الأحد، 24 مايو 2015

التربية بالخوف

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٤ مايو ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

التربية بالخوف، هي نوع من أنواع التربية التي يمارسها العديد من الآباء على أبنائهم، مثلها مثل التربية بالحب والتربية بالحوار والتفاهم وما إلى ذلك.
ببساطة التربية بالخوف هي نوع من أنواع التربية التي نمارسها على أبنائنا حتى يخافوا الله، ويخافوا من كل شيء، مثل: الموت، والسلطة الأبوية، والظلام، والمدرس، والاختبارات، وطبيب الأسنان، والإبرة وقائمة طويلة من الأمور التي ربما يكون عدد منها حق مثل الخوف من الله والخوف من الموت، ولكن الله لم يطالبنا قط أن نربي أنفسنا وأولادنا على الخوف منه، فهو أرحم من ذلك، فماذا يمكن أن يحدث لو ربينا أولادنا على حب الله والرغبة في الوصول إلى رضاه وجنته بدلاً من الخوف من غضبه وناره والموت وعذابه، وبقدر ما إن هذه الكلمات حق فإنها مؤلمة ومخيفة ومؤذية، فلا يصح أن نكررها أمام الأطفال بصورة دائمة، فأين الترغيب في رضوان الله ومحبته بدلاً من الترهيب من عذابه وناره؟ فالتربية -كما نعرفها- يجب أن تكون بين هذا وذلك. وللأسف فإن هناك أشخاصًا يتلذذون بهذه الكلمات وبهذه المشاعر وبمشاهدة الخوف يتراقص على ملامح الآخرين ويعتقدون أنهم بهذه الطريقة يقربونهم من الله.
يقول أحد الدعاة «قبل أكثر من سنة أتصل بي صديقي يخبرني عن أخٍ له يعاني من حالة اكتئاب شديد ويشعر بالخوف من الموت وصل به الحال إلى اعتزال الحياة»، ويستطرد ويقول «أكثر ما دفعني هذه الكلمات هو اتصال من أم تتألم مما وصل إليه حال طفلها الذي لم يتجاوز الثانية عشرة، فهو يعاني من وساوس قهرية، يتوضأ لفترة طويلة، يصلي وهو يبكي، وينام وهو يبكي، ويعيد الصلاة مرات، وعندما يعرض أفراد العائلة عليه المساعدة يخبرهم أنه يفضل أن يحسن وضوءه وصلاته هنا قبل أن يعرض على الله يوم القيامة».
هذه هي التربية بالخوف،،

وفي محاولة منا لمعرفة رأي الجمهور قمنا بتوزيع استبيان صغير لنستوضح بعض الآراء لبعض من شرائح المجتمع، بالإضافة إلى أنه كان من ضمن الأسئلة هذا السؤال: ما الذي تخاف أنت منه ؟ دعونا نقف مع هذا السؤال فقد أتت الكثير من الإجابات غير المتوقعة، وإن كنا في الحقيقة لا نريد أن نستعرض الكثير من تلك الإجابات ربما لأسباب خاصة.
قال بعض الرجال إنه يخاف زوجته، فهي شرسة.
يبدو أن العديد من النساء يخفن من الحشرات وخاصة الصراصير والزواحف والفئران، فهذه الكائنات -كما قالت إحداهن- تطيّر العقل.
من أحد الإجابات الظريفة قال أحدهم إني أخاف أن يظهر لي «دراكولا» في الأماكن المظلمة، وذلك بسبب أني ذهبت عدة مرات لمشاهدة أفلام الرعب، وخاصة أفلام دراكولا، لذلك مازلت أخاف من هذه الشخصية.
قال لي أحدهم، متصلا بالهاتف: إنه سقط مرتين أمام الجمهور أثناء رغبته في التحدث أمام الجمهور؛ وذلك بسبب الإعياء والإرهاق، فقد كان هو المسئول عن تنظيم تلك الفعاليات، ولكنه بعد ذلك كلما يأتي ليقف أمام الجمهور تراوده تلك المواقف فيخاف من الفشل لذلك يغير رأيه في اللحظات الأخيرة.
قال لي أحد المذيعين الذين قضوا عمرًا في العمل الإذاعي، إنه كلما جاء يتحدث أمام الميكروفون يتصبب عرقًا، لذلك فإنه حتى الآن يرفض تقديم البرامج التي تذاع على الهواء مباشرة.
حسنٌ، ولكن عندما تم سؤال كل هؤلاء الناس عن الأسباب التي أدت إلى تولد الخوف في نفوسهم من هذا الشيء الذي يخيفهم، قال بعضهم إنها التربية؛ حيث عاش العديد من الأفراد في بيئات تحيطها الكثير من الخرافات والأساطير، وخاصة التي حكيت لهم وهم أطفال مثل حكايات (أم الخضر والليف، باباي دريا، حمارة الكايلة.. إلخ).
بالإضافة إلى مشاهدة أفلام الرعب وخاصة أثناء مرحلة الطفولة والمراهقة، لذلك يعتقد الدكتور (Joanne Cantor)، مدير مركز أبحاث التواصل بجامعة (Wisconsin) أن مشاهدة الأطفال تحت سن 14عامًا للأفلام المخيفة قد تسبب لهم مخاوف اضطرابية مدى الحياة، يرجع هذا إلى أن الأطفال يتسمون بكونهم أكثر تأثرًا من غيرهم، ويصعب عليهم التفريق بين التهديد الحقيقي والخيال، ويعتقد هذا الدكتور أن مشكلة الرهاب التي يعاني منها البالغون هي نتاج تراكمي للتجارب المؤلمة التي مروا بها في الطفولة ومنها مشاهدة أفلام الرعب. وباختصار يمكن القول إن أفلام الرعب يمكن أن تسبب بعض التأثيرات النفسية، مثل:
1- قد يعاني كل من الأطفال والبالغين من قلق نفسي عند مشاهدة أفلام الرعب.
2- قد يعاني الشخص من أرق نتيجة مشاهدة أفلام الرعب، حيث من الممكن أن يواجه صعوبة في النوم أياما وربما شهورا، وذلك بسبب سيطرة مشاهد الرعب والشخصيات المرعبة على مخيلته.
3- قد يحتاج الشخص إلى مصباح لإضاءة غرفته ليلاً، وذلك بسبب خوفه من الظلام، كما أنه قد يخشى من النوم وحده، ومن الممكن أن يصاب بنوبات من الغثيان والصراخ والرجفة عند تذكره مشاهد الفيلم. وقد تراوده أفكار مخيفة كالموت أو فقدان القدرة على التحكم في الحياة.
4- قد يعاني الشخص من رهاب تجاه ما تم تجسيده في الفيلم كالخوف من الحيوانات، والحشرات، والنيران، والماء، والمرتفعات، والدم وربما الأماكن المغلقة.

ولكن العديد من الأشخاص الذين أجرينا معهم الاختبار البسيط لم يستطع تحديد الأسباب التي أدت به إلى نمو نوازع الخوف في نفسه.

في دراسة بعنوان «ثقافة الخوف والسلوك الفردي» للدكتورة رقية السيد طالب، تحاول أن تحدد الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى أمراض نوبات الخوف والهلع في الطفولة أو في فترة المراهقة أو السنين الأولى بعد البلوغ، وأشارت إلى أن الأسباب تتراوح بين الوراثة والعوامل الكيميائية الحيوية إضافة إلى الأسباب النفسية والاجتماعية، وقد لخصت أسباب المرض النفسي المؤدي إلى الخوف كما يلي:
1- الصراع، وينتج عن وجود حاجتين متعارضتين أو متبادلتين لا يمكن اشباعهما في وقت واحد، ما يؤدى إلى التوتر الانفعالي والخوف والقلق.
2- الإحباط، وهو حالة تعاق فيها الرغبات الأساسية أو المصالح الخاصة بالفرد.
3- الحرمان، وهو انعدام الفرصة لتحقيق الدوافع أو انتفائها بعد وجودها مثل الحرمان النفسي والحرمان البيئي.
4- الخبرات السيئة أو الصادمة، مثل موت عزيز أو مرض شديد أو مشاعر الخوف الداخلية من ممارسات محرمة وممنوعة مثل الجنس، ومشاعر الخوف الداخلية، هذه يتم نقلها وتحويلها إلى أشياء خارجة تصبح مصدر خطر للمريض، وبالتالي فإن رؤية هذه الأشياء الخارجية تؤدي إلى إثارة مشاعر الخوف والذعر الداخلية الكامنة في الإنسان.
5- الاضطرابات الأسرية، مثل الخلافات بين الزوجين أو الطلاق أو الانفصال.. إلخ.
6- الصدمة والأذى، وحسب هذه الفرضية فإن تعرض المريض لخبر أو حادثة مؤلمة وقاسية مع مصدر الهلع والخوف يؤدي إلى مشاعر خوف دفينة يتم خزنها في ذاكرة الفرد ومشاعره، وبالتالي فإن رؤية الشيء أو المكان الذي سبب الأخبار الأليمة والقاسية يثير مشاعر الخوف الدفينة هذه.
7- يظهر الخوف مصاحبًا لعدة أمراض مختلفة، ولذلك يجب عدم التسرع في تشخيص حالات الخوف، لأنها أحيانًا ما تخفي وراءها أمراضًا أخرى، كما أن استجابة الخوف هي إحدى الأعراض المهمة لمرضى القلق النفسي، وعادة ما تسمى (القلق الرهابي)، وأحيانًا ما تكون استجابة الخوف إحدى أعراض الهستيريا الانشقاقية، وخصوصًا في الشخصيات الهستيرية، وهنا يخدم الخوف المريض في الهروب من مواقف معينة، أو مواجهة إحدى الشدائد أو لجلب الاهتمام لذاته.
8- عندما يبدأ الخوف فجأة بعد سن الأربعين فيجب الشك في حالة اضطراب وجداني، مثل: ذهان المرح الاكتئابي أو اكتئاب سن توقف الطمث (السواد الارتدادي)، والذي كثيرًا ما يظهر أولاً في هيئة استجابة خوف.
9- وجود مرض عضوي في الجهاز العصبي، مثل: تصلب شرايين المخ، أو الحمى المخية، أو بعض اضطرابات الفص الصدغي في المخ، والذي أحيانًا يفجر الخوف في هيئة نوبات متكررة شبيهة بالنوبات الصرعية.
10- يظهر الخوف مرتبطًا بمرض الفصام، وخصوصًا النوع المعروف بفصام المراهقة باستجابات خوف غامضة وغريبة، ومعها بعض الشك والأعراض الخيلائية، ما يحتم وضع ذلك في الاعتبار.
11- يظهر الخوف كأحد الأعراض القهرية في مرض الوسواس القهري.

عمومًا، تظهر مثل هذه الدراسات والعديد من الدراسات الأخرى أن التربية بالخوف هي إحدى الأسباب الرئيسية التي تزرع هذه السلوكيات في النفس البشرية، فتبقى أزمنة طويلة وربما تقبر مع الإنسان، إلا إذا استطاع هذا الإنسان أن يستشعر خوفه ويقدم على ما يخاف عندئذ يمكنه أن يقهره، ولكن كيف يحدث ذلك؟ فهذا موضوعنا القادم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق