الأحد، 26 أبريل 2015

لماذا «لا تغضب»؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٦ أبريل ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

من أشهر الأحاديث التي وردت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم قوله للأعرابي الذي جاءه يطلب وصيته قوله «لا تغضب»، ولم يقلها مرة وإنما كررها ثلاثًا.
ونحن بعد كل هذه السنوات نتساءل، لماذا كررها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة مرات؟ هل الدخول في حالة الغضب مشكلة يمكن أن تؤثر في النفس والعقل والجسم البشري؟ ماذا يقول العلم اليوم؟
عندما بدأت في جمع المعلومات لكتابة هذا الموضوع وجدت كما كبيرا من المعلومات العلمية والدراسات التي تتحدث عن هذا الموضوع، والتي تحاول أن تشرح - من الناحية العلمية - لماذا يجب ألا نغضب، ولكن يصعب من خلال هذا المقال أن نأتي بكل تلك الدراسات، وعليه قررت أن نستعرض بعضًا من كل.

بعض المعلومات العلمية
ثبت علميًا أن الغضب كصورة من صور الانفعال النفسي يؤثر على قلب الشخص الذي يغضب تأثير العدو أو الجري على القلب؛ فانفعال الغضب يزيد من عدد مرات انقباضات القلب في الدقيقة الواحدة فيضاعف بذلك كمية الدماء التي يدفعها القلب أو التي تخرج منه إلى الأوعية الدموية مع كل واحدة من هذه الانقباضات أو النبضات، وهذا بالتالي يجهد القلب لأنه يجبره على زيادة عمله عن معدلات العمل الذي يفترض أن يؤديه بصفة عادية أو ظروف معينة، ولكن من ناحية أخرى فإن العدو أو الجري في إجهاده للقلب لا يستمر طويلاً؛ لأن المرء يمكن أن يتوقف عن الجري إن هو أراد ذلك، أما في حالة الغضب فلا يستطيع الإنسان أن يسيطر على غضبه، ولا سيما إن كان قد اعتاد على عدم التحكم بمشاعره.
وقد لوحظ أن الإنسان الذي اعتاد على الغضب يصاب بارتفاع ضغط الدم ويزيد على معدله الطبيعي، حيث إن قلبه يضطر إلى أن يدفع كمية من الدماء الزائدة عن المعتاد المطلوب، كما أن شرايينه الدقيقة تتصلب جدرانها وتفقد مرونتها وقدرتها على الاتساع لكي تستطيع أن تمرر أو تسمح بمرور أو سريان تلك الكمية من الدماء الزائدة التي يضخها هذا القلب المنفعل، ولهذا يرتفع الضغط عند الغضب هذا بخلاف الآثار النفسية والاجتماعية التي تنجم عن الغضب في العلاقات بين الناس، والتي تقوّض من الترابط بين الناس.
ومما يجدر ذكره أن العلماء كانوا يعتقدون في الماضي أن الغضب الصريح ليس له أضرار وأن الغضب المكبوت فقط هو المسؤول عن كثير من الأمراض، ولكن دراسة أمريكية حديثة قدمت تفسيرًا جديدًا لتأثير هذين النوعين من الغضب مؤداه أن الكبت أو التعبير الصريح للغضب يؤديان إلى الأضرار الصحية نفسها وإن اختلفت حدتها.
ليس ذلك فحسب، وإنما تشير بعض الدراسات إلى أنه في حالة الكبت قد يصل الأمر عند التكرار إلى الإصابة بارتفاع ضغط الدم وأحيانًا إلى الإصابة بالسرطان، أما في حالة الغضب الصريح وتكراره فإنه يمكن أن يؤدي إلى الإضرار بشرايين القلب واحتمال الإصابة بأزمات قلبية قاتلة، لأن انفجار موجات الغضب قد يزيده اشتعالاً، ويصبح من الصعب التحكم بالانفعال مهما كان ضئيلاً.
فكما تشير تلك الدراسات إلى أن الحالة الجسمية للفرد لا تنفصل عن حالته النفسية مما يجعله يسري بسرعة إلى الأعضاء الحيوية في إفراز عصاراتها ووصول معدل إفراز إحدى هذه الغدد إلى حد سدّ الطريق أمام جهاز المناعة في الجسم وإعاقة حركة الأجسام المضادة المنطلقة من هذا الجهاز عن الوصول إلى أهدافها. والأخطر من ذلك كله أن بعض الأسلحة الفعالة التي يستخدمها الجسم للدفاع عن نفسه والمنطلقة من غدة حيوية تتعرض للضعف الشديد نتيجة لإصابة هذه الغدة بالتقلص عند حدوث أزمات نفسية خطيرة، وذلك يفسر احتمالات تحول الخلايا السليمة إلى سرطانية في غيبة النشاط الطبيعي لجهاز المناعة.
وتشير دراسة علمية حديثة إلى أن الغضب له تأثير على نظام القلب الكهربائي، قد تفضي إلى الموت المفاجئ، حيث توضح الدراسة أن الإحساس بالغضب الشديد خطر قد يهدد حياة من لهم قابلية للإصابة بمشاكل القلب ويعانون عدم انتظام نبضاته. فقد قامت د. راشيل لامبرت من جامعة «ييل» بولاية كونتيكت وفريق البحث بدراسة 62 مصابًا بأمراض القلب وآخرين زرعت لهم أجهزة متابعة لكهرباء القلب تستطيع رصد الاضطرابات الخطرة، وإعطاء صدمة كهربية لإعادة ضربات القلب إلى نمطها الطبيعي، في حالة عدم انتظامها.
وقام المرضى المشاركون في الدراسة بتذكر مشهد آثار غضبهم مؤخرًا، فيما عكف الباحثون على قياس عدم الاستقرار الكهربي في القلب. وقالت لامبرت «إن الفريق تعمد إثارة غضب المرضى، وقد وجدنا أن الغضب زاد من اضطراب كهرباء القلب لدى هؤلاء المرضى. والذين تعرضوا لأعلى مستوى من الاضطراب في كهرباء القلب جراء الغضب، ارتفعت احتمالات إصابتهم بعدم انتظام نبضات القلب، أثناء فترة المتابعة، بعشرة أضعاف ما أصاب الآخرين». وتابع العلماء المرضى ثلاثة أعوام لتحديد أي منهم تعرض لاحقًا لسكتة قلبية واحتاج إلى صدمة من أجهزة متابعة نظام كهرباء القلب.
تبين دراسة قامت بها الدكتورة «آنا مارشلاند» من جامعة بيتسبره الأمريكية أن ذوي المعدلات العالية من التنبه العصبي (نيوروتيسيزم) قد لا يتمتعون بجهاز مناعة قوي بما فيه الكفاية، وذلك بعد فحص ردود فعل أكثر من ثمانين متطوعًا حقنوا بلقاح لمعالجة مرض التهاب الكبد الوبائي الفيروسي، واللقاح ينشّط جهاز المناعة في الجسم من خلال تعريضه لكمية صغيرة جدًا من الفيروس، كما أدخل المتطوعون في اختبار لقياس طبيعة شخصياتهم ودرجة تنبهها العصبي.
تبين للعلماء أن من لديهم درجات عالية من التنبه العصبي يميلون إلى التقلبات المزاجية الشديدة، وإلى التعصب الكثير، كما تسهل استثارتهم وتعريضهم للضغط والاضطراب النفسي والإجهاد العصبي. وظهر أن المتطوعين من ذوي التنبه العصبي العالي يميلون أيضًا إلى تسجيل استجابات أقل من حيث جودة الأداء للقاح مرض التهاب الكبد الوبائي مقارنة بنظرائهم الذين لهم معدلات طبيعية من التنبه العصبي، وتقول الدكتورة مارشلاند إن نتائج الدراسة تدعم الفكرة القائلة: إن ذوي التنبه العصبي العالي يتمتعون بجهاز مناعة أقل كفاءة من غيرهم، مما يعرضهم أكثر من غيرهم للأمراض وأعراضها.
وخلصت دراسة أخرى إلى أن المراهقين الذين يعانون من مشكلات في التحكم بغضبهم يكونون أكثر عرضة لزيادة الوزن، وقال العلماء في الاجتماع السنوي لجمعية القلب الأمريكية في سان فرانسيسكو إن المراهقين الذي يكتمون شعورهم بالغضب يتعرضون لخطر السمنة أو زيادة الوزن، وهو ما قد يؤدي إلى تعرضهم لأمراض مثل مرض القلب أو السكري.
وقام أطباء من مركز علوم القلب في جامعة تكساس بدراسة 160 مراهقا تتراوح أعمارهم ما بين 14 و 17 عامًا على مدى ثلاث سنوات. واستخدم الأطباء اختبارات نفسية لمعرفة كيفية استجابتهم للغضب. ووجد الأطباء أن المراهقين الذين يمكنهم التحكم بغضبهم والتصرف بشكل مناسب عند الغضب يكونون أقل عرضة لزيادة الوزن، أما من يعانون من مشكلات في التعامل مع الغضب سواء بكبت مشاعرهم أو فقدان أعصابهم فهم الأكثر عرضة لزيادة الوزن.
يقول البروفيسور «ويليام مولر» الذي قاد فريق البحث في الدراسة: ترتبط السمنة بالطرق غير الصحية في التعبير عن الغضب، فمشكلات التعبير عن الغضب يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات في الأكل وزيادة الوزن، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى الإصابة بمرض القلب في سن مبكرة، إن الأمر لا يقتصر فقط على مجرد الأكل والتمرينات، ولكن يجب علينا أن ننتبه إلى الجانب الاجتماعي.
ودراسات أخرى وجدت أن الغضب يزيد الضغط النفسي ذلك بسبب من نفوذية الشعيرات الدموية في المخ الذي يسمح بمرور الكثير من المواد الكيماوية إلى داخله مسببًا أعراضًا لا تحدث إلا بنفاذها مثل الصداع والغثيان والدوخة.
وكذلك أشارت بعض الدراسات الأخرى إلى أن تكرار حدوث الانفعالات النفسية غير السارّة بسبب الغضب يؤدي إلى تعطيل وظائف جهاز الهضم مثل سوء الهضم وخلل في إفراز العصارة المعدية التي تعمل على تسهيل عملية الهضم، بل تؤدي أحيانًا إلى تلف أنسجة الجسم كما هو الحال في القرحة الهضمية مثل قرحة المعدة وقرحة الإثني عشر والتهاب القولون.
وهذا غيض من فيض،
لذلك فقد صدق رسول الله الله صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق الأمين - حينما قال «لا تغضب» وذلك من أجل كل تلك المشاكل الصحية، ولكن قد يقول قائل، كيف لي ألا أغضب وكل ما حولي يقودني إلى الغضب؟
وهذا حديث آخر، نتحدث فيه الأسبوع القادم إن شاء الله.

السبت، 18 أبريل 2015

لماذا نغضب ؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٩ أبريل ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

لا نعرف لماذا نغضب، ولا نعرف ما الأسباب التي دعتنا لأن نغضب، ولكن الذي نعرفه أن الغضب أمر معقد جدًا، وربما أسبابه كثيرة وربما تختلف من شخص إلى آخر، ومن حالة إلى أخرى، فالأسباب التي تُغضب إنسانا ما قد لا تُغضب آخر، والشيء الذي يغضبني في هذه اللحظة قد لا يغضبني في لحظة أخرى، ولكنه – أي الغضب – حالة أو انفعال يجتاح الإنسان عند حدوث شيء ما غير متوقع فيكون الغضب هو رد الفعل في تلك اللحظة، سواء كانت ردة الفعل تلك مناسبة أو غير مناسبة ولكن الهيجان لابد وأن يحدث بطريقة أو بأخرى.
قد يكون سبب الغضب هو الخوف من الخسارة، أو الخوف من الإصابة، أو حتى الخوف من خيبة الأمل، وقد يكون بسبب زميل عمل أو الرئيس نفسه، أو قد يكون نتيجة للتعرض لخبرات تحفز الإنسان على الضيق مثل؛ أزمة المرور، إلغاء رحلة سفر، وقد ترجع إلى أسباب أخرى مثل القلق أو إطالة التفكير في الأمور الخاصة والعائلية أو في ذكريات مؤلمة تثير المشاعر، أو جوع أو ألم أو مرض، وعندما يمر الإنسان بمثل هذه الحالات من الاستياء والإحباط فإنه يستثار وهذا يمكن أن يؤدي إلى سخط وربما إلى العجز وبالتالي يجد نفسه أمام حالة من الثوران الداخلي فيشعر أن كل كيانه يهتز ويغلى وربما يستمر هذا الغليان وربما يظهر فجأة كنوع من التخفيف أو محاولة من الجسم والعقل للحفاظ على التوازن الداخلي للجسم في صورة تعبيرات خارجية عن الغضب ويمكن أن تكون واضحة في تعبيرات الوجه، ولغة الجسم، والاستجابات الفسيولوجية، وأحيانًا في الأفعال العامة، كل ذلك نطلق عليه «الغضب» الذي يؤدي إلى تحطيم أو تكسير أو ضرب أو إهانة أو صراخ وربما بكاء عارم.
وعندما تسأل الشخص بعد أن يهدأ لماذا غضبت؟ لا يمكنه أن يعرف الإجابة، فقد يضع الكثير من التبريرات والأسباب ولكن يصعب عليه أن يضع أصبعه على السبب الرئيس الذي أدى إلى إثارة الشرارة في نفسه.
يروى أن أحد المديرين لا يعرف كيف ينظم يومه ولا عمله ولا يعرف كيف يتعامل مع الناس، وكان يراكم الأعمال على نفسه ويحمّل نفسه ما لا تطيق، ذات يوم نادى السكرتير فدخل الأخير ووقف أمامه، صرخ المدير قائلاً: اتصلت بهاتف مكتبك عدة مرات ولم ترد؟
قال السكرتير: كنت في المكتب المجاور، آسف.
المدير بضجر: كل مرة آسف، آسف، خذ هذه الأوراق، وأعطها لرئيس قسم الصيانة ثم عد بسرعة ولا تتأخر.
مضى السكرتير غاضبًا بسبب سوء معاملة المدير، فألقى الأوراق على مكتب رئيس قسم الصيانة وقال: لا تؤخر العمل علينا، فنحن نريد أن يكون كل شيء جاهزًا بسرعة.
تضايق رئيس القسم من أسلوب السكرتير وقال: في المرة المقبلة ضع الأوراق وتكلم بشكل لائق.
فرد السكرتير: لائق، غير لائق، المهم قم بإنهاء العمل بسرعة.
ارتفع حدة الصوت بينهما، فهذا ينتقد وذلك يرد، حتى تدخل الموظفون من حولهما فعاد السكرتير إلى مكتبه. مضت ساعتان فأقبل أحد الموظفين الصغار في قسم الصيانة – ولم يكن يعلم شيئًا عن المشكلة – فقال لرئيسه كعادة: سأذهب لأخذ أولادي من المدرسة وأعود.
صرخ الرئيس: وأنت كل يوم تخرج؟
قال الموظف: هذا حالي من عشر سنوات، وهذه أول مرة تعترض.
قال الرئيس غاضبًا: ارجع لمكتبك حالاً.
مضى الموظف لمكتبه حائرًا مصدومًا من هذا الأسلوب، وبدأ بإجراء اتصالات ليبحث عمن يوصل أولاده من المدرسة إلى البيت، وبعد أن طال وقوفهم في الشمس ذهب أخوه وأعادهم. في المساء، عاد هذا الموظف إلى بيته غاضبًا بسبب ما لاقاه اليوم من معاملة، فركض إليه ابنه الصغير ومعه دفتر جميل، فقال الطفل: أبي، المدرس أعطاني هذه لأنني...
ولم يكمل الطفل كلامه حتى صاح به الأب: اذهب عني، أخبر أمك بالقصة، ثم دفعه بيده. مضى الطفل مكسورًا في عينيه الدموع إلى غرفته فأقبلت إليه قطته الجميلة تتمسح به كالعادة، فركلها الطفل بقدمه ضربة قوية أرسلتها إلى الجدار ملتوية بألمها. وهنا يأتي السؤال: من الذي ركل القطة؟
ربما لو سأل كل شخص نفسه قبل أن يصب جام غضبه على الشخص الآخر، لماذا أغضب ؟ أو لماذا غضبت ؟ ولم وصل الغضب إلى المنزل، لم رُكلت القطة.
جاء في دراسة أجراها بنك المعلومات «كاهوت» على شبكة الإنترنت أن فقدان الأعصاب يكلّف الاقتصاد البريطاني 16 مليار جنيه إسترليني في العام. وتقول الدراسة إن من يفقدون أعصابهم يحطمون أكثر ما يحطمون الأدوات الفخارية والكؤوس. وتقول الدراسة إن الرجال يفقدون أعصابهم أكثر من النساء. وقال 20% من عينة بلغت 700 شخص أجريت عليهم الدراسة إن الازدحام في الشوارع يدفعهم إلى الغضب، ولكن أكثر من النصف قالوا إن الانتظار على الهاتف يدفعهم إلى الغضب، وإن ربع الأشخاص الذين أجريت عليهم الدراسة يعرفون كيف يعبرون عن غضبهم بطريقة إيجابية.
وتقول دراسة أخرى نشرت في الولايات المتحدة إن مرضًا يسمى «عرض الانفعال المتقطع» (IID) قد يكون السبب وراء قيام بعض الأشخاص بإظهار انفعالات فجائية عنيفة وغير مبررة. وتضيف الدراسة إن ما يقارب 10 مليون أمريكي يعانون من هذا المرض الذي طالما استُبعد عند محاولة تشخيص مثل تلك الانفعالات.
وتقول الدراسة إن 4% من سكان أمريكا يعانون من درجة حادة من «IID»، مما سبب لكل منهم ما بين 3 إلى 4 انفعالات عصبية مشابهة خلال عام واحد. ولهذا المرض تعريف دقيق في مراجع الطب النفسي، ولكن يجهل العلماء حتى الآن مدى انتشاره بين بني الإنسان.
ويمكن للطبيب أن يقرر إذا ما كنت مصابًا بهذا المرض إذا تكرر قيامك بانفعالات غاضبة وعنيفة لأسباب لا تبدو ذات أهمية تستحق، ولعدة مرات. وعادة ما يفقد المصاب بهذا المرض تمالكه لأعصابه فجأة ويقوم بتدمير شيء ما، أو يعتدي أو يهدد بالاعتداء على أي شخص.
وأجرى باحثون من كليات الطب في جامعتي هارفارد وشيكاغو الأمريكيتين مسحًا مباشرًا على عينة مكونة من 9282 شخصا راشدا خلال عامي 2001 و2003. وتوصلوا إلى أن 7,3% من عينة البحث مصابون بمرض «IID». وقدروا عدد المصابين بثمانية ملايين شخص في الولايات المتحدة وحدها، وهو رقم أعلى بكثير من التقديرات السابقة، ومن الملاحظ أن أعراض الإصابة تبدأ منذ السن الـ14.
هذه الدراسات والكثير من الدراسات الأخرى التي حاولنا الوصول إليها تحاول أن تجيب على سؤال واحد مهم، هو لماذا نغضب ؟ وجدنا أن بعض العلماء يضع اللوم على الجينات والوراثة وبعض العلماء يضع اللوم على الحالة الاجتماعية، وعدد من العلماء يلتفت إلى البيئة والوضع البيئي الاجتماعي الذي يعيش فيه الإنسان، وتبقى القضية معلقة ونحن نعتقد أنها ستظل معلقة لسنين طويلة وربما لا تجد لها حلا.
ولكن ما نؤمن به أن الغضب – هذه الحالة الانفعالية والنفسية – يبقى مطلوبا وضروريا من أجل أن يحيا الإنسان؛ حيث يجد من خلاله متنفسًا لضغوطه، ولكن من غير المسموح به ممارسة العنف مع الأشخاص أيًا ما كانوا، لذلك علينا أن نضع على سلوكياتنا قيودًا حتى لا يؤدي بنا الغضب إلى مكان لا نرجوه.

وما زال للحديث بقية،،

السبت، 11 أبريل 2015

الغضب.. ما هو ؟ وكيف يحدث ؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج:١٢ أبريل ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

ليس قدحًا في المراجع التي عدت إليها لكتابة هذا الموضوع، ولكن – للأسف – فإن معظمها لم يتمكن من تفسير مصطلح «الغضب»؛ فقال بعضهم إن الغضب هو حالة انفعالية، وقال آخر إن الغضب هو إثارة عاطفية تتبدى بحماس قوى إما بتعبير حركي أو لفظي أو بميل عدواني يصعب في بعض الأحيان ضبطه والسيطرة عليه.
وقيل إن الغضب ضد الرضا، والغضبة هي الصخرة الصلبة، وقالوا منه اشتق الغضب لأنه اشتداد السخط. وينظر إلى الغضب على أنه شكل من أشكال رد الفعل والاستجابة التي تطورت لتمكن الناس من التعامل مع التهديدات.
وتقول إحدى الدراسات إن الغضب هو ردة فعل عاطفية نتيجة لإحساس الشخص بالمساس بكرامته، مما يؤدي إلى حدوث خلاف أو نزاع.
والغضب – كما تقول إحدى المراجع – شعلة من نار تسكن في طي الفؤاد، استكنان الجمر تحت الرماد، وربما جمع الغضب الشر كله، وربما أدى إلى الموت باختناق حرارة القلب فيه، وربما كان سببًا لأمراض خطيرة، ناهيك عن لواحقه والتي يمكن تلخصيها في مقت الأصدقاء، وشماتة الأعداء، استهزاء الحساد والأراذل من الناس.
قال القرطبي: الغضب في اللغة: الشدة، ورجل غضوب أي شديد الخلق، والغضوب الحية الخبيثة؛ لشدتها، والغضبة: الدرقة من جلد البعير يطوى بعضها على بعض سميت بذلك لشدتها.
والغضب هو إحساس أولى، وطبيعي، وناضج مارسه كل البشر في بعض الأوقات وعلى أنه شيئًا له قيمة وظيفية من أجل البقاء على قيد الحياة، ولكن الغضب غير المتحكم فيه يمكنه أن يؤثر على الصلاح النفسي والاجتماعي.
ويمكننا نحن أن نقول إنه وعلى الرغم من اختلاف الآراء والمراجع إلا أن في الحقيقة يعد الغضب أحد أكثر مشاعر الإنسان وضوحًا في تصرفاته، فحين يغضب الإنسان يفضحه وجهه، فقد يرافق الغضب احمرارٌ الوجه أو بكاءٌ في بعض الأحيان. لذلك يمكننا أن نقول إن مصطلح «الغضب» لا يمكن أن يدرك معناه ولكن يشاهد آثاره ونتائجه وأعراضه على الغضوب، فهو من الواضحات التي تفضحه الفاضحات كما يقال.
ولو لم يكن سلوك الغضب سلوك غير مستحب لَمَا كررها رسول الله صلى الله عليه وسلم للإعرابي الذي جاءه وقال: أوصني، قال: لا تغضب، فردّد، قال: لا تغضب.
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في (بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار) تعليقًا على هذا الحديث: «هذا الرجل ظن أنها وصية بأمر جزئي. وهو يريد أن يوصيه النبي صلّى الله عليه وسلم بكلام كلي». ولهذا ردد. فلما أعاد عليه النبي صلّى الله عليه وسلم عرف أن هذا كلام جامع. وهو كذلك؛ فإن قوله: «لا تغضب» يتضمن أمرين عظيمين؛ أحدهما: الأمر بفعل الأسباب، والتمرن على حسن الخلق، والحلم والصبر، وتوطين النفس على ما يصيب الإنسان من الخلق، من الأذى القولي والفعلي. فإذا وفِّق لها العبد، وورد عليه وارد الغضب احتمله بحسن خلقه، وتلقاه بحلمه وصبره، ومعرفته بحسن عواقبه؛ فإن الأمر بالشيء أمر به، وبما لا يتم إلا به. والنهي عن الشيء أمر بضده. وأمر بفعل الأسباب التي تعين العبد على اجتناب المنهي عنه. وهذا منه.
الثاني: الأمر – بعد الغضب – أن لا ينفذ غضبه؛ فإن الغضب غالبًا لا يتمكن الإنسان من دفعه وردّه، ولكنه يتمكن من عدم تنفيذه. فعليه إذا غضب أن يمنع نفسه عن الأقوال والأفعال والمحرمة التي يقتضيها الغضب. فمتى منع نفسه من فعل آثار الغضب الضارة، فكأنه في الحقيقة لم يغضب. وبهذا يكون العبد كامل القوة العقلية، والقوة القلبية، كما قال صلّى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصُّرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب». فكمال قوة العبد: أن يمتنع من أن تؤثر فيه قوة الشهوة، وقوة الغضب الآثار السيئة، بل يصرف هاتين القوتين إلى تناول ما ينفع في الدين والدنيا، وإلى دفع ما يضر فيهما.
وقد قال ابن تيمية: «ولهذا كان القوي الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب حتى يفعل ما يصلح دون ما لا يصلح، فأما المغلوب حين غضبه فليس هو بشجاع ولا شديد». وقال الزرقاني: «لما كان الغضبان بحالة شديدة من الغيظ، وقد ثارت عليه شدة من الغضب، فقهرها بحلمه، وصرعها بثباته، وعدم عمله بمقتضى الغضب كان كالصرعة الذي يصرع الرجال ولا يصرعونه».

كيف يغضب الإنسان؟
تشير بعض المصادر العلمية النفسية إلى أن عاطفة الغضب تبدأ في الإنسان في المخ في الجزء الذي يسمى بـ(Amygdala)، هذا الجزء هو المسئول عن تحديد المخاطر التي يواجهها الفرد كما أنه مسئول عن إرسال التنبيهات والإنذارات عندما تُعرف المخاطر. هذه المخاطر تصلنا قبل أن تصل إلى قشرة الدماغ (Cortex) التي تبحث في منطقية رد الفعل، وبمعنى آخر أن المخ هو شبكة العمل الذي يؤثر على الفعل قبل أن يتم التفكير في عواقبه بشكل منطقي.
عندما يخوض الإنسان تجربة الغضب تتوتر عضلات الجسم، بالإضافة إلى قيام المخ بإفراز مواد تسمى بـ (Catecholamines) التي تسبب الشعور بوجود دفعة من الطاقة تستمر لعدة دقائق، وفى نفس الوقت تتزايد معدلات ضربات القلب، يرتفع ضغط الدم، تزيد سرعة التنفس، ويزداد الوجه حمرة لاندفاع الدم الذي يتخلل الأعضاء والأطراف استعدادًا لرد الفعل الجسدي. وبعد ذلك تفرز المزيد من المواد وهرمونات الادرينالين التي تطيل من مدة بقاء الإنسان في حالة توتر.
وفى معظم الأحيان تتوقف ثورة الغضب هذه عند حد معين قبل أن تخرج عن نطاق السيطرة والتحكم. والقشرة الخارجية للمخ والتي تقع في مقدمة الجبهة(Prefrontal cortex) تجعل العواطف في حالة تناسب، فهذا الجزء بعيد كل البعد عن العواطف ويقوم بدور تنفيذي من أجل الحفاظ على كل الأفعال في حالة اتزان وتحت السيطرة. وتفسير آخر أكثر توضيحًا لطريقة تحكم المخ في عملية الغضب هو أن(Prefrontal cortex) لها اليد العليا على (Amygdala)، وهذا معناه إذا كانت(Amygdala) تتعامل مع العـــــواطف فإن(Prefrontal cortex) تتعامل مع الأحكام.
وإذا كان للغضب مرحلة إعداد فسيولوجية سابقة على حدوثه التي يستعد فيها الجسم لشن الهجوم، توجد أيضًا مرحلة أخرى تسمى بمرحلة «هدوء العاصفة» حيث يستعيد الجسم فيها حالة الاسترخاء الطبيعية عندما يزول مصدر الثورة أو التهديد. ومن الصعب العودة إلى الحالة الطبيعية للإنسان التي كان عليها قبل التعرض للغضب في وقت قصير لأن هرمون الادرينالين الذي يفرزه الجسم أثناء خبرة الغضب يجعل الشخص في حالة يقظة تستمر لفترة طويلة من الزمن – تتراوح من ساعات وأحيانًا تمتد إلى أيام – كما تقلل من قدرة الإنسان على تحمل الغضب والاستجابة لمثيراته بسهولة، بل وتجعله عرضة لنوبة جديدة من نوبات الغضب فيما بعد حتى وإن كان الأمر تافهًا.
وما زال للحديث بقية،،

السبت، 4 أبريل 2015

كيف ندير خلافاتنا ؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٥ أبريل ٢٠١٥

بقلم: د. ذكريا خنجي

نعرف جميعًا أنه لا مفر من وقوع خلافات في حياتنا اليومية، وسواء كنا نتحدث عن المنزل أو العمل أو حتى مع أي كان في حياتنا، فالخلافات أمر حتمي تمامًا، ليس ذلك فحسب وإنما الخلاف والخلافات قضية مهمة للإنسان كأهمية الطقس للطيار والدم للجراح؛ فالنجاح في كلتا الحالتين لا يقاس بمدى براعة كل منهما في التجنب التام للعراقيل، الأمر الذي لن يحدث حتى إن حاولوا، وإنما بقدرتهم على الهبوط الآمن بالطائرة وتحقيق الشفاء للمريض.
ويعد الخلاف الذي ينتج بسبب «أن ينهج كل شخص طريقًا مغايرًا للآخر في حاله أو في قوله» جزء من طبائع البشر منذ القديم، وقصة ابني آدم عليه السلام دليل على أن الخلاف قد يوقع الحقد والضغينة حتى بين الأخوين من أب واحد.
وتحدث الخلافات بين طرفين بسبب وجود أهداف يعتقد كل منهما أنها هي الأصح، وهذه الأهداف قد تكون نتيجة لحقائق موضوعية، أو قيم فردية، أو حتى وجهات نظر، وينشأ الخلاف من التعارض في وجهات النظر، وقد يتفاقم الخلاف لأشكال غير مرغوبة من العداء أو العنف، بينما ينتفي الخلاف عندما ترضى الجهات المشتركة إما بربح أو خسارة وهذا ما يحصل غالبًا إلا إذا شاء الطرفان أن يستمر الخلاف، شريطة أن تكون الأطراف الراغبة في الحل تتمتع بعدد من المهارات والاستراتيجيات التي تمكنها من حسم هذا الخلاف.
وتشير بعض أدبيات الإدارة والتنمية البشرية إلى أن الخلافات التي تقع داخل المؤسسات أو بين الدول أو الأفراد تتمايز بحسب شدتها ودرجة ظهورها وردود الأفعال من الأطراف، فمثلاً قسمها بعضهم إلى نوعين؛ أولهما: خلاف التنوع، وهو خلاف يقود الى النجاح وليس الى الفشل، فهو يثري العمل ويقود الى التنمية فهو يتفق في الأسس والأهداف ويختلف في الرؤى والحلول، فهو يرتكز إلى إيجاد أكثر من طريقة لحل المشكلة الواحدة، وهذا ما أسميناه سابقًا «الاختلاف»، وثانيهما: خلاف التضاد أو التعارض وهو يعني تعارضا في المنهج والهدف ووجهات النظر بما يقود الى نتائج متعارضة، وبالتالي يمكننا اعتباره خلافا هداما يقود الى الفشل. كما قسمها بعضهم إلى أنواع بحسب أحوال الخلاف، وهي الخلاف الخفي؛ وأسبابه عديدة منها الغيرة والحسد والخوف على الرزق، وكذلك الخلاف الملاحظ؛ ويحدث حينما يدرك أحد الأطراف الداخلة في النزاع الخلاف الخفي لدى الطرف الآخر وينشأ من أجله خلاف محسوس، وعند هذه الدرجة يتحول الخلاف الى ما يسمى «الخلاف المحسوس»؛ والفرق بينه وبين سابقه هو كما الفرق بين رؤية الشيء والشعور به، وفي هذه المرحلة من الخلاف يمكن لطرف ثالث لم يدخل في الخلاف أن يلاحظ أن هناك نزاعا بين أطراف الخلاف. ويضاف إلى ما سبق وبحسب طبيعة الخلاف ما يعرف بـ«الخلاف الجلي» أو الظاهر؛ وهو الذي منه تظهر آثار الخلاف جلية إما بمشاعر متبادلة أو بأقوال حادة أو حتى بأعمال لا مسئولة.
ويشير الكاتب (هاريسون مونارث) في كتابه (هالة القائد، كيف تكسب احترام الآخرين كالمديرين التنفيذيين؟) إلى عدة أساليب لحل الخلافات، وسنحاول أن نورد بعضًا من تلك الأساليب.

1- الإصغاء الإيجابي: ويقصد بالإصغاء الإيجابي الإنصات الممعن لكلا الطرفين من دون تحيز أو خضوع لأي مؤثرات عاطفية؛ تمامًا كما يستمع القاضي إلى المحامين بينما يقدم كل منهم حججه وبراهينه. فالأمر أسهل بكثير حين تكون مديرًا يلعب دور الوسيط لفض النزاع القائم بين اثنين من الموظفين على ألا تكون أحد طرفي النزاع، وبالتالي يمتد مفهوم الإصغاء في هذا السياق إلى ما هو أعمق من مجرد التركيز على الكلمات المنطوقة، وإنما السعي الحثيث وراء استخلاص الرسائل التي تعكسها تعبيرات الوجه ولغة الجسد، فهي تحمل بين طياتها الكثير من المعاني.
2- فصل الأوضاع المحيطة عن الخلافات: حين يبلغ الصراع أوجه، أحيانًا ما يذوب الخيط الرفيع الذي يفصل بين الأوضاع والخلافات. نضرب مثلاً على ذلك محاولة أحد الموظفين الحصول على إجازة قصيرة. فالخلاف هنا يرجع إلى سياسة الشركة وقوانينها بينما يشير الوضع إلى أن هذا الموظف قد عمل في وقت سابق ساعات عمل إضافية كثيرة من دون أن يتلقى أي تعويضات نظيرها، وبالتالي لا يسهم التركيز على الخلاف فقط من دون وضع أي اعتبارات للأوضاع والظروف المحيطة إلا في خلق نوع من التحيز الذي يعوق عملية الوصول إلى حل مرضٍ لكلا الطرفين. لذلك، ابدأ بالنظر في الخلاف القائم أولاً ثم ادرس الظروف والملابسات المحيطة في السياق ذاته.
3- التفهم والتحقق: باعتبارك مديرًا منوطا بك فض النزاع، فلا بد أن تتسع مداركك بحيث لا يُختزل دورك في تفهم الأوضاع المحيطة بطرفي النزاع فقط، وإنما التحقق وإثبات صحة ادعاء كل منهما. لا يعني ذلك بالضرورة أن توافق على كلا الادعاءين، ولكن تضع نفسك مكان الطرفين حتى يتسنى لك تفهم وجهتي النظر.
4- التعاطف: من بين العديد من الآليات التي أثبتت فعاليتها في فض النزاعات وحل الخلافات، يتربع التعاطف على عرش القائمة، فالتعاطف في مضمونه يعني أن تضع نفسك مكان طرفي النزاع، متجردًا من أي انحيازات أو تفضيلات شخصية، أو إن كنت أنت أحد الأطراف تضع نفسك مكان خصمك. حاول أن ترى الموضوع من منظور الآخرين وربما تجد الخلاف قد اتخذ منعطفًا جديدًا.
5- التحكم في السلوكيات ورسم التوقعات: يتوقع الآخرون منك- باعتبارك مديرًا ووسيطًا - أن تتحكم في سلوكيات الأفراد وترسم معالم التوقعات والنتائج المنتظرة. فإن ضاعت معالم هذه الأشياء في خضم المناقشة، فدورك هو إزالة الغبار عنها وتذكير الطرفين بها من وقت إلى آخر.
6- اللباقة: قد لا يكون تبني هذه السمة بالأمر اليسير؛ فربما يخرج أحد الطرفين أو كلاهما عن السياق منذ الوهلة الأولى. احرص على ألا تنجرف عاطفيًا أو تمرِّر شعورًا بالإهانة أو الازدراء لأي الطرفين أو لآرائهما ولو بقدر ضئيل حتى إن بدا الأمر كما لو أنهما قد أتيا من كوكب آخر.
7- البحث عن بدائل: نادرًا ما يقبل طرفا النزاع أن يتنازل أيٌّ منهما عن رأيه ويأبيا حتى أن ينظرا إلى الأمور بشكل مختلف، على الأقل في بادئ الأمر. وهذا هو دورك كمدير ووسيط أيضًا أن تساعدهما في تغيير رؤيتهما وذلك بطرح حلول وتقديم رؤى بديلة. اطرح بعض الأسئلة ذات النهايات المفتوحة من قبيل: «كيف سيكون تصرفك لو عكسنا هذه السياسة؟» يتطلب هذا النوع من الأسئلة قدرًا من التأمل والتمحيص، فإذا استطعت أن تتجه بهم نحو البحث عن بدائل، بالتأكيد سينتهي بهم الأمر راضخين إلى إحداها.
8- صيغة المتكلم: إذا كنت أحد طرفي النزاع، فمن الأفضل أن تستخدم صيغة المتكلم بدلاً من العبارات الواهية التي من السهل أن تفهم بشكل خاطئ، فحين تقول على سبيل المثال: «لقد انتابني شعور بالغضب لما قلته عني»، سيتقبل الطرف الآخر انتقادك له عما إذا قلت: «كل ما قلته بشأني ليس له أساس من الصحة».
9- فن التملق: قد يكون لهذه الكلمة وقع سلبي للوهلة الأولى، ولكنك إن استطعت أن تجد ما تصف به الطرف الثاني من سمات وأشياء إيجابية حتى إن بلغ النزاع ذروته، سيغلب عليه شعور بالارتياح ومن ثم تخرج كل ما في جعبتك بخصوص الموضوع محل النقاش من دون أن تجد أدنى مقاومة من جانبه، فهذا النوع من التملق ينفي احتمالات مهاجمتك لشخص الطرف الثاني أو تقليلك من شأنه، ويعكس اعتراضك على بعض الأقوال أو الأفعال التي صدرت عنه فقط.
10- مهاجمة الخلافات، لا الأفراد: أحيانًا ما تكون بعض الخلافات مجرد توابع أو مخلفات لمشاكل أخرى، أو بقايا نزاعات منصرمة وخلافات شخصية، فبمجرد أن تشم رائحة التضليل تنتشر بين طيات المناقشة، كإقحام بعض الآراء أو القضايا التي لا تمت بصلة للموضوع لمجرد التشويش على الموضوع الحالي مثل: «أنت دائمًا ما تمنح لنفسك الأولوية في مثل هذه المواقف»، تأكد على الفور أن هذا الخلاف قائم على اعتبارات شخصية ليس أكثر.

والآن يمكنك كزوج أو أب أو أيًا ما كنت تجد نفسك أن تفكر بالنقاط العشر السابقة، ويمكنك أن تعكسها على نفسك، فهل يمكن أن تجد فيها ضالتك لحل خلافاتك؟

عمومًا، ما ذكر جزء عام من مهارات إدارة الخلاف، وفي كتب الإدارة والتنمية البشرية الكثير من المهارات لحل الخلاف بين الأفراد، ويمكن أن نتطرق إليها يومًا حتى يكتمل حديثنا في موضوع التنمية البشرية.