ونتخيله عندما يذكر شخص ما أمامنا كلمة «فريق» هو أن هناك مجموعة من الأفراد يمارسون معًا عملاً معينًا، أو يلعبون لعبة معينة كإحدى المباريات الشائعة مثل مباراة كرة القدم أو كرة السلة أو كرة الطائرة، أو أن هناك منتخبًا لمتسابقي الدراجات الهوائية يشارك في إحدى السباقات الدولية. إلا اننا نعتقد أن مفهوم «الفريق» أكبر بكثير من أن يحدد في الأنشطة الرياضية، فقد أصبحت المؤسسات بجميع أنواعها تزخر «بفرق العمل» بل ومن دون فرق ومجموعات العمل لا يمكن لأي مؤسسة أن تنفذ أعمالها وتحقق أهدافها بكفاءة وفعالية. فهناك فريق مندوبي المبيعات، والفريق الطبي وفريق المفاوضين وكما أن هناك فريق السلامة وفريق المحققين وفريق إنتاج سلعة معينة كالهاتف أو التلفاز وفريق صيانة مولدات الكهرباء وفريق تركيب محولات كهربائية إلى غير ذلك من فرق العمل.
ومع ذلك دعونا نتحدث حول هذا المفهوم ببساطة، فلو أخذنا بادئ ذي بدء فريق كرة القدم لوجدنا أنه:
1- يتكون من مجموعة من اللاعبين وعددهم 11 لاعبًا،
2- إن هناك غاية أو هدفًا مشتركًا لأعضاء الفريق وهو الفوز في المباراة على الفريق الخصم.
3- إن جميع أعضاء الفريق مسؤولون مسؤولية مشتركة وتكافلية إزاء تحقيق الغاية المشتركة فالفوز للجميع والخسارة للجميع.
4- إن لكل عضو في الفريق دور معين يقوم به فهناك حارس المرمى وهناك الدفاع وهناك الهجوم.
5- إن صفة الاعتمادية والتكاملية في الأدوار والمهمات والمهارات والمعارف بين أعضاء الفريق صفة أساسية.
وكل تلك الصفات من خصائص أي فريق سواء كان فريقًا رياضيًا أو فريق عمل مؤسسي.
ولكن قد يختلف حجم الفريق تبعًا للمهمة الموكلة إليه، ولكنه عادة ما يتراوح الفريق بين 5 و12 عضوا، فمثلاً فريق كرة السلة 5 أعضاء، وفريق كرة الطائرة 6 أعضاء، فإذا نقص الفريق عن 5 أعضاء خاصة فرق العمل المؤسسي شح الحصول على عدد كاف من الأفكار والآراء الإبداعية، وإذا زاد عن 12 عضوا أصبحت السيطرة على الفريق صعبة بسبب الصراعات والتحزبات التي قد تنشأ داخل الفريق.
أما منتخب متسابقي الدرجات الهوائية فهو في الواقع «مجموعة» وليس «فريقًا» لأن الخصائص الخمسة للفريق والتي ذكرناه آنفا لا تنطبق عليه، فكل متسابق في المنتخب يسعى الى تحقيق هدفًا فرديًا وهو قطع مسافة السباق بزمن قياسي والجهد الذي يبذله كل متسابق لا يساعد متسابقا آخر لتحقيق الفوز وليس هناك هدف مشترك ومسؤولية مشتركة بين أعضاء الفريق لتحقيق الهدف كما لا يوجد تكاملية واعتمادية بين مهمات الأعضاء ومهاراتهم وقدراتهم.
وكما أن هناك فرق عمل مؤسسية فهناك مجموعات عمل مؤسسية يطلق عليها أحيانًا للسهولة بالفرق وهي ليست كذلك، ومثالاً لذلك مجموعة مندوبي المبيعات في دائرة المبيعات. فكل مندوب مبيعات في الدائرة مطالب أن يحقق في منطقته هدفا بيعيًا خاصًا به وكلما زاد ما يحققه من المبيعات كلما كان ذلك في مصلحته ولا يستفيد من ذلك مندوب مبيعات آخر. وقد تجتمع مجموعة مندوبي المبيعات لتبادل الآراء والخبرات والتشاور ولكن ليس لحل مشكلات تحصل فيما بينهم كما يحصل بين أعضاء الفريق، فالصراع سمة تجدها بين أعضاء الفريق ولا تجدها بين أعضاء المجموعة لوجود هدف مشترك ومسؤولية مشتركة في حالة الفريق وعدم وجودها في حالة المجموعة.
من ذلك نفهم أن تشكيل الفريق أصعب بكثير من تشكيل المجموعة، بل وتحتاج في حالة الفريق الى أن تبذل جهدًا مضنيًا في بنائه ليكون وحدة واحدة متماسكة، وقد قيل إنه إذا كان ممكنًا اختيار مجموعة أفراد ليكونوا فريقًا فإن جعل هذا الفريق ليلعب ويعمل معا كوحدة متماسكة هو الأمر الصعب بعينه.

ولفريق العمل العديد من التعاريف منها:
* ان فريق العمل «مجموعة من الأفراد يتميزون بوجود مهارات متكاملة فيما بينهم، وأفراد الفريق يجمعهم أهداف مشتركة وغرض واحد، بالإضافة إلى وجود مدخل مشترك للعمل فيما بينهم».
* انها «جماعات يتم إنشاؤها داخل الهيكل التنظيمي لتحقيق هدف أو مهمة محددة تتطلب التنسيق والتفاعل والتكامل بين أعضاء الفريق، ويعتبر أعضاء الفريق مسئولين عن تحقيق هذه الأهداف، كما أن هناك قدرًا كبيرًا من التمكين للفريق في اتخاذ القرارات».
* ويعرف فريق العمل أيضا أنه «مجموعة من الأفراد ذوي مهام مترابطة ومهارات متعددة يعملون في بيئة محفزة ومناخ مناسب للعمل بروح واحدة، لديهم إحساس مشترك بالمسئولية تجاه المهام المطلوبة، والتزام تام بالأهداف والقيم السائدة، وإصرار على تحسين نوعية ومستوى القرارات، وتفعيل الاتصالات بين الأعضاء، وتوجه نحو رفع مستوى المهارات لديهم».
* الفريق «مجموعة من الأفراد يعملون مع بعضهم لأجل تحقيق أهداف محددة ومشتركة».
* الفريق «عبارة عن مجموعات ملتزمة نحو أهداف محددة».
* الفريق: «عدد متنوع من الأفراد يتواجدون ضمن نظام اجتماعي أكبر (منظمة)، وينظرون إلى أنفسهم كما ينظر إليهم الآخرون كفريق، أفراده يمتازون بالاستقلال ويقومون بمهام لها أثر على أفراد ومجموعات أخرى».
* الفريق عادة يعمل أعضاؤه معًا بهدف اتمام خدمة أو سلعة أو جزء متكامل منها، يميز أعضاء الفريق هذه السلعة أو الخدمة وتعطيهم إحساسًا بالإنجاز ومعنى لعملهم.
* الفريق: «مجموعة من العاملين بالمدرسة يعملون معا من أجل تحقيق هدف محدد، ويتسم عملهم بالتكامل والمسئولية المشتركة، وينتهي عملهم بتحقيق الهدف المطلوب».
* والفريق في النهاية هو وسيلة لتمكين الأفراد من العمل الجماعي المنسجم كوحدة متجانسة، وغالبا ما يستخدم لفظ الجماعة عندما نتحدث عن ديناميكية الجماعة ولكن عندما يكون الحديث عن التطبيقات العملية فإننا نستخدم لفظ فريق العمل.

أما المجموعة أو المجموعات فإنها أو أغلبها لا تعتبر فرق عمل، فهي مجرد تجمع عدد من الأفراد أو الشخصيات لكل واحد منهم أولوياته الخاصة والتي قد ينظر إليها على أنها أكثر أهمية عنده من الأولويات التي يسعى أغلبية أعضاء المجموعة إلى تحقيقها، وعليه يمكن تعريف المجموعة أو الجماعة على أنها:
* «تجميع لعدد معقول من الأفراد يتراوح بين اثنين وخمسة وعشرين فردًا يتوافر بينهم نوع من التلاحم والتناسق في أوجه الأنشطة التي يقومون بها وتبدو مظاهر الانتظام والتصرف في إطار واحد من المبادئ والأهداف المشتركة».
* «أي صورة من صور التشكيل الجماعي المؤسس على اتباع دوافع الشعور بالانتماء إلى جماعة معينة، وكذا دافع القبول الاجتماعي ويحمل نوعا من الارتباط المادي والمعنوي بين أعضاء المجموعة ووحدة أهدافها واتجاهاتها».
* المجموعة «عبارة عن شخصين أو أكثر يتفاعلون بطريقة ما».
* والجماعة «عدد من الأفراد لهم مجموعة مشتركة من الأهداف يعملون على تحقيقها ويتوافر الانسجام بينهم لوجود صفات مشتركة في الخلفية الثقافية أو التعليمية، أو الحالة الوظيفية، ويتوافر كذلك التفاعل والمشاركة ويكون العمل بصورة مستقلة عن التنظيم الرسمي للمنظمة».
ومن هنا يتضح أن ما يميز فرق العمل عن الجماعة هو أهمية وجود المهارات المتكاملة لدى الفريق نظرا الى أنه مكلف بأداء عمل متكامل يتطلب توافر هذه المجموعة من المهارات المختلفة والمتنوعة. باختصار فإن الفرق بين جماعات العمل وفرق العمل، هي كالآتي:
* يعمل الأفراد في جماعة العمل من أجل تحقيق أهداف مشتركة، أما في الفريق فإلى جانب تحقيق الأهداف المشتركة يتعهد الأفراد أمام أنفسهم بتنفيذ هذه الأهداف كجزء من مسئولياتهم.
* في حالة جماعة العمل تتم محاسبة قائد الجماعة عن نتائج العمل باعتباره المسئول عن الجماعة، أما في حالة فريق العمل فإن جميع أفراد الفريق مسئولون عن نتائج العمل.
* معظم فرق العمل مؤقتة، وتشكل لتحقيق غرض معين في وقت محدد، أما جماعات العمل فهي غالبًا دائمة.
* الدافعية للعمل في حالة الفريق قوية، في حين أنها في جماعة العمل ضعيفة.
* في حالة جماعة العمل يؤدي عدم الاتفاق بين الأفراد إلى الشقاق، أما في حالة فريق العمل فإن عدم الاتفاق يكون مقبولاً.
* القيادة في حالة فريق العمل قوية ومشتركة، أما في حالة جماعة العمل فهي ضعيفة وتقتصر على القائد.

إن فكرة استخدام الفرق في حل المشاكل التنظيمية والوصول إلى النتائج، ترتكز أساسا على فكرة أن القرارات العقلية للجماعة تفوق القدرات العقلية لأي مدير بمفرده، بدرجات كبيرة. ومن هذا المنطلق، نجد أن معظم الفرق، تقوم أساسا على فكرة التوجيه الذاتي وأن هذه الفرق مخولة بالسلطات الكافية.

وتبدأ فرق العمل ذات الأداء العالي بمهمة أو غرض تهدف إلى تحقيقها، لذلك يبدأ الفرد عادة مدفوعًا بالتحدي، رغبة في تحقيق نتائج دراماتيكية بفترة قصيرة من الزمن، إلا أنه في الحقيقة أن معظم الفرق تنجز الأعمال المطلوبة منها في آخر 25% من الوقت المتبقي لعلمها، وذلك بسبب حالة من الفوضى التي تعيشها في البدايات الأولى للعمل والناتج من عدم التفاهم والانسجام وما إلى ذلك.

وعلى الرغم من تبقى هناك العديد من الاسئلة غير معروفة الإجابة، مثلاً: هل العمل بطريقة فريق العمل ذات أهمية ؟ كيف يمكن إنشاء فريق عمل؟ كيف إدارة فريق عمل؟ ماذا يمكن أن يحدث إن حدث خلاف أو صراع داخل الفرق؟ هذه موضوعات سنتحدث عنها لاحقًا.

الثلاثاء، 24 يونيو 2014

الثروة السمكية في البحرين (2)

 

بقلم الدكتور زكريا خنجي

نشر في جريدة أخبار الخليج بتاريخ 12 يوليو 1994

من الناحية التغذوية فإن الدراسات الحديثة تشير إلى أنه عند استعاضة اللحوم الحمراء بتناول الأسماك مرتين إلى ثلاثة مرات اسبوعيًا، والزيوت الحيوانية المشبعة بزيت الأسماك غير المشبع فإن ذلك قد يخفف نوعًا ما من حدة الإصابة بأمراض القلب والجهاز الدوري المنتشر في العالم، ومن الجدير بالذكر أن هذا المرض يعد – حسب إحصائيات إدارة الصحة العامة – من أكثر أسباب الوفيات في البحرين منذ عام 1974 حتى الآن، بل وتضعها إدارة الصحة العامة على رأس قائمة الوفيات. ليس ذلك فحسب فالأسماك جميعها ذات محتوى عال من البروتين والكثير من العناصر الكيميائية الضرورية للجسم البشري مثل عنصر اليود الحديد والفوسفور والصوديوم، لذلك أشار بعض المختصين بعدم الإكثار من تناول الأسماك المجففة وخاصة الربيان المجفف نظرًا لاحتوائه على نسبة عالية من الصوديوم وخاصة للمصابين بمرض ضغط الدم.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن عدد الأنواع الأسماك التي يتم اصطيادها في مياه البحرين الإقليمية يتجاوز العشرين نوعًا، ومعظمها قابل للاستهلاك الآدمي مثل الربيب، السلس، البدح، الشعري، النيسر، الميد، الهامور، الصافي، الكنعد، الجنم، الفسكر، الربيان، القباقب، الخثاق وما شابه ذلك. وهذا يعني عدة أمور منها:

1- إن البحر خصب وأن عملية الصيد لا يمكن أن تتعطل، فمن خرج ليصطاد أسماك الهامور – مثلاً – يمكنه أيضًا أن يجلب معه بعضًا من الأنواع الأخرى التي يمكن أن يستفيد من بيعها أو حتى تناولها، كما وأن الشباك والحظور وما شابه ذلك تحمل في طياتها كل ما يقف في طريقها أو ما يحمله المد، والمستهلكين ينتظرون كل ما يجود به البحر بفارغ الصبر.

2- تعدد أنواع الأسماك يعني في كثير من الأحيان اختلاف في الطعم، مما يتيح مساحة اختيار واسعة لربة الأسرة في تغير نمط الوجبات المقدمة لأعضاء المنزل، وهذا في حد ذاته يبعد الملل عن أفراد الأسرة والنفور من الوجبات الرئيسية التي تقدم في المنزل وتبعدهم كذلك عن اللجوء إلى المطاعم والوجبات السريعة.

وعلى الرغم من هذا القطاع من الثروة ذات أهمية كبيرة سواء من الناحية الاستثمار والربح المادي الذي يمكن أن يجنى من خلال العمل فيه أو من الناحية التغذوية التي يمكن أن تحل جزءً من مشاكلنا المتعلقة بالأمن الغذائي – وذلك بناء على ما ذكرناه من خلال مقال هذا الأسبوع والأسبوع الماضي – إلا أن قطاع الثروة السمكية مازال يعاني من الكثير من المشاكل التي لم تحل بعد، وقد ذكر الدكتور عبدالرحمن مصيقر (أستاذ التغذية الذي فقدناه) بعض من هذه المشاكل في إحدى دراساته المتعددة، وهي كالتالي:

1- ضعف الإمكانيات المتعلقة بالصيد وأدوات الصيد وحفظ الأسماك والكائنات البحرية الأخرى أثناء فترة الصيد، وعدم توفير الدعم المناسب للعاملين في هذا القطاع سواء بتوفير الأدوات والمستلزمات المناسبة أو بتقليل المشاكل المتعلقة بالتسويق.

2- قلة المستثمرين في مجال الثروة السمكية، فكثير من رؤوس الأموال تتجه للأسواق ذات الربح الثابت والمضمون، وخاصة في الفترة الأخيرة التي أصبحت فيه المنطقة بؤرة للكثير من المشاكل والاضطرابات المحلية والدولية.

3- ضعف وقلة الدراسات التي أجريت في هذا المجال وللعاملين في هذا الحقل وكيفية تحسين مستوياتهم وأدائهم الوظيفي والكيفية الصحيحة لاستخدام التكنولوجيا المتطورة في هذا القطاع ، على أن لا تؤدي استخدام هذه التكنولوجيا إلى تحطيم البيئة البحرية.

4- الحاجة إلى تشريعات ومواصفات محلية في أساليب الصيد وحفظ الأسماك والتسويق وما شابه ذلك.

5- انخفاض عدد الصيادين المحترفين نتيجة لانتقالهم إلى وظائف ذات رواتب ثابتة، وعدم ميل القطاعات الحديثة من الشباب للعمل في هذا المجال وذلك لفقره للوجاهة الاجتماعية والاقتصادية، فلا يعمل في هذا القطاع الآن إلا أصحاب العوز وبعض العمال الأجانب.

6- الردم والدفان البحري العشوائي ساهم بصورة كبيرة في القضاء على مفارخ ومحاضن الأسماك والربيان والكثير من الكائنات البحرية.

7- التلوث بالنفط وهذا طبعًا أدى إلى الكثير من المشاكل التي لم تحل بعد، فما زالت مياهنا الإقليمية تعاني الأمرين من جراء هذه المشكلة.

هذا بالإضافة للكثير من المشاكل الأخرى التي لا نريد التطرق إليها، وها نحن قد شخصنا المشاكل – ونحن على ثقة أن المسؤولين عن هذا القطاع على دراية بها وبالكثير من أمثالها التي قد تغب عنا – ولكننا نقول إن كانت المشاكل معروفة لكل ذي عقل في هذا البلد فما الحلول المطرحة لحلها حتى نحافظ نوعًا ما على الثروة الغذائية الوحيدة التي نملكها.

وحلول المشكلة – كما نعتقد – قضية مطروحة للمناقشة، وهذه دعوة للقراء ليدلو بدلوهم وليكتبوا آرائهم في هذا الموضوع، ونحن بانتظار آرائكم التي سوف نطرحها من خلال هذه الزاوية في الأسابيع القادمة إن شاء الله.

الثروة السمكية في البحرين (1)

 

بقلم الدكتور زكريا خنجي

نشر في جريدة أخبار الخليج بتاريخ 5 يوليو 1994

للحقيقة نقول إننا كدولة لم ولن نستطيع أن نحقق الاكتفاء الذاتي من الثروة الزراعية مهما حاولنا وذلك لصغر مساحة الأرض بالنسبة لعدد السكان المتزايد وضعف وربما عدم وجود الاستثمار الاقتصادي المربح في هذا المجال نتيجة للعوامل البيئية غير المشجعة بالإضافة إلى ندرة المياه وزيادة ملوحتها وعوامل أخرى كثيرة، كل هذا وغيره يجب أن يدعونا إلى التفكير بجدية تامة في الاعتماد على نوعية أخرى من الغذاء نتميز بها كجزيرة صغيرة وسط بحر مضطرب مليء بالكائنات الحية التي اعتمد عليها أجدادنا وآباءنا سابقا ويمكن أن يعتمد عليها أبناءنا وأحفادنا مستقبلاً إن أمكن استغلالها بصورة عقلانية علمية. أعتقد – وفي رأي المتواضع – أن البحر هو المصدر الذي يمكن الاعتماد عليه.

ولكن عند الرغبة في الحديث عند هذا القطاع كمصدر غذائي يمكن الاعتماد عليه أو كثروة يمكن أن تحقق أرباح اقتصادية مهولة تبرز لدينا دائمًا العديد من المشاكل، ربما من أهمها مشكلتين رئيسيتين، الأولى: هل من حقنا – كدولة – أن نستنزف من الثروة السمكية ما نشاء حتى نحقق نوع من الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي الذي نعاني العجز منه في جميع مجالات الغذاء الأخرى ؟ أم الثانية: أن نترك هذه الثروة تجوب البحر بحرية تامة وذلك تماشيًا مع شعارات المحافظة على البيئة التي تدعوا إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ثروة حيوانية ونباتية تعيش وتتكاثر في البحار ونحن نعاني مما نعانيه من عجز متزايد ؟

ليس من السهولة الإجابة على هذين السؤالين، فهي معادلة صعبة التوازن فالوسطية والاعتدال يصبحان ترفًا فكريًا وحديث مجالس وندوات علمية بعيدة كل البعد عن الواقع العملي الذي يعيشه هذا القطاع من الثروة التي من المفروض أن نحافظ عليها كما تشير بذلك التوصيات التي خرجنا بها من جميع الندوات والمؤتمرات العلمية وخاصة تلك المتعلقة بالثروة السمكية. وحتى لا نجني على أحد إليكم دليلاً واحد، منذ حوالى شهرين أو أكثر أصدرت إدارة الثروة السمكية قرارًا بحظر صيد الربيان (الجمبري) من مناطق بحرية مختلفة وذلك بحجة إعطاء الفرصة الكافية لهذا الحيوان بأن يبيض ويتكاثر ويكبر ليصبح بعد ذلك مؤهلا بأن يتم صيده وأكله، ولكن ماذا حدث ؟ تهافت الصيادون على صيده خلال فترة الحظر ليس ذلك فحسب وإنما لهث المستهلكون على تناوله وشرائه بشق الأنفس وكأنهم لم يتناولوه من قبل ! هذا على الرغم من أن الجميع يهتف ليل نهار وينادي بالمحافظة على الثروة السمكية من الاستنزاف. وعجبي !

عمومًا، فنحن لا نريد الإجابة على هذين السؤالين الآن، إنما سنحاول أن نبين أهمية هذا القطاع الذي يمكن أن نحقق من خلاله – لو أخذ من الاهتمام شيئًا – نوعًا من الاكتفاء الغذائي ولحقق المستثمرون أرباحا طائلة.

تقول الاحصائيات أن الشعب البحرين استهلك في الأعوام الممتدة ما بين سنة 1981 حتي 1991 حوالي 23366 طنا متريًا من الأسماك، موزعة كتالي (حسب السنوات) عام 81/1553.8، عام 82/1909.7، عام 83/3146.5، عام 84/3021.1، عام 85/1918.5، عام 86/2565.9، عام 87/2780.4، عام 88/2497.7، عام 89/2061.4، عام 90/588.9، عام 91/312.1 طنًا متريًا، هذا على الرغم من أن الإنتاج المحلي لم يفي بهذه الكميات فلجأت الدولة إلى استيراد الكميات المطلوبة من الدول الأخرى فأصبحت بذلك عبئًا على ميزانية الدولة، وللأسف فإن جزء من كميات الأسماك – سواء المحلية أو المستوردة – تتعف وتفسد قبل أن تمتد إليها يد المستهلك، وذلك لأسباب سنذكرها لاحقًا.

ومن الجدير بالذكر أن كميات الاستهلاك المتزايدة وعدم إمكانية الناتج المحلي من الاستكفاء المطلوب لهو مؤشر يدل على عدة أمور منها:

1- إن هذا الغذاء مهم للمواطن لذلك يجب أن يتواجد في الأسواق باستمرار، ولكن تواجده – للأسف – مرهون بالاهتمام الذي يجب أن يتم بطريقة أو بأخرى،

2- أن هذا القطاع مجال خصب للاستثمار الاقتصادي المربح، فإننا لو استطعنا أن نستغل هذه الثروة بالطريقة الصحيحة لأمكن أن نحقق غرضين الأول: الاكتفاء الذاتي في هذا المجال، الثاني: الربح المادي للمستثمرين.

وقد يقول قائل، كيف يمكن أن يحقق المستثمرون الربح المادي المرغوب والناتج المحلي ضعيف ولا يفي بالغرض المطلوب منه حتى على النطاق الاستهلاك المحلي ؟ نقول إننا لم نلجأ للاستيراد ضعفًا في الناتج المحلي ولكنه الضعف ناتج من أسباب أخرى منها – على سبيل المثال – ضعف وتدهور القوة العاملة في هذا القطاع، مشاكل التلوث ومشاكل أخرى سنحاول أن نتطرق إليها لاحقًا.

وللحديث بقية ،،

السبت، 21 يونيو 2014

أخلاقيات العمل والجوانب الإنسانية

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٢ يونيو ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

من غير المعقول أن يتحكم في العلاقات البشرية في بيئة العمل الواجبات والحقوق والأنظمة فقط، ففي العمل وبين زملاء العمل يقضي الإنسان جلّ وقته، فهو يخالطهم ويحادثهم ويمازحهم، وربما يحدث سوء تفاهم أو علاقات إيجابية وودّ قد يؤدي الى ارتباط أبدي بالزواج أو الصداقة الدائمة.
ذات يوم ساقتني الأقدار لحلّ مشكلة أحد الموظفين المالية والأسرية بأن أقوم بتحويله من وظيفة إلى أخرى، حيث ان الوظيفة الثانية ستمكنه من أن يجني بعض المال الإضافي من ساعات العمل الإضافية وما إلى ذلك، ولكن عندما علم مديري بذلك نهرني قائلاً: لسنا الشئون الاجتماعية حتى نحل مشاكل الموظفين، نحن في عمل من يريد أن يستمر فليستمر، ومن لديه مشكلة يقوم هو بنفسه بحلها.
ربما هذه العلاقات الايجابية بين الموظفين في بيئة العمل تذكرنا بالآية الكريمة التي وردت في سورة آل عمران – الآية 159 حيث يقول تعالى لرسولنا الكريم «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الامْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ»، فإن كان التقيد بالأنظمة واللوائح مطلوبا في الكثير من الأوقات فإن الرحمة مطلوبة دائمًا وفي كل زمان وفي كل مكان، فلا يمكن أن تسود علاقة بين أناس يعملون ويقضون الكثير من الساعات مع بعضهم البعض بالمسطرة والقلم، وإنما يجب أن يتخلل تلك الأوقات الجوانب الإنسانية والعلاقات البشرية، حتى تقلّ المشاكل والشحناء.
ولسنا نرغب في تحويل الناس إلى ملائكة، ولا نتكلم عن مثاليات، ولكن لو استطعنا أن نضفي على أوقاتنا في العمل بعض اللمسات الإنسانية لانخفضت نسبة ضغوط العمل وارتفعت نسبة الرضا الوظيفي وبالتالي ربما تقل أمراض ضغط الدم والقلب وأمراض الشقيقة وما يتبع ذلك من أمراض نفسية واجتماعية، وأصبح الموظفون بدلاً من أن يتداولوا فيما بينهم النكات والسخريات حول الذهاب إلى العمل وانتهاء الإجازات عبر وسائل التواصل الاجتماعي كل نهاية أسبوع، فإنهم سوف يذهبون إلى العمل بإيجابية وبرغبة في إثبات وتحقيق الذات، وهذا هو قمة الاحتياجات البشرية في هرم ماسلو أو في أي نظرية للاحتياجات البشرية.
ولكن كيف نمد الجسور البشرية بين الموظفين؟ كيف ننشر الحب والصداقة بين المتخاصمين؟ كيف نجعل من بيئة العمل المليئة ربما ببعض الأنواع من الحسد وسوء الظن وسوء التفاهم إلى بيئة يسودها الود والحب والتفاهم وتغلف بالرحمة؟ وبالمعنى العلمي كيف نبني العلاقات الإيجابية بين زملاء العمل؟

عشرون صفة لبناء العلاقات الإيجابية مع زملاء العمل:
1ـ بادر بالسلام والتحية: التحية في ذاتها مصدر حياه يحييه فهي تحية، ومعناه في اللغة: الدعاء بالحياة، فيقال: حياك الله، أي أبقاك. والتحية الأعم هي إهداء السلام، وغدت في الإسلام فعلا يثاب فاعلها، وأصبحت من حقوق المسلم على أخيه، فتحولت هذه التحية من عادة إلى عبادة، ومن كلمة مجردة تقال إلى مشاعر تنتقل ما بين الناس، هذه المشاعر تنقل رسائل الحب والسلام بين الناس، لذلك يقول صلى الله عليه وسلم (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا. ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم، كما يقول عليه أفضل الصلاة والتسليم في رواية لأبي داوود (إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه). إذن ببساطة فإن فعل إلقاء التحية والسلام يؤدي إلى نشر الحب بين الناس.
2ـ ابتسم: لا يمكن في هذه الجزئية من مقال أن نتكلم عن الفوائد العلمية والنفسية للابتسامة سواء للمبتسم نفسه أو للمبتسم له، فببساطة يقول الأطباء تفيد الابتسامة في إرخاء العضلات وإبطاء إيقاع النبض القلبي وخفض التوتر الشرياني، ولقد بدأ العلماء في استخدام الابتسامة كأساس لاستراتيجية علاجية حقيقية، تقوم على استخدام تقنيات الاسترخاء واليوجا من خلال تعلم منكسات تنفسية وتمارين خاصة. ويقول صلى الله عليه وسلم (وتبسمك في وجه أخيك صدقة)، وفي حديث آخر (لا تحقرنّ من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق).
3ـ تعرف على اهتمامات زملائك الحالية والمستقبلية: نعيش مع زملاء العمل الجزء الأكبر من اليوم، إذن أليس من المستحسن أن نتعارف على بعض ليعرف رغباتي واهتماماتي وكذلك أعرف أنا ما اهتمامــات هذا الإنسان الذي أقضي جزءا من وقتي معه؟ أليس من الجميل أن أتعرف على أحلامه وطموحاته؟ ألا يخلق ذلك بيننا مودة وإنسانية؟
4ـ أعرف ظروفهم: التعرف على ظروف زميلك الاجتماعية والحياتية، فلربما احتاج منك يومًا أن تقف معه موقفا إنسانيا يصعب عليه هو تجاوزه بنفسه، فهل ستتخلى عنه؟ لا نحتاج أن نعرف أسرار الآخرين، ولكن على الأقل أن نعرف ظروفهم وحاجياتهم.
5ـ التوصل إلى نقاط مشتركة أثناء الحوار: عندما نتحاور من أجل الوصول إلى حلول معينة يمكننا أولاً أن نبحث عن نقاط مشتركة لكي نتفق عليها، وعليها نعمل، وبعد ذلك يمكن أن نتحاور في نقاط الاختلاف بحثًا عن نقاط مشتركة للاتفاق.
6ـ حاول أن تتعلم من زملائك: التعلم الإيجابي أمر ضروري، فلم يولد أحدنا وبين أصابعه قلم وورقة، فكلنا بدأنا نتعلم الحرف والكلمة والجملة، بل نظل طوال حياتنا نتعلم وربما من أصغر أبنائنا، لذلك ليس عيبًا أن تتعلم من زميل العمل، والأجمل إن تعلمت منه فعلاً أن تعيد له الفضل في عملية التعلم أي يمكنك يومًا أن تقول إنني تتلمذت في هذا الأمر على يد فلان.
7ـ تواضع: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر: يَا أَيُّهَا النَّاسُ تَوَاضَعُوا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ، فَهُوَ فِي نَفْسِهِ صَغِيرٌ، وَفِي أَعْيُنِ النَّاسِ عَظِيمٌ، وَمَنْ تَكَبَّرَ وَضَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَهُوَ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ صَغِيرٌ، وَفِي نَفْسِهِ كَبِيرٌ، وَحَتَّى لَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِمْ مِنْ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ». فما أجمل أن تتواضع لزملائك في العمل حتى وإن كنت مسئولاً عنهم، حتى وإن كنت تمتلك شهادة عليا لم يتمكن أحدهم من الوصول إليها، لأنك ستبقى الأعلى حينئذ.
8ـ اعكس الأدوار: عندما يحتدم الصراع بينك وبين زميلك وكل واحد منكما لا يقر بخطئه، اعكس الأدوار، ضع نفسك مكانه، وقس على ذلك، عندئذ يمكنك أن تتعرف على المخطئ.
9ـ كن متعاونًا معهم: حاول أن تقدم يد العون لكل من يحتاج إليك ولكن من غير استغلال لقدراتك ومساعدتك، كن فطنًا.
10ـ ابتعد عن التكلف بالكلام والتصرف: لا تتصرف وكأنك عبقري زمانك، أو وكأنك أجمل من خُلق على الأرض، ولا تتكلم من طرف أنفك ومن نفس عفنة.
11ـ لا تحاول ادعاء ما ليس فيك: فالجميع يعرفك، فلا تدعي أنك تملك أموال قارون وأنت لا تمتلك إلا راتبك، ولا تدعي ما ليس فيك أو لا تملك، فالكل يعرف ولكن الكل يمكن أن يضحك عليك وأن لا تعرف، كن متواضعًا حتى وإن كنت تملك أموال قارون.
12ـ ابتعد عن الثرثرة: في بيئة العمل هناك أمران يشغل المرء وقته بهما: الثرثرة والأكل، واليوم تحولت الثرثرة إلى ثرثرة إلكترونية عبر الواتساب وخلافه، ألا يمكن أن نتخلص من الثرثرة لأنها تخلق الكثير من المشاكل بين زملاء العمل؟
13ـ شاركهم أفراحهم وأحزانهم: جميل أن تلبي دعوات الأفراح التي تقام لزملاء وأبناء زملاء العمل، حفلات زواج وما شابه ذلك، وكذلك من الجميل أيضًا أن نتشارك في الأحزان، وربما الإنسان يحتاج إلى أن يشعر بقرب زملائه في الأحزان أكثر من الأفراح.
14ـ موازنة العاطفة مع العقل: وخاصة أثناء الغضب أو أثناء الحب الجارف، فلا تتخذ أي القرار وأنت غضبان أو أنت في حالة حب جارف، فلا يمكن أن يكون قرارك صائبًا مهما حاولت أن تكون موضوعيًا، حيث يمكن بعد ذلك أن تندم.
15ـ العمل نحو تحقيق التفاهم المشترك: من المريح أن نتفاهم مع زملاء العمل، على أن تكون هذه الرغبة مشتركة بين الطرفين، فليس من المعقول أن يتحرك أحدهم في سبيل التفاهم والآخر لا يرغب في ذلك، وعند وجود صلة بين الطرفين ونصل كلانا إلى منطقة للتفاهم علينا أن نعمل بصورة مشتركة في هذه المساحة، ويمكننا أن نترك النقاط التي لم نتوصل فيها إلى نقاط التفاهم للمرحلة القادمة.
16ـ بناء اتصالات جيدة وقوية: بين زملاء العمل وفي بيئة العمل دائمًا يجب أن يكون هناك وسيلة للتواصل الفعال، فالاتصال صفة موجودة بين الكائنات فلماذا لا نستغلها للوصل إلى جسور مشتركة ؟
17ـ كن جديرًا بأن يعتمد عليك: عندما يحتاج زميل عمل الى مساعدة مني لا أبخل ولا أحجم، وإنما أمد يد العون، على الأقل من أجل أن يساعدني في يوم ما عندما أحتاج إلى مساعدة.
18ـ استخدام الإقناع بدلاً من الإكراه: أثناء النقاش والحوار وحتى أثناء الدوام الاعتيادي يمكننا أن نتواصل بالحوار والكلام، فلا تفرض رأيك عليّ ولا أفرض رأيي عليك، فلكل منا عقل يفكر، فلا أنا أعلم منك ولا أنت أعلم مني، تتعلم مني وأتعلم منك، وهكذا يمكن أن تستمر العلاقة.
19ـ تعلم قبول الآخر: في بيئة العمل هناك العشرات من الأفراد، ولا يوجد أحدهم يشبه الآخر، وكلنا نختلف في الآراء والأفكار والسمات، وهناك فروق فردية بين الأفراد، ولكن هذا لا يعني أبدًا أن نكره بعضنا البعض، فالاختلاف مطلوب وبالتالي قبول الآخر مطلوب، فإن لم نقبل بعضنا البعض على اختلافاتنا فهل يمكننا أن نكون كلنا على صورة واحدة؟
20ـ لا تحسد: لا يمكن أن ننكر وجود الحسد في بيئة العمل، ولكن يجب أن يكون معلومًا أن الحسد يولد البغض والكراهية بين الأفراد، لذلك حاول أن تتخلص من هذه السمة السلبية، حتى تعيش نفسك في ايجابية وسلام.

الخلاصة، لو استطعنا أن نتحكم في علاقتنا الإنسانية في بيئة العمل من خلال هذه الصفات العشرين لأمكننا أن نتجاوز الكثير من المظاهر السلبية التي تحدث في بيئة العمل، وأن نحول بيئة العمل إلى صورتها الايجابية.

الجمعة، 20 يونيو 2014

التلوث الاستهلاكي في رمضان

 

نشر في جريدة أخبار الخليج بتاريخ 8 فبراير 1994

بقلم: الدكتور زكريا خنجي

فجأة ومن غير مقدمات تحول كل شيء، أصبح حديث الناس لا يستساغ إلا عندما تفوح منه رائحة الثوم والبهارات وماء الورد، تحولت الإعلانات التجارية في الصحف والمجلات وحتى في التلفزيون وربما جميع وسائل الإعلام إلى إعلانات عن أجود أنواع الطعام الفاخر، عن الجيلي والكاسترد والأنواع المختلفة من الحليب، والرز الذي لا يأكله إلا علية القوم، ناهيك عن اللحوم والعصائر الطبيعية الطازجة والتي لم تعرف من الطبيعة شيء، والكريمات والأنواع التي لا تضاهى من الكعك والحلويات، وكل ما لذ وطاب من الغذاء، وكأن الناس سيتحولون إلى أفواه ليس لها هم إلا التهام الطعام التهامًا، أو كأن البشر مقبلون على سبع سنوات عجاف.

وفجأة ومن غير مقدمات أيضًا إلا بتأثير من وسائل الاعلام المختلفة هرع الناس وركضوا إلى الأسواق ركضًا، ذهبوا خفافًا ورجعوا ثقالاً محملين بكل ما وجدوه في سوق الاستهلاك المحلي، كل ما يمت إلى شهر رمضان عن قريب أو بعيد وحتى في كثير من الأحيان حملوا معهم أغذية ليست ذات علاقة برمضان ولا حتى بالعيد ولا الشهور التي تلي هذه الأشهر أو تسبقها، المهم أنهم حولوا البيوت إلى مخازن للأغذية، التي قد تنفد خلال الشهر الكريم !

ومن جانب آخر أصبح هم الجهات المسئولة عن قطاع توفير الغذاء أن توفر كل ما يمكن توفيره من أنواع مختلفة من الغذاء خلال شهر رمضان، فالبيض متوفر خلال الشهر وكذلك اللحوم الحمراء والبيضاء وكل شيء، وما على المواطن إلا أن يصوم ولا يفكر في بطنه، ولكن – وللأسف – إن مثل هذه التصريحات تحولت إلى هاجس أخاف المواطنين من مغبة نفاد كميات الأغذية المطروحة في السوق، فتسابقوا إلى الأطعمة واستنفروا كافة طاقاتهم ليستحوذوا على كل ما تقع عليه الأيدي.

وهكذا نحن في كل سنة، نكدس الأغذية بمختلف أنواعها، نحول منازلنا إلى مستودعات ومخازن فتصبح مرتعًا – شئنًا ذلك أم أبينًا – للفئران والحشرات الضارة، ثم نشتكي بل ونولول من هذه الكائنات الضارة، وعندما ينتهي رمضان تنتهي أهمية الكثير من الأطعمة التي انفقنا عليها مئات الدنانير، فتصبح قمامة همنا أن نتخلص منها بشتى الطرق.

أيها السادة ما هكذا تورد الأبل، فليس الأفراط في الإسراف من سمات رمضان ولا رجالات رمضان، فالأجداد لم يعرفوا هذا التلوث الاستهلاكي بل ولم يقروه أبدًا والتاريخ يشهد على ذلك، ورمضان لم يخلق لتناول الطعام إن هو إلا شهر من شهور الله إن كان له فضل ففي روحانياته وميلاد الأمة الإسلامية وغير ذلك فإنه لا يختلف عن بقية الشهور، بل على العكس فإن هذه الأمة لم تخلق إلا في رمضان ولم يقم لها كيان إلا فيه ولم يثبت لها رجل إلا من خلال أيامه الكريمة.

فيا أيها السادة أتقوا الله في هذا الشهر وكفوا عن هذا التلوث الاستهلاكي الذي لا يضر إلا صاحبه، ولا تنسوا قول الله تعالى (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين). فلنكن صادقين مع أنفسنا ولنحاول أن نغير من هذا السلوك الاستهلاكي ولنقنن عملية شراء الأغذية، حتى وأن كان بالتدريج.

وهذه دعوة نقدمها للمواطنين نتمنى أن تتلقى آذان صاغية، حتى نتخلص – من خلال هذا الشهر الكريم – من أحد أنواع التلوث الذي يعاني منه خليجنا المعطاء.

البيئة في عيد الأضحى

 

نشر في جريدة أخبار الخليج بتاريخ 6 مارس 2001

بقلم الدكتور زكريا خنجي

تهنئ بعيد الأضحى .. تهنئ من صفحة البيئة إلى القراء بهذه المناسبة العظيمة.

ففي العيد تتصافح القلوب قبل الأيدي .. وتبتسم العيون قبل الشفاه .. وتنتشر المحبة بين الناس .. وينتشر السلام بين البشر .. أو هكذا نأمل.

ونتمنى أيضًا أن ينتشر الوئام بين الإنسان ونفسه قبل كل شيء .. فالإنسان العدو لنفسه لا يستطيع أن يتلاءم مع ما يحيطه من كائنات حية أو غير حية .. فلا تطيب نفسه ألا بتحطيم ما يحيطه من جمال وطبيعة .. فتمتد يد إلى الأزهار التي ذهب يستمتع بها في الحدائق العامة فيقطفها .. وينثر المخلفات بأشكالها المختلفة في كل مكان من غير أن يجهد نفسه بالبحث عن سلال المهملات، فتتحول الحدائق والأمكنة العامة إلى مقابر للقمامة.

مدوا أيدكم بالسلام مع البيئة واصطلحوا معها في العيد أيها السادة .. فما الغرض من تحطيم وقطف الأزهار ؟ ما الغرض من رمي أكياس المينو والجبس وعلب المشروبات الغازية في كل مكان ؟ ما الغرض من الاستهلاك المتزايد خلال هذين اليومين، في الأكل والشرب والملابس والكثير من السلع الاستهلاكية التي ترمى بعد انقضاء أيام العيد ؟

في الدراسة التي قمنا بها لقياس بعض التصرفات المتعلقة بالسلوك البيئي عند الطلبة والمدرسين، وجدنا أن نسبة لا بأس بها من المدرسات (18.5%) يقمن بقطف الأزهار من الحدائق العامة أثناء تنزههن بين ثناياها للترفيه عن النفس وقضاء وقت الفراغ. وسؤالنا إذا كانت المدرسات يقمن بهذا الفعل فما بال الطلبة والطالبات وبقية أفراد البشر ؟

وقطف الازهار ليس كل شيء، فالبيئة كما نعلم هي كل ما يحيط بنا بغير استثناء، فالمرافق العامة جزء من البيئة، والإنسان جزء لا يتجزأ منها، والطير والنبات وحتى الجماد جزء من البيئة فإذا تغير موقعه أو انحرف أو نقص أو حدث له أو فيه تغييرات غير محسوبة فإنه قد تحدث كوارث بيئية لا تحمد عقباها.

أيها السادة .. لا نريد أن نطيل عليكم ولكنها فرصة للصلح ومد أيدي السلام مع البيئة بمفهومها الشامل .. وهذه دعوة نرسلها لعلها تجد آذان صاغية وعقول متفتحة حتى ننعم ببيئة سليمة ونقية لنا ولأولادنا من بعدنا. فهل من مستجيب ؟

استديو البيئة- الإذاعة - هل استهلاكنا للغذاء في رمضان طبيعي ؟

Foto61

الأحد، 15 يونيو 2014

أخلاقيات العمل.. بين الواجبات والحقوق

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٥ يونيو ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

قلنا في المقال الماضي، إننا نستقي أخلاقياتنا الوظيفية من الإسلام، حيث إنه المنهج والفكر والثقافة الثابتة التي يمكن أن نبني عليه أخلاقياتنا. وقلنا أيضًا إنه يجب إيجاد مواثيق عمل بين العاملين في نفس الحقل أو المجال، فلكل وظيفة أو مهنة من المهن قيم ومبادئ ومعايير أخلاقية ومعرفة علمية وأساليب ومهارات فنية تحكم عمليات المهنة وتحدد ضوابطها، وعلى الموظف – ونحن هنا نقصد جميع الموظفين، من أكبر مسئول في المؤسسة حتى أصغرهم – في جميع الأحوال واجبات يجب أن يقوم بها كونه موظفا، وله نفس الحقوق التي يجب على المؤسسة الالتزام بها مثل الراتب وما إلى ذلك، فإن التزم الموظف بمثل تلك الواجبات والتزمت المؤسسة بحقوق الموظف فإننا حتمًا سنصل إلى جوهر الالتزام بأخلاقيات العمل.
وهذا يعني أنه عندما تكون هناك عدالة ومساواة فإن الموظف والعامل تكون أخلاقياته تتأرجح ما بين واجباته وحقوقه، لذلك فإنه سيلتزم هذه الأخلاقيات حتى يحقق احتياجاته الأساسية. وسنحاول أن نتعرف في هذا المقال على الواجبات التي يجب القيام بها والحقوق والتي يمكن اعتبارهما «أخلاقيات العمل». وهي كالتالي:

أولاً: الواجبات
1- أداء وإتقان العمل: على الموظف أن يؤدي عمله على خير وجه، في الوقت والمكان المناسبين والمحددين لذلك، ويجب عليه أن يعرف مهامه بشكل جيد ويسعى لفهم عمله والتكيف معه والاجتهاد في تقديم الخدمة من خلاله. ولا يمكن أن نتوقع أن يقوم آخر بالعمل بدلاً من الموظف المسمى للعمل. ويجب على الموظف أن يعمل على تأهيل نفسه وتطوير مقدراته المعرفية ومهاراته العملية الخاصة بعمله، فتطوير نفسه سيطور مؤسسته ونوعية الخدمات المتوقعة منه، بالإضافة إلى الاستفادة الشخصية المتوقعة له.

2- طاعة الرؤساء: لا بد للعمل من تنظيم إداري، ومن الطبيعي وجود رؤساء للعمل ومرؤوسين. وقد توجد عدة طرق لإدارة الأعمال، ولكن المهم هنا على الموظف طاعة الرؤساء وخاصة المباشرين منهم، والعمل بتوجيهاتهم وتنفيذ أوامرهم.
وهذه الطاعة يؤخذ بها من أجل المصلحة العامة، ولا يمكن لها أن تتجاوز الحدود الوظيفية لتصل إلى الطاعة الشخصية. ولا تعني طاعة الرؤساء تجاوز القوانين والشرائع وفي حال الاختلاف مع موظف أعلى هيكليًا يمكن تنفيذ الأمر في حال كونه موثقًا وعلى مسؤولية الموظف الأعلى. والانتباه في حال مخالفة القانون، حيث إن القانون لا يعفي المخالف لسبب الجهل بالقانون أو طاعة الرؤساء وخاصة الأوامر غير الموثقة منها أو التي تتعدى القانون أو النظام العام الذي هو مجموعة من القواعد الجوهرية التي يقوم عليها المجتمع في أساسه سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية.

3- احترام القوانين واللوائح: يشمل احترام القانون، احترام الدستور والتصرف وفق التعليمات والأوامر، ولا يجوز تجاوز القوانين لأي رأي من الآراء أو ظرف من الظروف.
عدم إفشاء أسرار الوظيفة: بطبيعة العمل الوظيفي قد يتعرف الموظف على أسرار الدولة أو المجموعات أو الأفراد، وعلى الموظف أن يكون أمينًا في المحافظة على هذه الأسرار داخل وخارج نطاق العمل، وألا يحتفظ بشكل شخصي بوثائق خاصة بوظيفته. ويخضع تقدير سرية المعلومات للقوانين المختصة بهذه المعلومات، وفي حال مخالفة الموظف لأمانة وسرية المعلومات يتعرض الموظف للمسؤولية الأخلاقية والجنائية.

4- المحافظة على كرامة الوظيفة: إن سلوك وتصرفات الموظف في الوظيفة وفي حياته الخاصة محسوبة عليه وعلى الوظيفة التي يشغلها، ولهذا يجب على الموظف أن يمتنع عن كل ما يخل بالشرف والكرامة الخاصة به وبالوظيفة التي يشغلها.

5- عدم القيام بأعمال مهنية أخرى: العمل الآخر حتى وإن كان خارج أوقات الدوام يؤثر على إمكانيات الموظف الجسدية ويخل بمكانة الوظيفة من ناحية الشكل والمضمون، ولا يفهم من هذا أن الوظيفة أرفع مقامًا من أعمال حرفية أو وظائف أخرى. ولا نستطيع أن ننكر أن الحاجة والعوز في هذه الأيام أرغمت الكثيرين على تجاوز أنفسهم وتجاوز قناعاتهم واضطروا للعمل بأعمال ووظائف أخرى وبدوام آخر، وأصبح من المقبول أخلاقيًا القيام ببعض الأعمال الإضافية لأصحاب بعض الوظائف حينًا، وفي أحايين أخر ما يزال منافيًا لأخلاقيات العمل أن يقوم الموظف بأعمال أخرى والأمثلة كثيرة.

6- المحافظة على أوقات العمل: يجب على الموظف الالتزام بأوقات العمل، فوقت العمل للعمل، وليس من حق الموظف أن يضيع وقت العمل بغير خدمة الوظيفة، ويجب أن يتنـزّه الموظف عن استغلال القانون بغير حق ليضيع الوقت ويتلاعب في وقت العمل، وإن بشكل قانوني لصرف الوقت في غير محله.

7- الحفاظ على المصلحة العامة: دون التحيّز لأي موقف مسبق في اتخاذ أي قرار وظيفي، فالخيار الأول للموظف هو مصلحة الوطن، فلا يأخذ الموظف بالمحسوبيات والواسطة، ولا تأثير على قرار من مزاج أو موقف عرقي أو سياسي أو ديني أو غيره.

8- المحافظة على الممتلكات العامة: كالسعي في تخفيض الإنفاق، ولكن ليس على حساب نوعية الأداء والاستخدام الأمّثل للموارد وحسب اختصاصها. والحكمة في صرف المتهالك من المواد وصيانة المواد الثابتة لضمان استمرارية الفائدة من إنتاجيتها، واستخدام الأدوات بشكل رشيد وسليم والامتناع عن استخدام المواد الموجودة في المؤسسة لأسباب شخصية أو غير متعلقة بالعمل الذي وجدت من أجله، وكذلك ترشيد استخدم الطاقة الكهربائية والاتصالات والتكييف، واستخدام طرق المواصلات الأكثر كفاءة والأقل كلفة.

9- السلوك المؤدب واللبق مع المراجعين: واعتبار المراجع صاحب حاجة والوظيفة وجدت لتلبية حاجته، وتوعية المراجع إلى حقوقه وواجباته في حاجته، وتشجيع المواطن على احترام القوانين واللوائح والتعليمات الصادرة بخصوص حاجته في المؤسسة. وكذلك احترام المراجع كمواطن والرغبة الحقيقية في مساعدته بشكل محايد، وعدم عرقلته لأسباب شخصية أو لأسباب استغلاله، والتعامل مع المراجعين بشكل رسمي وموضوعي دقيق.

ثانيًا: الحقوق
1- المُرتّبات والأجور: أي الأجر الذي يتقاضاه الموظف لقاء قيامه بعمله، ويدخل في حساب هذا الأجر الأعمال الإضافية التي يقوم بها الموظف والتعويضات المختلفة ومهام السفر. ويدخل في هذا الحق أيضًا القيمة المالية الناتجة عن الترفيعات في الفئات والدرجات والتصنيفات الوظيفية، وبحسب القوانين المختصة وحسب قدم الموظف ومستوى أدائه لمهامه. وقد يتقاضى الموظف أحيانًا منحة مالية خاصة كثواب لعمل أو اجتهاد ما.

2- الترقيات الإدارية: من حقوق الموظف أيضًا شغل المناصب الإدارية الأعلى من حيث الترتيب الهيكلي، وقد تعود هذه الترقية بنفع مادي أكبر على الرغم من أن هذه الترقيات ذات صبغة إدارية وشكلية أكثر منها مادية، ويجب أن يعود سبب الترقيات إلى الكفاءات العلمية ولوجود الشواغر وطريقة تنظيم العمل والخبرات والشهادات ومتطلبات العمل.

3- الإجازات بأنواعها: الإجازات حق من حقوق الموظف العام تحفظه الطبيعة والقانون وهي مصنفة ومقننة كالإجازة المرضية والإجازة العرضية والإجازة السنوية والإجازة دون أجر وغيرها.

4- حماية القانون للموظف في عمله: قد تتضح الحاجة لهذا الحق في بعض الوظائف أكثر منها في وظائف أخرى، وعلى العموم يحمي القانون الموظف أثناء قيامه بمهامه مما يمكن أن يهدد أمنه أو جسده أو كرامته أو رأيه.

5- التعويض المالي أو المعنوي: من حق الموظف أن يعوض تعويضًا ماليًا عن إصابة جسدية أو تأثر نفسي أو معنوي حصلت له أثناء تأديته لعمله.

وختامًا، تبقى قضية أخلاقيات العمل مرهونة بالموظف نفسه وبتربيته وبرغبته في المحافظة على نفسه وأسرته ووطنه، على أن يكون معلومًا عند هذا الموظف أو غيره أن الوظيفة يجب أن تحقق الاحتياجات الأساسية للإنسان، أو حتى أدنى تلك الاحتياجات، لذلك يجب أن تحترم وأن يتم المحافظة عليها، ولا يتم ذلك إلا ببعض الأخلاقيات المهنية التي ذكرنا جزءاً منها. وما زال للموضوع بقية.

 

ملاحظة: الفقرة التالية حذفت من المقال المنشور وهي من الواجبات

4- عدم إفشاء أسرار الوظيفة: بطبيعة العمل الوظيفي قد يتعرف الموظف على أسرار الدولة أو المجموعات أو الأفراد، وعلى الموظف أن يكون أمينًا في المحافظة على هذه الأسرار داخل وخارج نطاق العمل، وألا يحتفظ بشكل شخصي بوثائق خاصة بوظيفته. ويخضع تقدير سرية المعلومات للقوانين المختصة بهذه المعلومات، وفي حال مخالفة الموظف لأمانة وسرية المعلومات يتعرض الموظف للمسؤولية الأخلاقية والجنائية.

السبت، 7 يونيو 2014

من أين نستقي أخلاقياتنا الوظيفية ؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٨ يونيو ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

تعرف الأخلاق بأنها منظومة أو مجموعة قيم ومبادئ، على أساسها يعيش الإنسان وتتحرك الشعوب وتتعامل مع بعضها البعض مثل العدل والحرية والمساواة، بحيث تصبح هذه القيم مرجعًا ثقافيًا لتلك الأمم وتكون سندًا تستقي منها القوانين والأنظمة، فالأخلاق من خلال هذه المنظومة تعد جزءا من الوعي الإنساني، هذا الوعي الذي تبنى عليه كل العلاقات الإنسانية والسلوكيات وما إلى ذلك.
وفي المجتمعات الليبرالية والعلمانية والشيوعية وما إلى ذلك، فإن منظومة تلك القيم تختلف حسب الافراد وتغير تلك المجتمعات، فما كان اليوم يعد قيمة فإنه غدًا قد يكون ثقلاً وهاجسًا يجب التخلص منه، والأمثلة كثيرة على ذلك، فالحشمة التي كانت تعاني منها المجتمعات الغربية رمتها خلف ظهرها وسارت حتى غدت فكرة الزواج - مثلاً - فكرة رجعية تثقل كاهل المجتمع، لذلك فإنه تم التخلص منها، وبالتالي أصبح التواصل الجنسي والنفسي بين الطرفين يمكن أن يتم بأي طريقة، حتى إن كانت هذه العلاقة بين الشبيهين.
وهذا يعني بكل بساطة أن مصدر الأخلاق في الحضارات الليبرالية وغيرها من المجتمعات ينبع من العقل والفكر البشري أو ما يتفق عليه الناس في المجتمع - وهو الذي يعرف «بالعرف» - ولذلك فتلك الأخلاق متغيرة من مجتمع لآخر ومن بيئة لأخرى ومن زمن لآخر وربما من بيت لأخر.
أما في الفكر الإسلامي، فإن الأخلاق تأتي من الوحي الإلهي، ولذلك فهي قيم ثابتة ومثل عليا لا تتغير من بلد إلى آخر ومن شخص لآخر، وإنما هي قيم وسلوكيات تصلح لكل إنسان بصرف النظر عن جنسه وزمانه ومكانه ونوعه، ليس ذلك فحسب وإنما مصدر الإلزام في الأخلاق الإسلامية هو شعور الإنسان بمراقبة الله عز وجل له.
وفي الحديث النبوي الشريف الطويل الذي يرويه أبي هريرة رضي الله عنه، عن الرجل الذي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام والإيمان وما إلى ذلك، وعندما وصل إلى الإحسان، قال الرجل: «يا رسول الله ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إن لم تكن تراه فهو يراك». يقول العلامة سعيد حوى في كتابه (تربيتنا الروحية): «فإذا استطاع الإنسان أن يتجاوز هذه المرحلة فيصل عندئذ الإيمان إلى قلبه، فإن هذا الإيمان يزداد ويزداد حتى يصبح شعورًا بصفات الله عز وجل وأفعاله، وعندئذ يصل الإنسان إلى مقام الإحسان الذي عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم» في الحديث، ويواصل ويقول «إن مقام الإحسان هذا هو ذروة الإيمان، فإذا تمكن الإيمان في القلب أصبح إحسانًا»، ويقول أيضًا «والإحسان فهي علم وعمل، وهي ملكة قلبية وسلوك، وهي حالة ينسجم فيها العقل مع القلب مع الجوارح، وهي في النهاية هبة الله لمن أسلم وعمل وأحسن».
إذن يمكننا القول بأن الأخلاق في الفكر الإسلامي تصل إلى مرحلة الإحسان، الذي يجب أن لم تستشعر فيه أنك تشاهد الله وتراه في كل حركاتك ومشاعرك، فاعلم أن الله يراقبك، ويشاهد ما تفعله.
وهذا مبدأ نحتاج إليه عندما نتطرق إلى أخلاقيات العمل، لذلك سنعود إليه لاحقًا.
وعندما نقول «أخلاقيات العمل» فإننا نعني: «الوثيقة التي تحدد المعايير الأخلاقية والسلوكية المهنية المطلوب أن يتبعها جميع الأفراد داخل- وربما خارج- المؤسسة التي ينتمون إليها، أيًا كانت تلك المؤسسة، سواء كانت وزارة أو مؤسسة خاصة أو أهلية».
كما تعرف بأنها «المعايير المثالية لمهنة من المهن تتبناها جماعة مهنية أو مؤسسة لتوجيه أعضائها إلى تحمل مسؤولياتهم المهنية».
ونعتقد أن لكل مهنة أخلاقيات وآدابا عامة حددتها القوانين والأنظمة واللوائح الخاصة بها، ونقصد بآداب وأخلاقيات المهنة «مجموعة من القواعد والأصول المتعارف عليها عند أصحاب المهنة الواحدة، بحيث تكون مراعاتها محافظة على المهنة وشرفها». ونؤمن كذلك بأن المسؤولية القانونية تختلف عن المسؤولية الأخلاقية باختلاف أبعادهما؛ فالمسؤولية القانونية تتحدد بتشريعات تكون أمام شخص أو قانون، أما المسؤولية الأخلاقية فهي أوسع وأشمل من دائرة القانون لأنها تتعلق بعلاقة الإنسان بخالقه وبنفسه وبغيره، فهي مسؤولية ذاتية أمام ربه والضمير. ومن ناحية أخرى، فإن دائرة القانون مقصورة على سلوك الإنسان نحو غيره وتتغير حسب القانون المعمول به، وتنفذها سلطة خارجية من قضاة، ورجال أمن ونيابة، وسجون. أما المسؤولية الأخلاقية فهي ثابتة ولا تتغير، وتمارسها قوة ذاتية تتعلق بضمير الإنسان الذي هو سلطته الأولى. وهنا يمكن القول بأن الأخلاق بقوتها الذاتية لا تكون بديلاً عن القانون ولا القانون يكون بديلاً عن الأخلاق، ولكن كلاً من المسؤولية الأخلاقية والمسؤولية القانونية متكاملتان ولا يمكن الفصل بينهما في أي مهنة مهما كانت. أما الميثاق الأخلاقي لأي مهنة فيضم القواعد المرشدة لممارسة مهنة ما للارتقاء بمثالياتها وتدعيم رسالتها، وعلى الرغم من أهميته في تحديد الممارسات والأولويات داخل مهنة معينة فإننا لا يمكن أن نفرضه بالإكراه ولكن بالالتزام، وإن الطريقة الوحيدة للحكم على مهنة معينة هو سلوك أعضاء تلك المهنة إزائها، والحفاظ على قيم الثقة والاحترام والكفاءة والكرامة.
ويحاول العديد من الباحثين أن يربط بين أخلاقيات العمل والفساد الإداري الذي يعتبرونه خللا واضطرابا غير مشروع، مثل انتشار الرشوة والمحسوبية، الاتجار بالوظيفة العامة، الاختلاس من المال العام، الابتزاز الوظيفي، سوء استعمال السلطة، التسيب والاهمال الوظيفي، واللامبالاة في العمل، والتفريط بالمصلحة العامة، وعدم الحفاظ على الممتلكات العامة، وإهدار الوقت، وشيوع النفاق الوظيفي، وعلاقات الريبة والشك وعدم الثقة بين الرؤساء والمرؤوسين، وتصنع العمل أمام الرؤساء، وغياب المسؤولية والالتزام الذاتي، الصراع على القوة، وسوء ممارسة مفهوم الوظيفة العامة.
من جهة أخرى يرى أنصار التفسير الإداري أن أسباب الفساد الإداري تعود بالنتيجة إلى البيئة الإدارية نفسها، فكلما اتسمت البيئة الإدارية بدرجة عالية من الوعي والثقافة والأخلاق، كلما كانت أكثر حصانة ومنعة في مظاهر الفساد الاداري، وكلما اتسمت البيئة الإدارية بضعف الوعي الثقافي الأخلاقي كلما أدى ذلك إلى بروز حالات فساد إداري متمثلة بضعف القيادات الإدارية وعدم نزاهتها وسوء اختيار العاملين وسوء توزيع السلطات والمسؤوليات وعدم وضوح التعليمات، وسوء تقويم أداء الأفراد والمنظمات.
ويمكننا أن نختم بقولنا إن موضوع أخلاقيات العمل غدا من الموضوعات التي تحظى باهتمام متزايد في السنوات الأخيرة نتيجة لأسباب عديدة يقع في مقدمتها تزايد الفضائح الأخلاقية والنقد الموجه للأعمال التي تعتمدها بعيدًا عن إطار أخلاقي واضح وشفاف، لذلك فإن موضوع أخلاقيات العمل أصبح من المواضيع ذات الاهتمام الكبير من قبل الحكومات والجامعات والمنظمات العالمية والمحلية تجسد في شكل إدخال الموضوع كمادة دراسية مستقلة في كل الجامعات العالمية تقريبًا وإنشاء أجهزة مختلفة في الدول لمكافحة الفساد الإداري. ولا نستغرب أن توجد في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها ما يزيد على 500 مقرر دراسي من مقررات أخلاقيات المهنة في الجامعات الأمريكية.

الثلاثاء، 3 يونيو 2014

المضافات الغذائية - أصفر غروب الشمس (E110)

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٣ يونيو ٢٠١٤

بقلم: الدكتور زكريا خنجي

تعد صبغة أصفر غروب الشمس (E110) المعروف أيضًا باسم أصفر برتقالي (Orange Yellow S)، أصفر 6 أو (C.I. 15985)، من الأصباغ الاصطناعية التابعة لصبغة الآزو (azo)، وهي مصنعة من المواد الهيدروكربونية العطرية من المواد النفطية. وبحسب أنظمة الاتحاد الأوروبي فإنها تعرف بالرقم (E110).
تستخدم صبغة أصفر غروب الشمس (E110) في الأطعمة المخمرة التي يتم معالجتها حراريًا، كما وجدت في عصير البرتقال، وهلام البرتقال، مربى المشمش، بالإضافة إلى الحمضيات والليمون الرائب والحلويات والشوكولاتة، وبعض أنواع الحساء (الشوربة)، والآيس كريم، الأسماك المعلبة، والعديد من الأدوية.
ولقد أشارت بعض الدراسات التي أجريت في جامعة ساوثهامبتون نشرت خلال عام 2004 وعام 2007 إلى حدوث زيادة تعد كبيرة من الناحية الإحصائية في فرط النشاط لدى الأطفال بعد استهلاكهم للملونات الصناعية والمواد المضافة الدارجة في مشروبات الفواكه، احتوت على قائمة من المركبات المستخدمة في تلك الدراسات، مثل: بنزوات الصوديوم (sodium benzoate) وستة ملونات تستخدم في الأطعمة، مثل: ترترازين (tartrazine)، والكينولين الأصفر (quinoline yellow)، وأصفر غروب الشمس (sunset yellow)، الكارمويزاين(carmoisine) والألورا الأحمر (allura red).
ولذلك فقد راجعت وكالة المعايير الغذائية في المملكة المتحدة (UK Food Standards Agency) موقفها من هذه المواد المضافة، وبناء على تقرير عام 2007 حيث أخطرت أهالي الأطفال الذين يظهر عليهم سلوكيات مفرطة النشاط بالفوائد المحتملة لإزالة الأطعمة المحتوية على المواد المضافة الستة من النظام الغذائي لأطفالهم، وطُلب من هيئة سلامة الأغذية الأوربية (EFSA) أن تراجع الدراسة عام 2007 والتي أكدت وجود علاقة بين استهلاك الألوان الصناعية في الأطعمة وظهور السلوك مفرط النشاط لدى الأطفال، فدعت الهيئة عددًا من الخبراء في السلوك والطب النفسي للأطفال والحساسية والتحليل الإحصائي لتقديم معلومات حول المواد المضافة والمنكّهات، ومساعدات ومواد المعالجة الداخلة في الأطعمة للجنة الهيئة. وأشارت الهيئة في بيان صحفي في مارس 2008 إلى رأيها في أن الدراسة المقامة عام 2007 وفرت دلائل محدودة فقط على الرابط بين تناول خليط من المواد المضافة والنشاط والانتباه، وعلى عدد من الأطفال الذين شملتهم الدراسة فقط. كما أشارت إلى أن التأثيرات المذكورة في الدراسة لم تكن متماثلة لدى المجموعتين الداخلتين في الدراسة، وخليطي المواد المضافة.
وتنصح الدراسات الأخرى باتباع نظام فينقولد الغذائي (Feingold Diet) والذي يتجنب العديد من الألوان، والمنكّهات، والمواد الحافظة، والمحلّيات الصناعية. ومن جانب آخر فإن الدراسات العلمية أظهرت نتائج متضاربة في الدراسات مزدوجة التعمية للنظام الغذائي.
وأظهرت بعض الدراسات الأخرى أن تناول صبغة أصفر غروب الشمس تؤدي إلى ردود فعل يمكن أن تؤدي إلى الحساسية وخاصة للأشخاص الذين يعانون من حساسية الأسبرين، ويمكن أن تظهر عليهم أيضًا أعراض الطفح الجلدي وبعض التورمات على الجلد، وبعض اضطرابات في المعدة يمكن أن تؤدي إلى القيء. وينصح بإبعاده عن أطعمة الأطفال الذين يعانون من النشاط المفرط.
ومن الجدير بالذكر أن صبغة أصفر غروب الشمس محظور استخدامها في كل من النرويج وفنلندا، إلا أنه مازال يستخدم في العديد من الدول بما فيها المملكة المتحدة.

بلدية المحرق.. أذن من طين وأذن من عجين

 

 نشر في جريدة أخبار الخليج في تاريخ النشر :٣ يونيو ٢٠١٤

بقلم: الدكتور زكريا خنجي

مع بداية شهر مايو حوالي 6 مايو كتبنا مقالا بعنوان (البلديات.. والكراجات ومواقف السيارات في الأحياء.. عراد أنموذج)، وعلى الرغم من ذلك فإن بلدية المحرق لم تحرك ساكنا.
قال لي أحدهم: «إنك تتعب نفسك، فإن بلدية المحرق أذن من طين وأذن من عجين، وكأنها لا تسمع معاناة البشر، وحتى لا أتجنى على أحد انظر إلى المناطق الأخرى، وانظر ماذا تفعل البلديات الأخرى وانظر ماذا يحدث في بلدية المحرق، كل الذي نراه لا شيء».
وأنا هناك سأحاول أن أعيد تساؤلنا حول المنطقة الصناعية في عراد، هل من المستحيل – أيها السادة – إلزام أصحاب الكراجات وورش العمل بعدم وضع السيارات التي يعملون بها خارج ورش العمل؟ هل من الصعوبة بمكان منع المحلات التي تؤجر السيارات أو تبيعها من أن توزع سياراتها ووضعها على الشوارع للعرض؟ هل من الصعوبة بمكان – أيها السادة – أن تضعوا عليها ورقة لاصقة تمنحوهم فيها أسبوعا حتى يزيلوا هذا الركام من السيارات المستعملة والسيارات التي تستعمل كمخزن لقطع الغيار؟ فبدلاً من أن يضعوها في المناطق المخصصة لبيع قطع غيار السيارات المستعملة، فإنهم وجدوا أماكن مجانًا في ظل بلدية لا ترغب في تحرك الساكن! وعجبي.
لم تتحرك البلدية وكأن الناس الذي يعيشون في المنطقة ليس من حقهم أن يعانوا من كل هذا الإهمال.
هل من حقنا أن نذكر السادة في بلدية المحرق أن المنطقة الصناعية في عراد تضاعفت ثلاث مرات خلال الفترة الماضية لأنه لا يوجد من يراقب ولا يوجد من يتحكم في المنطقة إلا أصحاب الكراجات وورش العمل والعمالة الآسيوية؟
هل من حقنا أن نذكر السادة من بلدية المحرق أن في الدول المتقدمة أو حتى المتخلفة توضع شروط على مثل هذه الورش لا يمكن تجاوزها؟
على الأقل – أيها السادة – تعالوا ألقوا نظرة على الموقع، حتى يشعر الناس أنكم تهتمون، حتى من باب أن تظهر صوركم في الصحافة والتلفزيون، فهذا المجمع لم ينل أي اهتمام، فلا بلدية تهتم ولا عضو مجلس بلدية يدرك الوضع وإن أدرك فإنه يولي وجهه إلى جهة أخرى، وحتى أن النائب البرلماني غائب عن المنطقة وعن معاناة الناس.
مرة أخرى نقول: إن المنطقة تعاني من إهمال وعشوائية بسبب سوء التخطيط وسوء المراقبة وسوء الإدارة، كل الذي نتمناه قليل من النية الصادقة والضمير الحي من الإخوة المسئولين في بلدية المحرق.

الأحد، 1 يونيو 2014

حينما يوسد الأمر إلى غير أهله!

 

  تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١ يونيو ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

يوسد بمعنى يكلف بأمر أو ينصب لمهمة أو يوكل أو يوظف في وظيفة ما.
عندما يرد في ذهني هذا الموضوع أتذكر - دائمًا - قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: إِنَّ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنِينَ خَدَّاعَةً، يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيَتَكَلَّمُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ. أخرجه أحمد.
والرويبضة هم - كما أشار علماء اللغة - الذين يتصدرون المجالس، بل وأحيانًا المناصب والولايات فيتكلمون ويتصرفون في أمور الناس من دون اثارة من علم، فقد صارت الصدارة لهؤلاء المتفيهقين والمتشدقين الذين يحملون الناس على فتاوى شاذة وغريبة.
وفي زمن الرويبضة تجد الأصاغر هم الذين يتصدون للتعليم والفتوى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم «إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر» رواه الطبراني.
وبناء على ذلك نجد أنفسنا في هذا الزمن، وإن لم يكن كذلك فنحن في زمن أوشك أن يوسد فيه الروبيضة، أو المتفيهقين أو ببساطة الذين لا مؤهل لهم إلا أنهم من القبيلة أو الطائفة أو الجماعة الفلانية، وبذلك توزع المناصب والوظائف على هذه الأسس.
قال لي أحدهم ذات يوم:
تقدمت إلى وظيفة في واحدة من المؤسسات الموجودة في البلاد وذلك من خلال إعلان منشور في الجريدة بوجود وظيفة شاغرة، حيث وجدت أن كل المواصفات المطلوبة تنطبق علي.
يقول: في اليوم الموعد أخذت أوراقي المطلوبة وذهبت، وأرشدتني السكرتيرة إلى غرفة الانتظار، فجلست لمدة تزيد على الساعة وأنا انتظر أن تأتي السكرتيرة وتأذن لي بالدخول وإجراء اللقاء.
يضيف: وأنا في حالة القلق والانتظار، إذ تفاجأت أن السكرتيرة قفزت من كرسيها ووقفت، وإذ بأحد الشباب - في مثل سني - يأتي من الخارج مباشرة، فتبتسم السكرتيرة له وتفتح له غرفة المدير المسئول عن التوظيف، ويدخل.
يواصل الشاب ويقول: لم أعر الموضوع أي انتباه، فالموضوع لا يهمني، ولكن كلها عدة دقائق، خرج الشاب وتبعه المدير المسئول وهو يصافحه وابتسامته كادت أن تمزق وجهه ويقول: «بلغ تحياتي لوالدك وقل له أنه تم توظيفك منذ الأمس»، فغادر الشاب، ثم عاد المدير المسئول وهو يقول للسكرتيرة: «لقد أشغلت الوظيفة، اعتذري لكل الذين تقدموا لها» ثم دخل غرفته وأغلق الباب.
ذهبت إلى السكرتيرة استفسر عن الموضوع فقالت: لقد شغل ذلك الشاب الوظيفة. فسألتها من يكون؟، فقالت لي اسمه، فاستغربت حيث إني أعرف ذلك الشاب فقد كان معي في المدرسة، وكان ضعيف دراسيًا، ولقد فشل لسنوات عن النجاح، ولكن بسبب النجاح الآلي كان يتم ترفيعه حتى تخرج بنسبة ضعيفة، ولكنه على الرغم من ذلك ابتعث لأنه «ابن فلان» وكذلك رسب وعاد إلى البلاد، ثم ابتعث للمرة الثانية وكذلك لم يواصل وعاد الى البلاد، ومن محاسن الصدف أني قابلته منذ أيام، وعندما سألته عن حاله أفاد بأنه لم يتمكن من مواصلة الدراسة، وأنه لا يرغب في مواصلة الدراسة.
يقول الشاب: وأنا تخرجت وذهبت إلى الجامعة بجهدي وتخرجت، وها أنا ذا أتواجه مع «ابن فلان» ويأخذ هو الوظيفة وأعود أنا إلى البيت. أ. هـ.
ويتسلم ذلك الشاب الوظيفة وكل مؤهلاته أنه «ابن فلان».
وشابة تتسلم وظيفة وكل مؤهلاتها أنها «جميلة»، وجمالها أذهل المسئول فتم توظيفها، والأخرى لأن جمالها عادي جلست في البيت.
والثالث لأنه ينتمي إلى العائلة الفلانية يجد أفضل الأعمال، والرابع لأنه ينتمي إلى الجهة الفلانية يتوظف ويرتقي على السلم الوظيفي أما الآخر فلأنه لا ينتمي إلى أحد فإنه يتدحرج إلى الأسفل بسبب سخط المسئول الفلاني حيث لا ينتمي إلى جهة معينة.
وآخرون أحيلوا الى التقاعد بسبب أنهم لا ينتمون إلى عائلة المسؤول الفلاني الذي وجد أن أفراد عائلته هم - فقط - الذين يستحقون الوظيفة.
وفلان يؤتى به وهو لم ينته من دراسته بعد وينصب في وظيفة، فقط بسبب أنه تم تزكيته عند فلان المسؤول، وفلان ينصب في وظيفة عالية وهو لم يتدرج في الوظائف ولا حتى المناصب، ولم يكن في يوم من الأيام - حتى - رئيس فريق عمل.
حتى الإدارات والأقسام داخل المؤسسات توزع بحسب الأهواء والانتماءات، فذاك يحبه المسؤول لأنه يقوم بخدمته فيتحول بقدرة قادر إلى رئيس قسم، والآخر لأنه يمسح الأحذية، والثالث لأنه يفتح الأبواب للمسؤول عندما يأتي من الخارج يمكن أن يصبح مسؤول كبير في الدولة بلمحة بصر، وأنت تقف تراوح في مكانك بسبب أثقال الكرامة التي تحملها بين جنبيك، وتسأل نفسك: كيف؟ ولماذا؟
واليوم دخلت علينا موضة جديدة فإن كنت من الجماعة الفلانية فإن ذلك كفيل أن ينقلك من موظف عادي إلى درجة مسؤول في المؤسسة الفلانية، تصور!
هذا يعني أنك اليوم لا تحتاج إلى مؤهل كبير أو جهد أو خبرة، كل الذي تحتاجه هو انتماؤك وولاؤك، ليس الى الوطن وإنما الى الجماعة أو الفئة أو تحمل لقب أسرتك، عجبي.
قصص وحكايات كثيرة لا حدود لها، وأنا على يقين أن كل من يقرأ هذا المقال يمكنه أن يتذكر قصة أو حكاية جرت أمامه أو سمعها من أحد، أو ربما جرت لابنه فقط لأنه مواطن، ومواطن عادي، لا يجر وراء اسمه لقبا أو جماعة تحميه وتدافع عنه.
والغريب أن الدول اليوم تقول إنها دولة مؤسسات وقانون، وانها خلال السنوات القادمة ستقوم بتطبيق استراتيجيات وبرامج للجودة والتميز والأيزو وكلام كبير في وسائل الإعلام المختلفة، ثم يأتي المطبلون من الإعلاميين وغيرهم ليثنوا على كلام المسؤول الفلاني وتفتح الصفحات وتقام الندوات لمناقشة الخطط والبرامج المستقبلية، وفي واقع الحال أن البنية الدولة التحتية غير سليمة فكيف يقام بنيان من غير أسس؟
والأغرب من ذلك أن هذه المحسوبيات غير مستشرية فقط في المؤسسات الحكومية، وإنما تجدها حتى في المؤسسات الخاصة والشركات وما إلى ذلك.
والأكثر غرابة أن هذه الآفة مستشرية حتى في جمعيات النفع التي تقام بها الانتخابات.
فالعائلة الفلانية أو المجموعة الفلانية تتكتل ضد الطرف الآخر حتى لا تتيح لهم الفرصة لدخول مجلس الإدارة، وذلك حتى لا ينافسوهم فيه!
قالت لي أحداهن، وهي تنتمي إلى جمعية من جمعيات النفع العام النسائية: عندما رغبنا كعضوات مجلس إدارة في توظيف رجل حتى يقوم ببعض المهام وخاصة في الفترة الصباحية حيث نكون كلنا في أعمالنا نظير راتب شهري، اقترحت رئيسة المجلس أن نوظف زوجها المتقاعد، فوافقنا كلنا من غير تردد لأنه متقاعد ونعرفه وزوجته، وسيسهم بكل الطرق لإنجاز أعمال الجمعية، على الأقل لإرضاء زوجته. فتم توظيفه، وبعد سنتين وجدنا أن رئيسة مجلس الإدارة قد قامت وفي غفلة منا بتوظيف كل أفراد عائلتها، أليس في ذلك فساد إداري؟
وهذا هو واقع الحال أيها السادة، فنحن اليوم نتكلم من غير أن نشعر بفساد إداري مستشرٍ في المنظومة العامة للدول الفقيرة والغنية على حد سواء، الدول الراقية والدول المتخلفة، الدول الديمقراطية أو الدول التي تتبجح بالديمقراطية، آفة لم يسلم منها أحد.
لذلك نعود الى الحديث النبوي الشريف، ويمكننا أن نقول إننا نعيش أو نقترب أن نعيش في زمن الرويبضة، فلنعيد حساباتنا مرة أخرى ولنعرف إلى أين نحن سائرون، ففي مثل هذه الأوضاع لا تنفع استراتيجية أو خطط أو برامج التميز أو الأيزو، وذلك بسبب أننا نقيم بنياننا في الهواء أو بسبب أننا نحرث في البحر ونريد أن نزرع فيه القمح، فهل ينفع ذلك؟
أترك الإجابة لكم.