السبت، 18 أبريل 2015

لماذا نغضب ؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٩ أبريل ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

لا نعرف لماذا نغضب، ولا نعرف ما الأسباب التي دعتنا لأن نغضب، ولكن الذي نعرفه أن الغضب أمر معقد جدًا، وربما أسبابه كثيرة وربما تختلف من شخص إلى آخر، ومن حالة إلى أخرى، فالأسباب التي تُغضب إنسانا ما قد لا تُغضب آخر، والشيء الذي يغضبني في هذه اللحظة قد لا يغضبني في لحظة أخرى، ولكنه – أي الغضب – حالة أو انفعال يجتاح الإنسان عند حدوث شيء ما غير متوقع فيكون الغضب هو رد الفعل في تلك اللحظة، سواء كانت ردة الفعل تلك مناسبة أو غير مناسبة ولكن الهيجان لابد وأن يحدث بطريقة أو بأخرى.
قد يكون سبب الغضب هو الخوف من الخسارة، أو الخوف من الإصابة، أو حتى الخوف من خيبة الأمل، وقد يكون بسبب زميل عمل أو الرئيس نفسه، أو قد يكون نتيجة للتعرض لخبرات تحفز الإنسان على الضيق مثل؛ أزمة المرور، إلغاء رحلة سفر، وقد ترجع إلى أسباب أخرى مثل القلق أو إطالة التفكير في الأمور الخاصة والعائلية أو في ذكريات مؤلمة تثير المشاعر، أو جوع أو ألم أو مرض، وعندما يمر الإنسان بمثل هذه الحالات من الاستياء والإحباط فإنه يستثار وهذا يمكن أن يؤدي إلى سخط وربما إلى العجز وبالتالي يجد نفسه أمام حالة من الثوران الداخلي فيشعر أن كل كيانه يهتز ويغلى وربما يستمر هذا الغليان وربما يظهر فجأة كنوع من التخفيف أو محاولة من الجسم والعقل للحفاظ على التوازن الداخلي للجسم في صورة تعبيرات خارجية عن الغضب ويمكن أن تكون واضحة في تعبيرات الوجه، ولغة الجسم، والاستجابات الفسيولوجية، وأحيانًا في الأفعال العامة، كل ذلك نطلق عليه «الغضب» الذي يؤدي إلى تحطيم أو تكسير أو ضرب أو إهانة أو صراخ وربما بكاء عارم.
وعندما تسأل الشخص بعد أن يهدأ لماذا غضبت؟ لا يمكنه أن يعرف الإجابة، فقد يضع الكثير من التبريرات والأسباب ولكن يصعب عليه أن يضع أصبعه على السبب الرئيس الذي أدى إلى إثارة الشرارة في نفسه.
يروى أن أحد المديرين لا يعرف كيف ينظم يومه ولا عمله ولا يعرف كيف يتعامل مع الناس، وكان يراكم الأعمال على نفسه ويحمّل نفسه ما لا تطيق، ذات يوم نادى السكرتير فدخل الأخير ووقف أمامه، صرخ المدير قائلاً: اتصلت بهاتف مكتبك عدة مرات ولم ترد؟
قال السكرتير: كنت في المكتب المجاور، آسف.
المدير بضجر: كل مرة آسف، آسف، خذ هذه الأوراق، وأعطها لرئيس قسم الصيانة ثم عد بسرعة ولا تتأخر.
مضى السكرتير غاضبًا بسبب سوء معاملة المدير، فألقى الأوراق على مكتب رئيس قسم الصيانة وقال: لا تؤخر العمل علينا، فنحن نريد أن يكون كل شيء جاهزًا بسرعة.
تضايق رئيس القسم من أسلوب السكرتير وقال: في المرة المقبلة ضع الأوراق وتكلم بشكل لائق.
فرد السكرتير: لائق، غير لائق، المهم قم بإنهاء العمل بسرعة.
ارتفع حدة الصوت بينهما، فهذا ينتقد وذلك يرد، حتى تدخل الموظفون من حولهما فعاد السكرتير إلى مكتبه. مضت ساعتان فأقبل أحد الموظفين الصغار في قسم الصيانة – ولم يكن يعلم شيئًا عن المشكلة – فقال لرئيسه كعادة: سأذهب لأخذ أولادي من المدرسة وأعود.
صرخ الرئيس: وأنت كل يوم تخرج؟
قال الموظف: هذا حالي من عشر سنوات، وهذه أول مرة تعترض.
قال الرئيس غاضبًا: ارجع لمكتبك حالاً.
مضى الموظف لمكتبه حائرًا مصدومًا من هذا الأسلوب، وبدأ بإجراء اتصالات ليبحث عمن يوصل أولاده من المدرسة إلى البيت، وبعد أن طال وقوفهم في الشمس ذهب أخوه وأعادهم. في المساء، عاد هذا الموظف إلى بيته غاضبًا بسبب ما لاقاه اليوم من معاملة، فركض إليه ابنه الصغير ومعه دفتر جميل، فقال الطفل: أبي، المدرس أعطاني هذه لأنني...
ولم يكمل الطفل كلامه حتى صاح به الأب: اذهب عني، أخبر أمك بالقصة، ثم دفعه بيده. مضى الطفل مكسورًا في عينيه الدموع إلى غرفته فأقبلت إليه قطته الجميلة تتمسح به كالعادة، فركلها الطفل بقدمه ضربة قوية أرسلتها إلى الجدار ملتوية بألمها. وهنا يأتي السؤال: من الذي ركل القطة؟
ربما لو سأل كل شخص نفسه قبل أن يصب جام غضبه على الشخص الآخر، لماذا أغضب ؟ أو لماذا غضبت ؟ ولم وصل الغضب إلى المنزل، لم رُكلت القطة.
جاء في دراسة أجراها بنك المعلومات «كاهوت» على شبكة الإنترنت أن فقدان الأعصاب يكلّف الاقتصاد البريطاني 16 مليار جنيه إسترليني في العام. وتقول الدراسة إن من يفقدون أعصابهم يحطمون أكثر ما يحطمون الأدوات الفخارية والكؤوس. وتقول الدراسة إن الرجال يفقدون أعصابهم أكثر من النساء. وقال 20% من عينة بلغت 700 شخص أجريت عليهم الدراسة إن الازدحام في الشوارع يدفعهم إلى الغضب، ولكن أكثر من النصف قالوا إن الانتظار على الهاتف يدفعهم إلى الغضب، وإن ربع الأشخاص الذين أجريت عليهم الدراسة يعرفون كيف يعبرون عن غضبهم بطريقة إيجابية.
وتقول دراسة أخرى نشرت في الولايات المتحدة إن مرضًا يسمى «عرض الانفعال المتقطع» (IID) قد يكون السبب وراء قيام بعض الأشخاص بإظهار انفعالات فجائية عنيفة وغير مبررة. وتضيف الدراسة إن ما يقارب 10 مليون أمريكي يعانون من هذا المرض الذي طالما استُبعد عند محاولة تشخيص مثل تلك الانفعالات.
وتقول الدراسة إن 4% من سكان أمريكا يعانون من درجة حادة من «IID»، مما سبب لكل منهم ما بين 3 إلى 4 انفعالات عصبية مشابهة خلال عام واحد. ولهذا المرض تعريف دقيق في مراجع الطب النفسي، ولكن يجهل العلماء حتى الآن مدى انتشاره بين بني الإنسان.
ويمكن للطبيب أن يقرر إذا ما كنت مصابًا بهذا المرض إذا تكرر قيامك بانفعالات غاضبة وعنيفة لأسباب لا تبدو ذات أهمية تستحق، ولعدة مرات. وعادة ما يفقد المصاب بهذا المرض تمالكه لأعصابه فجأة ويقوم بتدمير شيء ما، أو يعتدي أو يهدد بالاعتداء على أي شخص.
وأجرى باحثون من كليات الطب في جامعتي هارفارد وشيكاغو الأمريكيتين مسحًا مباشرًا على عينة مكونة من 9282 شخصا راشدا خلال عامي 2001 و2003. وتوصلوا إلى أن 7,3% من عينة البحث مصابون بمرض «IID». وقدروا عدد المصابين بثمانية ملايين شخص في الولايات المتحدة وحدها، وهو رقم أعلى بكثير من التقديرات السابقة، ومن الملاحظ أن أعراض الإصابة تبدأ منذ السن الـ14.
هذه الدراسات والكثير من الدراسات الأخرى التي حاولنا الوصول إليها تحاول أن تجيب على سؤال واحد مهم، هو لماذا نغضب ؟ وجدنا أن بعض العلماء يضع اللوم على الجينات والوراثة وبعض العلماء يضع اللوم على الحالة الاجتماعية، وعدد من العلماء يلتفت إلى البيئة والوضع البيئي الاجتماعي الذي يعيش فيه الإنسان، وتبقى القضية معلقة ونحن نعتقد أنها ستظل معلقة لسنين طويلة وربما لا تجد لها حلا.
ولكن ما نؤمن به أن الغضب – هذه الحالة الانفعالية والنفسية – يبقى مطلوبا وضروريا من أجل أن يحيا الإنسان؛ حيث يجد من خلاله متنفسًا لضغوطه، ولكن من غير المسموح به ممارسة العنف مع الأشخاص أيًا ما كانوا، لذلك علينا أن نضع على سلوكياتنا قيودًا حتى لا يؤدي بنا الغضب إلى مكان لا نرجوه.

وما زال للحديث بقية،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق