الأحد، 6 أبريل 2014

مؤسساتنا ومسؤولونا البيروقراطيون.. إلى أين؟

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٦ أبريل ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

قال لي زميل، إنه بعد شهر من توقيع مذكرة تفاهم بين مؤسستهم ومؤسسة أخرى، قدم فكرة مشروع مشترك مرتبط بزمن معين وبمناسبة معينة، وهذا المشروع يفضل أن يقام ضمن حدود مذكرة التفاهم التي قام كبار المسؤولين في المؤسستين بتوقيعها.
يقول: مضت على الرسالة عدة أيام وحاولنا الاتصال بالشخص المعني بالموضوع الذي قال: هذه الأمور لا يمكن البت فيها إلا عبر مكتب المسؤول (س) وهذا يستغرق أياما قليلة يمكنكم الانتظار، وأنا سأتصل بك.
مرت عدة أيام، ولم يتصل الشخص المعني ونحن مرتبطون بالزمن والمناسبة، فيقول الزميل: قمت بالاتصال به، لمحت من كلامه تهربا من الموضوع، عندئذ ذكرته بمذكرة التفاهم والبرتوكولات وكلام وسائل الإعلام وما إلى ذلك، فقال: في الحقيقة، لقد سافر المسؤول (س) في مهمة رسمية ولن يعود إلا بعد بضعة أيام قليلة، يمكننا الانتظار، فما زال لدينا الوقت الكافي، فقلت له: إن من المطلوب أن نستعد ونرسل الدعوات ونقوم بالتجهيز اللوجستي وما إلى ذلك، كل ذلك لا يمكن القيام به من غير موافقتكم؟
يقول الزميل: مضت أيام وأيام ونحن نراوح في مكاننا، ولكن قبيل أيام قليلة من وقت الفعالية عاد المسؤول (س) من المهمة الرسمية، فقمت بالاتصال بالشخص المعني وحاولت أن أجعله يستشعر ضيق الوقت، وعندها قال: سأحاول أن أتصل بمكتب المسؤول (س) حتى يتم الانتهاء من الموضوع بسرعة والموافقة على إقامة الفعالية، يمكنكم من الآن الاستعداد وشراء لوازم الفعالية وإرسال الدعوات، كلها بضع ساعات وسوف أقوم بالاتصال بك.
ومضت ساعة وساعات واليوم كله ونحن ننتظر، وفي اليوم الذي من المفروض أن تقام فيه الفعالية، اتصل وقال: أنا آسف، المسؤول (س) لديه بعض الاستفسارات يريد أن يتأكد منها حتى يمكنه أن يوقع على الموافقة، فقلت له: مثل ماذا؟ قال: مكان إقامة الفعالية، ستقام تحت رعاية من؟ كم تكلف الفعالية؟ هل الماء والمشروبات التي ستجلبونها من المصنع (ع) أو (غ)؟ ومثل هذه الأسئلة. فقلت له: شكرًا لاهتمامكم وسأعاود الاتصال بك، إن سمحت الظروف.
يقـــول الزميل: وأقيمت الفعالية من غير مشاركتهم، ولكني أتساءل: لماذا إذن تم توقيع مذكرة التفاهم؟ وهل إن غاب المسؤول الفلاني تتوقف مصالح العباد؟ لماذا فلان من الناس هو الذي يمكنه أن يتخذ القرار فقط؟ ألا يوجد بديل يمكن أن تتحول إليه الأعمال في حال غياب المسؤول؟ هل هذه بيروقراطية جديدة؟
وفي مقال للأستاذ أحمد بحر نشر في جريدة الأيام في العدد 8963، يوم الخميس الموافق 24 أكتوبر 2013 يشير فيه إلى ما قاله الدكتور مهاتير محمد – رئيس وزراء ماليزيا الأسبق وباني معجزتها الاقتصادية – (حررنا بلدنا من البيروقراطية، حتى إنه يمكن، وخلال أربع وعشرين ساعة، لإحدى الولايات الماليزية أن تقرر إنشاء مصنع جديد)، والكاتب يتساءل: هل البيروقراطية سيئة السمعة لهذه الدرجة التي تستخدم فيها عبارة (حررنا)، فهذه العبارة مرتبطة عادة بالاستعمار والعبودية والظلم؟
ونحن هنا نتساءل ما البيروقراطية؟ وهل البيروقراطية سيئة إلى هذه الدرجة؟ وكيف يمكننا أن نتعامل مع هذه النوعية من المسؤولين؟
تعرف البيروقراطية أو تسمى في بعض المراجع (الدواوينية) أنها تطبيق القوانين بالقوة في المجتمعات المنظمة. وتعتمد هذه الأنظمة على الإجراءات الموحدة وتوزيع المسؤوليات بطريقة هرمية والعلاقات الشخصية. وهنالك العديد من الأمثلة على البيروقراطية المستخدمة يوميًا، مثل: الحكومات، القوات المسلحة، الشركات، المستشفيات، المحاكم، والمدارس. ويعود أصل كلمة البيرقراطية إلى «بيرو» أي مكتب، المستخدمة في بداية القرن الثامن عشر، وليس للتعبير عن كلمة مكتب للكتابة فقط بل للتعبير عن الشركة، وأماكن العمل. وكلمة «قراطية» وهي مشتقه من الأصل الإغريقي «كراتُس» ومعناها السلطة، والكلمة في مجموعها تعني قوة المكتب أو سلطة المكتب.
ويرافق البيروقراطية جملة من قواعد السلوك ونمط معين من التدابير تتصف في الغالب بالتقيد الحرفي بالقانون والتمسك الشكلي بظواهر التشريعات، فينتج عن ذلك «الروتين» أو ما يعرف في بعض الأماكن «البطء في إنجاز المعاملات»؛ وبهذا فهي تعتبر نقيضًا للإبداع، حيث تنتهي معها روح المبادرة والإبداع وتتلاشى فاعلية الاجتهاد المنتجة، ويسير كل شيء في عجلة البيروقراطية وفق قوالب جاهزة، تفتقر إلى الحيوية.
ومن المتعارف عليه لدى الجميع أن البيروقراطية هي الروتين الممل والإجراءات المعقدة التي ليس لها فائدة سوى تأخير المعاملات وتعقيدها، وهذا المفهوم يعتبر مفهومًا خاطئًا، بلا شك. فدعونا نسبر أغوار هذا المصطلح.
كان أول ظهور لهذه النظرية في ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر، حيث يرجع الفضل إلى (ماكس فيبر) وهو عالم الاجتماع الألماني (1864- 1920) في وضع نموذج يحدد مفهومًا مثاليًا للبيروقراطية يتفق مع التوجهات التي كانت سائدة في عصره، والذي كان متأثرًا بثلاثة عوامل كان لها آثارها في فكره وفي نظريته وهي:
بما أن فيبر مواطن ألماني فقد شهد التضخم الذي طرأ على المؤسسات الصناعية، فرأى أن التنظيم الرسمي المحكم هو الطريقة التي تزيد الإنتاج وبالتالي أهمل النواحي الإنسانية.
تأثر فيبر بالتنظيم العسكري حيث كان ضابطًا في الجيش، ومن المعروف أن الجيش يتحرك وفق أوامر وتعليمات صارمة فأعتقد أن هذا الأسلوب يمكن أن يطبق في جميع المجالات الإدارية.
لكون فيبر عالم اجتماع فقد أدرك عوامل الضعف البشري من حيث عدم إمكانية الاعتماد الكامل على العنصر البشري في اتخاذ القرارات لذا أعتقد أن القواعد تضمن عدم تدخل المصالح الشخصية.
لذلك نجد أن فيبر استقى نظريته من الحياة في عصره ودعمها بخبراته الشخصية فوضع نموذجه التنظيمي معتقدًا أنها ستلائم أي بيئة أو مجال إداري، وقد حدد فيبر مهام وصلاحيات وأدوار المرؤوسين بدقة ضمن لوائح وإجراءات وقواعد مكتوبة، وبذلك تتحكم في سلوك الجماعة البيروقراطية مجموعة ضوابط مقننة جامدة.
وكانت وجهة نظر فيبر إلى النشاط المؤسسي تقوم على أساس من العلاقات السلطوية، وقد وصف النظرية البيروقراطية أنها تتضمن تخصص عمل، وأنها تسلسل هرمي محدد للسلطة، ومجموعة من الإجراءات والقواعد الرسمية، وتفاعل موضوعي لا يقوم على العلاقات الإنسانية والشخصية، واختيار للموظفين وتقدم وترقية تقوم على أساس مبدأ الاستحقاق.
إذن يمكن القول إن فكرة البيروقراطية ليست كما يدعي البعض نظام فاسد، وأنها ملازمة للتعقيدات المكتبية وكثرة الأوراق، إلا أنه يمكن القول أنها سلاح ذو حدين، فهي تنظيم نموذجي من المفروض أن يؤدي إلى إتمام العمل على أفضل وجه، فالبيروقراطية ليست مرضًا من أمراض الإدارة إلا إذا أساء الإداريون والموظفون استخدام أركانها، فهي لا تتعارض مع مفاهيم الشورى والديمقراطية والمشاركة الجماعية في عملية صنع القرار.
ويجب أن نعلم أن طبيعة الإدارة وأهدافها، وأعمالها المختلفة تتطلب نوعًا من البيروقراطية، وكذلك فكرة إدارة الجودة وما تتطلبه الجودة من تنظيم ودقة العمل، ولكن الإفراط في ذلك هو الأمر الذي ينبغي الحذر منه، فالأمور يمكن أن تنقلب على بعضها البعض إن غرقت في الإفراط.
ويبقى السؤال الأهم، وهو: إن كان مسؤولي من النوع البيروقراطي بمفهومه الروتيني السمج، فكيف يمكنني أن أتعامل معه ؟ كما ذكرنا عن ذلك المسؤول (س) الذي لم يهتم إلا من أين يمكن شراء العصير والمياه المعبأة ؟ وهذا حديث آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق