الثلاثاء، 9 يونيو 2015

كائنات فطرية - أفعى الماء السامّة
تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٩ يونيو ٢٠١٥

الدكتور زكريا خنجي

أفعى الماء السامّة، أفعى سامة تعيش في جنوبي الولايات المتحدة الأمريكية، وتسمى أيضًا الثعبان السام وصلّ الماء. ولأفعى الماء السامة تجويف أو حفرة على كل جانب من رأسها بين العين وفتحة الأنف أو أسفل من ذلك قليلاً، وللعديد من ثعابين الماء غير المُؤذية رأسٌ عريض مثل أفعى الماء السامة، غير أنها جميعًا ينقصها التجويف.
ويصل طول أفعى الماء السامة المكتملة النمو إلى 105 سم، على الرغم من أن طول بعضها يصل إلى أكثر من متر ونصف. وعادة ما يكون لها علامات سوداء عريضة حول جسمها، وتتغذى أفعى الماء السامة بمجموعة كبيرة من الحيوانات، بما في ذلك الضفادع والسمك والثدييات من الحيوانات والطيور، وتولد صغار أفعى الماء السامة في الصيف.
وعادةً ما يُمكن مشاهدةُ أفعى الماء السامة في الأماكن المائية، وفي المياه السبخة المتجمعة عند الأنهار والجداول، كما يمكن مشاهدتها على شواطئ البحيرات السبخة. وإذا عرفنا ذلك أمكننا تفادي أفعى الماء السامة، إذ إن لدغة أفعى الماء السامة شديدة الخطورة وتتسبب في الوفاة في بعض الأحيان.

تُسمى هذه الحية أيضًا «صِلَ الماء» إذ إنه عندما يتهددها خطر، تُعطي إشارة تحذير، وذاك عندما تُلقي برأسها إلى الخلف وتبرز أسنانها البيضاء المخططة.


المضافات الغذائية - صبغة الكلوروفيل الخضراء (E140)
تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٩ يونيو ٢٠١٥
الدكتور زكريا خنجي

تعرف صبغة الكلوروفيل أو اليخضور (Chlorophyll) (تعني: chloros أي اللون الأخضر، أما phyllon فتعني ورق)، والصبغة عبارة عن خضاب أخضر يكسب النباتات اللون الأخضر، كما أنه يقوم بدور أساسي في عملية البناء الضوئي الذي يشكل أساس الحياة على الأرض، ومن الجدير بالذكر أنه لا توجد علاقة بين الكلوروفيل وعنصر الكلور. ويرمز إليها بحسب تصنيف حروف الاتحاد الأوروبي (E) بالرقم(E140) .
ويحوي النبات الأخضر نوعين من اللون الأخضر، وهما: اليخضور (a) ولونه أخضر مزرق، واليخضور (b) ولونه أخضر مائل إلى الأصفر.

وتشير الدراسات الكيمياء التحليلية أن مركب الكلوروفيل تشبه إلى حد كبيرة مادة الهيموجلوبين من الناحية الكيميائية، ولكن ليس لصبغة (E140) أي دور في عملية التمثيل الغذائي البشري، وهذا يعني أنه لا يوجد أساس علمي لاستخدام صبغة الكلوروفيل لعلاج الحساسية، وفقر الدم، والتهاب المفاصل، التهاب القولون، والسعال، وارتفاع ضغط الدم، والالتهابات، والقرحة، وما إلى ذلك من أمراض. ليس ذلك فحسب وإنما وجد أن الصبغة ليس ذات تأثيرات صحية على الإنسان، لذلك يمكن استخدامه من غير أي تخوف.

الأحد، 7 يونيو 2015

فترة حظر صيد الربيان.. المشكلة والحل

 تاريخ النشر :٧ يونيو ٢٠١٥
بقلم: د. زكريا خنجي

حظي موضوع حظر صيد الربيان خلال الآونة الأخيرة باهتمام مبالغ فيه مقارنة لما كان يجري خلال العشرين سنة الماضية، فإن لم تخني الذاكرة فإنه مع بدايات عام 1993 صدر قرار بحظر صيد الربيان مدة أربعة أشهر تبدأ مع بداية يوم 15 مارس حتى 15 يوليو، هذا يعني أننا اليوم نحتفل بعيد ميلاد العشرين ونيف من السنين لصدور القرار.
واليوم يحاول قطاع الثروة السمكية بوزارة الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني أن يمدد فترة الحظر لتصبح ستة أشهر بدلاً من الشهور الأربعة المتعارف عليها، وعندما تناهى إلى سمع العاملين في هذا القطاع من الصيادين المحترفين هذا الخبر ضجوا وتضاربت الآراء، فأصبحت كل جهة جبهة وخندقا يحارب الآخر، بل تحاول كل جهة أن تصور القرار بحسب مصالحها وتوجهاتها، فالدولة تضرب على وتر البيئة والمحافظة على الثروة البحرية وفي المقابل فإن الصيادين والجهات ذات المصلحة تعزف على وقت الحاجة والفاقة والمشاكل المالية التي يعيشونها وضيق ذات اليد وما إلى ذلك. 
وفي الحقيقة، فإن لكل جِهة وجْهة نظر يجب أن تحترم وأن تأخذ في الاعتبار حينما نريد أن نفكر في حل لهذا الموضوع، والتي نحن نسميها المشكلة التي لو استمرت كما هي لأصبحت أزمة تحتاج إلى تفكير آخر.
لجأت الدولة هذه المرة إلى وسائل الإعلام المختلفة لبث وفرض توجهها، وفي نفس الوقت قدمت بعض الحلول الجبرية الترقيعية التي ربما لا تخدم الصياد من وجهة نظر الصيادين، مثل التقليل من عدد رخص الصيد، ووقف القروض البنكية خلال فترة الحظر، ووقف الصيد وكذلك مصادرة شباك الجر القاعية والمعروفة بـ «الكوفة» الممنوعة نظرًا الى تأثيرها السلبي على البيئة البحرية، وما شابه ذلك من قرارات لتحل الموضوع.

إلا أن هذا لم يقنع الصيادين المحترفين الذي يعيشون ويقتاتون على صيد الربيان، فهؤلاء يلوحون بأن الشهور الستة التي سيحظر فيها صيد الربيان ستخرب بيوتهم فمن أين وكيف يعيشون خلال هذه الفترة، وأن عمليات وقف القروض البنكية ما هي إلا عملية ترقيعية حيث ان البنك سيعاود مطالبة الصيادين ببقية المبالغ المتراكمة عليهم أثناء فترة الصيد، وكذلك فإنهم يصرخون لأن هذه النوعية من الشباك (الكوفة) ليس لها أي تأثير على البيئة القاعية للبحر، وإنما البحر انخفضت إنتاجيته بسبب الحفر والردم لإنشاء الجزر الصناعية والأراضي الإنشائية، وأنهم يجلبون العمالة الوافدة للعمل ستة أشهر من السنة وهي فترة السماح بالصيد، فماذا يمكن أن يفعلوا مع هذه العمالة وكيف سوف يتصرفون معهم أثناء فترة الحظر، فمن يعطيهم رواتبهم ومن يصرف عليهم؟ وما شابه ذلك من أمور وقضايا الميلودرامية التي يتباكى عليها الصيادون.
واليوم يقف الجميع على خندق ينافح عن فكرته وقراراته، وأصبحت طريقة حل المشكلة تعرف بطريقة شد الحبل، فمن كانت عضلاته أقوى يمكن أن يسحب الفريق الآخر إلى جهته رغمًا عنه.
وكلنا نعلم أن حل المشكلات لا يأتي ولا تحل بهذا الأسلوب، فما بالنا ونحن نتكلم عن موضوع له العديد من التفريعات مثل موضوع فترة حظر صيد الربيان، لذلك نجد أن هذه القضية يجب أن تحل بطريقة أخرى وبأسلوب يختلف عن كل الأساليب الماضية.
ومن ناحية أخرى فنحن نحمد الله أن هذه القضية لم تبلغ مرحلة الأزمة، ولكنها في طور المشكلة التي يمكن حلها برضا جميع الأطراف، ولكن إن بقيت من غير حلول ناجعة فإنها حتما ستبلغ مرحلة الأزمة، وحينئذ تغدو من الأزمات التي يصعب حلها، وكذلك فنحن هنا أيضًا لسنا بحاجة إلى قرار سيادي، أعتقد - في رأيي المتواضع- أننا بحاجة إلى رضا جميع الأطراف بصورة أو بأخرى.

في البداية، إن كنا نريد فعلاً أن نحل المشكلة فإننا يجب أن نرفعها إلى مستوى الأزمة، حتى ولو لم تبلغ مستوى الأزمة، ونحاول أن نتعامل معها كأزمة وأن نتعامل معها على أعلى المستويات الإدارية من متخذي القرار، وكلنا يعلم الأساليب المتبعة في إدارة الأزمات لذلك فإن هذه النوعية من القضايا يجب أن تخضع لمنهجية إدارة الأزمات.
ونعتقد في المرحلة الثانية يجب أن ننظر إلى القضية من أربع جهات وليس من جهة واحدة، فاليوم الدولة تنظر إلى الموضوع نظرة بيئية بحتة، والصيادون ينظرون إلى الموضوع من ناحية المالية البحتة، هنا يأتي القصور في وجهات النظر وبالتالي لا يمكن أن تتلاقى تلك الرغبات.

والمحاور الأربعة التي نقصدها هي المحاور التي تقوم عليها منظومة التنمية المستدامة؛ وهي: النواحي البيئية، النواحي الاقتصادية، النواحي الاجتماعية وأخيرًا النواحي السياسية، علمًا أننا لا نرغب في التحدث عن الجوانب السياسية هنا. ولنحاول أن نلقي ولو بصيصا من الضوء على هذه المحاور.

أولاً: المحور البيئي: نتفق مع الدولة تمام الاتفاق أن البيئة البحرية غدت في حالة يرثى لها، وهذا يعرفه القاصي والداني، ولكن هذا ليس في مياه البحرين الإقليمية فحسب، وإنما كل التقارير العالمية تشير إلى انخفاض كميات الإنزال السمكي حتى من المحيطات. وإن كنا نتفق مع الدولة على خراب البيئة البحرية في مياهنا الإقليمية إلا أنه من حقنا أن نسأل ويجب أن نحدد: ما الأسباب الحقيقية من وراء هذا الخراب؟ هل فعلاً بسبب تلك النوعية من الشباك الجر القاعية؟ أم بأسباب الحفر والردم المستمرين؟ هل بسبب الملوثات النفطية والكيميائية التي تجوب بحارنا؟ هل بسبب الملوحة وزيادة ملوحة مياه البحر على مر الأيام؟ يجب أن توضع كل هذه المعطيات وكل تلك الظروف وأي أمور أخرى لم نذكرها تحت ميكروسكوب البحث العلمي، وبالتالي تظهر أمامنا وأمام الجميع الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هلاك تلك المساحات من الأرض المنتجة، وبناء على ذلك توضع الحلول بوضوح وموضوعية، على أن تلتزم جميع الأطراف بالحلول التي تم التوصل إليها والاتفاق عليها، فليس من المعقول أن نتوصل إلى حل منطقي وموضوعي ومثبت بالبحث العلمي ثم يأتي طرف ما ويدعي أن هذا مخالف للعرف او المنطق.

ثانيًا: المحور الاقتصادي: يحكم الجانب الاقتصادي في هذه القضية - بحسب رأينا المتواضع - عناصر الإنتاج الأربعة، وهي: العمل والعمال، رأس المال، الموارد الطبيعية، وأخيرًا الإدارة والتنظيم. 

فمن ناحية العمل والعمال، فإن الفئة من الصيادين الرافضين لتمديد فترة حظر صيد الربيان هم أنفسهم الذين رفضوا في السابق فكرة «وجود النوخذة البحريني»، حسبما جاء في المرسوم بقانون رقم (20) لسنة 2002 بشأن تنظيم صيد واستغلال وحماية الثروة البحرية، وهذا يعني أن موضوع العمال يحتاج إلى دراسة فاحصة، وكيف يجب أن تدار هذه الفئة من الناس، وكم عدد من يجب أن تشملهم سفينة الصيد، ونوعياتهم، ومستوى تعليمهم وما إلى ذلك من معلومات يمكن أن تؤثر بصورة مباشرة في عملية الصيد في حد ذاتها. فالعمالة الأجنبية لا تكترث بالأرض المنتجة والكيفية الفعالة في المحافظة عليها، فكل همه أن يأتي بالصيد الوفير وبأي نوع من الشباك وبأي طريقة، المهم أن يملأ جيبه وجيب كفيله بالمال الذي يرضيه هو وكفيله.
أما من ناحية رأس المال فنحن هنا نتحدث عن سفن الصيد، وعن نوعيات الشباك المستخدمة في صيد الربيان، وأجور العمال، وكفالتهم، والرسوم التي تطلبها سوق العمل والقروض التي يأخذها صاحب السفينة وما إلى ذلك، فكل هذا يقع عبئها على مالك السفينة أو العمال الذين يستأجرون تلك السفن ورخصها. وربما هنا يتبادر إلى أذهاننا مجموعة من الأسئلة التي نوجهها: ماذا يمكن أن يفعل صاحب السفينة بالعمال الذين يعملون على ظهر السفينة أثناء فترة الحظر التي يمكن أن تمتد ستة أشهر؟ هل نتركهم يتسكعون في الشوارع والطرقات؟ ما البدائل التي قدمت لمثل هذه المشكلة؟ هل ستلغي هيئة سوق العمل حقها في الرسوم التي تأخذها عن هذه الفترة؟ 
ومن ناحية أخرى الوزارة تطالب الصيادين بالتخلص التام من شباك الجر القاعي، وهذا حق، لما تسببه هذه الشباك من أذى، ولكن ما البديل المطروح لهذه النوعية من الشباك؟ هل قدمت الوزارة حلولا؟ هل حاولنا أن ندرس كيف وماذا يستخدم صيادو الربيان في بقية دول العالم، هل في نيوزيلندا - مثلاً - يستخدمون شباك الجر القاعية؟ هل في الدول المطلة على البحر المتوسط يستخدمون هذه النوعية من الشباك؟ أكيد توجد بدائل، فما تلك البدائل ومن أين يمكن جلبها؟
أما بالنسبة الى الموارد الطبيعية، فنحن نتحدث هنا عن أرض وكائن حي وهو الربيان، فهل درسنا الكفاءة الإنتاجية للمتر المربع من الأرض البحرية؟ وكم ينتج هذا المتر المربع من ربيان في موسم الصيد، وبالتالي يمكن على أثره أن نحدد عدد رخص الصيد التي توازي الكفاءة الإنتاجية لتلك المساحة، فهل المساحة المتاحة والأرض المنتجة وكفاءتها الإنتاجية تكفي لكل هذا الكم من سفن صيد أم يجب علينا أن نقلص أعدادها؟ وإن رغبنا في التقليص فكم سفينة يمكن أن تجوب مياهنا الإقليمية ويسمح لها بممارسة عملية الصيد؟
وأخيرًا، التنظيم والإدارة فإننا يجب أن نعيد تنظيم هذه المنظومة الإدارية ليس لفترة قصيرة وإنما لفترات طويلة مستقبلية، وليس المقصود هنا تغير الأفراد المعنيين وإنما نحن نتكلم عن منظومة متكاملة وبصورة تشمل جميع الأطراف.
وربما هنا أيضًا يحق لنا أن نتساءل؛ لماذا أوقفت الدولة مشروع الحظر مدة عشرين سنة وتأتي اليوم لتحاول تطبيقه أسوة ببقية دول الخليج؟ تقول الجهات الإدارية إنها راعت وضع الصياد البحريني سواء من الناحية الاقتصادية أو من بقية النواحي الأخرى، لذلك يحق لنا هنا أيضًا أن نتساءل: هل تغير الوضع اليوم فأصبح الصياد في وضع آخر؟ لا أعلم. وهذه نقطة يجب أن تدرس، حيث يقول قائل - وهذا الكلام على ذمة من قال - إن صيادي الربيان أصبحوا يمتلكون ملايين الدنانير اليوم، فهل هذا صحيح؟ لا أعلم أيضًا. 

ثالثًا: المحور الاجتماعي: لاشك أن الوضع الاقتصادي سوف يؤثر بصورة او بأخرى على الوضع الاجتماعي للعاملين في هذا القطاع.
في الماضي كان الربيان متوافرا، فكان المواطن يقوم في فترة الوفرة بشراء كميات كبيرة من الربيان، وبعد ذلك يقوم بتجفيفه، ليقوم باستهلاكه طوال السنة، ولكن اليوم هذه العادة تلاشت بسبب التغيرات الاجتماعية التي يعيشها الإنسان البحريني.
اليوم في زمن الوفرة يتم تصدير الربيان إلى دول الجوار، بغض النظر عن تأثير ذلك على الأسعار وتأثيره على المواطن البحريني، وربما يريد من يقومون بتصدير الربيان إلى الخارج المحافظة على ارتفاع أسعاره في الوطن وبالتالي يقللون المعروض حتى تزيد الأسعار، وهذه سياسة اقتصادية يعرفها الجميع.
وهنا ربما نتساءل؛ ألا يمكن إقامة مصانع لتجميد الربيان - وإن كنت أعتقد بوجود مثل هذه المصانع في البحرين - ففي زمن الوفرة يجمد الربيان، وبالتالي يمكن بيعه مجمدا أثناء بقية الموسم، فما الفرق؟ ألا يمكن تغيير نمط استهلاكنا للربيان؟ ألا يمكن الامتناع عن شراء الربيان أثناء فترة الحظر؟ أسئلة كثيرة نطرحها ولا تجد الإجابة الناجعة التي يمكنها أن توضح الأمور.

وبعد كل ذلك وكل هذا العمل والكثير من الإجراءات، تجمع كل المعطيات والحقائق وكل تلك النتائج التي تم التوصل إليها، وتعرض أمام الرأي العام والمجلس النيابي، وبعد يمكن اتخاذ القرار المناسب وبالتوافق مع جميع الجهات. 

عمومًا، هذه بعض التصورات والأفكار والاطروحات لحل هذه المشكلة التي فعلاً تحتاج إلى حل عملي وعلمي، وكما أشرنا سابقًا فإنه يجب علينا أن ننظر إلى هذه القضية من عدة زوايا ووجهات نظر وليس من وجهة نظر واحدة.

الأحد، 31 مايو 2015

استشعر الخوف وتقدم




سواء أكنت تريد أم لا، فالخوف شعور فطري من حياة الإنسان لا يمكن تجاهله، فالجميع يشعر به في لحظة أو أخرى، ولكن بعضنا يخاف إلى الدرجة أنه يدع الخوف يتحكم فيه، فتظهر أعراضه على يديه وعلى وجهه، فيتصبب عرقًا ويحجم عن الإقدام، وبعضنا الآخر يخاف ولكنه يحاول أن يخبئ الخوف بين أظهره ولا يدعه يتمكن منه، فيحاول أن يظهر ما لا يبطن على الأقل أمام الناس، فنشعر جميعًا بمدى ثقة هذا الإنسان بنفسه ومدى تحكمه بقدراته وأدواته.
إلا أننا هنا يجب أن نفرق بين أنواع الخوف فأي منها يمكن مواجهته، وأي منها يحتاج إلى طرق خاصة للتعامل معه، فلا يمكن أن نطلب من شخص يقف وجهًا لوجه أمام أسد متوحش أو أي حيوان مفترس أن يواجه خوفه ويثبت أمام كتلة الغضب البهيمية تلك، ولا يمكن أن نقول لمن يخاف الله ويحول خوفه إلى طمع في رضوانه بالعمل المفيد الذي ينعكس على المجتمع أن أحجم وتحكم في خوفك وطمعك لرضوان الله.
وكذلك لا يمكن أن نمزح مع من يعاني مرض الرهاب أو ما يعرف بالخوف المرضي بين طيات الجزئية التي يخاف منها، فمثل هذا الشخص يحتاج إلى علاج نفسي وكلينيكي.
وإنما الحديث هنا عن ذلك النوع من الخوف الذي يختلج نفوسنا جميعًا، وخاصة عند الإقدام على أمر جديد، فربما طلب منك مديرك في العمل -ذات يوم- أن تدير فريق عمل، وأنت لم تقم قط بمثل هذه المهمة من قبل، ترى كيف يكون شعورك؟
ما شعورك عندما يطلب منك أن تصعد المنصة وأن تتحدث أمام الجمهور فترة زمنية أو أمام عدسة التلفزيون، على اعتبار أنها المرة الأولى التي يطلب منك ذلك؟
ماذا تكون ردة فعلك عندما تسافر بالسيارة إلى بلد وأنت لا تعرف طرقه ولا ممراته، ولم يكن بين يديك خريطة تدلك على هذا البلد؟
مواقف كثيرة، ربما تمنح فرصة للاستعداد لها، وربما تأتيك فجأة من غير استعداد، هل ستترك المجال للخوف ليشل عقلك وتفكيرك، فلا تتقدم وتعتذر وتهرب من المواجهة أم ستقدم وإن قدمت رجلا وأخرت الأخرى؟ ترى من أي الفريقين أنت؟
ذات يوم في دورة لتنمية مهارات العرض والتقديم في إحدى الدول العربية دخلت وقدمت نفسي كالعادة، ثم طلبت من المتدربين -أيضًا كالعادة تقديم أنفسهم- ولكن هذه المرة طلبت منهم أن يقوموا ويتقدموا إلى المنصة ومن هناك يقدم كل شخص نفسه، عندئذ بدأ الارتباك على الحضور، وانقسمت المجموعة عندئذ إلى ثلاثة فرق؛ الفريق الأول وهم القلة قاموا بما هو مطلوب منهم، أي وقفوا في المنصة وقدموا أنفسهم، والفريق الآخر تردد كثيرًا وكان يقدم رجلا ويؤخر الرجل الأخرى، ولكنه قام على مضض وقدم نفسه، أما الفريق الثالث فلم تسعفه شجاعته بالوقوف في المنصة وتقديم نفسه مدة دقيقتين فقط. 
وبعد أن هدأ الجميع وقبل أن أبدأ وأسترسل في الدورة طلبت منهم إن رغبوا في اجتياز هذه الدورة أن يستعدوا لتقديم عرض تقديمي في اليوم الأخير وهو اليوم الخامس من الدورة، حينئذ تغيرت الوجوه وتغيرت ألوانها، وبدأ العرق يتصبب من الحضور وكما يقال وبلغت القلوب الحناجر، فقال أحدهم: نحن لم نتمكن من الوقوف مدة دقيقتين لتقديم أنفسنا فكيف يمكننا أن نقدم محاضرة وعرضا لمدة ربع ساعة؟
قلت لهم جملة واحدة فقط «ستتمكنون إن رغبتم»، ثم بدأت في الدورة، وفي الحقيقة أنهم في اليوم الموعود كانوا أفضل ما يمكن حتى إن مديرهم العام عندما حضر العروض انبهر بهم وبقوة إدائهم على المنصة، ولكن يبقى السؤال الذي يدور في الأذهان: كيف تغلبوا على خوفهم وأقدموا وتقدموا؟
حاولت الدكتورة سوزان جيفرز في كتابها «استشعر الخوف وأقدم على ما تخاف» أن تلخص طرق مواجهة الخوف في بعض النقاط التالية:

1- اعترف بخوفك؛ فالخوف هو أحد الأحاسيس والمشاعر الطبيعية التي تمر بالبشر، ومن الممكن أن يكون الخوف نافعًا إن جاء ملائمًا للموقف الذي أدى إليه، فهو ينبهنا إلى حدوث خطر ما، لذلك يعتبر الاعتراف بالخوف وقبوله أول خطوة للتخلص منه. 
2- افصل الخوف عن الموقف الذي أدى إليه؛ إنك بهذه الطريقة ستضع مسافة بين إحساسك بالخوف وبين حقيقة الموقف الذي أدى إليه، فتستطيع بذلك تقييم قدر الخوف الذي تشعر به وتحديد إن كان ملائمًا للموقف أم مبالغًا فيه.
3- عبر عن خوفك؛ لا تخجل من الاضطراب وإبداء التوتر والبكاء نتيجة شعورك بالخوف من شيء ما، فالخوف هو كأي إحساس طبيعي يخرج على شكل سلوك تخرج به انفعالاتك وتتخلص منها، أما كتمان الخوف فهو غير مفيد، لذلك من الأفضل التعبير عنه حتى تستطيع مواجهته ومقاومته.
4- تقبل خوفك كما هو، يجب أن تنظر إلى إحساس الخوف الذي بداخلك على حقيقته من دون أن تحاول إخضاعه للمنطق، فهو في حد ذاته إحساس غير منطقي وقد لا يتفق في كثير من الأحيان مع الموقف الذي أدى إليه، ولكنه يكون في أغلب الأحيان صدى لمواقف أخرى مشابهة أو ذكريات مختبئة في العقل الباطن قد تمت استثارتها. 
5- لا تشعر بالذنب بسبب خوفك؛ من حقك أن تخاف مهما كانت طبيعة هذا الخوف وحجمه، فالشعور بالذنب وتأنيب النفس عليه لا يساعدان كثيرًا على الخروج منه، بل على العكس يؤديان إلى تعقيد الموقف وتراكم الانفعالات السلبية بداخلك.
6- حاول أن تتوقع الخوف، لذلك لا بد من أن تستعد دائمًا لمواجهة المواقف التي تكون متأكدا من أنها تشعرك بالخوف، فتتخذ خطوات عملية لتحمي نفسك منها، وتأكد أن أي خطوة ستقوم بها لتحمي نفسك من الخوف ستجعلك تتقدم في طريق تخلصك منه تمامًا، كما أن هذه الخطوات ستقربك أكثر من الحقيقة، وتستطيع السيطرة على الخوف ليتناسب مع الموقف الذي أدى إليه.
7- لا تفكر في الفشل؛ فعندما تبدأ في عمل ما ركز فقط على خطوات تحقيقك له وواجه الصعوبات التي تصادفك وحاول حلها تدريجيًا من دون التفكير في النتيجة، وبذلك تكون قد شغلت عقلك بالتفكير في شيء نافع بدلاً من الخوف الذي سيعوقك عن العمل نهائيًا.
8- لا تطلب المستحيل؛ وحدد لنفسك أهدافًا يمكنك تحقيقها، وأعط لنفسك الوقت الكافي لتنجزها، فمن الأفضل لك أن تنجز مهمات صغيرة بنجاح بدلاً من الطموح إلى أشياء كبيرة يصعب عليك تحقيقها فتقع فريسة إحساس الخوف والقلق.
9- تذكر بطولاتك وإنجازاتك، عندما يصادفك إحساس الخوف حاول تذكر أي موقف صعب قد مر بك من قبل ونجحت في تخطيه ومواجهته بشجاعة لتستمد منه القوة في مقاومة إحساس الخوف الذي تشعر به.
10- تحرك ولا تتوقف عند إحساسك بالخوف؛ فيمنعك ذلك من اتخاذ أي موقف إيجابي يحررك من خوفك الحالي، بل حاول التصرف لإنهاء الوضع الذي أنت فيه والتخلص معه من الخوف والقلق. 
11- هنئ نفسك، عندما تنجح في حربك على الخوف هنئ نفسك وكافئها على ما أنجزته حتى يكون ذلك دافعًا لك فيما بعد.
12- اعترف بالعالم المحيط بك، إن كل ما يحيط بك سواء كان أشخاصًا أو أشياء يجعلك تشعر بوجودك، فلا تنكره أو تتجاهله مهما كان يشعرك بالخوف حتى تستطيع التعامل معه ومواجهته.
13- وإن تسرب إلى داخلك إحساس بالخوف على المستقبل فلا تحاول أن تتجاهله والتهرب من محاولة التفكير فيه، ففي هذه الحالة سوف يتسرب إلى داخل أعماق اللاشعور ويسبب لك المتاعب أضعافا مضاعفة، وإنما حاول أن تفكر في الموضوع بموضوعية وعقلانية. فضع تلك المخاوف أمام عينيك بكل هدوء عقلي وابدأ في مناقشتها.
14- افترض أن مخاوفك قد تجلت في أسوأ صورها، هذا الافتراض سيجعلك تكون على دراية بأنك في تلك الحالة إما أن تموت نتيجة لحدوث الكارثة المفترضة أو لا تموت بسببها، وستدرك بعد فترة من الزمن أنك لم تمت، فلديك استطاعة بفضل الله عز وجل ثم بفضل إيمانك بنفسك أن تقيم حياتك على أساس جديد.
15- وأخيرًا، وأولاً، ودائمًا، واجه مخاوفك بالتواصل مع الله، فهو سبحانه قادر على كل شيء.

ربما يمكننا أن نستخلص أن الخوف، هذا الشعور الطبيعي يحتاج منا فقط إلى التعامل والتعايش معه، فيجب ألا يسبب لنا الذعر والهلع، وإنما يجب أن نتعامل معه بكل هدوء وإدراك.

الاثنين، 25 مايو 2015

كائنات فطرية - نباتات أذن الفأر

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٦ مايو ٢٠١٥

الدكتور زكريا خنجي

أذن الفأر نباتٌ ينتمي إلى فصيلة لسان الثور، ومن صف ثنائيات الفلقة، ويضم أكثر من ثلاثين نوعا مقبولاً وعشرات أخرى لم يحسم أمرها بعد، وهو عشب أوروبي أزرق الزهر، وتعرف باللاتينية (Myosotis).
ينمو هذا النبات في كل من مناطق الغابات البرية ومناطق السهول المعتدلة، وهذا النبات له ساق مكسوّة بالشعر، وأوراق طرية مكسوّة بالشعر أيضًا. ولهذه النبتة أزهار صغيرة، ذات لون أزرق فاتح ولون أصفر في وسطها، وهي تنمو بشكل عنقودي، كما أن لبعض أنواعها أزهارًا بيضاء أو وردية، وعلى العموم فإن كل الأنواع تقريبًا، لها براعم وردية. وتعتبر الأماكن الظليلة الرطبة أفضل بيئة لنمو معظم أنواع أذن الفأر التي تمتاز بأنها جذابة ومعمّرة تعيش لأكثر من سنة، وأشهر الأنواع المزروعة من تلك النبَّتة ثنائية الحول، وهي النباتات التي تزهر في سنتها الثانية. وتزرع من نباتات مقطعة إلى أجزاء يتم غرسها مرة أخرى، والعديد من أنواع أذن الفأر المشهورة حولية (تعيش لسنة واحدة فقط)، وهي تزرع من البذور وتزهر في الخريف.
ويعتبر البعض أن نباتات أذن الفأر رمز للصداقة والحب الصادق، ويرد ذكر هذه الزهرة في عدد من الأساطير. ففي أحد الأساطير الألمانية كانت عبارة «لا تنسيني» هي آخر ما قاله حبيب لحبيبته قبل أن يغرق وهو يحاول أن يأتيها بالزهرة.

Changing_Forget-me-not_600

المضافات الغذائية - ثاني أكسيد السيليكون (E551)

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٦ مايو ٢٠١٥

الدكتور زكريا خنجي

ثاني أكسيد السيليكون (بالإنجليزية: silicon dioxide) ويعرف أيضًا (السيليكا silica)، هو أكسيد السيليكون المعروف بقساوته منذ العصور القديمة. ويوجد السيليكا في الطبيعة في الرمل والكوارتز، وكذلك في جدران خلايا طحالب الدياتوم أو ما تعرف بالمشطورة (diatoms). وهو مكون أساسي في معظم أنواع الزجاج والمواد مثل الخرسانة ويدخل في صناعة الإسمنت. وتعتبر السيليكا من أكثر المعادن وفرة في القشرة الأرضية.
وتعرف رمال السيليكا أو رمال كوارتز أنها عبارة عن صخور رملية بيضاء نقية تحتوي على نسبة عالية من السيليكا، التي تتكون بشكل رئيس من حبيبات معدن الكوارتز، وتحتوي على كمية قليلة من الشوائب والمعادن الثقيلة، في حين يطلق مصطلح الرمل الزجاجي على رمال السيليكا أو الكوارتز التي لها مواصفات فيزيائية وكيماوية تتناسب مع صناعة الزجاج.
يستخدم السيليكا في المقام الأول في إنتاج الزجاج للنوافذ، والدوارق والقوارير، وزجاجات المشروبات الغازية، والعديد من الاستخدامات الأخرى. وتصنع معظم الألياف البصرية للاتصالات السلكية أيضًا من السيليكا، بل هي مادة الخام الأولية للعديد من السيراميك مثل خزف الحجري، والخزف. وكذلك فإن السيليكا تدخل في صناعة الكثير من المواد كبعض الأدوية ومستحضرات التجميل، والعوازل الكهربائية، ومعاجين الأسنان وخاصة التي تستخدم لإزالة بلاك الأسنان.
ويستخدم السيليكا كمادة مضافة في صناعة الغذاء، حيث يدخل في صناعة الأغذية المحتوية على الدقيق، فهو يساعد على امتصاص الماء والرطوبة والاحتفاظ به لفترة طويلة نوعًا ما، فقد وجد أنه يستخدم كمضافات مانعة للتكتل كما في الطحين عند صناعة الخبز والكعك، مثخنة ومثبت في المواد المستحلبة مثل مادة المايونيز وما إلى ذلك، كما يستخدم في صناعة الجعة الخضراء والنبيذ، والعديد من المشروبات الأخرى.
ولا يعرف حتى الآن أي آثار سلبية على صحة الإنسان من جراء استخدام مادة ثاني أكسيد السيليكون كمادة مضافة في الغذاء وذلك لأنها تعد خاملة لذلك، إلا أن لها آثارا ضارة عند استنشاقها مع الهواء حيث تؤثر على الجهاز التنفسي.
ولم تمنح مادة السيليكا حرف (E) الصادرة عن الاتحاد الأوروبي لفترة طويلة، وفي الحقيقة لم أعثر على أي مرجع يؤكد أنها حرف (E) قد أضيف إلى رقم المركب (551)، ولكن وجد أن كل المراجع تطلق على مادة ثاني أكسيد السيلكون رمز (E551).

أربع خطوات للقضاء على بكتيريا الغذاء

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٦ مايو ٢٠١٥

الدكتور زكريا خنجي

جميعنا يعرف أن الأغذية التي نتناولها تعج بالأنواع العديدة من البكتيريا، بعضها ضار والعديد منها غير ذلك، ولأن عددا من أنواع البكتيريا ضار فإنه من المهم أن نمنع وصولها إلى معدتنا لأنها إن بلغت ذلك المكان فإنها بعد فترة الحضانة حتمًا ستسبب للإنسان التسمم الغذائي أو ما يعرف بالأمراض المنقولة بالغذاء، لذلك سنحاول هنا أن نتعرف على أربع طرق أساسية ومهمة للقضاء على البكتيريا قبل وأثناء تواجدها في الغذاء وقبل بلوغها لمعدة الإنسان، ومن هذه الطرق:

أولاً: برد في الثلاجة فورًا
ينصح خبراء سلامة الأغذية المستهلكين بتبريد الأطعمة بأقصى سرعة، وذلك بسبب أن البكتيريا الممرضة - التي تسبب أمراضًا للبشر - لا تستطيع أن تتكاثر أو تنمو في درجات الحرارة المنخفضة أو الباردة، لذلك يوصي خبراء سلامة الأغذية أن توضع الأطعمة في الثلاجة ذات درجة حرارة حوالي 4 م (40 ف) أو في المجمدة (الفريزر) عند درجة حرارة 17 م تحت الصفر (0 ف، على أن يتم التأكد من هذه الدرجات باستمرار باستخدام ميزان الحرارة الخاص بالأجهزة (الترمومتر). ويمكن اتباع الخطوات التالية أثناء عمليات التبريد:
1- برد أو جمد الأغذية سريعة التلف، الأغذية الجاهزة، وبقايا الطعام في غضون ساعتين.
2- لا تقوم بإذابة جليد الأغذية المجمدة على طاولة المطبخ، أو تنقعها في الماء، وإنما أفضل طريقة أن تذيب الجليد بوضع الغذاء المجمد في الثلاجة، أو الماء البارد الجاري أو الميكروويف.
3- عند الرغبة في تبريد الأغذية قسّم الكميات الكبيرة إلى كميات صغيرة وضعها في آنية صغيرة الحجم وضحلة الارتفاع وذلك من أجل التبريد السريع في الثلاجة.
4- وفي حالة الدواجن واللحوم المحشية، يجب إزالة الحشو وتبريدها في وعاء منفصل.
5- لا تعبأ الثلاجة ولا تفصل الأدراج عن بعضها البعض وإنما دع الهواء البارد ينتقل ويدور حول الأغذية.

ثانيًا: اطبخ على درجات الحرارة المناسبة
يتفق خبراء سلامة الأغذية أن الأغذية المطبوخة يجب أن تبقى ساخنة بشكل صحيح لأطول فترة ممكنة، فقد وجد أن البكتيريا الضارة التي تسبب الأمراض المنقولة بالغذاء لا تستطيع البقاء طويلاً عند درجات الحرارة العالية التي تزيد على 60 م (145 ف). لذلك عند التسخين والطبخ يجب الاهتمام بالأمور التالية:
1- يفضل استخدام مقياس حرارة اللحوم (ترمومتر)، والذي يقيس درجة الحرارة الداخلية للحوم المطبوخة والدواجن، للتأكد من أن اللحوم يتم طهيها واستوائها من الداخل والخارج.
2- شرائح اللحم يجب أن تطبخ على درجة حرارة 60 م (145 ف)، وأما الدواجن الكاملة فيجب أن تطبخ حتى تصل درجة الحرارة إلى أكثر من 80 م (180 ف).
3- اللحوم المفرومة، حيث يمكن للبكتيريا أن تنتشر خلالها أثناء الطحن، يجب أن تطبخ حتى تصل درجة حرارتها إلى ما لا يقل عن 71 م (160 ف). والمعلومات تؤكد أن طبخ هذه النوعية من اللحوم يجب أن يؤدي إلى اختفاء لونها الوردي، وإلا فإنه من الخطورة تناولها.
4- أما البيض فيجب أن يطبخ حتى يتصلب صفارها وبياضها، وأما الذين يتناولون البيض النيئ أو المطبوخ جزئيًا، فإنهم يعرضون أنفسهم لمخاطر البكتيريا.
5- الأسماك يجب أن تطبخ حتى تصبح لحومها سهلة الانتزاع عن الجلد والعظام، ويمكن التأكد من ذلك بغرز أطراف الشوكة في جسدها أثناء الطبخ.
6- يفضل دائمًا التأكد من عدم وجود بقع باردة في الطعام - حيث يمكن للبكتيريا البقاء على قيد الحياة هناك - وخاصة عند الطبخ في أفران الميكروويف. للحصول على أفضل النتائج يفضل تغطية الطعام، وتحريكه بين الفينة والأخرى ويجب ألا ننسى دوران الأطعمة وخاصة في أفران الميكروويف حتى تنتهي عملية الطبخ. إن لم يكن هناك القرص الدوار، فإنه يجب طبخ الطبق مرتين.
7- عند إعادة تسخين الأغذية المبردة أو بقايا الطعام فإنه يجب أن يصل الغذاء إلى درجة الغليان، أو بمقدار يزيد على درجة حرارة 74 م (165 ف).

ثالثًا: اغسل اليدين وأسطح العمل ونظف المكان الذي تعمل فيه باستمرار
وفقًا للخبراء سلامة الأغذية، يمكن أن تنتشر البكتيريا في جميع أرجاء المطبخ، سواء على أسطح الطاولات وأسطح ألواح التقطيع والسكاكين والإسفنج وكل شيء، لذلك أحذر ومارس الخطوات التالية:
1- اغسل يديك بالماء الساخن والصابون قبل إعداد الطعام وبعد استعمال الحمام، وبعد اللعب والعناية بالحيوانات الأليفة أو حتى تغيير حفاضات الأطفال وما شابه ذلك. وللحصول على أفضل النتائج، يجب استخدام الماء الدافئ لترطيب الأيدي ومن ثم استخدام الصابون وفرك اليدين معًا مدة 20 ثانية قبل الشطف بدقة.
2- اغسل ألواح التقطيع والسكاكين، والأواني وأسطح الطاولات بالماء الساخن والصابون بعد إعداد كل وجبة، وقبل الانتقال إلى الوجبة الثانية.
استخدم المناشف لتنظيف أسطح المطبخ بعد غسلها. وإن استخدمت المناشف القماشية فاغسلها بالماء الساخن.
3- ولا تنس أن النظافة جزء مهم من الدين الإسلامي.

رابعًا: امنع التعرض العرضي أو غير المباشر
من أكثر الطرق للانتشار الخفي للبكتيريا هو انتقالها من الأغذية الطازجة إلى الأغذية المطبوخة أو الجاهزة للأكل، أو انتقالها من أي مصدر ملوث إلى الأدوات والأواني التي نستخدمها من غير أن نشعر عندما يحدث تماس مباشر بين هذه الأدوات، وهذا ما يسمى بالتلوث العرضي أي غير المقصود، وحتى نتجنب ذلك يجب اتباع الخطوات الإرشادية التالية:
1- لا تخلط اللحوم النيئة والدواجن والمأكولات البحرية في عربة التسوق مع بقية المواد الغذائية.
2- لا يفضل تخزين اللحوم النيئة والدواجن والمأكولات البحرية على الرفوف العلوية من الثلاجة حتى لا يتساقط عصيرها وسوائلها أو رشيحها على الأطعمة الأخرى.
3- إذا كان ذلك ممكنًا، استخدم ألواح التقطيع، واحدا لمنتجات اللحوم النيئة وآخر للمواد الغذائية الأخرى الجاهزة للأكل.
4- اغسل ألواح التقطيع والسكاكين وغيرها من الأواني بالماء الساخن والصابون، وخاصة إن تم استخدامها لتقطيع المواد الغذائية النيئة.
5- لا تضع الطعام المطبوخ على أطباق تم استخدامها لوضع اللحوم النيئة، الدواجن أو المأكولات البحرية.

هذه بعض الأساليب للمحافظة على صحة الغذاء، فإن طبقت بصورة صحيحة فإنها حتمًا ستحافظ على صحة الإنسان، وإن كنا نعلم أن المطبخ بيئة مناسبة جدًا لانتشار البكتيريا وبعض الكائنات الدقيقة.

في يوم الصحة العالمي (من المزرعة إلى المائدة.. حافظوا على سلامة الأغذية)

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٦ مايو ٢٠١٥

الدكتور زكريا خنجي

كما هي عادتها تحتفل منظمة الصحة العالمية في السابع من إبريل كل عام بيوم الصحة العالمي، ولقد اختارت هذا العام شعارًا هو (من المزرعة إلى المائدة، حافظوا على سلامة الأغذية)، ولكننا نعرف ما لسلامة الغذاء من أهمية ونحن نعد أن هذا اختيار موفق من المنظمة.
وبهذه المناسبة، قال الدكتور علاء الدين العلوان، مدير منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط: «من المعروف أن الأغذية غير المأمونة ترتبط بأكثر من 200 مرضٍ مختلف، تتراوح ما بين أمراضٍ سارية مثل الكوليرا وغيرها من أمراضِ الإسهال، وبين مجموعة من الأمراضِ غيرِ السارية، ومن بينِها الأنماط المختلفة للسرطان. وتتعدد الأمثلة من الأغذية غير المأمونة وتشمل: الأطعمة المطبوخة ذات الأصل الحيواني، والفواكه والخضروات الملوثة بالبراز، والمحار المحتوي على السموم البيولوجية البحرية».
وأضاف المدير الإقليمي: «تشير التقديرات إلى أن الأمراض المنقولة بالغذاءِ والمياه تودي بحياة مليوني شخصٍ سنويًا، منهم عددٌ كبيرٌ من الأطفال. ذلك هو الوضع الراهن في البلدان النامية على وجه الخصوص، حيث تفتقر إمدادات الغذاءِ هناك إلى الأمن، وحيث تزيد فرص تعرض الأفراد للأغذية غير المأمونة وما تحويه من أخطارٍ كيميائيةٍ وميكروبيةٍ وأخطارٍ أخرى تشكل تهديداتٍ بالغةٍ للصحة».
وترتبط بعض النتائج المهمة بالعدوى المعوية التي تسببها الفيروسات والبكتيريا والطفيليات التي تدخل الجسم عن طريق تناول الطعام الملوث. وتظهر النتائج أنه في عام 2010:
- أصيب 582 مليون فرد تقريبًا بحوالي 22 مرضًا من الأمراض المعوية المختلفة المنقولة عن طريق الأغذية، ووقعت 351 ألف حالة وفاة مرتبطة بهذه الأمراض.
- سجل الإقليم الإفريقي أعلى عبء للأمراض المعوية المنقولة عن طريق الأغذية، يليه إقليم جنوب شرق آسيا.
- أكثر من 40% من الناس، الذين يعانون من الأمراض المعوية التي تسببها الأغذية الملوثة، هم من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات.
ويمكن تعزيز الجهود المبذولة لمنع مثل هذه الأمراض من خلال تطوير نظم قوية لسلامة الأغذية تدفع باتجاه عمل حكومي وجماهيري عام للحماية من التلوث الكيميائي أو الميكروبي للغذاء.
وأكد الدكتور علاء الدين العلوان أن حكومات إقليم شرق المتوسط «قد قطعت على نفسها التزامًا بإنشاء نظمٍ لسلامة الأغذية تعمل على نحوٍ جيد، وبتشغيلها وبالحفاظ عليها. وعلى الرغم من ذلك فمازلنا نرى التفتت ونقص التمويل ونقص الموارد البشرية تشوب نظم سلامة الأغذية في بلدانٍ أخرى».
وأضاف المدير الإقليمي «أنه من بين الدول الأعضاء بالإقليم البالغ عددها 22 بلدًا، أفادت خمس دولٍ فقط بتلبيتها الكاملة لاشتراطات القدرات الأساسية الخاصة باللوائح الصحية الدولية فيما يتعلق بسلامة الأغذية».
يكفيني ما تم استقطاعه من حديث للمدير الإقليمي، وأتوجه إلى السادة في إدارة الصحة العامة بوزارة الصحة بالسؤال: كم طبقنا من أنظمة تحفظ سلامة الغذاء وبالتالي سلامة الإنسان؟
هل قمنا بتطبيق نظام (الهاسب)؟ وهو النظام الذي يطبق اليوم على نطاق العديد من دول العالم وحتى دول الخليج بدأت في ممارسته.
لا أعرف الكثير عما يجري في أروقة قسم مراقبة الغذاء، ولكن من خلال اللقاء الذي أجريته يوم الأربعاء الموافق 6 مايو 2015 في إذاعة البحرين أتضح أن هناك ثغرات كثيرة تحتاج إلى ترميم، فهل يمكن أن نلتفت إليها، ونلقي التبرير والتسويف جانبًا وأن نعمل من أجل الوطن والناس الذين يعيشون على أرض هذا الوطن؟
أتمنى ذلك.

الأحد، 24 مايو 2015

التربية بالخوف

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٤ مايو ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

التربية بالخوف، هي نوع من أنواع التربية التي يمارسها العديد من الآباء على أبنائهم، مثلها مثل التربية بالحب والتربية بالحوار والتفاهم وما إلى ذلك.
ببساطة التربية بالخوف هي نوع من أنواع التربية التي نمارسها على أبنائنا حتى يخافوا الله، ويخافوا من كل شيء، مثل: الموت، والسلطة الأبوية، والظلام، والمدرس، والاختبارات، وطبيب الأسنان، والإبرة وقائمة طويلة من الأمور التي ربما يكون عدد منها حق مثل الخوف من الله والخوف من الموت، ولكن الله لم يطالبنا قط أن نربي أنفسنا وأولادنا على الخوف منه، فهو أرحم من ذلك، فماذا يمكن أن يحدث لو ربينا أولادنا على حب الله والرغبة في الوصول إلى رضاه وجنته بدلاً من الخوف من غضبه وناره والموت وعذابه، وبقدر ما إن هذه الكلمات حق فإنها مؤلمة ومخيفة ومؤذية، فلا يصح أن نكررها أمام الأطفال بصورة دائمة، فأين الترغيب في رضوان الله ومحبته بدلاً من الترهيب من عذابه وناره؟ فالتربية -كما نعرفها- يجب أن تكون بين هذا وذلك. وللأسف فإن هناك أشخاصًا يتلذذون بهذه الكلمات وبهذه المشاعر وبمشاهدة الخوف يتراقص على ملامح الآخرين ويعتقدون أنهم بهذه الطريقة يقربونهم من الله.
يقول أحد الدعاة «قبل أكثر من سنة أتصل بي صديقي يخبرني عن أخٍ له يعاني من حالة اكتئاب شديد ويشعر بالخوف من الموت وصل به الحال إلى اعتزال الحياة»، ويستطرد ويقول «أكثر ما دفعني هذه الكلمات هو اتصال من أم تتألم مما وصل إليه حال طفلها الذي لم يتجاوز الثانية عشرة، فهو يعاني من وساوس قهرية، يتوضأ لفترة طويلة، يصلي وهو يبكي، وينام وهو يبكي، ويعيد الصلاة مرات، وعندما يعرض أفراد العائلة عليه المساعدة يخبرهم أنه يفضل أن يحسن وضوءه وصلاته هنا قبل أن يعرض على الله يوم القيامة».
هذه هي التربية بالخوف،،

وفي محاولة منا لمعرفة رأي الجمهور قمنا بتوزيع استبيان صغير لنستوضح بعض الآراء لبعض من شرائح المجتمع، بالإضافة إلى أنه كان من ضمن الأسئلة هذا السؤال: ما الذي تخاف أنت منه ؟ دعونا نقف مع هذا السؤال فقد أتت الكثير من الإجابات غير المتوقعة، وإن كنا في الحقيقة لا نريد أن نستعرض الكثير من تلك الإجابات ربما لأسباب خاصة.
قال بعض الرجال إنه يخاف زوجته، فهي شرسة.
يبدو أن العديد من النساء يخفن من الحشرات وخاصة الصراصير والزواحف والفئران، فهذه الكائنات -كما قالت إحداهن- تطيّر العقل.
من أحد الإجابات الظريفة قال أحدهم إني أخاف أن يظهر لي «دراكولا» في الأماكن المظلمة، وذلك بسبب أني ذهبت عدة مرات لمشاهدة أفلام الرعب، وخاصة أفلام دراكولا، لذلك مازلت أخاف من هذه الشخصية.
قال لي أحدهم، متصلا بالهاتف: إنه سقط مرتين أمام الجمهور أثناء رغبته في التحدث أمام الجمهور؛ وذلك بسبب الإعياء والإرهاق، فقد كان هو المسئول عن تنظيم تلك الفعاليات، ولكنه بعد ذلك كلما يأتي ليقف أمام الجمهور تراوده تلك المواقف فيخاف من الفشل لذلك يغير رأيه في اللحظات الأخيرة.
قال لي أحد المذيعين الذين قضوا عمرًا في العمل الإذاعي، إنه كلما جاء يتحدث أمام الميكروفون يتصبب عرقًا، لذلك فإنه حتى الآن يرفض تقديم البرامج التي تذاع على الهواء مباشرة.
حسنٌ، ولكن عندما تم سؤال كل هؤلاء الناس عن الأسباب التي أدت إلى تولد الخوف في نفوسهم من هذا الشيء الذي يخيفهم، قال بعضهم إنها التربية؛ حيث عاش العديد من الأفراد في بيئات تحيطها الكثير من الخرافات والأساطير، وخاصة التي حكيت لهم وهم أطفال مثل حكايات (أم الخضر والليف، باباي دريا، حمارة الكايلة.. إلخ).
بالإضافة إلى مشاهدة أفلام الرعب وخاصة أثناء مرحلة الطفولة والمراهقة، لذلك يعتقد الدكتور (Joanne Cantor)، مدير مركز أبحاث التواصل بجامعة (Wisconsin) أن مشاهدة الأطفال تحت سن 14عامًا للأفلام المخيفة قد تسبب لهم مخاوف اضطرابية مدى الحياة، يرجع هذا إلى أن الأطفال يتسمون بكونهم أكثر تأثرًا من غيرهم، ويصعب عليهم التفريق بين التهديد الحقيقي والخيال، ويعتقد هذا الدكتور أن مشكلة الرهاب التي يعاني منها البالغون هي نتاج تراكمي للتجارب المؤلمة التي مروا بها في الطفولة ومنها مشاهدة أفلام الرعب. وباختصار يمكن القول إن أفلام الرعب يمكن أن تسبب بعض التأثيرات النفسية، مثل:
1- قد يعاني كل من الأطفال والبالغين من قلق نفسي عند مشاهدة أفلام الرعب.
2- قد يعاني الشخص من أرق نتيجة مشاهدة أفلام الرعب، حيث من الممكن أن يواجه صعوبة في النوم أياما وربما شهورا، وذلك بسبب سيطرة مشاهد الرعب والشخصيات المرعبة على مخيلته.
3- قد يحتاج الشخص إلى مصباح لإضاءة غرفته ليلاً، وذلك بسبب خوفه من الظلام، كما أنه قد يخشى من النوم وحده، ومن الممكن أن يصاب بنوبات من الغثيان والصراخ والرجفة عند تذكره مشاهد الفيلم. وقد تراوده أفكار مخيفة كالموت أو فقدان القدرة على التحكم في الحياة.
4- قد يعاني الشخص من رهاب تجاه ما تم تجسيده في الفيلم كالخوف من الحيوانات، والحشرات، والنيران، والماء، والمرتفعات، والدم وربما الأماكن المغلقة.

ولكن العديد من الأشخاص الذين أجرينا معهم الاختبار البسيط لم يستطع تحديد الأسباب التي أدت به إلى نمو نوازع الخوف في نفسه.

في دراسة بعنوان «ثقافة الخوف والسلوك الفردي» للدكتورة رقية السيد طالب، تحاول أن تحدد الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى أمراض نوبات الخوف والهلع في الطفولة أو في فترة المراهقة أو السنين الأولى بعد البلوغ، وأشارت إلى أن الأسباب تتراوح بين الوراثة والعوامل الكيميائية الحيوية إضافة إلى الأسباب النفسية والاجتماعية، وقد لخصت أسباب المرض النفسي المؤدي إلى الخوف كما يلي:
1- الصراع، وينتج عن وجود حاجتين متعارضتين أو متبادلتين لا يمكن اشباعهما في وقت واحد، ما يؤدى إلى التوتر الانفعالي والخوف والقلق.
2- الإحباط، وهو حالة تعاق فيها الرغبات الأساسية أو المصالح الخاصة بالفرد.
3- الحرمان، وهو انعدام الفرصة لتحقيق الدوافع أو انتفائها بعد وجودها مثل الحرمان النفسي والحرمان البيئي.
4- الخبرات السيئة أو الصادمة، مثل موت عزيز أو مرض شديد أو مشاعر الخوف الداخلية من ممارسات محرمة وممنوعة مثل الجنس، ومشاعر الخوف الداخلية، هذه يتم نقلها وتحويلها إلى أشياء خارجة تصبح مصدر خطر للمريض، وبالتالي فإن رؤية هذه الأشياء الخارجية تؤدي إلى إثارة مشاعر الخوف والذعر الداخلية الكامنة في الإنسان.
5- الاضطرابات الأسرية، مثل الخلافات بين الزوجين أو الطلاق أو الانفصال.. إلخ.
6- الصدمة والأذى، وحسب هذه الفرضية فإن تعرض المريض لخبر أو حادثة مؤلمة وقاسية مع مصدر الهلع والخوف يؤدي إلى مشاعر خوف دفينة يتم خزنها في ذاكرة الفرد ومشاعره، وبالتالي فإن رؤية الشيء أو المكان الذي سبب الأخبار الأليمة والقاسية يثير مشاعر الخوف الدفينة هذه.
7- يظهر الخوف مصاحبًا لعدة أمراض مختلفة، ولذلك يجب عدم التسرع في تشخيص حالات الخوف، لأنها أحيانًا ما تخفي وراءها أمراضًا أخرى، كما أن استجابة الخوف هي إحدى الأعراض المهمة لمرضى القلق النفسي، وعادة ما تسمى (القلق الرهابي)، وأحيانًا ما تكون استجابة الخوف إحدى أعراض الهستيريا الانشقاقية، وخصوصًا في الشخصيات الهستيرية، وهنا يخدم الخوف المريض في الهروب من مواقف معينة، أو مواجهة إحدى الشدائد أو لجلب الاهتمام لذاته.
8- عندما يبدأ الخوف فجأة بعد سن الأربعين فيجب الشك في حالة اضطراب وجداني، مثل: ذهان المرح الاكتئابي أو اكتئاب سن توقف الطمث (السواد الارتدادي)، والذي كثيرًا ما يظهر أولاً في هيئة استجابة خوف.
9- وجود مرض عضوي في الجهاز العصبي، مثل: تصلب شرايين المخ، أو الحمى المخية، أو بعض اضطرابات الفص الصدغي في المخ، والذي أحيانًا يفجر الخوف في هيئة نوبات متكررة شبيهة بالنوبات الصرعية.
10- يظهر الخوف مرتبطًا بمرض الفصام، وخصوصًا النوع المعروف بفصام المراهقة باستجابات خوف غامضة وغريبة، ومعها بعض الشك والأعراض الخيلائية، ما يحتم وضع ذلك في الاعتبار.
11- يظهر الخوف كأحد الأعراض القهرية في مرض الوسواس القهري.

عمومًا، تظهر مثل هذه الدراسات والعديد من الدراسات الأخرى أن التربية بالخوف هي إحدى الأسباب الرئيسية التي تزرع هذه السلوكيات في النفس البشرية، فتبقى أزمنة طويلة وربما تقبر مع الإنسان، إلا إذا استطاع هذا الإنسان أن يستشعر خوفه ويقدم على ما يخاف عندئذ يمكنه أن يقهره، ولكن كيف يحدث ذلك؟ فهذا موضوعنا القادم.

السبت، 16 مايو 2015

المشروبات الغازية

Foto112

هل يشلّ الخوف العقل ؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٧ مايو ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

أوضحنا أن الخوف حالة نفسية وميل طبيعي موجود في أعماق النفس الإنسانية، وبغضّ النظر عن الخلاف الموجود بين علماء النفس القدامى والجدد حول تحديد طبيعة الخوف، هل هو غريزة أو هو ميل فطري أو حاجة طبيعية؟ فلسنا معنيين بهذا الخلاف أيًا كان وإلى أين وصل، إلا اننا نؤمن أن الخوف حالة طبيعية أودعها الله تعالى في نفس الإنسان، هو شيء مفيد لحياة الإنسان، ذلك لأنه لولا الشعور بالخوف لما فكر الإنسان في درء الأخطار عن نفسه، وفي حماية نفسه من الصعاب والمشاكل، وأخذ الضمانات والاحتياطات الكافية لسلامته.
فإن لم نخف من البرد والشتاء فكيف نستعد له، وإن لم نخف المرض فإننا سوف نهمل الوقاية تجاهه، إذن يمكن أن يكون الخوف حاجة إيجابية أودعها الله في نفس الإنسان، كي يحمي بها ذاته ويحافظ على سلامة وجوده.
ولكن إن تجاوز الخوف حده في نفس الإنسان، فإن ذلك سيكون له انعكاسات وتأثيرات سيئة على تفكير الإنسان وجسمه، فقد يصاب الإنسان بالارتباك، ويصبح عاجزًا عن اتخاذ قرار سليم، ويقدم نفسه نتيجة لذلك فريسة سهلة للأمر الذي تخوف منه. فلو – مثلاً – رأيت شخصًا ماشيًا في شارع تقطعه السيارات، وفجأة يجد نفسه أمام سيارة مسرعة، تقترب منه لتطحنه بعجلاتها، فماذا يمكن أن يحدث؟ هنا – ربما – يبلغ به الخوف حدًا مربكًا فيقدم رجلاً ويؤخر أخرى، فلا يدري أيتراجع أم يسرع إلى الأمام؟ لذلك يشير العلماء إلى أن هذا الشخص قد يقع في الخطر الذي كان يخشاه، نتيجة خوفه وارتباكه، بينما لو كان هادئ النفس لاستطاع اتخاذ قرار سريع بالرجوع، أو الركض، فينقذ نفسه من الخطر. وبناء على ذلك قسم العلماء الخوف إلى ثلاثة أقسام أو أشكال؛ فالأول: الخوف المستحب. والثاني: هو خوف ردة الفعل وهو الناتج عن شيء مخيف. والثالث: الخوف المرضي. لنلقي بصيصا من الضوء على هذه الأنواع.

أشكال وأنواع الخوف
1- الخوف المستحب: وهو من ذلك النوع الذي يذكره القرآن الكريم في سورة آل عمران – الآية 175 (إنما ذلكم الشيطان يخوف اولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين)، بمعنى هو الخوف المطلوب وهو خوف المؤمن من ربه.
2- خوف ردة الفعل: فهو الخوف الناتج عن ردود أفعال وقد يكون مبررا مثل ظهور حيوان مفترس أمامنا فجأة أو ظهور سيارة مسرعة تريد أن تدهسنا أو ظهور مدير الإدارة الأرعن فجأة من خلف الكواليس وبطريقة هوليودية، ولكن هذا النوع من الخوف قد يسبب لصاحبه الكثير من الأذى المباشر وغير المباشر، كما ان أذى هذا الخوف إما أن يكون في حينه، وإما أن يكون على المدى القريب، وإما أن يكون على المدى البعيد. وبأي حال فإن على الإنسان ألا يستهين بهذه النوعية من الخوف الذي يكون ناتجًا عن ردود، وخاصة إن كانت ناجمة عن المزاح أو ما شابه ذلك، كما يحدث في برامج الكاميرا الخفية لأنها قد تودي بحياة إنسان غافل.
3- الخوف المرضي: ويعتبر العديد من العلماء أن الخوف المرضي من الأمراض الفتاكة، وهو في داخل الإنسان المريض، ويرافقه طوال الوقت ولا يستطيع الفكاك منه، ليصبح إنسانًا مهزوزًا ضعيفًا يخاف مما لا يخيف الاطفال، كالخوف من أن يكون وحده، أو الخوف من الجلوس في المكان المعتم، أو الخوف من الخروج في الليل، أو الخوف من إنقاذ إنسان في خطر، أو الخوف من أن يغيث ملهوفًا، أو الخوف من تناول الطعام عند الآخرين، وبالمعنى المختصر الخوف من كل شيء، وقد يصاب بشحوب اللون إذا جرح جرحًا صغيرًا، أو وقع على الأرض مغميًا عليه.
ليس ذلك فحسب وإنما هذا النوع من الخوف «الخوف المرضي» يمكن أن يسبب الكثير من الأمراض العضوية كالسكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب، وكسل الغدد، والتسارع في نبضات القلب، بالإضافة إلى بعض من الامراض النفسية، مثل: التوتر، القلق، الهلوسة، انفصام الشخصية، الانطوائية، عدم الثقة بالنفس، التردد، الرعاش العصبي، وربما أكثر من ذلك، إذ قد ينعكس كل ذلك على الجوانب الروحية فيعتقد أن هذا الإنسان يكون – ربما – أصيب بمس شيطاني، وكذلك الوسواس القهري، وربما تغزوه الكوابيس في المنام لذلك يخاف أن ينام فيصاب بالأرق وبالتالي الاكتئاب والوسواس والوهم وما إلى ذلك.

وقد قسم العلماء «الخوف المرضي» إلى خمسة أقسام، وهي:
أ. القسم الأول: نوبات الذعر، وهي من النوبات التي تصيب الإنسان فجأة.
ب. القسم الثاني: الرعب الداخلي، وهو التوتر الناتج عن الخوف من المجهول.
ت. القسم الثالث: الخوف الشديد من المواجهة والمنازلة.
ث. القسم الرابع: الخوف من الماضي والحاضر والمستقبل.
ج. القسم الخامس: الخوف من الحالة الصحية ومن الموت.

ماذا يحدث في الجسم عندما نخاف؟
عندما نشعر بالخوف أو الفزع، فإن الخوف كحافز أو كفكرة يقوم بإرسال سيّالات للدماغ يقوم بتحليلها الدماغ فتنبه اللوزة الدماغية (غدة موجودة في المخ) التي تقوم بدورها بالعمل كمحفز للغدّة النخاميّة التي تفرز هرمونات تعطي الجسم أمرًا بإفراز الأدرينالين الذي يؤدي ارتفاع نسبته في الدم إلى عمل تغيرات داخلية بالجسم والمواد الكيميائية داخله تجعله مستعدا لإبداء ردة الفعل المناسبة أيًا ما كانت تلك الردود.

هل يمكن أن يجمد الخوف تفكيرنا؟
في الحقيقة فإن كل الدراسات التي رجعت إليها وكل المراجع تقول انه إذا سيطر عليك الخوف فإنه سيسري في أعصابك ويأمر الغدد بأن تتأهب للمواجهة، فتعمل تلك الغدد على إفراز «الهرمونات»، التي تعمل على تهييج العضلات وتدفعها إلى بذل مجهود خارق لمواجهة الخطر الداهم، وفي الكثير من الأحيان تكون ردود الأفعال عفوية ومن غير أن يتدخل المخ أو التفكير في ذلك.
كما تشير تلك المراجع الى أنه بعد انتهاء الموقف تجد الجسم في حالة من التعب والإجهاد كبيرين، لذلك نرى أن من يسيطر الخوف على تفكيرهم باستمرار يشتكون كثيرًا من التعب بدون سبب ظاهر، وذلك لأنهم يبذلون في السنة الواحدة مجهودًا عصبيًا وجسديًا ما كانوا ليبذلوه في أقل من خمس سنوات، وبالتالي يمكن أن تطرق الشيخوخة أبوابهم قبل أوانها المعهود.

والخلاصة: يمكننا أن نقول إن الخوف المفرط الذي يشل الفكر، ويرهق الجسم، ويمنع من التقدم، وتفجير الطاقات، هو المرض الذي تعاني منه الأكثرية الساحقة من الناس، إنهم يفرطون في خوفهم من كل شيء؛ من الفشل، التعب، الألم، السلطة، مراكز القوة، المستقبل، الموت .. إلخ. وللأسف فإن هذا الخوف هو المسؤول عن شل قدرات الكثيرين، وتجميد طاقاتهم وكفاءاتهم، وبالتالي فهو المسؤول عن قسط كبير من التخلف.
إن هذه الظاهرة المرضية الخطيرة المتفشية في المجتمع هي التي تفسح المجال للاستبداد. فالاستبداد حينما يرى الناس خائفين خاضعين، يزداد هو قوة في مقابلهم، والحال أن قوته ليست ذاتية، وإنما تأتي من خنوع الناس وضعفهم أمامه.
ولكن؛ ما الأسباب والجذور التي يتكون وينمو بسببها هذا المرض الفتاك (الخوف) المفرط في نفوس كثير من الناس؟ وهذا موضوع آخر.

تطوير الذات

Foto111

السبت، 9 مايو 2015

ما الخوف؟ وممّ نخاف؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٠ مايو ٢٠١٥

بقلم: الدكتور زكريا خنجي

كم مرة أتيحت لأحدنا فرصة أن يغير حياته ولكنه لم يستغلها؟ كم مرة تردد محاضر واهتزت ركبه وهو واقف أمام الملأ ليحاضرهم في موضوع ما؟ كم مرة وقفت امرأة أمام مجموعة من الصراصير في المطبخ وبدأت تصرخ وتطلب النجدة؟ كم مرة وقفنا أمام قبر مفتوح فارتعدت فرائصنا عندما تخيلنا اليوم الذي سنكون نحن من يوضع فيه؟ كم وكم؟

ما الذي يعنيه كل ذلك؟
في برنامج تدريبي حول موضوع «مهارات العرض والتقديم» نشير دائمًا للمتدربين إلى تلك الدراسة التي أجريت في أمريكا حول «أسوأ عشرة مخاوف في أمريكا» وكان الترتيب كالتالي:
أ‌. التحدث أمام الجمهور.
ب‌. الارتفاع.
ت‌. الحشرات.
ث‌. المشكلات المالية.
ج‌. الماء العميق.
ح‌. المرض.
خ‌. الموت.
د‌. الوحدة.
ذ‌. الطيران.
ر‌. الكلاب.
ترى ماذا يمكن أن تكون النتيجة لو أجرينا مثل هذه الدراسة في الوطن العربي، ربما أضفنا إليها عدة مخاوف أخرى، مثل: اتخاذ القرار، وإثبات الذات، وتغيير العمل، والشرطة والمخابرات، وحرية الكلام، والحروب، والمدير أو المسئول، وفقد حبيب بسبب أو بآخر، والسخرية من الفشل، والفصل من الوظيفة، وما إلى ذلك.

حسنٌ، لو طرحنا عليك الآن هذا السؤال، هل ستجيب بصدق: ما الذي تخاف منه؟ سواء من هذه القائمة أو من قائمة أخرى أنت تعرفها فقط؟ وعندما تحدد إجابتك بصدق، فهل يمكنك أن تحدد لماذا تخاف من مخاوفك؟
وقبل أن نسترسل في موضوع الخوف لنحاول استشفاف حقيقة الخوف من خلال تعريف بعض العلماء -من عدة تخصصات- له.

فالخوف في اللغة هو الفزع، خافه يخافه خوفًا وخيفة، قال القرطبي رحمه الله: «الخوف في كلام العرب: الذعر، وخاوفني فلان فخفته أي؛ كنت أشد خوفًا منه، والخوفاء: المفازة لا ماء بها، ويقال: ناقة خوفاء وهي الجرباء. قال الجرجاني: «الخوف: توقع حلول مكروه أو فوات محبوب». ويقال أيضًا خوّف الرجل رجلاً آخر، بمعنى جعل في قلبه الخوف والفزع، ونقول كذلك خوّف الرجل أي بمعنى جعل الناس يخافون منه».
ويقول بعض علماء النفس إن الخوف غريزة بشرية موجودة في نفس كل إنسان، فمن منّا لا يشعر بالخوف من أي أمر من أمور الحياة، وهو ليس من الأمور التي تعيب الإنسان؛ فالإنسان الشجاع الجسور ليس الذي لا يخاف من شيء، بل هو الذي يتصرف أمام الآخرين بعدم الخوف، بحيث لا تظهر عليه أي أعراض أو معالم للخوف.
ونحن كلنا نعلم أن كل البشر يشعرون بالخوف، فلكل منا أمر ما يخيفه ويثير الرعب في داخله، وللخوف درجات تتفاوت من شخص لآخر تبعًا لطبيعة كل شخص، فهناك من يخاف من أمور حقيقية وواقعية قد تؤذيه وتضره، وهنالك من الأشخاص ما نجدهم يخافون من أتفه الأمور، وقد نجد بعض الأشخاص يخافون من أشياء معينة يرسمونها في مخيلتهم ويعتقدون أنها حقيقية، وفي بعض الأحيان يصل الخوف إلى درجة يصبح فيها مرضا نفسيا وهنا تكمن خطورة الشعور بالخوف، كونه يسبب العديد من الأمراض العضوية والنفسية لمن يصاب به.
يقول الأستاذ الدكتور علاء عبدالباقي إبراهيم «الخوف بصفة عامة انفعال من أهم الانفعالات الفطرية يولد بها كل كائن حي للحفاظ على وجوده، فجميع الكائنات الحية تناضل من أجل البقاء، والخوف إشارة خطر بالغة الأهمية مؤادها: خذ حذرك، إن شيئًا ما على وشك أن يؤذيك، فإذا كنت تعتقد أنك من القوة بحيث تستطيع التغلب على هذا الشيء الذي يهددك، فاستعد للقتال والمواجهة، أما إذا كان التهديد الموجه إليك بالغ الشدة والقوة، فعليك بالاحتراز والفرار خوفًا على حياتك، ويمد الخوف المرء بالحافز الضروري لتعبئة طاقاته والتصرف بحذر وتروٍّ».

ويقسم العلماء الخوف نوعين، هما:
أ‌. الخوف الموضوعي: وهو الذي ينشأ نتيجة خطر حقيقي يهدد حياة الإنسان أو سلامته أو أقرب الناس إليه كأطفاله.
ب‌. خوف غير موضوعي أو ما يعرف بالرهاب أو الخوف المرضي: وهو الذي ينشأ عن مواقف لا تهدد الإنسان بأخطار حقيقية كالخوف من الظلام أو الخوف من الأماكن المغلقة أو المرتفعة.

والخوف -كما نعتقد- عبارة عن غريزة بشرية مرتبطة بالعقل تظهر في أعراض متعددة ولأسباب متعددة، وهو شعور فطري وطبيعي ولكنه قوي ومزعج تجاه الأخطار، ومن الجدير بالذكر: إما أن تكون هذه الأخطار حقيقية وإما خيالية تكمن في ذهن الإنسان فقط. ولكن يبقى الخوف هو العدو الأعظم للإنسان، فالخوف هو السبب وراء الفشل والمرض وخلل العلاقات الإنسانية.
إذن، يمكننا أن نقول إن الإنسان يخاف وهذا أمر طبيعي، ولكن من غير الحكمة أن يكون الخوف عقبة وحاجزًا أمام الإنسان، يمنعه من التقدم والاحتفاظ بالحرية والكرامة، فالقرآن -مثلاً- اعترف بواقعية الخوف لدى الإنسان، ولا يعتبره جريمة أو عيبًا في الأساس، وإنما الجريمة تكمن في سوء الاستفادة، وفي الإفراط في ممارسة الخوف، وأن يصبح الخوف عقبة في طريق تقدم الإنسان وكرامته وحريته. وقد ورد في القرآن الخوف على خمسة وجوه؛ وهي:

أ‌. بمعنى القتل والهزيمة «وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ» سورة النساء - الآية 83، «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ» سورة البقرة - الآية 155، أي: القتل.

ب‌. بمعنى الحرب والقتال «فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ» سورة الأحزاب - الآية 19 أي: إِذا انجلت الحرب، «فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ» سورة الأحزاب - الآية 19 أي: الحرب.

ت‌. بمعنى العلم والدّراية «فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً» سورة البقرة - الآية 182 أي: علم، «إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ» سورة البقرة - الآية 229 أي: يعلما، «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي اليتامى» سورة النساء - الآية 3 أي: علمتم.

ث‌. بمعنى النقص «أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ» سورة النحل - الآية 47 أي: تنقُّص.

ج‌. بمعنى الرُّعب والخشية من العذاب والعقوبة: «يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ» سورة السجدة - الآية 16.

ويبقى السؤال المطروح؛ هل بإمكان الإنسان أن يواجه هذا الخوف الفطري؟ هل بإمكانه أن يتجاوزه وأن يطرحه جانبًا؟ بل هل بإمكانه أن يحول الخوف إلى قوة يمكنه استخدامها في الإقدام على ما لم يكن يستطيع الإقدام عليه؟
ولنا لقاء آخر.

الاثنين، 4 مايو 2015

المضافات الغذائية - الصبغة الزرقاء البراقة (FCF) (E133)

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٥ مايو ٢٠١٥

الدكتور زكريا خنجي

الصبغة الزرقاء البراقة أف سي أف (E133)، أو الأزرق1، كما تعرف أيضًا بالعديد من الأسماء التجارية، وهي من الألوان التي تستخدم في تلوين الأغذية وبعض المواد الأخرى بهدف إضفاء بعض الألوان البراقة، ويرمز لها بحسب تصنيف حروف الاتحاد الأوروبي (E) بالرقم (E133). وتتميز الصبغة بأنها مسحوق ذات مظهر أزرق محمر، قابلة للذوبان في الماء. ومن المعروف أن هذه الصبغة تنتج صناعيًا باستخدام الهيدروكربونات العطرية من المنتجات البترولية، ويمكن أن تخلط فيما بينها وبين صبغة التارتازين (E102) لإنتاج بعض الصبغات ذات اللون الأخضر.
وعادة تستخدم هذه صبغة الزرقاء البراقة أف سي أف (E133) في الآيس كريم، ومعلبات البازلاء، والشوربة المعبأة، الملونات الغذائية المعبأة في زجاجات، منتجات توت العليق المنكهة، ومنتجات الألبان والحلويات، وبعض المشروبات، كما أنها تستخدم في تصنيع الصابون والشامبو وغسول الفم وغيرها من المستحضرات الصحية والتجميلية. وكذلك تستخدم علوم التربة، وذلك من خلال بعض التطبيقات الرائعة في تعقب الدراسات الخاصة بعمليات التصوير وتوزيع المياه وتسلسلها في التربة.
ووجد أن هذه الصبغة (E133) ليست ذات تأثيرات على التحورات الجينية، كما أنه ليس لها أي علاقة بالعمليات الأيضية في القناة الغذائية. إلا أنه في الوقت نفسه فإنه يوصى بعدم إضافتها لأغذية الأطفال مفرطي الحركة.
وفي المملكة المتحدة، وحتى عام 2008 كانت تستخدم صبغة (E133) في الشوكولاتة الملونة سمارتيز (Smarties)، إلا أنه تم استبدالها لاحقًا بصبغة سبيرولينا الطبيعي (spirulina). ومن المعروف أن الصبغة (E133) محظور استخدامها في ألمانيا، النمسا، بلجيكا، الدنمارك، فرنسا، اليونان، إيطاليا، إسبانيا، السويد، سويسرا وبعض دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، ولكن في الحقيقة لم يصدر قرار في دول الاتحاد الأوروبي بمنعها بصورة رسمية، لذلك فمازالت الصبغة (E133) معتمدة كمادة مضافة للغذاء آمنة في الاتحاد الأوروبي. ويعتقد أن هذه الصبغة (E133) يمكن أن تكون ذات قدرة على إحداث الحساسية في الأفراد الذين يعانون من الربو المعتدل.
وعندما كان العلماء – وخاصة العاملين في مجال تقليل التهاب النخاع الشوكي – يختبرون بعض المركبات لعلاج مثل هذه الالتهابات، وكانوا حينئذ يستخدمون مركب (OxATP) لمنع مستقبلات (ATP) في الخلايا العصبية الموجودة في العمود الفقري، ولكنهم لاحظوا أن مركب (OxATP) ذو آثار جانبية، ومع البحث وجدوا أن للصبغة (E133) عدة بدائل مماثلة، وقادهم هذا إلى صبغة ذات الصلة، وهي (الصبغة الزرقاء البراقة G) والمعروف أيضًا باسم
(Coomassie Brilliant Blue) الذي استخدم في الفئران مما أدى إلى تحسن التعافي من إصابة في النخاع الشوكي.

أما آن الأوان لنقل المطار إلى مكان آخر ؟

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٥ مايو ٢٠١٥

الدكتور زكريا خنجي

لا أعرف بالتحديد كم مساحة مطار البحرين الدولي، ولا أعرف بالضبط كم من الأدخنة تنفث من الطائرات التي تزور المطار ليل نهار، ولكن كل الذي أنا موقن منه، أنه يمكن الاستفادة من هذه المساحة وتحويلها إلى وحدات سكنية للمواطنين وبالتالي نتخلص من كميات ضخمة من الملوثات التي تدخل أجواء الوطن.
وقرأنا كثيرًا عن الخطط المستقبلية للتوسعة والتي من المفترض أن تنتهي – بحسب معلوماتي عام 2020 – على أن تشمل هذه التوسعة مرافق تسوق إضافية فضلاً عن زيادة مساحة أماكن تجهيز وتعبئة العفش والأمتعة لتصل إلى ضعف حجم المساحة الحالية وتحديد منطقة منفصلة لتسلم العفش مع واجهة جديدة مميزة، وسيضاف إلى المطار أيضًا مواقف متعددة الطوابق للسيارات بكلفة تصل إلى 70 مليون دولار أمريكي وهو المشروع الذي لا يعمل فقط على توفير مساحات إضافية لمواقف السيارات وإنما يعمل أيضًا على توفير مكاتب ومساحات خاصة ببيع التجزئة تكون موصولة مع المبنى الرئيسي.
كل هذا رائع، ورائعٌ جدًا، ولكننا نسأل إن كان يحق لنا السؤال، وهذا السؤال ليس مني فحسب وإنما كلمني العديد من الأشخاص حول هذا الموضوع، هل سيستمر المطار في مكانه؟ ألا يمكن إيجاد مكان آخر له خارج حدود الخريطة الأصلية للبحرين؟
بمعنى آخر، ألا يمكن إنشاء جزيرة صناعية ربما تبعد بضع كيلومترات عن الجزيرة الأم، وعليها يمكن إقامة المطار الجديد؟ على أن تنشأ الجزيرة مع وضع كل الاعتبارات البيئية.
وقد يقول قائل إن هذا يكلف الدولة ميزانيات مضاعفة، وذلك من أجل إنشاء الجزيرة أولاً والطرقات والشوارع وبعدها إقامة المطار بكل ما فيه، ونحن نقول إن ذلك صحيح ولكن في المقابل فإن ذلك سيوفر على الدولة مستقبلاً أمورا كثيرة ويخفف من أعباء وزارة الإسكان، حيث يمكنها أن تحول تلك الأرض القابع عليها المطار الحالي إلى مشروع إسكاني رائع، بالإضافة إلى أن إزالة المطار عن وسط المحرق يقلل من نسب الملوثات الغازية التي تنفث بصورة كبيرة منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي حتى اليوم، فماذا يمكن أن يحدث لو استمر المطار في مكان وبدأ يزحف على المناطق المحيطة التوسعة الجديدة؟
في الحقيقة أنا من الذين سمعوا أن هناك مخططا لإنشاء جزيرة صناعية لإقامة المطار عليها، ولكني حتى الآن لم أقرأ أي تصريح أو توضيح، ولا أعرف إن كانت فعلاً الحكومة تتجه هذا الاتجاه، ولكنى شخصيًا أبارك هذا التوجه إن كان من ضمن المخطط إنشاء جزيرة بمعايير بيئية صارمة بحيث لا يؤثر ذلك على أي بيئة بحرية، ولا على كائناتها الحية أيًا ما كانت تلك الكائنات.
عمومًا، أتمنى أن أرى المطار الجديد وفي أجمل صورة وقد يتم بناؤه وفق المعايير البيئية.

الأحد، 3 مايو 2015

غضبُنا.. كيف نتحكم فيه ؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٣ مايو ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

أن نغضب هذا أمر طبيعي، وربما أمر مطلوب في بعض الأحيان، ولكن أن ندع انفعالاتنا هي التي تتحكم فينا فهذا هو الأمر غير المحمود، لذلك حاول العلماء منذ قديم الزمان أن يضعوا إرشادات للتحكم في الغضب، علمًا أن جزءا كبيرا من هذه الإرشادات واقعي وعملي يمكن تنفيذه وجزء منها غير عملي وربما لا يخدم الإنسان عندما يريد أن يتحكم في غضبه.
ولقد وجدنا أنه ما بين الستينيات والسبعينيات اعتمدت النظريات التي تتعامل مع الغضب بمفهوم أساسي وهو ضرورة التعبير عن الغضب بطريقة ما أو بأخرى، سواء بضرب الوسادة انتهاءً بعلاج الصراخ (Scream therapy). وكان يتم علاج الصراخ بترك المريض في حجرة بمفرده يصرخ عدة ساعات. لكن اتضح أن هذه النوعية من العلاج قد يزيد من حدة الغضب وربما لا يعد العلاج المناسب منه أو التخفيف من حدته، كما أنه يسهل من تعرض الإنسان له في أي موقف من المواقف والسبب يرجع إلى أنه كلما تم تدريب المخ زادت كفاءته في عمل الوظيفة التي تدرب عليها.
كما أيدت أيضًا هذه النظريات العلاج بالبناء الإدراكي والعلاج الروحي، اللذين يعي فيهما الشخص أن إدراكه لنفسه وللآخرين هو إدراك خاطئ ويمكن إصلاحه عند ممارسة التخيلات والرياضات الروحانية مثل التأمل التي تقوي من مهاراته في التماس الأعذار لغيره، كما أنها تعطي له الفرصة بأن يتصرف بطريقة أكثر تعقلاً وهدوءًا.

علاج الغضب في العصر الحديث
في العصر الحديث ينصح علماء الطب النفسي الأشخاص الذين يتعرضون لنوبات الغضب بتمارين خاصة تؤدي إلى نتائج مذهلة، هذه التمارين تسبب استرخاء في الذهن يؤدي إلى انطفاء نار الغضب وإخماد الثورة العصبية، منها أن يعدّ الشخص من 1ـ 2ـ 3.. حتى 30 قبل أن ينطق بأي حرف، كما يوصي الطب الحديث كل من يتعرض للغضب الشديد والانفعالات النفسية بالاسترخاء قبل إطلاق العنان للجوارح واللسان، وهذه الحقيقة الطبية كان لها الأثر البالغ في الوقاية من أخطر الأزمات عندما يوفق المرء في تمالك نفسه عند الغضب.
ويقدم أطباء الطب النفسي بعض الاقتراحات والنصائح، التي يمكن أن تخفف من حدة الغضب والتي منها:
1- الابتعاد: وهذا يعني أن الإنسان الغاضب يجب أن يبتعد بسرعة عن المكان أو الإنسان الذي أثار غضبه، ويلجأ بسرعة إلى مكان هادئ لممارسة عمل جديد، وهذا بالضبط يقابله الأمر بالوضوء والاستلقاء أو الاضطجاع الذي ذكرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كحل عملي سريع لإذهاب الغضب.
2- الصرف: وهو عبارة عن تجاذب الأحاديث مع الأصدقاء والشكوى لهم مما يعانيه من الغضب والمشاكل لطلب المساعدة منهم مع صرف الغضب والعواطف السلبية الأخرى من أعماق النفس، وكذلك ما ذكرناه من العد من 1 - 30، ولعل هذا يقابله التعوذ بالله من الشيطان الرجيم والتزام الذكر.
3- التحول: يجب أن يخرج الإنسان الغاضب من الغرفة فور غضبه، ويذهب إلى الطبيعة أو يستمع إلى مقطوعة موسيقية أو آيات من القران الكريم ذلك لتحويل انتباهه النفسي إلى أشياء أخرى تخفف شدة غضبه وتخلصه من عواطفه السيئة بالتدريج.
4- تهذيب النفس: ويتضمن هذا الأسلوب ممارسة بعض الهوايات الشخصية الفنية كأداء الغناء أو التدرب على الخط أو عزف مقطوعة موسيقية بآلة موسيقية أو ممارسة أعمال أخرى لتخفيف حدة الغضب وطرد العواطف السلبية، وهذا يقابله بتعبير شرعي مجاهدة النفس كالجلوس والسكوت وصرف التفكير عن سبب المشكلة إلى صيانة النفس من الانفعالات وما يتبعها من تشويه للشكل والشخصية على حد سواء وازدراء الآخرين منه وبالتالي يتمكن من لجم نفسه المنفلتة وترويضها.
حسنٌ، ربما هذا ما جاء به الطب والعلم الحديث، فهل العلاجات النبوية قدمت أمور تختلف عن بعض من تلك العلاجات؟

الهدي النبوي والنصوص الواردة في علاج الغضب
1- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم: وهي أسهل وسيلة وأسرعها في علاج الغضب وكظمه، فعن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: كنت جالسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ورجلان يستبان، وأحدهما قد احمر وجهه، وانتفخت أوداجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ ذهب عنه ما يجد» فقالوا له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعوذ بالله من الشيطان الرجيم».
2- السكوت وعدم الانتصار للنفس: وهي وسيلة عظيمة لكنها تحتاج إلى شيء من المجاهدة الجسمانية ومراقبة الإنسان نفسه في حال الغضب ليستطيع تطبيقها، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «علموا، ويسروا ولا تعسروا، وإذا غضب أحدكم فليسكت». قال ابن رجب رحمه الله تعالى: «وهذا أيضًا دواء عظيم للغضب، لأن الغضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليه في حال زوال غضبه كثيرًا من السباب وغيره مما يعظم ضرره، فإذا سكت زال هذا الشر كله عنده، فهنيئًا لمن امتثل هذه الوصية وعمل بها ولا شك أنها وصية جامعة مانعة لجميع المسلمين».
3- تغيير الحالة التي هو عليها: فإن كان قائمًا فليغير مكانه أو حركته وذلك من أجل أن ينشغل بأمر آخر غير الغضب، ولقد ورد حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: «إذا غضب أحدكم، وهو قائم، فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع».
4- كظم الغيظ: وهذه تحتاج إلى مجاهدة وصبر، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الشديد بالصُّرَعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب».
5- الجوانب الإيمانية والروحانية: فإن ترك الغضب يؤدي للجنة، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة، قال: «لا تغضب ولك الجنة».

أما المنهج القرآني ففيه الكثير من الآيات التي تعالج ظاهرة الغضب الفتاكة، يقول تعالى في سورة الشورى - الآية 37 عن صفات المتقين الذين استجابوا لربهم: (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)، فالمغفرة هي أفضل علاج للغضب، والمغفرة هي العفو عن الشخص الذي أغضبنا وهذا يؤدي إلى رضوان الله.
ويدعو القرآن الكريم إلى العامل الإيجابي عند التعامل مع الغضب حينما يقول تعالي في سورة الرعد - الآيات 22 إلى 24 «وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ»، لاحظ إلى قوله تعالي «وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ»، وهذا يعني ادفع بالجانب والشعور الإيجابي وتسامح فإن ذلك أفضل طريقة لعلاج الانفعالات والغضب.
وفي سورة فصلت - الآية 34 يريدنا ربنا جل وعلا أن نحول مشاعرنا السلبية إلى مشاعر إيجابية، ليس ذلك فحسب وإنما يدعونا أن نحول العداوة إلى صداقة حينما يقول تعالى «وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ».
هذا التوجه القرآني هو ما يعرف اليوم بإدارة الغضب، والذي لا يعني التخفيف من حدة الأحاسيس، والتأثير النفسي الذي تحدثه مسببات الغضب فحسب وإنما تحويل كل هذه الانفعالات والطاقة السلبية إلى طاقة إيجابية يمكن الاستفادة منها بصور شتى، فلا يمكن للإنسان أن يتجنب الأشياء أو الأشخاص الذين يثيرون غضبه، أو أن يغير من المواقف التي تحدث أمامه في حياته، لكن بدلاً من ذلك عليه أن يتعلم كيف يتحكم في ردود فعله وتصرفاته.
ودائمًا نقول إنه من غير المسموح أن يتصرف الشخص بالطريقة التي تروقه للتنفيس عن غضبه، فهذه المنهجية ليس لها على أرض الواقع مكان إذ أنها خرافة خطيرة، حيث من الممكن أن تُستخدم كرخصة لإيذاء الآخرين، بل بالعكس يزيد ذلك من حدة السلوك العدواني ولن تُحل المشاكل إطلاقًا، وإنما من الأفضل البحث في مثيرات الغضب وتبنى خطط تجاهها للتعامل معها وتهدئة النفس بحيث لا يتفاقم الغضب أو يصل إلى درجة لا يمكن التراجع فيها عن العواقب.
وليس للحديث من بقية،،

الأحد، 26 أبريل 2015

لماذا «لا تغضب»؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٦ أبريل ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

من أشهر الأحاديث التي وردت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم قوله للأعرابي الذي جاءه يطلب وصيته قوله «لا تغضب»، ولم يقلها مرة وإنما كررها ثلاثًا.
ونحن بعد كل هذه السنوات نتساءل، لماذا كررها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة مرات؟ هل الدخول في حالة الغضب مشكلة يمكن أن تؤثر في النفس والعقل والجسم البشري؟ ماذا يقول العلم اليوم؟
عندما بدأت في جمع المعلومات لكتابة هذا الموضوع وجدت كما كبيرا من المعلومات العلمية والدراسات التي تتحدث عن هذا الموضوع، والتي تحاول أن تشرح - من الناحية العلمية - لماذا يجب ألا نغضب، ولكن يصعب من خلال هذا المقال أن نأتي بكل تلك الدراسات، وعليه قررت أن نستعرض بعضًا من كل.

بعض المعلومات العلمية
ثبت علميًا أن الغضب كصورة من صور الانفعال النفسي يؤثر على قلب الشخص الذي يغضب تأثير العدو أو الجري على القلب؛ فانفعال الغضب يزيد من عدد مرات انقباضات القلب في الدقيقة الواحدة فيضاعف بذلك كمية الدماء التي يدفعها القلب أو التي تخرج منه إلى الأوعية الدموية مع كل واحدة من هذه الانقباضات أو النبضات، وهذا بالتالي يجهد القلب لأنه يجبره على زيادة عمله عن معدلات العمل الذي يفترض أن يؤديه بصفة عادية أو ظروف معينة، ولكن من ناحية أخرى فإن العدو أو الجري في إجهاده للقلب لا يستمر طويلاً؛ لأن المرء يمكن أن يتوقف عن الجري إن هو أراد ذلك، أما في حالة الغضب فلا يستطيع الإنسان أن يسيطر على غضبه، ولا سيما إن كان قد اعتاد على عدم التحكم بمشاعره.
وقد لوحظ أن الإنسان الذي اعتاد على الغضب يصاب بارتفاع ضغط الدم ويزيد على معدله الطبيعي، حيث إن قلبه يضطر إلى أن يدفع كمية من الدماء الزائدة عن المعتاد المطلوب، كما أن شرايينه الدقيقة تتصلب جدرانها وتفقد مرونتها وقدرتها على الاتساع لكي تستطيع أن تمرر أو تسمح بمرور أو سريان تلك الكمية من الدماء الزائدة التي يضخها هذا القلب المنفعل، ولهذا يرتفع الضغط عند الغضب هذا بخلاف الآثار النفسية والاجتماعية التي تنجم عن الغضب في العلاقات بين الناس، والتي تقوّض من الترابط بين الناس.
ومما يجدر ذكره أن العلماء كانوا يعتقدون في الماضي أن الغضب الصريح ليس له أضرار وأن الغضب المكبوت فقط هو المسؤول عن كثير من الأمراض، ولكن دراسة أمريكية حديثة قدمت تفسيرًا جديدًا لتأثير هذين النوعين من الغضب مؤداه أن الكبت أو التعبير الصريح للغضب يؤديان إلى الأضرار الصحية نفسها وإن اختلفت حدتها.
ليس ذلك فحسب، وإنما تشير بعض الدراسات إلى أنه في حالة الكبت قد يصل الأمر عند التكرار إلى الإصابة بارتفاع ضغط الدم وأحيانًا إلى الإصابة بالسرطان، أما في حالة الغضب الصريح وتكراره فإنه يمكن أن يؤدي إلى الإضرار بشرايين القلب واحتمال الإصابة بأزمات قلبية قاتلة، لأن انفجار موجات الغضب قد يزيده اشتعالاً، ويصبح من الصعب التحكم بالانفعال مهما كان ضئيلاً.
فكما تشير تلك الدراسات إلى أن الحالة الجسمية للفرد لا تنفصل عن حالته النفسية مما يجعله يسري بسرعة إلى الأعضاء الحيوية في إفراز عصاراتها ووصول معدل إفراز إحدى هذه الغدد إلى حد سدّ الطريق أمام جهاز المناعة في الجسم وإعاقة حركة الأجسام المضادة المنطلقة من هذا الجهاز عن الوصول إلى أهدافها. والأخطر من ذلك كله أن بعض الأسلحة الفعالة التي يستخدمها الجسم للدفاع عن نفسه والمنطلقة من غدة حيوية تتعرض للضعف الشديد نتيجة لإصابة هذه الغدة بالتقلص عند حدوث أزمات نفسية خطيرة، وذلك يفسر احتمالات تحول الخلايا السليمة إلى سرطانية في غيبة النشاط الطبيعي لجهاز المناعة.
وتشير دراسة علمية حديثة إلى أن الغضب له تأثير على نظام القلب الكهربائي، قد تفضي إلى الموت المفاجئ، حيث توضح الدراسة أن الإحساس بالغضب الشديد خطر قد يهدد حياة من لهم قابلية للإصابة بمشاكل القلب ويعانون عدم انتظام نبضاته. فقد قامت د. راشيل لامبرت من جامعة «ييل» بولاية كونتيكت وفريق البحث بدراسة 62 مصابًا بأمراض القلب وآخرين زرعت لهم أجهزة متابعة لكهرباء القلب تستطيع رصد الاضطرابات الخطرة، وإعطاء صدمة كهربية لإعادة ضربات القلب إلى نمطها الطبيعي، في حالة عدم انتظامها.
وقام المرضى المشاركون في الدراسة بتذكر مشهد آثار غضبهم مؤخرًا، فيما عكف الباحثون على قياس عدم الاستقرار الكهربي في القلب. وقالت لامبرت «إن الفريق تعمد إثارة غضب المرضى، وقد وجدنا أن الغضب زاد من اضطراب كهرباء القلب لدى هؤلاء المرضى. والذين تعرضوا لأعلى مستوى من الاضطراب في كهرباء القلب جراء الغضب، ارتفعت احتمالات إصابتهم بعدم انتظام نبضات القلب، أثناء فترة المتابعة، بعشرة أضعاف ما أصاب الآخرين». وتابع العلماء المرضى ثلاثة أعوام لتحديد أي منهم تعرض لاحقًا لسكتة قلبية واحتاج إلى صدمة من أجهزة متابعة نظام كهرباء القلب.
تبين دراسة قامت بها الدكتورة «آنا مارشلاند» من جامعة بيتسبره الأمريكية أن ذوي المعدلات العالية من التنبه العصبي (نيوروتيسيزم) قد لا يتمتعون بجهاز مناعة قوي بما فيه الكفاية، وذلك بعد فحص ردود فعل أكثر من ثمانين متطوعًا حقنوا بلقاح لمعالجة مرض التهاب الكبد الوبائي الفيروسي، واللقاح ينشّط جهاز المناعة في الجسم من خلال تعريضه لكمية صغيرة جدًا من الفيروس، كما أدخل المتطوعون في اختبار لقياس طبيعة شخصياتهم ودرجة تنبهها العصبي.
تبين للعلماء أن من لديهم درجات عالية من التنبه العصبي يميلون إلى التقلبات المزاجية الشديدة، وإلى التعصب الكثير، كما تسهل استثارتهم وتعريضهم للضغط والاضطراب النفسي والإجهاد العصبي. وظهر أن المتطوعين من ذوي التنبه العصبي العالي يميلون أيضًا إلى تسجيل استجابات أقل من حيث جودة الأداء للقاح مرض التهاب الكبد الوبائي مقارنة بنظرائهم الذين لهم معدلات طبيعية من التنبه العصبي، وتقول الدكتورة مارشلاند إن نتائج الدراسة تدعم الفكرة القائلة: إن ذوي التنبه العصبي العالي يتمتعون بجهاز مناعة أقل كفاءة من غيرهم، مما يعرضهم أكثر من غيرهم للأمراض وأعراضها.
وخلصت دراسة أخرى إلى أن المراهقين الذين يعانون من مشكلات في التحكم بغضبهم يكونون أكثر عرضة لزيادة الوزن، وقال العلماء في الاجتماع السنوي لجمعية القلب الأمريكية في سان فرانسيسكو إن المراهقين الذي يكتمون شعورهم بالغضب يتعرضون لخطر السمنة أو زيادة الوزن، وهو ما قد يؤدي إلى تعرضهم لأمراض مثل مرض القلب أو السكري.
وقام أطباء من مركز علوم القلب في جامعة تكساس بدراسة 160 مراهقا تتراوح أعمارهم ما بين 14 و 17 عامًا على مدى ثلاث سنوات. واستخدم الأطباء اختبارات نفسية لمعرفة كيفية استجابتهم للغضب. ووجد الأطباء أن المراهقين الذين يمكنهم التحكم بغضبهم والتصرف بشكل مناسب عند الغضب يكونون أقل عرضة لزيادة الوزن، أما من يعانون من مشكلات في التعامل مع الغضب سواء بكبت مشاعرهم أو فقدان أعصابهم فهم الأكثر عرضة لزيادة الوزن.
يقول البروفيسور «ويليام مولر» الذي قاد فريق البحث في الدراسة: ترتبط السمنة بالطرق غير الصحية في التعبير عن الغضب، فمشكلات التعبير عن الغضب يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات في الأكل وزيادة الوزن، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى الإصابة بمرض القلب في سن مبكرة، إن الأمر لا يقتصر فقط على مجرد الأكل والتمرينات، ولكن يجب علينا أن ننتبه إلى الجانب الاجتماعي.
ودراسات أخرى وجدت أن الغضب يزيد الضغط النفسي ذلك بسبب من نفوذية الشعيرات الدموية في المخ الذي يسمح بمرور الكثير من المواد الكيماوية إلى داخله مسببًا أعراضًا لا تحدث إلا بنفاذها مثل الصداع والغثيان والدوخة.
وكذلك أشارت بعض الدراسات الأخرى إلى أن تكرار حدوث الانفعالات النفسية غير السارّة بسبب الغضب يؤدي إلى تعطيل وظائف جهاز الهضم مثل سوء الهضم وخلل في إفراز العصارة المعدية التي تعمل على تسهيل عملية الهضم، بل تؤدي أحيانًا إلى تلف أنسجة الجسم كما هو الحال في القرحة الهضمية مثل قرحة المعدة وقرحة الإثني عشر والتهاب القولون.
وهذا غيض من فيض،
لذلك فقد صدق رسول الله الله صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق الأمين - حينما قال «لا تغضب» وذلك من أجل كل تلك المشاكل الصحية، ولكن قد يقول قائل، كيف لي ألا أغضب وكل ما حولي يقودني إلى الغضب؟
وهذا حديث آخر، نتحدث فيه الأسبوع القادم إن شاء الله.