السبت، 11 أبريل 2015

الغضب.. ما هو ؟ وكيف يحدث ؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج:١٢ أبريل ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

ليس قدحًا في المراجع التي عدت إليها لكتابة هذا الموضوع، ولكن – للأسف – فإن معظمها لم يتمكن من تفسير مصطلح «الغضب»؛ فقال بعضهم إن الغضب هو حالة انفعالية، وقال آخر إن الغضب هو إثارة عاطفية تتبدى بحماس قوى إما بتعبير حركي أو لفظي أو بميل عدواني يصعب في بعض الأحيان ضبطه والسيطرة عليه.
وقيل إن الغضب ضد الرضا، والغضبة هي الصخرة الصلبة، وقالوا منه اشتق الغضب لأنه اشتداد السخط. وينظر إلى الغضب على أنه شكل من أشكال رد الفعل والاستجابة التي تطورت لتمكن الناس من التعامل مع التهديدات.
وتقول إحدى الدراسات إن الغضب هو ردة فعل عاطفية نتيجة لإحساس الشخص بالمساس بكرامته، مما يؤدي إلى حدوث خلاف أو نزاع.
والغضب – كما تقول إحدى المراجع – شعلة من نار تسكن في طي الفؤاد، استكنان الجمر تحت الرماد، وربما جمع الغضب الشر كله، وربما أدى إلى الموت باختناق حرارة القلب فيه، وربما كان سببًا لأمراض خطيرة، ناهيك عن لواحقه والتي يمكن تلخصيها في مقت الأصدقاء، وشماتة الأعداء، استهزاء الحساد والأراذل من الناس.
قال القرطبي: الغضب في اللغة: الشدة، ورجل غضوب أي شديد الخلق، والغضوب الحية الخبيثة؛ لشدتها، والغضبة: الدرقة من جلد البعير يطوى بعضها على بعض سميت بذلك لشدتها.
والغضب هو إحساس أولى، وطبيعي، وناضج مارسه كل البشر في بعض الأوقات وعلى أنه شيئًا له قيمة وظيفية من أجل البقاء على قيد الحياة، ولكن الغضب غير المتحكم فيه يمكنه أن يؤثر على الصلاح النفسي والاجتماعي.
ويمكننا نحن أن نقول إنه وعلى الرغم من اختلاف الآراء والمراجع إلا أن في الحقيقة يعد الغضب أحد أكثر مشاعر الإنسان وضوحًا في تصرفاته، فحين يغضب الإنسان يفضحه وجهه، فقد يرافق الغضب احمرارٌ الوجه أو بكاءٌ في بعض الأحيان. لذلك يمكننا أن نقول إن مصطلح «الغضب» لا يمكن أن يدرك معناه ولكن يشاهد آثاره ونتائجه وأعراضه على الغضوب، فهو من الواضحات التي تفضحه الفاضحات كما يقال.
ولو لم يكن سلوك الغضب سلوك غير مستحب لَمَا كررها رسول الله صلى الله عليه وسلم للإعرابي الذي جاءه وقال: أوصني، قال: لا تغضب، فردّد، قال: لا تغضب.
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في (بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار) تعليقًا على هذا الحديث: «هذا الرجل ظن أنها وصية بأمر جزئي. وهو يريد أن يوصيه النبي صلّى الله عليه وسلم بكلام كلي». ولهذا ردد. فلما أعاد عليه النبي صلّى الله عليه وسلم عرف أن هذا كلام جامع. وهو كذلك؛ فإن قوله: «لا تغضب» يتضمن أمرين عظيمين؛ أحدهما: الأمر بفعل الأسباب، والتمرن على حسن الخلق، والحلم والصبر، وتوطين النفس على ما يصيب الإنسان من الخلق، من الأذى القولي والفعلي. فإذا وفِّق لها العبد، وورد عليه وارد الغضب احتمله بحسن خلقه، وتلقاه بحلمه وصبره، ومعرفته بحسن عواقبه؛ فإن الأمر بالشيء أمر به، وبما لا يتم إلا به. والنهي عن الشيء أمر بضده. وأمر بفعل الأسباب التي تعين العبد على اجتناب المنهي عنه. وهذا منه.
الثاني: الأمر – بعد الغضب – أن لا ينفذ غضبه؛ فإن الغضب غالبًا لا يتمكن الإنسان من دفعه وردّه، ولكنه يتمكن من عدم تنفيذه. فعليه إذا غضب أن يمنع نفسه عن الأقوال والأفعال والمحرمة التي يقتضيها الغضب. فمتى منع نفسه من فعل آثار الغضب الضارة، فكأنه في الحقيقة لم يغضب. وبهذا يكون العبد كامل القوة العقلية، والقوة القلبية، كما قال صلّى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصُّرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب». فكمال قوة العبد: أن يمتنع من أن تؤثر فيه قوة الشهوة، وقوة الغضب الآثار السيئة، بل يصرف هاتين القوتين إلى تناول ما ينفع في الدين والدنيا، وإلى دفع ما يضر فيهما.
وقد قال ابن تيمية: «ولهذا كان القوي الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب حتى يفعل ما يصلح دون ما لا يصلح، فأما المغلوب حين غضبه فليس هو بشجاع ولا شديد». وقال الزرقاني: «لما كان الغضبان بحالة شديدة من الغيظ، وقد ثارت عليه شدة من الغضب، فقهرها بحلمه، وصرعها بثباته، وعدم عمله بمقتضى الغضب كان كالصرعة الذي يصرع الرجال ولا يصرعونه».

كيف يغضب الإنسان؟
تشير بعض المصادر العلمية النفسية إلى أن عاطفة الغضب تبدأ في الإنسان في المخ في الجزء الذي يسمى بـ(Amygdala)، هذا الجزء هو المسئول عن تحديد المخاطر التي يواجهها الفرد كما أنه مسئول عن إرسال التنبيهات والإنذارات عندما تُعرف المخاطر. هذه المخاطر تصلنا قبل أن تصل إلى قشرة الدماغ (Cortex) التي تبحث في منطقية رد الفعل، وبمعنى آخر أن المخ هو شبكة العمل الذي يؤثر على الفعل قبل أن يتم التفكير في عواقبه بشكل منطقي.
عندما يخوض الإنسان تجربة الغضب تتوتر عضلات الجسم، بالإضافة إلى قيام المخ بإفراز مواد تسمى بـ (Catecholamines) التي تسبب الشعور بوجود دفعة من الطاقة تستمر لعدة دقائق، وفى نفس الوقت تتزايد معدلات ضربات القلب، يرتفع ضغط الدم، تزيد سرعة التنفس، ويزداد الوجه حمرة لاندفاع الدم الذي يتخلل الأعضاء والأطراف استعدادًا لرد الفعل الجسدي. وبعد ذلك تفرز المزيد من المواد وهرمونات الادرينالين التي تطيل من مدة بقاء الإنسان في حالة توتر.
وفى معظم الأحيان تتوقف ثورة الغضب هذه عند حد معين قبل أن تخرج عن نطاق السيطرة والتحكم. والقشرة الخارجية للمخ والتي تقع في مقدمة الجبهة(Prefrontal cortex) تجعل العواطف في حالة تناسب، فهذا الجزء بعيد كل البعد عن العواطف ويقوم بدور تنفيذي من أجل الحفاظ على كل الأفعال في حالة اتزان وتحت السيطرة. وتفسير آخر أكثر توضيحًا لطريقة تحكم المخ في عملية الغضب هو أن(Prefrontal cortex) لها اليد العليا على (Amygdala)، وهذا معناه إذا كانت(Amygdala) تتعامل مع العـــــواطف فإن(Prefrontal cortex) تتعامل مع الأحكام.
وإذا كان للغضب مرحلة إعداد فسيولوجية سابقة على حدوثه التي يستعد فيها الجسم لشن الهجوم، توجد أيضًا مرحلة أخرى تسمى بمرحلة «هدوء العاصفة» حيث يستعيد الجسم فيها حالة الاسترخاء الطبيعية عندما يزول مصدر الثورة أو التهديد. ومن الصعب العودة إلى الحالة الطبيعية للإنسان التي كان عليها قبل التعرض للغضب في وقت قصير لأن هرمون الادرينالين الذي يفرزه الجسم أثناء خبرة الغضب يجعل الشخص في حالة يقظة تستمر لفترة طويلة من الزمن – تتراوح من ساعات وأحيانًا تمتد إلى أيام – كما تقلل من قدرة الإنسان على تحمل الغضب والاستجابة لمثيراته بسهولة، بل وتجعله عرضة لنوبة جديدة من نوبات الغضب فيما بعد حتى وإن كان الأمر تافهًا.
وما زال للحديث بقية،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق