الأحد، 26 أبريل 2015

لماذا «لا تغضب»؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٦ أبريل ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

من أشهر الأحاديث التي وردت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم قوله للأعرابي الذي جاءه يطلب وصيته قوله «لا تغضب»، ولم يقلها مرة وإنما كررها ثلاثًا.
ونحن بعد كل هذه السنوات نتساءل، لماذا كررها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة مرات؟ هل الدخول في حالة الغضب مشكلة يمكن أن تؤثر في النفس والعقل والجسم البشري؟ ماذا يقول العلم اليوم؟
عندما بدأت في جمع المعلومات لكتابة هذا الموضوع وجدت كما كبيرا من المعلومات العلمية والدراسات التي تتحدث عن هذا الموضوع، والتي تحاول أن تشرح - من الناحية العلمية - لماذا يجب ألا نغضب، ولكن يصعب من خلال هذا المقال أن نأتي بكل تلك الدراسات، وعليه قررت أن نستعرض بعضًا من كل.

بعض المعلومات العلمية
ثبت علميًا أن الغضب كصورة من صور الانفعال النفسي يؤثر على قلب الشخص الذي يغضب تأثير العدو أو الجري على القلب؛ فانفعال الغضب يزيد من عدد مرات انقباضات القلب في الدقيقة الواحدة فيضاعف بذلك كمية الدماء التي يدفعها القلب أو التي تخرج منه إلى الأوعية الدموية مع كل واحدة من هذه الانقباضات أو النبضات، وهذا بالتالي يجهد القلب لأنه يجبره على زيادة عمله عن معدلات العمل الذي يفترض أن يؤديه بصفة عادية أو ظروف معينة، ولكن من ناحية أخرى فإن العدو أو الجري في إجهاده للقلب لا يستمر طويلاً؛ لأن المرء يمكن أن يتوقف عن الجري إن هو أراد ذلك، أما في حالة الغضب فلا يستطيع الإنسان أن يسيطر على غضبه، ولا سيما إن كان قد اعتاد على عدم التحكم بمشاعره.
وقد لوحظ أن الإنسان الذي اعتاد على الغضب يصاب بارتفاع ضغط الدم ويزيد على معدله الطبيعي، حيث إن قلبه يضطر إلى أن يدفع كمية من الدماء الزائدة عن المعتاد المطلوب، كما أن شرايينه الدقيقة تتصلب جدرانها وتفقد مرونتها وقدرتها على الاتساع لكي تستطيع أن تمرر أو تسمح بمرور أو سريان تلك الكمية من الدماء الزائدة التي يضخها هذا القلب المنفعل، ولهذا يرتفع الضغط عند الغضب هذا بخلاف الآثار النفسية والاجتماعية التي تنجم عن الغضب في العلاقات بين الناس، والتي تقوّض من الترابط بين الناس.
ومما يجدر ذكره أن العلماء كانوا يعتقدون في الماضي أن الغضب الصريح ليس له أضرار وأن الغضب المكبوت فقط هو المسؤول عن كثير من الأمراض، ولكن دراسة أمريكية حديثة قدمت تفسيرًا جديدًا لتأثير هذين النوعين من الغضب مؤداه أن الكبت أو التعبير الصريح للغضب يؤديان إلى الأضرار الصحية نفسها وإن اختلفت حدتها.
ليس ذلك فحسب، وإنما تشير بعض الدراسات إلى أنه في حالة الكبت قد يصل الأمر عند التكرار إلى الإصابة بارتفاع ضغط الدم وأحيانًا إلى الإصابة بالسرطان، أما في حالة الغضب الصريح وتكراره فإنه يمكن أن يؤدي إلى الإضرار بشرايين القلب واحتمال الإصابة بأزمات قلبية قاتلة، لأن انفجار موجات الغضب قد يزيده اشتعالاً، ويصبح من الصعب التحكم بالانفعال مهما كان ضئيلاً.
فكما تشير تلك الدراسات إلى أن الحالة الجسمية للفرد لا تنفصل عن حالته النفسية مما يجعله يسري بسرعة إلى الأعضاء الحيوية في إفراز عصاراتها ووصول معدل إفراز إحدى هذه الغدد إلى حد سدّ الطريق أمام جهاز المناعة في الجسم وإعاقة حركة الأجسام المضادة المنطلقة من هذا الجهاز عن الوصول إلى أهدافها. والأخطر من ذلك كله أن بعض الأسلحة الفعالة التي يستخدمها الجسم للدفاع عن نفسه والمنطلقة من غدة حيوية تتعرض للضعف الشديد نتيجة لإصابة هذه الغدة بالتقلص عند حدوث أزمات نفسية خطيرة، وذلك يفسر احتمالات تحول الخلايا السليمة إلى سرطانية في غيبة النشاط الطبيعي لجهاز المناعة.
وتشير دراسة علمية حديثة إلى أن الغضب له تأثير على نظام القلب الكهربائي، قد تفضي إلى الموت المفاجئ، حيث توضح الدراسة أن الإحساس بالغضب الشديد خطر قد يهدد حياة من لهم قابلية للإصابة بمشاكل القلب ويعانون عدم انتظام نبضاته. فقد قامت د. راشيل لامبرت من جامعة «ييل» بولاية كونتيكت وفريق البحث بدراسة 62 مصابًا بأمراض القلب وآخرين زرعت لهم أجهزة متابعة لكهرباء القلب تستطيع رصد الاضطرابات الخطرة، وإعطاء صدمة كهربية لإعادة ضربات القلب إلى نمطها الطبيعي، في حالة عدم انتظامها.
وقام المرضى المشاركون في الدراسة بتذكر مشهد آثار غضبهم مؤخرًا، فيما عكف الباحثون على قياس عدم الاستقرار الكهربي في القلب. وقالت لامبرت «إن الفريق تعمد إثارة غضب المرضى، وقد وجدنا أن الغضب زاد من اضطراب كهرباء القلب لدى هؤلاء المرضى. والذين تعرضوا لأعلى مستوى من الاضطراب في كهرباء القلب جراء الغضب، ارتفعت احتمالات إصابتهم بعدم انتظام نبضات القلب، أثناء فترة المتابعة، بعشرة أضعاف ما أصاب الآخرين». وتابع العلماء المرضى ثلاثة أعوام لتحديد أي منهم تعرض لاحقًا لسكتة قلبية واحتاج إلى صدمة من أجهزة متابعة نظام كهرباء القلب.
تبين دراسة قامت بها الدكتورة «آنا مارشلاند» من جامعة بيتسبره الأمريكية أن ذوي المعدلات العالية من التنبه العصبي (نيوروتيسيزم) قد لا يتمتعون بجهاز مناعة قوي بما فيه الكفاية، وذلك بعد فحص ردود فعل أكثر من ثمانين متطوعًا حقنوا بلقاح لمعالجة مرض التهاب الكبد الوبائي الفيروسي، واللقاح ينشّط جهاز المناعة في الجسم من خلال تعريضه لكمية صغيرة جدًا من الفيروس، كما أدخل المتطوعون في اختبار لقياس طبيعة شخصياتهم ودرجة تنبهها العصبي.
تبين للعلماء أن من لديهم درجات عالية من التنبه العصبي يميلون إلى التقلبات المزاجية الشديدة، وإلى التعصب الكثير، كما تسهل استثارتهم وتعريضهم للضغط والاضطراب النفسي والإجهاد العصبي. وظهر أن المتطوعين من ذوي التنبه العصبي العالي يميلون أيضًا إلى تسجيل استجابات أقل من حيث جودة الأداء للقاح مرض التهاب الكبد الوبائي مقارنة بنظرائهم الذين لهم معدلات طبيعية من التنبه العصبي، وتقول الدكتورة مارشلاند إن نتائج الدراسة تدعم الفكرة القائلة: إن ذوي التنبه العصبي العالي يتمتعون بجهاز مناعة أقل كفاءة من غيرهم، مما يعرضهم أكثر من غيرهم للأمراض وأعراضها.
وخلصت دراسة أخرى إلى أن المراهقين الذين يعانون من مشكلات في التحكم بغضبهم يكونون أكثر عرضة لزيادة الوزن، وقال العلماء في الاجتماع السنوي لجمعية القلب الأمريكية في سان فرانسيسكو إن المراهقين الذي يكتمون شعورهم بالغضب يتعرضون لخطر السمنة أو زيادة الوزن، وهو ما قد يؤدي إلى تعرضهم لأمراض مثل مرض القلب أو السكري.
وقام أطباء من مركز علوم القلب في جامعة تكساس بدراسة 160 مراهقا تتراوح أعمارهم ما بين 14 و 17 عامًا على مدى ثلاث سنوات. واستخدم الأطباء اختبارات نفسية لمعرفة كيفية استجابتهم للغضب. ووجد الأطباء أن المراهقين الذين يمكنهم التحكم بغضبهم والتصرف بشكل مناسب عند الغضب يكونون أقل عرضة لزيادة الوزن، أما من يعانون من مشكلات في التعامل مع الغضب سواء بكبت مشاعرهم أو فقدان أعصابهم فهم الأكثر عرضة لزيادة الوزن.
يقول البروفيسور «ويليام مولر» الذي قاد فريق البحث في الدراسة: ترتبط السمنة بالطرق غير الصحية في التعبير عن الغضب، فمشكلات التعبير عن الغضب يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات في الأكل وزيادة الوزن، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى الإصابة بمرض القلب في سن مبكرة، إن الأمر لا يقتصر فقط على مجرد الأكل والتمرينات، ولكن يجب علينا أن ننتبه إلى الجانب الاجتماعي.
ودراسات أخرى وجدت أن الغضب يزيد الضغط النفسي ذلك بسبب من نفوذية الشعيرات الدموية في المخ الذي يسمح بمرور الكثير من المواد الكيماوية إلى داخله مسببًا أعراضًا لا تحدث إلا بنفاذها مثل الصداع والغثيان والدوخة.
وكذلك أشارت بعض الدراسات الأخرى إلى أن تكرار حدوث الانفعالات النفسية غير السارّة بسبب الغضب يؤدي إلى تعطيل وظائف جهاز الهضم مثل سوء الهضم وخلل في إفراز العصارة المعدية التي تعمل على تسهيل عملية الهضم، بل تؤدي أحيانًا إلى تلف أنسجة الجسم كما هو الحال في القرحة الهضمية مثل قرحة المعدة وقرحة الإثني عشر والتهاب القولون.
وهذا غيض من فيض،
لذلك فقد صدق رسول الله الله صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق الأمين - حينما قال «لا تغضب» وذلك من أجل كل تلك المشاكل الصحية، ولكن قد يقول قائل، كيف لي ألا أغضب وكل ما حولي يقودني إلى الغضب؟
وهذا حديث آخر، نتحدث فيه الأسبوع القادم إن شاء الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق