السبت، 5 أبريل 2014

أزمتنا الكهربائية .. بين الحقيقة والسراب

 

نشر في جريدة أخبارالخليج بتاريخ 17 أغسطس 1993

منذ اللحظة التي طلعت علينا وسائل الاعلام المختلفة حاملة تصريحات بعض مسؤولي وزارة الكهرباء بأن معدل الاستهلاك قد فاق المتوقع، وأن الحل الوزارة الأمثل هو معاقبة المواطنين بكافة فئاتهم – عفوًا أقصد فئات معينة من المواطنين – بقطع التيار الكهربائي عنهم بغض النظر عن كل الاعتبارات. منذ تلك اللحظة والأقلام تكتب والعقول تفكر، وكتب في هذا الموضوع من كتب، سواء بالأرقام أو بالخواطر أو بالرسم الساخر (الكاريكاتير)، وأفتى في الموضوع من أتته القدرة على الفتوى، وكل أدلى بدلوه، وحتى هذه اللحظة لم تهدأ العاصفة التي أثيرت، وأعتقد أنها لن تهدأ حتى يجئ الشتاء، وعندئذ سوف ننسى موضوع الكهرباء، بل وننسى كل ما أثير في هذا الموضوع وكأن الأمر لم يكن، ونلتفت إلى مواضيع الشتاء ومشاكل الأمطار، والبيوت والشوارع التي غرقت في الأمطار، بل وكل ما يتعلق بالشتاء من مشاكل، ونثير ضجة ونولول كعادتنا في كل سنة ونصرخ بمليء أفواهنا ويمضي الأمر وكأن الموضوع لا يهم أصحاب الكراسي الوثيرة التي لا تتأثر بمشاكل الشتاء، ورأي آخر يقول أن من يتخذ القرارات في واد وما يشعر به المواطنين في واد آخر، ثم ينتهي الشتاء والأمور كما هي، وتظل حقيقة المشاكل ثابتة لا تتغير، ويجئ الصيف ونعود إلى موضوع الكهرباء، فتخرج الوزارة المعنية بالأمر رأسها من تحت البطانيات بعد البيات الشتوي والنوم طويل فتصرخ بأن معدل الاستهلال قد فاق التوقع .. وهكذا نحن في البحرين.

لا نريد أن نتحدث بلغة الأرقام والاحصائيات وما تم انفاقه في هذا المجال وما سيتم في المستقبل، إنما نريده هو الإجابة على ثلاثة أسئلة لا غير، السؤال الأول: من المسؤول عن الأزمة التي حدثت، هل هو المواطن أم الوزارة ؟ السؤال الثاني: هل قطع التيار الكهربائي عن بعض المناطق هو الحل الأمثل لدى الوزارة ؟ والسؤال الثالث والأخير: هل ستتكرر الأزمة في السنوات المقبلة ؟

أتمنى من المعنيين بالأمر النظر في هذا الموضوع من هذه الجوانب، بل وربما من جوانب أخرى قد تكون خفيت علينا، أما بالنسبة لنا فإننا نعتقد أنه من الصعب إلقاء المسؤولية على جانب دون الآخر، فكما أن للوزارة دورًا لا يستهان به في إحداث هذه الأزمة، فإننا لا نبرء المواطن أبدًا فهو المستهلك المباشر لهذه الطاقة المهدرة، ونخص بالذكر تلك الطبقة المخملية التي لا تحس بلسعة نار الفواتير، فهي تعيش دائمًا في غرف تعمل بها المكيفات طوال النهار، ليس هذا فحسب وإنما تجاوز بعض أفراد من هذه الفئة، حدود المنطق والسقف الأعلى للإنتاج الكهربائي، فما كان منه إلا أن وضع عشرات من المكيفات في حظائر حيواناته حتى لا تختنق من الحر. ثم يأتي أحد الصحفيين الزملاء فيقول (بحيث نفقت في ذلك اليوم – يقصد الزميل اليوم الذي وصل فيه استهلاك الكهرباء الذروة بسبب حرارة الجو التي وصلت حوالي 53 درجة مئوية – 30 ألف دجاجة في أربع ساعات في إحدى مزارع الدجاج التابعة لإحدى الشركات)، ونحن مع الأخ الزميل في الأرقام التي أوردها، ولكننا نسأل كم نفقت من الحيوانات بسبب برودة المكيفات التي تعمل في الحظائر طوال الليل والنهار، هل هناك احصائيات تذكر ذلك؟

أما بالنسبة للوزارة، فلا نريد أن نذكرها أن الدولة قد وضعت ميزانية لا يستهان بها أبدًا لهذا القطاع، فنحن وغيرنا يعلم أن هناك أولويات وأن هناك خطط خمسية وأخرى عشرية وأن مكاتب الوزارة تعج بالخبراء من جميع الجنسيات، وأن الكثير من هؤلاء لا أهمية لهم غير المصالح الشخصية، ولا نريد أن نتكلم في هذا. إذن ما دور الوزارة في هذه الازمة ؟ أين دراسات الخبراء العلمية ؟ أين توقعاتهم ؟ أين نظراتهم وخططهم المستقبلية ؟ أليس هذا هو دور الخبراء الذين يكلفون الدولة جزءًا كبيرًا من ميزانيتها، أم أنهم ينامون الآن في غرف مكيفة لا يسمعون من خلالها صياح الأطفال الذين لا يجدون ظلاً ينامون تحته ؟ ثم أين هي برامج الوزارة التثقيفية، التي من المفروض أن تبث خلال أيام السنة كلها، فليس من العقل أن تعمل هذه البرامج وتبث خلال الفترة الصيفية فقط أو خلال فترات الاستهلاك الذروة ؟ فالتربية السليمة لا تأتي إلا من خلال البرامج المكثفة، مع العلم أن وزارة الإعلام ترحب – بكل ما في كلمة الترحيب من معنى – بالبرامج التعليمية، وأنها على استعداد ببث مثل هذه البرامج بشكل دوري. فأين هو الخلل اذن ؟

وهذه هي المعادلة المواطنين – بكافة فئاتهم – في كفة والوزارة المعنية في كفة أخرى، فمن المسؤول عن أزمة الكهرباء التي حدثت في السبت 24 يوليو 1993 ؟ أم أن المسؤولية مشتركة، وهذا هو الارجح ؟

أما بالنسبة لقطع التيار الكهربائي كحل لأزمتنا الكهربائية، فنحن نعتقد – كما يعتقد الكثيرون – أنه ليس الحل الأمثل، والسبب يعود إلى هذا السؤال: هل سيعامل جميع فئات الشعب بنفس المعاملة ؟ هل سيعامل أصحاب حظائر الماشية المكيفة مثل ذلك المواطن الذي لا يملك إلا مكيف واحد ؟ هل ستقطع الكهرباء عن الفنادق والنوادي الليلة ؟ هل ستقطع عن المؤسسات والشركات الكبيرة التي تعمل إنارتها ومكيفاتها 24 ساعة ؟ هل ستقطع الكهرباء عن أصحاب الرتب الكبيرة في الوزارة نفسها ؟ وعلى الارجح لا نريد أن تقطع الطاقة عن كل تلك الفئات، إنما نريد ذلك – فقط – عن الخبراء حتى يتمكنون من التفكير السليم في ظل ظروف غرفة غير مكيفة، فهل تتحقق لنا مثل هذه الأمنية ؟

أما السؤال الأخير فلا نملك الإجابة عنه، ولكننا نتمنى في المستقبل أن لا تتكرر مثل هذه الأزمات، مع العلم أن مشكلة الطاقة ليست مشكلة محلية فقط إنما هي مشكلة عالمية يتم مناقشتها على جميع المستويات العالمية. ومع ذلك فإننا نتمنى أن تتعاون جميع وزارات الدولة ذات العلاقة مع المواطنين والهيئات والمؤسسات الخاصة لحل مثل هذه الأزمة في المستقبل.

هذا جانب ومن جانب آخر فكلنا يعلم أن ازديار حرارة المناخ هي السبب الرئيسي لتفجير مثل هذه الأزمات، فمن الصعب تحمل حرارة الجو حين تتجاوز 45 ⁰م، هذا بالإضافة للرطوبة الخانقة، لذلك – وسؤالنا موجهة لوزارة الاسكان في الغالب – ألم يأن الأوان بعد لإصدار قانون أو تشريع ينص على أن تبنى البيوت في البحرين بطريقة العزل الحراري ؟ وأن يتم تصغير حجم النوافذ أو تغطيتها بستائر سميكة ؟

وأخيرًا، نعود إلى موضوع التخطيط المستقبلي السليم، الذي تحدثنا فيه عشرات المرات، وتحدث فيه الكثير من الزملاء الصحفيين، فلا نريد أن نكرر ما قلنا، ولكننا قبل أن نختم نطرح هذا السؤال: حتى متى لا نفكر بعقلية المستقبل الآتي لا محال ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق