الأحد، 3 مايو 2015

غضبُنا.. كيف نتحكم فيه ؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٣ مايو ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

أن نغضب هذا أمر طبيعي، وربما أمر مطلوب في بعض الأحيان، ولكن أن ندع انفعالاتنا هي التي تتحكم فينا فهذا هو الأمر غير المحمود، لذلك حاول العلماء منذ قديم الزمان أن يضعوا إرشادات للتحكم في الغضب، علمًا أن جزءا كبيرا من هذه الإرشادات واقعي وعملي يمكن تنفيذه وجزء منها غير عملي وربما لا يخدم الإنسان عندما يريد أن يتحكم في غضبه.
ولقد وجدنا أنه ما بين الستينيات والسبعينيات اعتمدت النظريات التي تتعامل مع الغضب بمفهوم أساسي وهو ضرورة التعبير عن الغضب بطريقة ما أو بأخرى، سواء بضرب الوسادة انتهاءً بعلاج الصراخ (Scream therapy). وكان يتم علاج الصراخ بترك المريض في حجرة بمفرده يصرخ عدة ساعات. لكن اتضح أن هذه النوعية من العلاج قد يزيد من حدة الغضب وربما لا يعد العلاج المناسب منه أو التخفيف من حدته، كما أنه يسهل من تعرض الإنسان له في أي موقف من المواقف والسبب يرجع إلى أنه كلما تم تدريب المخ زادت كفاءته في عمل الوظيفة التي تدرب عليها.
كما أيدت أيضًا هذه النظريات العلاج بالبناء الإدراكي والعلاج الروحي، اللذين يعي فيهما الشخص أن إدراكه لنفسه وللآخرين هو إدراك خاطئ ويمكن إصلاحه عند ممارسة التخيلات والرياضات الروحانية مثل التأمل التي تقوي من مهاراته في التماس الأعذار لغيره، كما أنها تعطي له الفرصة بأن يتصرف بطريقة أكثر تعقلاً وهدوءًا.

علاج الغضب في العصر الحديث
في العصر الحديث ينصح علماء الطب النفسي الأشخاص الذين يتعرضون لنوبات الغضب بتمارين خاصة تؤدي إلى نتائج مذهلة، هذه التمارين تسبب استرخاء في الذهن يؤدي إلى انطفاء نار الغضب وإخماد الثورة العصبية، منها أن يعدّ الشخص من 1ـ 2ـ 3.. حتى 30 قبل أن ينطق بأي حرف، كما يوصي الطب الحديث كل من يتعرض للغضب الشديد والانفعالات النفسية بالاسترخاء قبل إطلاق العنان للجوارح واللسان، وهذه الحقيقة الطبية كان لها الأثر البالغ في الوقاية من أخطر الأزمات عندما يوفق المرء في تمالك نفسه عند الغضب.
ويقدم أطباء الطب النفسي بعض الاقتراحات والنصائح، التي يمكن أن تخفف من حدة الغضب والتي منها:
1- الابتعاد: وهذا يعني أن الإنسان الغاضب يجب أن يبتعد بسرعة عن المكان أو الإنسان الذي أثار غضبه، ويلجأ بسرعة إلى مكان هادئ لممارسة عمل جديد، وهذا بالضبط يقابله الأمر بالوضوء والاستلقاء أو الاضطجاع الذي ذكرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كحل عملي سريع لإذهاب الغضب.
2- الصرف: وهو عبارة عن تجاذب الأحاديث مع الأصدقاء والشكوى لهم مما يعانيه من الغضب والمشاكل لطلب المساعدة منهم مع صرف الغضب والعواطف السلبية الأخرى من أعماق النفس، وكذلك ما ذكرناه من العد من 1 - 30، ولعل هذا يقابله التعوذ بالله من الشيطان الرجيم والتزام الذكر.
3- التحول: يجب أن يخرج الإنسان الغاضب من الغرفة فور غضبه، ويذهب إلى الطبيعة أو يستمع إلى مقطوعة موسيقية أو آيات من القران الكريم ذلك لتحويل انتباهه النفسي إلى أشياء أخرى تخفف شدة غضبه وتخلصه من عواطفه السيئة بالتدريج.
4- تهذيب النفس: ويتضمن هذا الأسلوب ممارسة بعض الهوايات الشخصية الفنية كأداء الغناء أو التدرب على الخط أو عزف مقطوعة موسيقية بآلة موسيقية أو ممارسة أعمال أخرى لتخفيف حدة الغضب وطرد العواطف السلبية، وهذا يقابله بتعبير شرعي مجاهدة النفس كالجلوس والسكوت وصرف التفكير عن سبب المشكلة إلى صيانة النفس من الانفعالات وما يتبعها من تشويه للشكل والشخصية على حد سواء وازدراء الآخرين منه وبالتالي يتمكن من لجم نفسه المنفلتة وترويضها.
حسنٌ، ربما هذا ما جاء به الطب والعلم الحديث، فهل العلاجات النبوية قدمت أمور تختلف عن بعض من تلك العلاجات؟

الهدي النبوي والنصوص الواردة في علاج الغضب
1- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم: وهي أسهل وسيلة وأسرعها في علاج الغضب وكظمه، فعن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: كنت جالسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ورجلان يستبان، وأحدهما قد احمر وجهه، وانتفخت أوداجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ ذهب عنه ما يجد» فقالوا له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعوذ بالله من الشيطان الرجيم».
2- السكوت وعدم الانتصار للنفس: وهي وسيلة عظيمة لكنها تحتاج إلى شيء من المجاهدة الجسمانية ومراقبة الإنسان نفسه في حال الغضب ليستطيع تطبيقها، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «علموا، ويسروا ولا تعسروا، وإذا غضب أحدكم فليسكت». قال ابن رجب رحمه الله تعالى: «وهذا أيضًا دواء عظيم للغضب، لأن الغضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليه في حال زوال غضبه كثيرًا من السباب وغيره مما يعظم ضرره، فإذا سكت زال هذا الشر كله عنده، فهنيئًا لمن امتثل هذه الوصية وعمل بها ولا شك أنها وصية جامعة مانعة لجميع المسلمين».
3- تغيير الحالة التي هو عليها: فإن كان قائمًا فليغير مكانه أو حركته وذلك من أجل أن ينشغل بأمر آخر غير الغضب، ولقد ورد حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: «إذا غضب أحدكم، وهو قائم، فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع».
4- كظم الغيظ: وهذه تحتاج إلى مجاهدة وصبر، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الشديد بالصُّرَعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب».
5- الجوانب الإيمانية والروحانية: فإن ترك الغضب يؤدي للجنة، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة، قال: «لا تغضب ولك الجنة».

أما المنهج القرآني ففيه الكثير من الآيات التي تعالج ظاهرة الغضب الفتاكة، يقول تعالى في سورة الشورى - الآية 37 عن صفات المتقين الذين استجابوا لربهم: (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)، فالمغفرة هي أفضل علاج للغضب، والمغفرة هي العفو عن الشخص الذي أغضبنا وهذا يؤدي إلى رضوان الله.
ويدعو القرآن الكريم إلى العامل الإيجابي عند التعامل مع الغضب حينما يقول تعالي في سورة الرعد - الآيات 22 إلى 24 «وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ»، لاحظ إلى قوله تعالي «وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ»، وهذا يعني ادفع بالجانب والشعور الإيجابي وتسامح فإن ذلك أفضل طريقة لعلاج الانفعالات والغضب.
وفي سورة فصلت - الآية 34 يريدنا ربنا جل وعلا أن نحول مشاعرنا السلبية إلى مشاعر إيجابية، ليس ذلك فحسب وإنما يدعونا أن نحول العداوة إلى صداقة حينما يقول تعالى «وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ».
هذا التوجه القرآني هو ما يعرف اليوم بإدارة الغضب، والذي لا يعني التخفيف من حدة الأحاسيس، والتأثير النفسي الذي تحدثه مسببات الغضب فحسب وإنما تحويل كل هذه الانفعالات والطاقة السلبية إلى طاقة إيجابية يمكن الاستفادة منها بصور شتى، فلا يمكن للإنسان أن يتجنب الأشياء أو الأشخاص الذين يثيرون غضبه، أو أن يغير من المواقف التي تحدث أمامه في حياته، لكن بدلاً من ذلك عليه أن يتعلم كيف يتحكم في ردود فعله وتصرفاته.
ودائمًا نقول إنه من غير المسموح أن يتصرف الشخص بالطريقة التي تروقه للتنفيس عن غضبه، فهذه المنهجية ليس لها على أرض الواقع مكان إذ أنها خرافة خطيرة، حيث من الممكن أن تُستخدم كرخصة لإيذاء الآخرين، بل بالعكس يزيد ذلك من حدة السلوك العدواني ولن تُحل المشاكل إطلاقًا، وإنما من الأفضل البحث في مثيرات الغضب وتبنى خطط تجاهها للتعامل معها وتهدئة النفس بحيث لا يتفاقم الغضب أو يصل إلى درجة لا يمكن التراجع فيها عن العواقب.
وليس للحديث من بقية،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق