الأحد، 13 أبريل 2014

كيف نتعامل مع المسؤول البيروقراطي؟

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٣ أبريل ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

في المقال الفائت تكلمنا عن البيروقراطية بصفة عامة، وعرفنا أن الفكر والمنهج البيروقراطي في الإدارة وضع من أجل تسهيل العمل وتيسيره وذلك بتتبع منهج واضح ومحدد لإنجاز المعاملات والعمل، ولكن للأسف هذا المنهج أصبح قيدا يعيق الحركة والتقدم، بل أصبح وبالاً وسبة للمؤسسات التي ترغب في التقدم والتغيير.
فالمسؤول البيروقراطي تدفعه غريزة حبّ البقاء الى الاحتفاظ بوسائل وجوده، وهو في سبيل تحقيق ذلك يحاول إقناع الجميع أن ما يقوم به ضروري لحسن قيامه وجودته، ويرفض أي تدخل خارجي لتطوير العمل أو حتى تغييره بطريقة أو بأخرى، حيث يشعر أن ذلك يمسه ويهدد كيانه هو وليس المؤسسة التي ينتمي اليها، على الرغم من أنه يحول كل مشاعره إلى الانتماء الى تلك الوظيفة والمؤسسة، من أجل خلق دافع داخلي لا إرادي للبقاء والاستمرار.
ولكن عندما تتحول هذه الدوافع إلى سلوك بيروقراطي داخلي، تتحول إلى كابوس يسعى إلى السيطرة على الجهاز والمؤسسة، وهكذا يتسرب هذا الكابوس نحو الغايات العليا للمجتمع ليضعها تحت سيطرة البيروقراطية التي تنفرد وحدها بتحديد مفهوم الصالح العام والوسائل الكفيلة بتحقيقه. وهكذا فبدلاً من أن تخضع البيروقراطية للغايات والأهداف العليا للمجتمع، فإنها تجعل من نفسها المفسر الوحيد، والرقيب الوحيد لهذه الغايات والأهداف. ويقود هذا الوضع الشاذ إلى فساد وتزييف التوازن الإداري في المجتمع.
هذا على الرغم من أننا قلنا – في المقال السابق – ان البيروقراطية من الناحية السوسيولوجية هي تنظيم ذكي ورشيد للأجهزة والمنظمات – سواء كانت خاصة أو عامة – قائم على مبادئ أساسية أهمها: التدرج في السلطات، وعدم التحيز، والخضوع للرقابة. فلو طبقت هذه المبادئ بأسلوب تنظيمي فإنها حتمًا ستقود إلى الدقة والسرعة والوضوح وتجنب الغموض والاستمرار وتقليل النزاعات وخفض النفقات واحترام التدرج الرئاسي، وكل ذلك يعني تحسنًا في الأداء الحكومي والإداري لصالح المواطنين.
إلا أن الواقع الذي نعيشه اليوم يختلف تمامًا عن الرغبة المنشودة.
وعندما نخضع في العمل لمسؤول بيروقراطي، فإنه يمكن أن نلاحظ العديد من السلبيات التي تبدأ تظهر جليًا بين أروقة المؤسسة، ربما من أهمها:
أ‌- الالتزام الحرفي بالأنظمة والقوانين والجمود في سلوك الأفراد.
ب‌- عدم التعامل مع منسوبي المؤسسة كبشر وأفراد لهم رغبات وميول وعواطف وأحاسيس، وإنما تعاملهم كآلات في حدود الوظيفة.
ت‌- الفرض الشديد للنظام على الأفراد قد يدفعهم إلى الاكتفاء بالحد الأدنى من الأداء وذلك بغضّ النظر عن جودة العمل وإبراز أفضل أداء.
ث‌- وجود أنظمة وإجراءات صارمة قد يدفع الأفراد إلى مقاومة أي نوع من أنواع التغيير الذي ترغبه المؤسسة.
ج‌- قد يلجأ الأشخاص إلى تجنب المسؤولية واتخاذ القرارات أو اختيار البدائل فقط التي تتناسب مع الأنظمة والقوانين.
ح‌- تحويل الموظف من السعي إلى الابتكار والإبداع إلى ما يعرف بالنمطية، فالفرد ليس في حاجة إلى التنبؤ بالمستقبل، فهذا النظام يصنع من الفرد ضمن إطارها الميكانيكي فردًا مهملاً وبعيدًا عن البحث في سبيل التغيير نحو الأحسن. فهذا النظام إذن يعيق النمو والنضج الوظيفي، ليس ذلك فحسب وإنما تدفع المبدعين – إن ركنوا لها – نحو التراجع والخمول.
خ‌- هذا النظام يجعل من الموظف أو المسؤول مقاومًا للتغيير وإن كان تغييرًا وظيفيا؛ لأنه أصبح متقنًا لهذه المهارة حد التلقائية. فلا يسمح – مثلاً – باستيعاب التكنولوجيا والعمل بالحاسوب، وربما يرفض من يتعامل معها.
د‌- لا يمتلك النظام أو حتى المسؤول البيروقراطي الوسائل الكافية لحلّ الخلافات والنزاعات والمشاكل، ولا يحسب للمشاكل الطارئة والمواقف غير المتوقعة حسابًا.
ذ‌- المركزية الشديدة وحصر الصلاحيات في قمة الهرم وحرمان مستويات التنفيذ التي تمتلك المعلومات المهمة بسبب تعاملها مع الجمهور من المشاركة في اتخاذ القرارات.
ر‌- ضعف الانتماء والولاء للمؤسسة، مما يتسبب في تجاهل مستويات التنفيذ لأهداف المنظمة وأحيانًا تعمدهم إفشالها وعدم الاكتراث بمصالحها وممتلكاتها.
ز‌- تعقد الإجراءات بسبب تأثير جماعات العمل التي تجعل منها عُرفًا تفرضه على الموظفين الجدد ولتعدد المستويات الإدارية وفقدان الثقة بينها.
س‌- إنّها تتجاهل دور الإنسان الفرد وتأثيراته الشخصية وأهدافه الذاتية بما في ذلك ميوله واتجاهاته وقيمته في التشخيص والتحليل والممارسة، كما تغفل دور فرق العمل والعلاقات غير الرسمية والاتصالات الجانبية التلقائية بين العاملين، وبينهم وبين المتعاملين.
ش‌- تفترض أنّ الإنسان سهل الانقياد لأن أهدافه ودوافعه معروفة، وسلوكه يمكن السيطرة عليه، ولذلك تتجاهل المعرفة النفسية والاجتماعية المتجددة حوله وما تضيفه الدراسات السلوكية المعاصرة عنه.
ص‌- اهتمت بالبناء الداخلي وبالعوامل التشغيلية والوظيفية وبالعمليات والإجراءات ضمن نطاق المؤسسة، وتناست أو تجاهلت دور البيئة الخارجية وضغوطها وقواها وتأثيراتها على المنظمات.
وهذا غيض من فيض،،
ولكن يبقى سؤالنا الأهم، وهو كيف نتعامل مع هذا النوع من المسؤولين؟
أ‌- لا تتصادم مع هذا المسؤول، فمهما حاولت معه فإنه ببساطة قد يلجأ إلى القوانين والأنظمة ويمكن أن يقيدك ويعاقبك بسهولة.
ب‌- هذا المسؤول يحب التعامل بالورق والخطوات المحددة، فتعامل معه بحسب الإجراءات والخطوات المحددة والمنسقة مسبقًا، فلا تتجاوز سقفه وتناقشه وتجادله.
ت‌- إن كانت لديك أي اقتراحات أو أفكار فقدمها مكتوبة واحتفظ بنسخة من اقتراحاتك وأفكارك، لأن الجزء الأكبر من تلك الاقتراحات لن يجد طريقه إلى النور، حيث قد تعتبر تهديدا يمكن أن يزلزل المؤسسة.
ث‌- وإن شعرت بأن هذه الاقتراحات أو الأفكار يمكن أن تهدد مستقبلك المهني، فاكتبها واحتفظ بها لنفسك، ولا تقدمها للمسؤول، لأنه يمكن أن يعتبرك أنت مشكلة تهدد كيانه، فيجمدك في الوظيفة.
ج‌- الترقيات ستصلك بحسب الأنظمة واللوائح، ولكن إن شعرت بأنه من حقك الحصول على ترقية أو حافز ولم توضع في الاعتبار عند المسؤول، فاكتب له مذكرة، ولكن بأسلوب راق وبطريقة لا تشعره أنه ظلمك، واحتفظ بنسخة من المذكرة.
ح‌- حاول أن تنجز المطلوب منك وتبدع فيه، وأن تلتزم باللوائح والأنظمة سواء في الحضور الصباحي أو الخروج والاستئذان والإجازات وما إلى ذلك.
خ‌- حاول أن تستشيره في كل الخطوات التي تريد القيام بها وخاصة الإجراءات والأمور الجديدة، والتغييرات المطلوبة من الإدارة العليا.
د‌- لا تدع قيده البيروقراطي يخنقك، حاول أن تتنفس عبر العمل والأعمال خارج نطاق العمل سواء الأعمال التطوعية أو الأعمال الجانبية، فإن ذلك سيخفف من حدة المشاكل والضغوط النفسية التي يمكن أن تعاني منها، ويمكنك من خلالها أن تبدع وتعمل ما تشاء.
ذ‌- يمكنك أن تمارس هواية جانبية، وأن تمارس الرياضة خلال أيام الأسبوع، فإن ذلك سيسهم حتمًا في تقليص الضغوط النفسية التي يسببها هذا المسؤول، ولكنها لن تحل المشكلة.
وفي الختام، يمكنك بقدر الإمكان أن تتجاهل هذا المسؤول – على الأقل – خارج نطاق العمل، فلا تحمله معك إلى منزلك وحياتك، حتى لا يعكر صفو يومك وحياتك. وتعامل معه في العمل بحسب العمل وبحسب حدود العمل فقط، عند ذلك يمكنك أن تنتصر عليه حتى على المستوى النفسي والذهني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق