الثلاثاء، 29 أبريل 2014

إلى المهتمين بالبيئة .. مع التحية (الباص البيئي)

 

تم النشر في جريدة أخبار الخليج بتاريخ 25 يناير 1994

بقلم الدكتور زكريا خنجي

هذا اقتراح نقدمه للجهات الرسمية ذات العلاقة بالبيئة، خاصة ونحن من الدول التي ليس فيها جمعيات أهلية تعني بأمر هذا القطاع من المعرفة، كما وأننا لا نعرف على وجه الدقة ما الجهة التي ينبغي أن نحدثها بطريقة مباشرة، وذلك لأسباب عدة لا نريد الخوض فيها الآن.

عمومًا، اقتراحنا ينحصر في كلمتين (الباص البيئي)، ولكن ماذا تعني هذا الجملة ؟

كثيرًا ما تشتكي الجهات الرسمية بأن التوعية البيئية لا تؤتي ثمارها، وذلك بسبب عزوف الجماهير عن الحضور إلى الندوات والمنتديات البيئية، أو تهربهم من مشاهدة البرامج التلفزيونية ذات العلاقة بالبيئة، فتذهب جهود العاملين أدراج الرياح، فتنقضي سنوات وسنوات من غير أن نتقدم إلى الأمام خطوة. وهذه الشكوى على الرغم من صحتها إلا أنها تفتقد منطق الموازنة في توزيع الاتهام، فإن كانت الجماهير – والتي نحن منها – مقصرة فإننا من جهة أخرى كمهتمين بأمر البيئة نحمل العبء أو بالأحرى الاتهام الأكبر في ذلك. وهذه النقطة لا نريد أن نناقشها الآن.

حسنٌ، إن كانت الجماهير تعزف عن الحضور للمنتديات والندوات أو تتهرب من مشاهدة البرامج البيئية، فلماذا لا نذهب إليهم نحن كجهات مسئولة وكأفراد مهتمين ؟ وذلك بإنشاء أو عمل معرض متنقل يحمل إليهم كل ما يلزم من صور ورسومات ومعلومات وبيانات وإحصائيات تشرح لهم كل ما يتعلق بأمر هذا القطاع المسمى (البيئة)، يتنقل هذا المعرض وحسب جدول معد مسبقًا في جميع المناطق وخاصة بين المدارس والأندية والجمعيات النسائية والخيرية والمراكز الصحية وما شابه ذلك من أماكن يتجمع فيها قطاعات كبيرة من الجماهير.

وحتى يتم تسهيل الموضوع أكثر فإن أفضل وسيلة لعمل هذا المعرض المتنقل هو الباص أو الحافلة، وذلك بإزالة الكراسي فقط، ويستعاض عن ذلك بالمعرض المتنقل.

هذا هو اقتراحنا (باص – معرض – بيئي متنقل) يحمل للناس المعلومة المقرونة بالصورة والرسم والبيانات العلمية البسيطة وكل ما يلزمهم من هذا الأمر، فهل نجد الآذان الصاغية لتنفيذه وخاصة ونحن مقبلين على – يوم البيئة الإقليمي – أم كما هي العادة ؟

•••••

إلى الفنان خالد الهاشمي

تحية نقدمها إليك وإلى ريشتك التي عبرت بصدق في العددين 20 و21 من يناير 1994 ومن خلال الزميلة "الأيام" عن المعاناة التي تواجه العاملين في حقل البيئة، فشكرًا.

الأحد، 27 أبريل 2014

الموظفون أنواع وأمزجة .. فكيف نتعامل معهم ؟

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٧ أبريل ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

خلال الأسابيع الماضية، ونحن نحاول أن نسلط الأضواء على بعض الأنواع من المسئولين والطرق المثلى للتعامل معهم، خابرني عدد من الأخوة المسئولين -من القطاعين العام والخاص- يلومونني لأني -كما حسبوا- تجاهلت معاناتهم في التعامل مع الموظفين بأنواعهم وأمزجتهم المختلفة.
فقال أحدهم: عندي موظفة لا تعمل إلا بدفع الوقت الإضافي حتى وإن عملت في وقت الدوام، فذات مرة رفعت لي تقرير عملها للشهر الفائت، وذكرت فيه أنها عملت كذا ساعة إضافية، وفي الحقيقة أنها لم تعمل فرفضت أن أوقع لها على التقرير، فقالت: إنها عملت وعملت وعملت.. فإن كنت لا تصدق فقد عملت في البيت كل هذه الساعات. يقول هذا المسئول: وأنا أعرف أنها كذابة لأنه لا يوجد عمل بين يديها يستحق أن يُرحل إلى البيت، وعندما رفضت بشدة، لم تترك أحدا من أهلي إلا شتمته، وأنزلت لعناتها علي وعلى أولادي وكل الناس الذين يعرفونني، ثم صفقت الباب وخرجت، والغريب أنها من بعد ذلك الحادث زعلت ولم تكلمني حتى اليوم، تصور !
ومسئول آخر يقول: عندي موظف لا يعمل وعندما أحول له عملا، يقول: أنا أعمل بقدر راتبكم! أو يكرر جملته المعهودة: ألا يوجد في الإدارة إلا أنا حتى أقوم بهذا العمل؟
وموظف لا يداوم إلا في وقت متأخر، وعندما يتم تأنيبه يهرع إلى والده الذي يأتي ويدخل على المدير العام مباشرة، وعندها تمسح كل أوقات غيابه وتأخيره !
يقول أحد المسئولين كيف يمكننا نحن أن نتعامل مع كل هذه الأنواع والأمزجة من البشر، ونحن ليست لدينا سلطة إلا من خلال بعض البنود في القانون، الذي بموجبه يمكن أن يجدوا للموظف مخرجا إن رغب المسئولون الكبار في ذلك؟
وعدتهم خيرا، فالطرف الآخر من المعادلة هو الموظف، فمعظم الأدبيات تتحدث عن المسئولين وتتجاهل الموظفين، وإن كانوا يشكلون الثقل الموازي للمسئولين.
لنتحدث الآن عن الموظفين بأنواعهم المختلفة، ولنر كيف يمكننا التعامل معهم.

الموظف الخشن في التعامل: تجده قاسيا في تعامله حتى إنه يقسو على نفسه أحيانًا، ولا يحاول تفهم مشاعر الآخرين لأنه لا يثق بهم، ويكثر من مقاطعة الآخرين بطريقة تظهر تصلبه برأيه، ويحاول أن يترك لدى الآخرين انطباعًا بأهميته، مغرور بنفسه إلى درجة أن الآخرين لا يقبلونه، ولديه القدرة على المناقشة مع التصميم على وجهة نظره، ويرى نفسه أنه بخير، ولكن الآخرين ليسوا بخير.

كيف نتعامل معه؟
اعمل على ضبط أعصابك والمحافظة على هدوئك معه، ويجب أن تصغي إليه جيدًا، وتأكد من أنك على استعداد تام للتعامل معه، ولا تحاول إثارته بل جادله بالتي هي أحسن، وحاول أن تستخدم معلوماته وأفكاره أثناء الحديث ضده، وكن حازمًا عند تقديم وجهة نظرك واستعمل معه أسلوب: نعم... ولكن.. لكي تتفادى مهاجمته، وإن أمكنك ردد على مسامعه الآيات والأحاديث المناسبة، وفي الوقت نفسه يجب أن تفهمه أن الإنسان يُحترم على قدر احترامه للآخرين.

الودود ذو الشخصية البسيطة: تجده هادئا وبشوشا، وتتميز أعصابه بالاسترخاء وطيب القلب ويرحب بزواره، ومقبول من الآخرين، ولكنه -عادة ما يكون- غير منظم ولا يحافظ على المواعيد، وليس للزمن قيمة عنده، وفي الوقت نفسه يرغب في سماع الإطراء من الآخرين وحسن المعاملة، ويحب المرح أيضًا، ولديه شعور بالأمان ويرى نفسه بخير والآخرين بخير أيضًا، لكنه يتحاشى الحديث حول العمل، وتجده يثق بالناس ويثق بنفسه.

كيف نتعامل معه؟
قابله باحترام، وحافظ على الإصغاء الجيد، وحاول العمل على توجيه الحديث إلى الهدف المنشود ويجب المحافظة على مناقشة الموضوع المطروح وعدم الخروج عنه، وحاول المحافظة على المواعيد، وأفهمه مدى أهمية الوقت.

الشخص المتردد: يفتقر إلى الثقة بنفسه، وتظهر عليه علامات الخجل والقلق، ويجد صعوبة في اتخاذ القرار، وتتصف مواقفه غالبًا بالتردد، ويضيع وسط البدائل العديدة، وتجده كثير الوعود ولا يهتم بالوقت، ويميل إلى الاعتماد على اللوائح والأنظمة، وغالبًا تجده يطلب المزيد من المعلومات والتأكيدات، ويرى نفسه أنه ليس بخير والآخرين بخير.

كيف نتعامل معه؟
حاول زرع الثقة في نفسه، ويجب أن تخفف من درجة القلق والخجل عنده بأسلوب الوالدية الراعية، وساعده على اتخاذ القرارات وأظهر له مساوئ التأخير في ذلك، وأعمل على توفير نظام معلومات جيد لتزويده به، حاول أن تفهمه أن التردد يضر بصاحبه وبعلاقته مع الآخرين وأعطه مزيدًا من التأكيدات، وأفهمه أن الإنسان يحترم بثباته وقدرته على اتخاذ القرار.

الشخص ذو ردة الفعل البطيئة: يتميز بالبرود ويصعب التفاهم معه، ولا يرغب في الاعتراض على الأفكار المعروضة، ويتميز بدرجة عالية من الإصغاء، ويتفهم المعلومات، ويتهرب من الإجابة عن الأسئلة الموجهة إليه، ولا يميل إلى الآخرين فهو غير عاطفي.

كيف نتعامل معه؟
عالجه بأسلوبه من خلال إصغائك الجيد، وأظهر له الود والاحترام، واستخدم معه الصمت؛ لتجبره على الإجابة، ووجه إليه الأسئلة المفتوحة التي تحتاج إلى إجابات مطولة، ولتكن بطيئًا في التعامل معه ولا تتسرع في خطواتك.

الشخصية العدوانية المستعدة للمشاجرة: دائمًا عدواني ويثير المشاكل ويتمسك برأيه، ويعتمد فقط على نفسه، ويمكن إثارته بسهولة. تجده عابس الوجه، متقلب المزاج ومتوتر الأعصاب ويستخدم أسلوب الهجوم على الجوانب الشخصية، ويرفض الآخرين وأفكارهم ويبدي عدم الاهتمام، ويكثر من الصياح لكي يروع الآخرين.

كيف نتعامل معه؟
أصغ إليه جيدًا لكي تمتص انفعاله وغضبه ولا تأخذ كلامه على أنه يمس شخصيتك، وتمسك بوجهة نظرك ودافع عنها بقوة الحجة والبرهان وحافظ على هدوئك معه دائمًا، ولا تنفعل أمامه وأعده إلى نقاط الموضوع المتفق عليه، وابتسم وحافظ على جو المرح، واستخدم معه المنطق وابتعد عن العاطفة.

مدعي المعرفة: لا يصدق كلام الآخرين، ويبدي دائمًا اعتراضه، ويفتخر ويتحدث عن نفسه طيلة الوقت، عنيد، رافض، ومتمسك برأيه وشكاك، ويرتاب بدوافع الآخرين ويحاول أن يعلمك حتى عن عملك أنت.

كيف نتعامل معه؟
سيطر على أعصابك وحافظ على هدوئك التام وتقبل تعليقاته، ولكن عليك أن تثابر في عرض وجهة نظرك، والجأ في مرحلة ما إلى الإطراء والمدح ولتكن واقعيًا معه دائمًا، ولا تفكر في الانتقام منه أبدًا، واختر الوقت المناسب لمقاطعته في مواضيع معينة.

ختامًا، إن دراسة علم الشخصيات وطرح طرق التعامل معها تعد من العلوم الإنسانية الصعبة جدًا، وإن كنا نحاول أن نسبر غورها هنا، وإن كنا ألقينا بصيصا من الضوء على بعض الشخصيات فإننا نأمل أن تكون لنا لقاءات أخرى حول هذا الموضوع نفسه؛ حتى تكتمل لنا الصورة.

الأربعاء، 23 أبريل 2014

أفيقوا .. فقد مضى يوم البيئة الإقليمي

 

مقال لم ينشر قط ..

بقلم: الدكتور زكريا خنجي

في الرابع والعشرين من شهر أبريل الماضي كان من المفروض أن نحتفل بيوم البيئة الإقليمي، ولكننا تعالينا على هذه المناسبة ولم نحتفل، ليس ذلك فحسب وإنما مر علينا اليوم ونحن لم نشعر به، ربما كان عند البعض يوم ثقيل أسود بسواد الملوثات التي تجوب منطقتنا الخليجية، لماذا لم نحتفل ! لماذا لم نتذكر هذا اليوم ؟

ربما كان من المفروض أن نسأل بالصيغة التالية: لماذا نحتفل بيوم البيئة الإقليمي ونحن نعيش في أفضل بيئة بالمنطقة ؟ ليس مهما نوعية التلوث الذي يعيشه أهالي منطقة الحد، فالشكاوى التي كتبها أهل المنطقة عن الدخان المنبعث من مصنع الحديد والصلب ما هي إلا حبر على ورق، والدفان المزعج الذي يخنق بحر المنطقة ما هو إلا رمل يؤخذ من مكان ويوضع في مكان آخر، فلماذا نحتفل ونذكر الناس بالبيئة ؟

وخليج توبلي نفذ فيه حكم الإعدام ولكن بلمسه جمالية هذه المرة حيث أعلنت الصحف المحلية عن مصادر مسئولة أنه تم تنظيف المنطقة، آسف ليس كل الخليج وإنما منطقة شجرة القرم فقط ! فلماذا نحتفل ؟

أنحتفل بيوم البيئة ونذكر الناس بساحل أبو صبع القذر، ودخان قرية عالي، والكسارات التي تطبق على قريتي جو وعسكر، والتخطيط العمراني السيئ الذي يعيشه أهالي منطقة عراد حيث تتداخل المنطقة الصناعية بالسكنية ؟

أنحتفل بيوم البيئة ونحن نعاني من مشكلة المجاري تارة، ومن مشكلة نقص المياه الصالحة للشرب تارة أخرى، والمسئولون يهددون بقطع التيار الكهربائي في ساعات الذروة ؟ وعلى الرغم من ذلك تبقى مشكلة الأمن الغذائي قضية أساسية ونحن لا نحفل بها ؟ فلماذا نحتفل بيوم البيئة، فإن أحتفلنا فإن الناس سيتذكرون كل هذه المشاكل وربما أكثر، فلنترك هذا اليوم يمضي كالأيام التي مضت.

ليس مهما أن يعلن الأمين العام التنفيذي للمنظمة الاقليمية لحماية البيئة البحرية الدكتور عبدالرحمن العوضي بأن المنطقة البحرية في الخليج تعتبر من أكثر المناطق تلوثًا في العالم، ماذا يعني هذا الكلام ؟ هل سنأكل – بعد اليوم – الأسماك والكائنات البحرية الملوثة، ونحن في هذا البلد لدينا من المسئولين من لديه الفتوى الجاهزة لكل حدث ! فلتخسأ الملوثات فمختبراتنا تستطيع أن تكشف – ليس ذلك فحسب – وإنما أن تقبض على جميع الملوثات التي يمكن أن تتسرب مع الأغذية، ولكن بعد أن تأتينا أخبارها من الدول الخليجية الاخرى !

لماذا نحتفل أيها السادة ونحن لم ينتشر الجرب بين أظهرنا، ولم تزعجنا الفئران ولا نسمع طنين الذباب والبعوض، ألسنا في ديلمون حيث لا توجد الهوام ؟ لماذا الإسراف وتبذير المال على احتفال لا يأتي بنتيجة ؟ أليس من الأولى أن نستخدم هذه المبالغ في إقامة مشاريع بيئية ثم ننام عنها ونتركها لأيدي الزمن يلعب فيها كما يشاء !

لا نريد احتفالات بعد الآن، فلنترك يوم البيئة الإقليمي والعربي فنحن لسنا على استعداد ولن نكون على استعداد حتى بعد مائة سنة، وليس لدينا مانع أن نحتفل بيوم البيئة العالمي فنحن لا نبذل فيه جهد فالشعار وبرامج الحفل نستلمه مع ركوبنا السيارة ونحن في طريقنا لنحتفل بيوم البيئة العالمي، هذا بالإضافة للظهور بابتسامة عريضة على شاشات التلفزيون ؟

أيها السادة .. كان يجب أن تعلموا أن يوم البيئة الإقليمي حدث مهم ذو علاقة مباشرة بمنطقتنا الخليجية الذي ينوء من ثقل الملوثات المحيطة به، ليس من جانب البحر فقط وإنما من جميع الاتجاهات، نعتقد أنه كان من المفروض أن لا يمر الحدث من غير الإشارة إليه، لقد عقدتم وجوهكم حينما قالنا ذات يوم فليشهد التاريخ أننا لا نهتم – في هذا البلد – بأمر البيئة، وحاولتم أن توقفوا اصدار هذه الصفحة، ترى ماذا فعلتم بيوم البيئة الإقليمي ؟ أين كنتم تختبئون ؟ أم هل نقول أين كنتم نائمون ؟ حسنٌ أفيقوا أيها السادة فقد مضى يوم البيئة الإقليمي ولن يعود على شعب لا يقدر للبيئة معنى.

ملاحظة: كان من المفروض أن ينشر هذا المقال في 3 مايو 1994 وذلك بمناسبة يوم البيئة الإقليمي، إلا أنه بسبب المباشرة في الحديث والطرح لم ينشر، ومنذ تلك اللحظة والمقال قابع في الأدراج، وبعد 20 سنة ونحن وفي نفس المناسبة إلا أننا في عام 2104 نجد أن الأمور والقضايا البيئية لم تتغير كثيرة، فما زلنا نراوح في نفس المكان تقريبًا.

استديو البيئة – منوعات بيئية – برنامج إذاعي

Foto14

الاثنين، 21 أبريل 2014

صبغة التارترازين (E102)

 

تم النشر في جريدة أخبار الخليج بتاريخ 22 إبريل 2014

بقلم: الدكتور زكريا خنجي

تعد صبغة التارترازين المعروف بالرمز (E102) صبغة صفراء، تستخدم في تلوين الحلويات وبعض أنواع العصائر والمشروبات الغازية، وربما معظم الأطعمة التي تناولها، مثل المينو والبسلة والعلكة والأنواع المختلفة من المربى والكثير من الأطعمة.

وعلى الرغم من أن هذه الصبغة قل استخدامها الآن إلا أنه تبين أنها المسؤولة عن بعض أنواع الحساسية التي تصيب فئات معينة من الناس، مثل حكة الجلد وسيلان الأنف، كما أن تأثيرها كبير في تهييج الأطفال وإصابتهم بما يعرف النشاط الزائد.

وفي دراسة أجريت على 88 طفلاً مصابين مع الصداع الشديد والصداع النصفي المتكرر تسبب الأعراض في 12 منها. كما وجد أن التارترازين يثير الربو الكبار، ولاسيما الذين يعانون من الحساسية من الأسبرين، بالإضافة إلى أنه يجعل الحالة اسوأ لما لا يتراوح ما بين 10 و40% من المرضى الذين يعانون من ما يعرف بالطفح الجلدي المزمن، وربما تزيد من حدة ردود الفعل عند الأفراد الذين يعانون من حساسية للأسبرين. وكذلك إلى العديد من ردود الفعل السلبية الأخرى في بعض الناس، وتشمل الحكة والتهاب الأنف (سيلان الأنف)، عدم وضوح الرؤية، وظهور بقع أرجوانية على الجلد، ويقال أن التارترازين الموجود في نكهة عصائر الفاكهة قد تكون مسؤولة عن استيقاظ الأطفال الصغار في الليل.

وفي دراسة على أطفال مصابين بالصداع النصفي، الربو، آلام الأطراف، آلام البطن، الإسهال والاكزيما تم تغذيتهم – عددهم 88 وأعمارهم تتراوح ما بين 3 إلى 16 سنة – على وجبات خاصة حيث منعت عنهم بعض المضافات الغذائية مثل التارترازين (E102) وأصفر غروب الشمس (E110) وحامض البنزويك (سنتحدث عنهما لاحقًا)، كانت النتيجة أن 78 من الأطفال أصبحوا أصحاء، و4 تحسنوا كثيرًا و6 أطفال فقط لم تتجاوب أجسامهم مع هذه التغيرات، وعندما أعيدت تلك المضافات إلى وجباتهم ظهرت عليهم نفس الأعراض السابقة مرة أخرى فيما عدا ثمانية فقط.

وفي الإمارات لوحظ أن بعض الماركات من (البفك وكرات الجبن) تحتوي على كميات من الألوان تفوق المعدل المتعارف عليه لهذه النوعية من الأغذية، وبما أنها من الأغذية المرغوبة والمحببة لدى الأطفال – حيث يمكن أن يتناولوا أكثر من عبوة في اليوم – فقد لوحظ ظهور أعراض مرضية مختلفة – ما بين حساسية مفرطة، قيء، إسهال، حمى وصداع – في 13 أسرة معظمها حدثت نتيجة لتناول كميات متزايدة من هذه النوعية من الأغذية المحتوية على صبغتي التارترازين وأصفر غروب الشمس.

وعلى الرغم من خطورة هذه المواد الكيميائية إلا ان هذا لا تنفي أبدًا أهمية استخدامها كمضافات غذائية، وعمومًا فإن خطورة هذه المواد على صحة المستهلك تتأثر بعاملين، وهما: الأول: مقدار تركيز المادة المضافة في الغذاء، الثاني: الحد الأقصى لتناول المادة المضافة. وهذه الموضوعات سنتحدث عنها لاحقًا في هذه الزاوية.

فيروس الكورونا .. مرة أخرى

 

نشر في جريدة أخبار الخليج بتاريخ 22 إبريل 2014

بقلم: الدكتور زكريا خنجي

لا نريد أن نثير الهلع، ولا نريد أن نتقصى أخبار هذا الفيروس الذي بدأ ينتشر في عدة أماكن من المنطقة العربية، ولكن نود أن نعرف هل أخذت وزارة الصحة الإجراءات للوقائية من انتشار هذا الفيروس بين المواطنين ؟ هل قامت الوزارة بتوعية الجمهور بالطريقة المناسبة للتعامل مع الإصابة في حال الإصابة بهذا الفيروس ؟ هل هناك توعية أو تثقيف بهذا الفيروس وطريقة انتشاره وإصابته وأعراضه في حالة إصابة الإنسان ؟

هذه معلومات بسيطة، ولكنها يمكن أن تجيب على الكثير من الأسئلة التي يطرحها اليوم معظم المواطنين والقاطنين على هذه الأرض ؟

ما علاقة هذا الفيروس بالأطفال ؟ هل ينتشر في الأطفال بقدر الكبار أو بالعكس ؟ لا نعرف.

هل هناك تحصين من هذا الفيروس ؟

هل هناك علاج ؟

قرأنا أنه لا يوجد علاج للمرض، لذلك يجب تفعيل الدور الوقائي للمرض ومنع الإصابة به. فهل قامت أو – على الأقل – هل عند وزارة الصحة خطة وقائية للفيروس في حال – لا سمح الله – وجد طريقة عبر جسر الملك فهد ؟

نأمل أن يكون لدى الوزارة مثل هذه الخطة، فإن وجدت هذه الخطة أليس من المناسب أن تعلن الـــوزارة ذلك بدل من هذا اللغط الذي يدور في أروقة الوزارات وفي الشوارع والمجالس والدواوين ؟ ألا نحتاج فعلاً إلى توعية هؤلاء البشر ؟

بتنا نعرف أن الفيروسات تنتقل عن طريق: السعال، والعطاس وكذلك الأيدي الملوثة، شأنها في ذلك شأن جميع الفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي، لذلك – نعتقد – أنه يجب الانتباه إلى الأمور التالية عند إصابة شخص ما بمرض كورونا الفيروسي:

أ‌- يجب الابتعاد عن الأماكن الرطبة.

ب‌- تهوية المنزل جيدًا مع تدفئته جيدًا أيضًا.

ت‌- يجب ارتداء قناع (كمامات) للوقاية من العدوى بالمرض.

ث‌- يجب أن يتم عزل المصاب بغرفة خاصة به وعدم الاحتكاك به وبأغراضه الخاصة حتى يتم الشفاء.

هذه بعض المعلومات التي تمكنا من التوصل إليها عبر اتصالنا ببعض الزملاء في مراكز الأوبئة خارج البلاد، ولكننا على ثقة أن المختصين في وزارة الصحة لديهم أضعاف ما نملك من معلومات، لذلك كل نرجوه منهم أن بعمل برنامج وحملات توعوية قبل أن يقع الفأس في الرأس.

الأحد، 20 أبريل 2014

مسؤولي أب.. فكيف أتعامل معه ؟

 

تم النشر في جريدة أخبار الخليج بتاريخ :٢٠ أبريل ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

ونحن نتكلم عن بعض الصفات التي يتحلى بها المسؤولون في مواقع العمل المختلفة، نلتقي بنوع غريب من المسؤولين ولكنه موجود وهو المسؤول الأب، فمن هذا المسؤول وكيف نتعامل معه ؟
الأب بالمفهوم العام هو رب الأسرة، المكونة من أفراد أو أبناء، فهو الذي يدير أمور حياتهم، ويحل مشاكلهم ويحنو عليهم إن ادلهمت الخُطوب واشتدّت الكروب.
فالآباء – عادة – يتصرفون بطريقة وقائية داعمة ومسؤولة تجاه أبنائهم، فهم يتولون مسؤولية الإنفاق عليهم إلى أن يصبحوا قادرين على الاعتماد على أنفسهم اعتمادًا تامًا، والأب يلعب دورًا مهمًا في الحد من المشكلات السلوكية والنفسية لدى الأبناء، ويتابع مستواهم الدراسي وحالتهم الاجتماعية، وكل أوجاعهم وأمراضهم ومعاناتهم.
والأب ليس مجرد وجود عضوي أو اقتصادي أو اجتماعي في الأسرة، وإنما هو كل ذلك، بالإضافة إلى دوره الأهم في الجوانب النفسية والروحية في تكوين الأبناء، وتماسك الأسرة واستمراريتها، وليس من باب العبث أن يُطلق على الأب في مجتمعنا عبارة «رب الأسرة»، أو أن يشبه (بعمود الخيمة)، الذي لا يمكن للخيمة أن تأخذ شكلها أو أن تستقيم دونه.
وبناء على مثل تلك الأمور تكّون ما عرف بسلطة الأب أو بالسلطة الأبوية، وهذا ما يحدث بالضبط عندما يوسد مسؤول في أي جهاز – حكومي أو خاص – إنسان – رجل أو امرأة – يحمل من الأبوة الأمر الكثير. وللأسف فإن الأدبيات المختصة في التنمية البشرية والإدارة والإنسانيات لم تأت على ذكر هذه النوعية من الخصائص الإدارية التي يمكن أن يتحلى بها المسؤول، ولكنها في الحقيقة موجودة بطريقة أو بأخرى.
قال لي أحد المسؤولين: كنت قريبًا من الموظفين الذي أعمل معهم، كنت لهم كالأب الذي يجدونه دائمًا أمامهم عندما يحتاجون إلى أب، لدرجة أنهم كانوا يروون لي معاناتهم الشخصية سواء في المنزل أو في الحياة بصورة عامة، فتلك الموظفة تعاني من اضطرابات في الهرمونات تأتي وتشتكي لي معاناتها، وتلك جاءها أحدهم للاقتران بها وتريد أخذ رأيي في الرجل، وذلك الموظف كان يعاني الأمرّين من زوجته ويسألني المشورة في تطليقها أو الزواج بأخرى، ومثل تلك الأمور اليومية أو الأسبوعية، لم أتخل عنهم وإنما كنت أسمعهم وبصورة سرية، لم أتحدث مع أحد عن مشاكلهم، كنت صمام أمان في حياتهم العملية وحتى الخاصة، حتى عندما كنت أجد تقصيرًا في العمل يتحول هذا الأمر إلى عتاب وزعل ولم نصل قط إلى لفت النظر وخصم في الرواتب أو ما إلى ذلك. وذات مرة أخطأت إحدى الموظفات ولم أكن موجودًا ولكن نقل لي ومن غير علمها أنها أخطأت، وسكتُّ عنها عدة أيام، من غير أن أناقشها في الخطأ الذي حدث، حتى أنظر ردة فعلها، وبعد عدة أيام جاءتني وهي نادمة، حكت لي الحكاية كلها وتعتذر.
إذن هذا النوع من الإدارة والمديرين موجود حتى وإن تجاهلته الأدبيات.
هذه النوعية من السلطة نجد أنها تنقسم إلى أربعة أنواع، وهي:
1- السلطة الحنونة.
2- السلطة المفترسة أو القاسية.
3- السلطة الحنونة الممزوجة ببعض الشدة.
4- السلطة الراغبة في السيطرة والتحكم.
وسنحاول أن نلقي ببعض من الضوء على هذه النوعيات، من أجل التوضيح. على أنه يجب أن يكون معلومًا، بل بالأحرى لنتخذ هذا المبدأ في هذا المقال أنه لا يوجد إلا الأب الذي يرغب في تفوق أبنائه عليه، وعلى مجده وماضيه.
1- السلطة الحنونة: وهو ذلك المسؤول الذي يتفقد الموظفين الذي يعملون معه، لماذا تأخروا عن الحضور؟ أين ذهبوا؟ هل فطروا؟ ليس لمجرد أن يعاقبهم أو يتخذ فيهم إجراء وإنما من أجل خوفه عليهم، ورغبة منه أن يكونوا حوله أثناء ساعات الدوام الرسمي، هو القلب الحنون لجميع الموظفين من غير استثناء، فهو موجود لكل من يطرق بابه، آذانه كلها وقلبه ووعيه وجميع حواسه جاهزة للموظفين، هذا المسؤول لا يعاقب وإنما يحمل الموظفين على كتفه ويسير بهم، يعلمهم، ويصبر عليهم، حتى وإن تطاولوا عليه بالكلام، فهو أب وعليه أن يضحي بكل شيء من أجل راحة الموظفين. وهذا المسؤول يحمل في قلبه الكثير إن عق الموظفون وخرجوا عن طوع أمره ولكنه لا يتكلم ولا يشتكي، وإنما يعاني بصمت.
2- السلطة المفترسة أو القاسية: وهذا الأب أو المسؤول هو المسؤول القاسي غير رقيق القلب، قاسي ملامح الوجه والقلب، أحكامه تعكس قسوته، فهذا الإنسان فقد عاطفة الإحساس بآلام الآخرين وحاجاتهم، فتحجر القلب. وعلى الرغم من أنه يشعر بأن الموظفين أبناؤه فإنه يقسو عليهم وحبهم يتغلغل في قلبه، إلا أن القسوة بالنسبة له لا تعني الكُره، فهي رحمة ورأفة، فالحب والعطف بالنسبة له يظهر على شكل قسوة من أجل حمايتهم من كل الأشياء الدنيئة التي يمكن أن تحيط بهم، كما يحيط الأب أبناءه من قسوة وفساد المجتمع.
هذا المسؤول يعاقب الموظفين على أقل خطأ ويوبخهم، ويتخذ فيهم كل الإجراء اللازم لتصحيح أخطائهم، وهو يختلف عن المسؤول الديكتاتوري في أن الأخير ليست لديه أي مشاعر تجاه الموظفين، بعكس المسؤول القاسي الذي بسبب حبهم يقسو عليهم.
3- السلطة الحنونة الممزوجة ببعض الشدة: وهذه النوعية من السلطة نوع وسطي ما بين السلطتين السابقتين، فالمسؤول يدير الإدارة في معظم الأوقات بصورة حنونة، ولكنه لا يتورع أن يعاقب الموظف إن أخطأ، فالعقاب في مفهوم هذا المسؤول جزء من السلطة الأبوية الممنوحة له، فهذا المسؤول لا يتورع عن الطلب من الموظف أن يقوم بعمل ما بأن يقول له «لو سمحت.. هل من الممكن أن تقوم بهذا العمل؟» وقد يسامحه أن أخطأ مرة ومرات ويعلمه كيف يمكن أداء هذا العمل، ولكن يمكن أن يصل إلى مرحلة لن يصبر على الخطأ والتلكؤ والتسويف.
4- السلطة الراغبة في السيطرة والتحكم: هناك بعض المسؤولين الذين يريدون من أبنائهم أو موظفيهم أن يقلدوهم هم في أي عمل يمكن أن ينجزوا، فكما يعتقد بعض الآباء أن أبناءهم لا يعرفون شيئًا فإن هذا النوع من المسؤولين يعتقد أنه هو القدوة لجميع الموظفين الذين يعملون معه، فكما أنجز هو هذا العمل فإن على الموظفين أن يمارسوا نفس تلك الخطوات وبنفس الأسلوب، فهو يريد أن يحول الموظفين إلى نسخ منه هو حتى لا يقعوا في الأخطاء والمشاكل.
حسنٌ، هذا الأب أو هذا المسؤول كيف يمكن أن نتعامل معه ؟
ببساطة، فكما نتعامل مع الأب في المنزل نتعامل مع هذا المسؤول الأب، يجب أن نعامله بكل حب واحترام، فهو وما يقوم به، يقوم به بهدف المحافظة على الموظفين، كما يعتقد هو. فيجب أن نشعره أنه هو مصدر الأمن والحماية وأن غيابه وغياب رقابته يمكن أن يحدث اضطرابًا في العمل، ولكن إن غدت هذه السلطة الأبوية سلطة لخنق الحريات والإبداع، فإننا نحتاج إلى أن نجلس معه ونحاور في الأمور التالية:
1- إن سلطته يجب أن تخضع للعديد من الضوابط والقيود التي تفسح المجال لأهلية الموظفين في التصرف في إطار ما هو مشروع.
2- ليس له سلطة على الموظفين، فهم راشدون، فما يكون منه سوى التوجيه والنصح فقط كمسؤول، فللموظف كامل الحقوق في العمل والإبداع والتفكير.
3- يجب أن يصل إليه أنه من أفضل الأساليب في التعامل بالسلطة الأبوية أن تكون في إطار «الشورى والتشاور» بين الموظفين، حيث إنها قيمة تربوية داخل المؤسسة، يمكن أن نتعلم منها الكثير بقيادته هو.
4- يجب أن يصل إليه أن للأبناء أو الموظفين شخصيات وحياة خاصة، وأن هؤلاء البشر يمكنهم – بعيدًا عنه – أن يعيشوا حياتهم، فلا يفرط في السؤال عنهم ومتابعتهم، فإن ذلك ربما يسيء إلى شخصياتهم وكينونتهم.
5- يمكنه أن يكون قدوة وموجها من غير أن يتدخل في حياة الموظفين، ولكن إن توجه إليه أحدهم يسأله فإنه يعطي في حدود المطلوب وبقدر الإمكان.

وختامًا، لا يحب هذا المسؤول أن يحدث عقوقا وأن تدمر العلاقة بينه وبين من يعمل معهم، لذلك التعامل الهادئ والحوار بالعقل يمكن أن يحل الكثير من المعضلات.

الخميس، 17 أبريل 2014

الأمن الغذائي في البحرين ؟

 

نشر في جريدة أخبار الخليج بتاريخ 21 يونيو 1994

بقلم: د. زكريا خنجي

قلنا سابقًا وفي أعداد ماضية – سواء بلغة الأرقام أو بلغة الواقع – إن المنطقة العربية من أقصاها إلى أقصاها يستهلك من الغذاء أكثر مما ينتج بكثير، وبمعنى آخر أن هذا الجزء من العالم يعاني من فجوة غذائية يصعب ترميمها في الوضع الراهن الذي نعيشه، فما بالكم بجزيرة ذات مناخ صحراوي وتحيطها المياه المالحة من جميع الجوانب كالبحرين. وهذه قضية لم نرغب في الكشف عنها والتحدث فيها إنما أن تنقل إحدى الصحف المحلية يوم الأربعاء 15 يونيو 1994 عن أحد خبراء التغذية الذين زاروا البحرين مؤخرًا قوله "بأن الأمن الغذائي بالبحرين ممتاز" فهذا أمر لا نقبله مهما صدر عن شخص خبير ومبعوث من قبل منظمة دولية. ولم تكتفي الجريدة بهذا العنوان وإنما نقلت قول الخبير الذي قال (إن الأمن الغذائي في البحرين في وضع ممتاز من الجانب الكمي النوعي ...) ويقول في مكان آخر (أن البحرين من الدول المتميزة على المستوى العالمي في الوضع الغذائي الجيد حيث لا تعاني البحرين من أي نقص في جانب التغذية).

أيها السادة أن الواقع يقول أن البحرين تعاني – كما تعاني كل الدول العربية – من عجز غذائي يجب الانتباه إليه والسعي إلى تقليصه مهما كلف الأمر. فلا يغرنك أيها الخبير تكدس الأغذية في الأسواق والمحلات التجارية فما هي إلا نتاج دول أخرى سعينا إليها بمليء إرادتنا واضعين تحت أقدامها عوائد النفط حتى نملئ الفجوة الاستهلاكية التي نعيشها.

وأما بلغة الأرقام فإن الاحصائيات تشير – أيها السادة – إلى أن الأراضي الزراعية في البحرين قد زادت بنسبة 54% في عام 90 / 1991 بالمقارنة مع عام 74 / 1975، وهذا مؤشر جيد يدل على زيادة الاهتمام بهذا القطاع الذي كاد أن ينتهي، ولكن هذه الزيادة في الأرض الزراعية لم ترافقها زيادة في تطوير القطاع الزراعي، فقد تبين أن هذه الأراضي لم تستغل إلا لزراعة بعض المحاصيل الخضرية التي كانت تجود بها الأرض منذ سنين طويلة مثل الخس، الطماطم، الملفوف، البصل، القرع، البامية وما شابه ذلك، وغني عن الذكر أن هذه المحاصيل لا تشكل إلا جزء يسيرًا من غذاء الإنسان فلا يمكن أن يعتمد عليها اعتمادًا كاملاً في غذائه وغذاء أولاده كالحبوب والقمح والأرز التي ما زالنا نستوردها من الخارج.

وحتى لو افترضنا جدلاً أنه يمكن الاعتماد – ولو جزئيًا – على هذه المحاصيل، إلا أن الاحصائيات تشير إلى أن زراعتها في البحرين لم تحقق الاكتفاء الذاتي لسوق الاستهلاك المحلي، فعند المقارنة فيما بين عامي 88 / 1989 و90 / 1991 فإن الأرقام توضح إلى عجز كبير في معظم الخضراوات، فقد بلغ العجز في زراعة الطماطم 263 طن، الخس 212 طن، الجزر 71 طن، الباذنجان 96 طن، الشوندر 23 طن، البطاطس 34 طن، الطروح 320 طن، البامية 76 طن، ومن الطبيعي إذن أن نقوم باستيراد مثل هذه المحاصيل وغيرها لنعمل على التخفيف من حدة هذا العجز في الإنتاج.

وأما بالنسبة للثروة الحيوانية فإن نسبة العجز كانت واضحة فقد بلغت في الحليب الطازج حوالي 1461 لتر، وحوالي 8679 كيلوجرام للدجاج، واستوردنا معظم الأبقار والأغنام التي ذبحت في المسلخ المركزي. فهل هذا هو الأمن الغذائي الذي كان يقصده الخبير ؟

وللحقيقة نقول أن البحرين لم تحقق فائضًا في الإنتاج في عام 1991 إلا في البيض حيث بلغ الإنتاج المحلي بالمقارنة مع المستورد حوالي 10239 بيضة، مع العلم إننا نستورد الدجاج الذي ينتج هذا البيض، وبلغ فائض الملفوف حوالي 255 طن، القرنبيط 133 طن، والبصل الأخضر 148 طن.

على الرغم من إننا لا نتهم جهة معينة، فنحن وغيرنا يعلم أن هذا العجز ناتج – في أغلب الأحوال – عن الظروف البيئية التي نعيشها، فنحن نعيش في منطقة صحراوية يزيد فيها معدل البخر عن معدل تساقط المطر وتقل فيها المياه الجوفية ودرجة حرارتها في تزايد مطرد وظروف بيئية أخرى، إلا إننا وغيرنا يعلم – أيضًا – أن هذا هو واقع الوضع الغذائي في البحرين، فلماذا نخدع أنفسنا بقول إنسان لم يعش على هذه الأرض إلا لأيام قليلة، ولم يطلع على أبعاد هذه القضية إلا من خلال بعض الملفات وبعض الأشخاص.

وحتى لا نظلم هذه الأرض الطيبة فإننا نقول أن في البحرين ثروة لو وعينا لها وقدرناها حق التقدير فإننا نستطيع أن نخفف من عبء الفجوة الغذائية التي نعيشها، وهي الثروة السمكية التي سنحاول أن نتطرق إليها في الأسابيع القادمة إن شاء الله.

••••

رد على قارئ

نشكر الأخ القارئ على حسن جعفر على البطاقة التي بعثها بمناسبة يوم البيئة العالمي، كما ونشكره أيضا على جهده الواضح في إعداد الكلمات المتقاطعة تحت عنوان بيئتنا، ولكن أيها الأخ الكريم يسعدنا أن نخبرك بأن صفحة البراحة فيها متسع لمثل هذه المشاركات (الكلمات المتقاطعة)، ولكننا نأمل بمشاركاتك الأخرى عن القريب العاجل.

انستغراميات

Foto6

انستغراميات

Foto5

انستغراميات

Foto2

الاثنين، 14 أبريل 2014

أسبوع الشجرة (الأطفال يزرعون الوطن)

 

نشر في جريدة أخبار الخليج بتاريخ 1 مارس 1994

بقلم: د. زكريا خنجي

شعار جميل هذا الذي تغنت به الهيئة البلدية بمناسبة أسبوع الشجرة الأخير، فمن منا لا يحب أن يرى الأشجار وهي تزين أرض الوطن، وربما أجمل ما في هذا الشعار أنه يزرع في الأطفال حب الأشجار والنبات الأخضر، وهذا نهج صحيح في التربية ليحافظ هؤلاء الفتية أصحاب الأجسام والعقول الغضة على جمال الوطن، وليشاركوا كشباب للمستقبل في تنمية هذه الأرض تنمية صحيحة.

جميل من الهيئة البلدية أن تتخذ شعارًا سنويًا في أسبوع الشجرة وتصر على تطبيقه، جميل منها مرة أخرى أن تقوم بتوزيع عشرات الآلاف من الشتلات والفسائل مجانًا لتطبيق الشعار المتخذ، جميل منها مرة ثالثة هذا المجهود المبذول لإضفاء اللون الأخضر على الشوارع وبعض الأماكن العامة، فما أجمل أن تقع العين البشرية على اللون الأخضر الممزوج بلون البحر الأزرق على امتداد البصر، جميل منها كل هذا ولكن كما يقول المثل العربي "ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن".

نعم فنحن نتمنى من الهيئة البلدية الكثير، ولكن – وللأسف – فإن هذه الهيئة تناقص نفسها بنفسها، ونحن لا نقول هذا الكلام جزافًا فهي من جانب تشجع على التشجير إيمانًا منها بأهميته ولكنها من جانب آخر تحول الحدائق العامة إلى مقاهي لتدخين الشيشة وما شابه ذلك ! فتساهم في التلوث وانتشار العادات الضارة بالصحة.

•••

نعم فليزرع الأطفال الوطن في أسبوع الشجرة ولكن ماذا عن بقية أسابيع السنة ؟ هل سنتركهم يقطعونها ؟ أم من المفروض أن تكون لنا وقفات طويلة مع الأطفال ليس فقط لحافظوا على حياة الأشجار إنما أن نغرس في قلوبهم حب هذه الكائنات الحية الخضراء لتتفجر في نفوسهم ينابيع الجمال فيقوموا من ذوات أنفسهم بالمبادرة ولا ينتظرون الشتلات والفسائل المجانية. وحتى نصل إلى هذا المستوى من العطاء فإن أسبوع الشجرة بصورته الحالية أسلوب عقيم لا يحرك في النفوس الرغبة في البناء، لذلك نرى ضرورة التطوير، وحتى نكون عملين أكثر وأن لا يكون نقدنا لمجرد النقد فإننا نقترح بعض الاقتراحات لعلها تفتح للمسئولين آفاق جديدة للتفكير:

1- أن تقوم الهيئة البلدية بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم بفتح فصول خاصة لتعليم فن البستنة لمن يرغب من المواطنين.

2- أن تقام مسابقة سنوية لتقويم أفضل حديقة منزلية، وأجمل حديقة مدرسية، وأجمل حديقة خاصة .. الخ، ويمكن أن توزع جوائز رمزية على الفائزين.

3- أن يعطى كتيب صغير مع كل شتلة أو فسيلة، يشرح من خلاله الكيفية الصحيحة للتعامل مع هذه الكائنات (زراعتها، أمراضها، معالجتها وكل ما يتعلق بها)، على أن يتم العرض بالشرح والصور، بالإضافة إلى ملحق صغير يكون كشهادة ميلاد يتابع فيه الطفل من خلالها عملية نمو النبات.

4- أعتقد أنه يستحسن بدلاً من توزيع أشجار الزينة أن توزع الأشجار التي تعطي ثمرًا يمكن استهلاكها، وذلك لأسباب كثيرة فأشجار الزينة – على الرغم من أهميتها – فإنها تستهلك كميات كبيرة من المياه الجوفية وخاصة والبحرين تعد الآن خطة للمحافظة على هذه الثروة الوطنية، كما وأن الثمار تعزيز من مكانة هذه الأشجار في النفوس الصغيرة الغضة.

5- تقوم الهيئة البلدية مع وزارة الزراعة وبالتعاون مع وزارة الاعلام بعمل بعض البرامج الزراعية التعليمية لترشد المواطنين على الكيفية الصحيحة للتعامل مع النبات.

ولا يخفى على القارئ الفاضل بأن الاقتراحات في هذا المجال كثيرة، ولكن الأهم هو التنفيذ وكما يقولون أن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة، وأعتقد أننا في الخطوة الأولى الآن، ونرجو أن لا تتوقف مثل هذه الخطوات، وهذا أمل نرجوه أن يتحقق، وإلا فما رأيكم يا رجالات الهيئة البلدية؟

الأحد، 13 أبريل 2014

في الملتقى الخليجي الثامن لممارسي العلاقات العامة من 1 إلى 3 إبريل 2014

DSC_9390

DSC_9418

 

في الملتقى الخليجي الثامن لممارسي العلاقات العامة من 1 إلى 3 إبريل 2014 – وكانت ورقتي بعنوان (الإعلام البيئي بين الحوكمة وحرية الرأي) وباختصار أوضحت أن الإعلام البيئي لا يحتاج إلى حوكمة لأنه أصلاً خاضع للأجهزة الحكومية، وإنما يحتاج إلى إطلاق حريته حتى يحقق الفكر والثقافة البيئية.

كيف نتعامل مع المسؤول البيروقراطي؟

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٣ أبريل ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

في المقال الفائت تكلمنا عن البيروقراطية بصفة عامة، وعرفنا أن الفكر والمنهج البيروقراطي في الإدارة وضع من أجل تسهيل العمل وتيسيره وذلك بتتبع منهج واضح ومحدد لإنجاز المعاملات والعمل، ولكن للأسف هذا المنهج أصبح قيدا يعيق الحركة والتقدم، بل أصبح وبالاً وسبة للمؤسسات التي ترغب في التقدم والتغيير.
فالمسؤول البيروقراطي تدفعه غريزة حبّ البقاء الى الاحتفاظ بوسائل وجوده، وهو في سبيل تحقيق ذلك يحاول إقناع الجميع أن ما يقوم به ضروري لحسن قيامه وجودته، ويرفض أي تدخل خارجي لتطوير العمل أو حتى تغييره بطريقة أو بأخرى، حيث يشعر أن ذلك يمسه ويهدد كيانه هو وليس المؤسسة التي ينتمي اليها، على الرغم من أنه يحول كل مشاعره إلى الانتماء الى تلك الوظيفة والمؤسسة، من أجل خلق دافع داخلي لا إرادي للبقاء والاستمرار.
ولكن عندما تتحول هذه الدوافع إلى سلوك بيروقراطي داخلي، تتحول إلى كابوس يسعى إلى السيطرة على الجهاز والمؤسسة، وهكذا يتسرب هذا الكابوس نحو الغايات العليا للمجتمع ليضعها تحت سيطرة البيروقراطية التي تنفرد وحدها بتحديد مفهوم الصالح العام والوسائل الكفيلة بتحقيقه. وهكذا فبدلاً من أن تخضع البيروقراطية للغايات والأهداف العليا للمجتمع، فإنها تجعل من نفسها المفسر الوحيد، والرقيب الوحيد لهذه الغايات والأهداف. ويقود هذا الوضع الشاذ إلى فساد وتزييف التوازن الإداري في المجتمع.
هذا على الرغم من أننا قلنا – في المقال السابق – ان البيروقراطية من الناحية السوسيولوجية هي تنظيم ذكي ورشيد للأجهزة والمنظمات – سواء كانت خاصة أو عامة – قائم على مبادئ أساسية أهمها: التدرج في السلطات، وعدم التحيز، والخضوع للرقابة. فلو طبقت هذه المبادئ بأسلوب تنظيمي فإنها حتمًا ستقود إلى الدقة والسرعة والوضوح وتجنب الغموض والاستمرار وتقليل النزاعات وخفض النفقات واحترام التدرج الرئاسي، وكل ذلك يعني تحسنًا في الأداء الحكومي والإداري لصالح المواطنين.
إلا أن الواقع الذي نعيشه اليوم يختلف تمامًا عن الرغبة المنشودة.
وعندما نخضع في العمل لمسؤول بيروقراطي، فإنه يمكن أن نلاحظ العديد من السلبيات التي تبدأ تظهر جليًا بين أروقة المؤسسة، ربما من أهمها:
أ‌- الالتزام الحرفي بالأنظمة والقوانين والجمود في سلوك الأفراد.
ب‌- عدم التعامل مع منسوبي المؤسسة كبشر وأفراد لهم رغبات وميول وعواطف وأحاسيس، وإنما تعاملهم كآلات في حدود الوظيفة.
ت‌- الفرض الشديد للنظام على الأفراد قد يدفعهم إلى الاكتفاء بالحد الأدنى من الأداء وذلك بغضّ النظر عن جودة العمل وإبراز أفضل أداء.
ث‌- وجود أنظمة وإجراءات صارمة قد يدفع الأفراد إلى مقاومة أي نوع من أنواع التغيير الذي ترغبه المؤسسة.
ج‌- قد يلجأ الأشخاص إلى تجنب المسؤولية واتخاذ القرارات أو اختيار البدائل فقط التي تتناسب مع الأنظمة والقوانين.
ح‌- تحويل الموظف من السعي إلى الابتكار والإبداع إلى ما يعرف بالنمطية، فالفرد ليس في حاجة إلى التنبؤ بالمستقبل، فهذا النظام يصنع من الفرد ضمن إطارها الميكانيكي فردًا مهملاً وبعيدًا عن البحث في سبيل التغيير نحو الأحسن. فهذا النظام إذن يعيق النمو والنضج الوظيفي، ليس ذلك فحسب وإنما تدفع المبدعين – إن ركنوا لها – نحو التراجع والخمول.
خ‌- هذا النظام يجعل من الموظف أو المسؤول مقاومًا للتغيير وإن كان تغييرًا وظيفيا؛ لأنه أصبح متقنًا لهذه المهارة حد التلقائية. فلا يسمح – مثلاً – باستيعاب التكنولوجيا والعمل بالحاسوب، وربما يرفض من يتعامل معها.
د‌- لا يمتلك النظام أو حتى المسؤول البيروقراطي الوسائل الكافية لحلّ الخلافات والنزاعات والمشاكل، ولا يحسب للمشاكل الطارئة والمواقف غير المتوقعة حسابًا.
ذ‌- المركزية الشديدة وحصر الصلاحيات في قمة الهرم وحرمان مستويات التنفيذ التي تمتلك المعلومات المهمة بسبب تعاملها مع الجمهور من المشاركة في اتخاذ القرارات.
ر‌- ضعف الانتماء والولاء للمؤسسة، مما يتسبب في تجاهل مستويات التنفيذ لأهداف المنظمة وأحيانًا تعمدهم إفشالها وعدم الاكتراث بمصالحها وممتلكاتها.
ز‌- تعقد الإجراءات بسبب تأثير جماعات العمل التي تجعل منها عُرفًا تفرضه على الموظفين الجدد ولتعدد المستويات الإدارية وفقدان الثقة بينها.
س‌- إنّها تتجاهل دور الإنسان الفرد وتأثيراته الشخصية وأهدافه الذاتية بما في ذلك ميوله واتجاهاته وقيمته في التشخيص والتحليل والممارسة، كما تغفل دور فرق العمل والعلاقات غير الرسمية والاتصالات الجانبية التلقائية بين العاملين، وبينهم وبين المتعاملين.
ش‌- تفترض أنّ الإنسان سهل الانقياد لأن أهدافه ودوافعه معروفة، وسلوكه يمكن السيطرة عليه، ولذلك تتجاهل المعرفة النفسية والاجتماعية المتجددة حوله وما تضيفه الدراسات السلوكية المعاصرة عنه.
ص‌- اهتمت بالبناء الداخلي وبالعوامل التشغيلية والوظيفية وبالعمليات والإجراءات ضمن نطاق المؤسسة، وتناست أو تجاهلت دور البيئة الخارجية وضغوطها وقواها وتأثيراتها على المنظمات.
وهذا غيض من فيض،،
ولكن يبقى سؤالنا الأهم، وهو كيف نتعامل مع هذا النوع من المسؤولين؟
أ‌- لا تتصادم مع هذا المسؤول، فمهما حاولت معه فإنه ببساطة قد يلجأ إلى القوانين والأنظمة ويمكن أن يقيدك ويعاقبك بسهولة.
ب‌- هذا المسؤول يحب التعامل بالورق والخطوات المحددة، فتعامل معه بحسب الإجراءات والخطوات المحددة والمنسقة مسبقًا، فلا تتجاوز سقفه وتناقشه وتجادله.
ت‌- إن كانت لديك أي اقتراحات أو أفكار فقدمها مكتوبة واحتفظ بنسخة من اقتراحاتك وأفكارك، لأن الجزء الأكبر من تلك الاقتراحات لن يجد طريقه إلى النور، حيث قد تعتبر تهديدا يمكن أن يزلزل المؤسسة.
ث‌- وإن شعرت بأن هذه الاقتراحات أو الأفكار يمكن أن تهدد مستقبلك المهني، فاكتبها واحتفظ بها لنفسك، ولا تقدمها للمسؤول، لأنه يمكن أن يعتبرك أنت مشكلة تهدد كيانه، فيجمدك في الوظيفة.
ج‌- الترقيات ستصلك بحسب الأنظمة واللوائح، ولكن إن شعرت بأنه من حقك الحصول على ترقية أو حافز ولم توضع في الاعتبار عند المسؤول، فاكتب له مذكرة، ولكن بأسلوب راق وبطريقة لا تشعره أنه ظلمك، واحتفظ بنسخة من المذكرة.
ح‌- حاول أن تنجز المطلوب منك وتبدع فيه، وأن تلتزم باللوائح والأنظمة سواء في الحضور الصباحي أو الخروج والاستئذان والإجازات وما إلى ذلك.
خ‌- حاول أن تستشيره في كل الخطوات التي تريد القيام بها وخاصة الإجراءات والأمور الجديدة، والتغييرات المطلوبة من الإدارة العليا.
د‌- لا تدع قيده البيروقراطي يخنقك، حاول أن تتنفس عبر العمل والأعمال خارج نطاق العمل سواء الأعمال التطوعية أو الأعمال الجانبية، فإن ذلك سيخفف من حدة المشاكل والضغوط النفسية التي يمكن أن تعاني منها، ويمكنك من خلالها أن تبدع وتعمل ما تشاء.
ذ‌- يمكنك أن تمارس هواية جانبية، وأن تمارس الرياضة خلال أيام الأسبوع، فإن ذلك سيسهم حتمًا في تقليص الضغوط النفسية التي يسببها هذا المسؤول، ولكنها لن تحل المشكلة.
وفي الختام، يمكنك بقدر الإمكان أن تتجاهل هذا المسؤول – على الأقل – خارج نطاق العمل، فلا تحمله معك إلى منزلك وحياتك، حتى لا يعكر صفو يومك وحياتك. وتعامل معه في العمل بحسب العمل وبحسب حدود العمل فقط، عند ذلك يمكنك أن تنتصر عليه حتى على المستوى النفسي والذهني.

الثلاثاء، 8 أبريل 2014

كائنات فطرية – نبات الأثل

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٨ أبريل ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

تعد شجرة الأثل التي تسمى كذلك «الطرفاء» من الأشجار التي ذكرت في القرآن الكريم حين قال تعالى في سورة سبأ، الآية 16 «فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ». ويقال «أثل» أي شجرة ثابتة الأصل، وشجر متأثل أي ثابت ثبوته، وتأثل. والاسم العلمي (Tamarix L) والاسك الإنجليزي (Tamarisk, Salt cedar). وشجرة الأثل شجرة متوسطة الارتفاع، دائمة الخضرة أوراقها صغيرة حرشفية الشكل، أزهارها بيضاء إلى قرمزية، ويوجد من الأثل عدة أنواع متوسطة الحجم، وسريعة النمو، جميلة المنظر يكثر نموها على جوانب الطرق الزراعية والأراضي السبخة والأراضي الملحية. ويقارب شجر السرو، إلا أنه أخشن ورقًا، وله ثمر كالحمص في أغصانه ينكسر إلى حبوب صغيرة، وماؤه أحمر اللون.
تنتشر جذور الأثل في الغالب في الأراضي الرطبة بالقرب من المياه والأنهار والأَودية، سيقانها يصنع منها الخشب الصلب وأوراقها دقيقة جدًا وأزهارها عنقودية وردية، يصنع من السيقان السفن خاصة، لأنها موجودة بالقرب من البحار والوديان ثمارها لا تؤكل.
تنمو الأشجار في البيئات شبه الرطبة ونصف الجافة والجافة وشبه الصحراوية والصحراوية في المناطق الحارة والدافئة والمعتدلة في الأراضي المتنوعة والعادية، ومن مواطنه آسيا، حوض البحر الابيض المتوسط، وأروبا والجزيرة العربية.
وهي تنمو عادة في الأرض المالحة أو في حالات الجفاف الشديد، ويُمكنها أن تعيش في أماكن قليلة الرطوبة، وغالبًا ما تزرع الأثل حول المزارع كواقٍ من الرياح.

الأسواق المركزية.. أما آن لها أن تتجدد؟

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٨ أبريل ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

في ذات يوم - قبل حوالي 30 سنة - بدأت حكومة البحرين - سابقة بذلك أخواتها من دول مجلس التعاون - في إنشاء الأسواق المركزية، من أجل بيع الأسماك واللحوم والخضراوات وما إلى ذلك، وفي ذلك الزمن لم تكن التكنولوجيا المتوفرة اليوم، ولم تكن فكرة المباني الصديقة للبيئة قد ظهرت للوجود، ولم نعرف التنمية المستدامة والمباني الخضراء ولم نعرف المحافظة على البيئة ولا كل تلك المصطلحات.
وبعد كل تلك السنوات بقيت الأسواق كما هي لم تتغير.
يقوم أحد باعة السمك بغسل «البسطة» التي يبيع عليها، وحتى يتخلص من الماء فإنه يسحب الماء عبر الزبائن حتى يصل إلى فتحة المجاري القليلة الموجودة في أرضية السوق!
وبائع آخر يتلطخ عرقًا، وبيده سكين يهرش بها جسده، وعندما يطلب منه الزبون أن يفتح البطيخة حتى يتأكد أنها حمراء فإنه يفتحها بنفس السكين التي كان يهرش بها جسده!
وبائع ثالث، ورابع والزبائن يدخلون الأسواق وهم يرفعون ملابسهم حتى لا تتسخ ويصيبها دم الذبائح أو بقايا مياه الأسماك، والعرق - في الصيف - يغطي أجسام الجميع، المكيفات إن وجدت فإنها قد لا تفي بالمطلوب أو حتى جزء منه. كما يجب ألا ننسى تلك الكميات من المخلفات التي تخرج من تلك الأسواق وكيف يتم التصرف فيها طوال النهار، وكلنا يعرف أنه يتم التخلص منها بطريقة غير بيئية!
حوالي ربع قرن وهذه الأسواق تعمل بطريقة أو بأخرى، واليوم ألا يحق لنا أن نسأل بعد كل هذه التكنولوجيا التي نعيشها والمفاهيم الجديدة التي دخلت عالم الهندسة والبيئة أما آن لهذه الأسواق أن تتجدد؟
بدأت الأسواق الضخمة «السوبرماركت» تغزو حياتنا، وعندما ندخلها نجد كيف أن الأسماك مرتبة بطريقة رائعة، واللحوم مقطعة ومصفوفة بطريقة تذهل الأنظار، وكذلك الخضراوات، وكل ذلك في بيئة مكيفة مريحة، ونحن نسأل ألا يمكن بناء الأسواق المركزية بهذا الأسلوب أو بأسلوب آخر حتى يتمتع الزبون والبائع بحياة هانئة؟
نتمنى من الجهات المسئولة إعادة النظر في هذه الأسواق حتى تتوافق مع أحدث النظريات الهندسية والبيئية والتكنولوجية، بدلاً من الشحططة والمرمرة من أجل كيلو أو كيلوين من الصافي وبعض الفاكهة وما إلى ذلك.

الأحد، 6 أبريل 2014

مؤسساتنا ومسؤولونا البيروقراطيون.. إلى أين؟

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٦ أبريل ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

قال لي زميل، إنه بعد شهر من توقيع مذكرة تفاهم بين مؤسستهم ومؤسسة أخرى، قدم فكرة مشروع مشترك مرتبط بزمن معين وبمناسبة معينة، وهذا المشروع يفضل أن يقام ضمن حدود مذكرة التفاهم التي قام كبار المسؤولين في المؤسستين بتوقيعها.
يقول: مضت على الرسالة عدة أيام وحاولنا الاتصال بالشخص المعني بالموضوع الذي قال: هذه الأمور لا يمكن البت فيها إلا عبر مكتب المسؤول (س) وهذا يستغرق أياما قليلة يمكنكم الانتظار، وأنا سأتصل بك.
مرت عدة أيام، ولم يتصل الشخص المعني ونحن مرتبطون بالزمن والمناسبة، فيقول الزميل: قمت بالاتصال به، لمحت من كلامه تهربا من الموضوع، عندئذ ذكرته بمذكرة التفاهم والبرتوكولات وكلام وسائل الإعلام وما إلى ذلك، فقال: في الحقيقة، لقد سافر المسؤول (س) في مهمة رسمية ولن يعود إلا بعد بضعة أيام قليلة، يمكننا الانتظار، فما زال لدينا الوقت الكافي، فقلت له: إن من المطلوب أن نستعد ونرسل الدعوات ونقوم بالتجهيز اللوجستي وما إلى ذلك، كل ذلك لا يمكن القيام به من غير موافقتكم؟
يقول الزميل: مضت أيام وأيام ونحن نراوح في مكاننا، ولكن قبيل أيام قليلة من وقت الفعالية عاد المسؤول (س) من المهمة الرسمية، فقمت بالاتصال بالشخص المعني وحاولت أن أجعله يستشعر ضيق الوقت، وعندها قال: سأحاول أن أتصل بمكتب المسؤول (س) حتى يتم الانتهاء من الموضوع بسرعة والموافقة على إقامة الفعالية، يمكنكم من الآن الاستعداد وشراء لوازم الفعالية وإرسال الدعوات، كلها بضع ساعات وسوف أقوم بالاتصال بك.
ومضت ساعة وساعات واليوم كله ونحن ننتظر، وفي اليوم الذي من المفروض أن تقام فيه الفعالية، اتصل وقال: أنا آسف، المسؤول (س) لديه بعض الاستفسارات يريد أن يتأكد منها حتى يمكنه أن يوقع على الموافقة، فقلت له: مثل ماذا؟ قال: مكان إقامة الفعالية، ستقام تحت رعاية من؟ كم تكلف الفعالية؟ هل الماء والمشروبات التي ستجلبونها من المصنع (ع) أو (غ)؟ ومثل هذه الأسئلة. فقلت له: شكرًا لاهتمامكم وسأعاود الاتصال بك، إن سمحت الظروف.
يقـــول الزميل: وأقيمت الفعالية من غير مشاركتهم، ولكني أتساءل: لماذا إذن تم توقيع مذكرة التفاهم؟ وهل إن غاب المسؤول الفلاني تتوقف مصالح العباد؟ لماذا فلان من الناس هو الذي يمكنه أن يتخذ القرار فقط؟ ألا يوجد بديل يمكن أن تتحول إليه الأعمال في حال غياب المسؤول؟ هل هذه بيروقراطية جديدة؟
وفي مقال للأستاذ أحمد بحر نشر في جريدة الأيام في العدد 8963، يوم الخميس الموافق 24 أكتوبر 2013 يشير فيه إلى ما قاله الدكتور مهاتير محمد – رئيس وزراء ماليزيا الأسبق وباني معجزتها الاقتصادية – (حررنا بلدنا من البيروقراطية، حتى إنه يمكن، وخلال أربع وعشرين ساعة، لإحدى الولايات الماليزية أن تقرر إنشاء مصنع جديد)، والكاتب يتساءل: هل البيروقراطية سيئة السمعة لهذه الدرجة التي تستخدم فيها عبارة (حررنا)، فهذه العبارة مرتبطة عادة بالاستعمار والعبودية والظلم؟
ونحن هنا نتساءل ما البيروقراطية؟ وهل البيروقراطية سيئة إلى هذه الدرجة؟ وكيف يمكننا أن نتعامل مع هذه النوعية من المسؤولين؟
تعرف البيروقراطية أو تسمى في بعض المراجع (الدواوينية) أنها تطبيق القوانين بالقوة في المجتمعات المنظمة. وتعتمد هذه الأنظمة على الإجراءات الموحدة وتوزيع المسؤوليات بطريقة هرمية والعلاقات الشخصية. وهنالك العديد من الأمثلة على البيروقراطية المستخدمة يوميًا، مثل: الحكومات، القوات المسلحة، الشركات، المستشفيات، المحاكم، والمدارس. ويعود أصل كلمة البيرقراطية إلى «بيرو» أي مكتب، المستخدمة في بداية القرن الثامن عشر، وليس للتعبير عن كلمة مكتب للكتابة فقط بل للتعبير عن الشركة، وأماكن العمل. وكلمة «قراطية» وهي مشتقه من الأصل الإغريقي «كراتُس» ومعناها السلطة، والكلمة في مجموعها تعني قوة المكتب أو سلطة المكتب.
ويرافق البيروقراطية جملة من قواعد السلوك ونمط معين من التدابير تتصف في الغالب بالتقيد الحرفي بالقانون والتمسك الشكلي بظواهر التشريعات، فينتج عن ذلك «الروتين» أو ما يعرف في بعض الأماكن «البطء في إنجاز المعاملات»؛ وبهذا فهي تعتبر نقيضًا للإبداع، حيث تنتهي معها روح المبادرة والإبداع وتتلاشى فاعلية الاجتهاد المنتجة، ويسير كل شيء في عجلة البيروقراطية وفق قوالب جاهزة، تفتقر إلى الحيوية.
ومن المتعارف عليه لدى الجميع أن البيروقراطية هي الروتين الممل والإجراءات المعقدة التي ليس لها فائدة سوى تأخير المعاملات وتعقيدها، وهذا المفهوم يعتبر مفهومًا خاطئًا، بلا شك. فدعونا نسبر أغوار هذا المصطلح.
كان أول ظهور لهذه النظرية في ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر، حيث يرجع الفضل إلى (ماكس فيبر) وهو عالم الاجتماع الألماني (1864- 1920) في وضع نموذج يحدد مفهومًا مثاليًا للبيروقراطية يتفق مع التوجهات التي كانت سائدة في عصره، والذي كان متأثرًا بثلاثة عوامل كان لها آثارها في فكره وفي نظريته وهي:
بما أن فيبر مواطن ألماني فقد شهد التضخم الذي طرأ على المؤسسات الصناعية، فرأى أن التنظيم الرسمي المحكم هو الطريقة التي تزيد الإنتاج وبالتالي أهمل النواحي الإنسانية.
تأثر فيبر بالتنظيم العسكري حيث كان ضابطًا في الجيش، ومن المعروف أن الجيش يتحرك وفق أوامر وتعليمات صارمة فأعتقد أن هذا الأسلوب يمكن أن يطبق في جميع المجالات الإدارية.
لكون فيبر عالم اجتماع فقد أدرك عوامل الضعف البشري من حيث عدم إمكانية الاعتماد الكامل على العنصر البشري في اتخاذ القرارات لذا أعتقد أن القواعد تضمن عدم تدخل المصالح الشخصية.
لذلك نجد أن فيبر استقى نظريته من الحياة في عصره ودعمها بخبراته الشخصية فوضع نموذجه التنظيمي معتقدًا أنها ستلائم أي بيئة أو مجال إداري، وقد حدد فيبر مهام وصلاحيات وأدوار المرؤوسين بدقة ضمن لوائح وإجراءات وقواعد مكتوبة، وبذلك تتحكم في سلوك الجماعة البيروقراطية مجموعة ضوابط مقننة جامدة.
وكانت وجهة نظر فيبر إلى النشاط المؤسسي تقوم على أساس من العلاقات السلطوية، وقد وصف النظرية البيروقراطية أنها تتضمن تخصص عمل، وأنها تسلسل هرمي محدد للسلطة، ومجموعة من الإجراءات والقواعد الرسمية، وتفاعل موضوعي لا يقوم على العلاقات الإنسانية والشخصية، واختيار للموظفين وتقدم وترقية تقوم على أساس مبدأ الاستحقاق.
إذن يمكن القول إن فكرة البيروقراطية ليست كما يدعي البعض نظام فاسد، وأنها ملازمة للتعقيدات المكتبية وكثرة الأوراق، إلا أنه يمكن القول أنها سلاح ذو حدين، فهي تنظيم نموذجي من المفروض أن يؤدي إلى إتمام العمل على أفضل وجه، فالبيروقراطية ليست مرضًا من أمراض الإدارة إلا إذا أساء الإداريون والموظفون استخدام أركانها، فهي لا تتعارض مع مفاهيم الشورى والديمقراطية والمشاركة الجماعية في عملية صنع القرار.
ويجب أن نعلم أن طبيعة الإدارة وأهدافها، وأعمالها المختلفة تتطلب نوعًا من البيروقراطية، وكذلك فكرة إدارة الجودة وما تتطلبه الجودة من تنظيم ودقة العمل، ولكن الإفراط في ذلك هو الأمر الذي ينبغي الحذر منه، فالأمور يمكن أن تنقلب على بعضها البعض إن غرقت في الإفراط.
ويبقى السؤال الأهم، وهو: إن كان مسؤولي من النوع البيروقراطي بمفهومه الروتيني السمج، فكيف يمكنني أن أتعامل معه ؟ كما ذكرنا عن ذلك المسؤول (س) الذي لم يهتم إلا من أين يمكن شراء العصير والمياه المعبأة ؟ وهذا حديث آخر.

السبت، 5 أبريل 2014

أزمتنا الكهربائية .. بين الحقيقة والسراب

 

نشر في جريدة أخبارالخليج بتاريخ 17 أغسطس 1993

منذ اللحظة التي طلعت علينا وسائل الاعلام المختلفة حاملة تصريحات بعض مسؤولي وزارة الكهرباء بأن معدل الاستهلاك قد فاق المتوقع، وأن الحل الوزارة الأمثل هو معاقبة المواطنين بكافة فئاتهم – عفوًا أقصد فئات معينة من المواطنين – بقطع التيار الكهربائي عنهم بغض النظر عن كل الاعتبارات. منذ تلك اللحظة والأقلام تكتب والعقول تفكر، وكتب في هذا الموضوع من كتب، سواء بالأرقام أو بالخواطر أو بالرسم الساخر (الكاريكاتير)، وأفتى في الموضوع من أتته القدرة على الفتوى، وكل أدلى بدلوه، وحتى هذه اللحظة لم تهدأ العاصفة التي أثيرت، وأعتقد أنها لن تهدأ حتى يجئ الشتاء، وعندئذ سوف ننسى موضوع الكهرباء، بل وننسى كل ما أثير في هذا الموضوع وكأن الأمر لم يكن، ونلتفت إلى مواضيع الشتاء ومشاكل الأمطار، والبيوت والشوارع التي غرقت في الأمطار، بل وكل ما يتعلق بالشتاء من مشاكل، ونثير ضجة ونولول كعادتنا في كل سنة ونصرخ بمليء أفواهنا ويمضي الأمر وكأن الموضوع لا يهم أصحاب الكراسي الوثيرة التي لا تتأثر بمشاكل الشتاء، ورأي آخر يقول أن من يتخذ القرارات في واد وما يشعر به المواطنين في واد آخر، ثم ينتهي الشتاء والأمور كما هي، وتظل حقيقة المشاكل ثابتة لا تتغير، ويجئ الصيف ونعود إلى موضوع الكهرباء، فتخرج الوزارة المعنية بالأمر رأسها من تحت البطانيات بعد البيات الشتوي والنوم طويل فتصرخ بأن معدل الاستهلال قد فاق التوقع .. وهكذا نحن في البحرين.

لا نريد أن نتحدث بلغة الأرقام والاحصائيات وما تم انفاقه في هذا المجال وما سيتم في المستقبل، إنما نريده هو الإجابة على ثلاثة أسئلة لا غير، السؤال الأول: من المسؤول عن الأزمة التي حدثت، هل هو المواطن أم الوزارة ؟ السؤال الثاني: هل قطع التيار الكهربائي عن بعض المناطق هو الحل الأمثل لدى الوزارة ؟ والسؤال الثالث والأخير: هل ستتكرر الأزمة في السنوات المقبلة ؟

أتمنى من المعنيين بالأمر النظر في هذا الموضوع من هذه الجوانب، بل وربما من جوانب أخرى قد تكون خفيت علينا، أما بالنسبة لنا فإننا نعتقد أنه من الصعب إلقاء المسؤولية على جانب دون الآخر، فكما أن للوزارة دورًا لا يستهان به في إحداث هذه الأزمة، فإننا لا نبرء المواطن أبدًا فهو المستهلك المباشر لهذه الطاقة المهدرة، ونخص بالذكر تلك الطبقة المخملية التي لا تحس بلسعة نار الفواتير، فهي تعيش دائمًا في غرف تعمل بها المكيفات طوال النهار، ليس هذا فحسب وإنما تجاوز بعض أفراد من هذه الفئة، حدود المنطق والسقف الأعلى للإنتاج الكهربائي، فما كان منه إلا أن وضع عشرات من المكيفات في حظائر حيواناته حتى لا تختنق من الحر. ثم يأتي أحد الصحفيين الزملاء فيقول (بحيث نفقت في ذلك اليوم – يقصد الزميل اليوم الذي وصل فيه استهلاك الكهرباء الذروة بسبب حرارة الجو التي وصلت حوالي 53 درجة مئوية – 30 ألف دجاجة في أربع ساعات في إحدى مزارع الدجاج التابعة لإحدى الشركات)، ونحن مع الأخ الزميل في الأرقام التي أوردها، ولكننا نسأل كم نفقت من الحيوانات بسبب برودة المكيفات التي تعمل في الحظائر طوال الليل والنهار، هل هناك احصائيات تذكر ذلك؟

أما بالنسبة للوزارة، فلا نريد أن نذكرها أن الدولة قد وضعت ميزانية لا يستهان بها أبدًا لهذا القطاع، فنحن وغيرنا يعلم أن هناك أولويات وأن هناك خطط خمسية وأخرى عشرية وأن مكاتب الوزارة تعج بالخبراء من جميع الجنسيات، وأن الكثير من هؤلاء لا أهمية لهم غير المصالح الشخصية، ولا نريد أن نتكلم في هذا. إذن ما دور الوزارة في هذه الازمة ؟ أين دراسات الخبراء العلمية ؟ أين توقعاتهم ؟ أين نظراتهم وخططهم المستقبلية ؟ أليس هذا هو دور الخبراء الذين يكلفون الدولة جزءًا كبيرًا من ميزانيتها، أم أنهم ينامون الآن في غرف مكيفة لا يسمعون من خلالها صياح الأطفال الذين لا يجدون ظلاً ينامون تحته ؟ ثم أين هي برامج الوزارة التثقيفية، التي من المفروض أن تبث خلال أيام السنة كلها، فليس من العقل أن تعمل هذه البرامج وتبث خلال الفترة الصيفية فقط أو خلال فترات الاستهلاك الذروة ؟ فالتربية السليمة لا تأتي إلا من خلال البرامج المكثفة، مع العلم أن وزارة الإعلام ترحب – بكل ما في كلمة الترحيب من معنى – بالبرامج التعليمية، وأنها على استعداد ببث مثل هذه البرامج بشكل دوري. فأين هو الخلل اذن ؟

وهذه هي المعادلة المواطنين – بكافة فئاتهم – في كفة والوزارة المعنية في كفة أخرى، فمن المسؤول عن أزمة الكهرباء التي حدثت في السبت 24 يوليو 1993 ؟ أم أن المسؤولية مشتركة، وهذا هو الارجح ؟

أما بالنسبة لقطع التيار الكهربائي كحل لأزمتنا الكهربائية، فنحن نعتقد – كما يعتقد الكثيرون – أنه ليس الحل الأمثل، والسبب يعود إلى هذا السؤال: هل سيعامل جميع فئات الشعب بنفس المعاملة ؟ هل سيعامل أصحاب حظائر الماشية المكيفة مثل ذلك المواطن الذي لا يملك إلا مكيف واحد ؟ هل ستقطع الكهرباء عن الفنادق والنوادي الليلة ؟ هل ستقطع عن المؤسسات والشركات الكبيرة التي تعمل إنارتها ومكيفاتها 24 ساعة ؟ هل ستقطع الكهرباء عن أصحاب الرتب الكبيرة في الوزارة نفسها ؟ وعلى الارجح لا نريد أن تقطع الطاقة عن كل تلك الفئات، إنما نريد ذلك – فقط – عن الخبراء حتى يتمكنون من التفكير السليم في ظل ظروف غرفة غير مكيفة، فهل تتحقق لنا مثل هذه الأمنية ؟

أما السؤال الأخير فلا نملك الإجابة عنه، ولكننا نتمنى في المستقبل أن لا تتكرر مثل هذه الأزمات، مع العلم أن مشكلة الطاقة ليست مشكلة محلية فقط إنما هي مشكلة عالمية يتم مناقشتها على جميع المستويات العالمية. ومع ذلك فإننا نتمنى أن تتعاون جميع وزارات الدولة ذات العلاقة مع المواطنين والهيئات والمؤسسات الخاصة لحل مثل هذه الأزمة في المستقبل.

هذا جانب ومن جانب آخر فكلنا يعلم أن ازديار حرارة المناخ هي السبب الرئيسي لتفجير مثل هذه الأزمات، فمن الصعب تحمل حرارة الجو حين تتجاوز 45 ⁰م، هذا بالإضافة للرطوبة الخانقة، لذلك – وسؤالنا موجهة لوزارة الاسكان في الغالب – ألم يأن الأوان بعد لإصدار قانون أو تشريع ينص على أن تبنى البيوت في البحرين بطريقة العزل الحراري ؟ وأن يتم تصغير حجم النوافذ أو تغطيتها بستائر سميكة ؟

وأخيرًا، نعود إلى موضوع التخطيط المستقبلي السليم، الذي تحدثنا فيه عشرات المرات، وتحدث فيه الكثير من الزملاء الصحفيين، فلا نريد أن نكرر ما قلنا، ولكننا قبل أن نختم نطرح هذا السؤال: حتى متى لا نفكر بعقلية المستقبل الآتي لا محال ؟