السبت، 31 يناير 2015

الموظف الناجح يتميز

 

تاريخ النشر في جريدة أخبارالخليج :١ فبراير ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

يتوقع الموظف في لوصول إلى مناصب أفضل بكثير مما يكون عليه في هذه اللحظة، فمنا من يريد أن يكون مشرفًا لوحدة، ومنا من يريد أن يكون رئيسًا لقسم، وربما تتزايد طموحاتنا فتصل إلى الرغبة وصولنا إلى منصب مدير وما إلى ذلك.
وليس مستبعدًا وصولنا إلى كل تلك المناصب ولكن كما يقول العرب (وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا)، وهذا يعني أن وصولنا إلى كل تلك المناصب يتم بالاجتهاد في العمل بل والتميز فيه. ونعتقد كما يعتقد غيرنا أن النجاح ليس نهاية مطاف الإنسان، وإنما التميز في النجاح هي القضية التي تستحق أن يبذل في سبيلها الإنسان كل جهده، فالنجاح يصنع في نفسك الرضا بما فعلت وأما التميز فإنه يصنع منك نجمًا بين أقرانك.

وقع أمامي ذات يوم هذا الحادث وجرى هذا الحوار وأنا اسمع، كان هناك مريض يقف أمام مكتب الاستقبال في أحد المستشفيات الخاصة، وقف فترة ينتظر وموظف الاستقبال يلعب ويتكلم في التليفون، فما كان من المريض إلا أن يقول بعد طول انتظار: السلام عليكم ورحمة الله، لو سمحت.
الموظف: وعليكم،
المريض: لو تكرمت ممكن..؟
الموظف (يقاطعه): انتظر (ثم يرفع سماعة الهاتف ويبدأ بإجراء اتصال هاتفي) أف.. أف الخط مشغول.
المريض: لو تكرمت ممكن..؟
الموظف: قلت لك انتظر، ألا تفهم؟
المريض: يا أخي لا يصح ذلك الذي تعمله.
الموظف: ومن أنت حتى تعلمني الصحيح؟
المريض: أنت تعمل هنا لخدمتي وليس لإجراء مكالماتك الخاصة.
الموظف: أنا أعمل هنا على قدر ما يعطيني المستشفى من راتب.
المريض: وما علاقة راتبك بخدمتي؟
الموظف: راتبي مائة دينار في الشهر، وعلى قدر ذلك أخدم المستشفى وعملاءه.
وما كان من المريض إلا أن يغادر المستشفى ويبحث عن مكان آخر يلجأ إليه.
فهل مثل هذا الموظف سينجح حتى يصل إلى درجة التميز ؟ مثل هذا الموظف تزخر به لا بل وتضج به مؤسساتنا العامة والخاصة، وعلى الرغم من ذلك فإن مثل هذا الموظف يطالب في نهاية كل سنة ببعض الامتيازات شأنه شأن زميله المجتهد، وإن لم يحصل على ما يريد فإنه تذمر ويتكلم عن الاضطهاد والتفرقة وما إلى ذلك.
وفي الحقيقة كلنا نطمح لبلوغ مرتبة التميز والنجومية في وظائفنا، فكيف السبيل إلى ذلك ؟ ومرة أخرى نقول إنه ليس لدينا عصا سحرية ولا البساط السحري الذي يمكن للموظف أن يعتليه لبلوغ تلك المراتب، ولكن إن رغب في ذلك فعليه أن يجتهد ويشمر ساعدي الجد، لا أن ينام ويطلب المعالي وهو نائم، ويمكن اتباع بعض النقاط التالية التي قد ترشده إلى مراكز التميز وهي:


1ـ راقب الله واتقه قبل أن تراقب مديرك وتخاف منه: فالخوف من الله سبحانه وتعالي يزرع في نفسك نيل الرضا، وبالتالي تحسين أخلاقك وعملك وحياتك.
2ـ التزم بالتعليمات وتابع إجراءات العمل دون كسل: لكل عمل تعليمات ومواثيق وإجراءات وخطوات معينة، حاول أن تلتزم بها بقدر استطاعت، فإن فعلت فإن عادة ما تكون قد التزمت الجادة، ولكن لا تكون بيروقراطيًا كما يقال وإنما يفضل دائمًا أن تكون مرنًا على الرغم من التزامك بكل تلك الأنظمة.
3ـ حافظ على ملفاتك ومستنداتك منظمة وابق مكتبك مرتبًا: الترتيب والنظام في كل أمور حياتك وسيلة وأسلوب نجاح وتميز، فلا ترمِ الأوراق المهمة في أي مكان فربما تحتاج إليها في أي لحظة أو يحتاج إليها مسئولك في أي لحظة، فإن كنت منظمًا فإنك ستقول له ببساطة «ثوان وتكون عندك»، ولكن ماذا تفعل وماذا ستقول لو لم تكن منظمًا ولا تدري أين وضعت تلك الورقة المطلوبة؟
4ـ نوّع اهتماماتك وقراءاتك لإثراء حديثك وأطروحاتك: نحن شعب كلف بالقراءة وتوسيع مداركنا إلا أننا وللأسف لا نقرأ، ونعتبر القراءة عملية شاقة جدًا، وفي واحدة من الدورات التدريبية عندما كنا نتكلم عن القراءة قالت لي إحداهن: «تصور.. حاولت القراءة من خمس سنوات، وفتحت الرواية ولكن حتى اليوم لم استطع الانتهاء منها»، تصورا خمس سنوات والكتاب مركون على الطاولة ولم يفتح!
5ـ الثقة بالنفس، فأنت تمتلك مواهب وقدرات؛ فاحذر من الاستخفاف بذاتك: إن الله تعالي خلق لكل كائن حي مهمة وميزة وأهمية، فلم يأت أحد أو شيء إلى الدنيا إلا وله أهمية، حتى إن لم يكن يدركها هو، ولكن ليكن لديك يقين أنك مهم في مكان ما وفي شيء ما، فما عليك إلا أن تكتشف نفسك.
6ـ احترم مواعيدك ولا تتأخر عن العمل دون سبب أو عذر مقبول: عندما تعطي موعدًا – كإنجاز مهمة لمراجع أو زبون – فلا تسوف وتتخذ لنفسك أعذارًا، وإنما حاول أن تنجز عملك، ولا تكون مثل «عرقوب» الذي يضرب به المثل في عدم الوفاء بالعهد.
7ـ اعتمد على ذاتك وزد من حماسك وطور قدرتك على المبادرة: على الموظف وعلى الإنسان أن يعتمد على نفسه في كل الأمور وذلك اتباعًا للمثل العربي « ما حك جلدك مثل ظفرك»، ولكن هذا لا يعني أبدًا أن تغلق الأبواب على نفسك وتجلس وحيدًا وتبكي من غير أن تطلب العون من الآخرين وخاصة من الأشخاص القريبين لك، ولكن تأكد أنه لا أحد سيمد لك يد العون لفتح أبواب النجاح لك، وإنما يجب أن تحث نفسك وتعلمها بأنه يجب أن تفتح أبواب نجاحك بنفسك وتنطلق فيها، وأقصى ما يمكن أن يفعله المحب لك أن يشير إلى أبواب النجاح ويقول لك «تلك هي الأبواب فقم وافتحها وانطلق».
8ـ فكر بإيجابية في كل المواقف: الإيجابية مطلوبة دائمًا، فلا تفرط في هذا النوع من التفكير إن كنت ترغب في التميز.
9ـ الاعتزاز بالمهنة وحبّ العمل، فمن أحب شيئًا، أخلص له.
10ـ الإحساس بالرضا عن العمل: كثير منا لا يشعر بالرضا عن العمل الذي يقوم به، وهذا أمر جيد إن كنا نتحدث عن عمل لا يعادل مستوى تفكيرنا وجهدنا، وعليه فإنه يجب أن نبحث عن عمل يرتقي بنا ونرتقي به، لا أن نجلس ونندب على أنفسنا ونبكي ولا نحرك ساكنا.
11ـ حسن الاستماع والإصغاء للزملاء والمراجعين: يجب أن نتحلى بثقافة الإصغاء لكل من حولنا، فإن هذه السمة ستؤهلنا ليس للنجاح فحسب وإنما للتميز.
12ـ الفهم الصحيح للمهنة: فلا تذهب إلى عمل جديد إلا بعد أن تعرف كل ما يمكن معرفته عنه، الكثير منا يعمل لأجل الراتب، وهذا حق، ولكن لماذا لا نأخذ مع الراتب أفكارا جديدة وسعة أفق في التفكير وعلما نافع، هل هذا صعب ؟ العمل يمكن أن يعلمنا الكثير إن رغبنا في ذلك.
13ـ تجنب مصادر القلق والصراع: عادة ما يحدث خلاف في العمل بين فلان وفلان، فلا تأخذ موقف من فلانا لأنه تنازع مع صديقك، وإنما حاول أن تكون حياديًا بقدر الإمكان، كما أن على الموظف الذي يسعى للتميز وألا يثير النزاعات والجدل الطائفي أو العرقي بين الموظفين والعاملين فإن ذلك سيجعله تحت علامة استفهام كبيرة.
14ـ احترم القيم وعادات المجتمع والمؤسسة التي يعمل بها: من لا يحترم قيم وعادات المجتمع الذي يعيش فيه، فلا يُحترم، وكذلك فإن لكل مؤسسة عادات وقيما فحاول أن تحترمها، وإن لم تكن مقتنعًا بها.
15ـ احترم الجمهور وقدّم كل خدمة ممكنة: إن كان عملك – أيها الموظف – يعني بتقديم الخدمات للجمهور الخارجي فلا تتوان عن ذلك، فهذا الجمهور هو الذي يقدم راتبك وهو الذي يجعل من المؤسسة التي تعمل فيها مؤسسة جيدة، فإن أسأت أنت فإن المؤسسة كلها تعدّ مسيئة.
16ـ القدرة على تحمل مشاكل العمل: قد يحتاج عملك – في بعض الأحيان – بذل جهد إضافي فلا تتوان في ذلك، ولا تتذمر، ولا تقل إني أقوم بعملي بقدر الراتب الذي يعطى لي، وإنما يجب أن تعمل وأن تتحمل مشاكل العمل مهما كانت، فإن هذا يميزك.
17ـ القدرة على معالجة الأمور بحكمة وحنكة: الكثير منا يغضب ويتذمر بسبب ومن غير سبب فلا تكون منهم، وإنما إن حدث فعل لا ترغب فيه فلا تغضب وإنما حاول ان تكون حكيمًا في مثل هذه الأمور، وبقدر الإمكان.
18ـ تنمية روح الانتماء للمؤسسة وحب العمل: الانتماء للمؤسسة التي تعمل بها هي الروح التي تعطيك الإحساس بالرضا الوظيفي فلا تفرط في هذا الانتماء فتفقد روح العمل.
19ـ التعامل مع الرؤساء والزملاء أيًا كان مركزهم بطريقة مهذبة لبقة وحسنة.
20ـ امتلاك الدافع الداخلي أو الذاتي: لا تنتظر في كل عمل تقوم به الشكر والإحسان، وإنما اجعل المكافآت والهبات ورسائل الشكر مجرد أمور عادية إن جاءت فهي حسنة ومرغوبة، ولكن إن لم تأتِ ففي داخلك مولد يمكن أن يولد فيك وفي غيرك روح العمل.
21ـ المبادرة إلى العمل والتطوير: حتى لو لم يطلب منك تطوير العمل فيمكن أن تقدم مقترحات إن كانت لديك مقترحات، قدمها واكتبها على ورق واحتفظ بنسخة منها عندك، فإن لم تنفذ اليوم فربما تنفذ غدًا.
22ـ الحرص على كتم أسرار العمل: لا تنقل أسرار العمل إلى خارج أسوار العمل، فإن ذلك ليس من أخلاقيات العمل الحسنة.
23ـ الصدق مع النفس والآخرين: مهما أمكنك أن تكذب على الآخرين فإنه من المستحيل أن تكذب على نفسك، لذلك وفي المقابل حاول ألا تكذب على الآخرين حتى تنال رضا نفسك عن نفسك.
24ـ المظهر المناسب للعمل: لا تذهب إلى العمل بملابس لا تليق، احتفظ بشكلك وهيئتك وملابسك نظيفة، فلا أحد يريد أن يرى كآبتك وحزنك، واستحم وكن نظيفًا، فإن النظافة رديفة للإسلام.
25ـ المؤهلات العلمية المناسبة: يفضل دائمًا أن تكون مؤهلاً، وإن لم تكن فلا تسخر منهم ولا تقل «إنهم لا يعرفون شيئا وأنا أفضل منهم»، حتى لو كانت خبرتك تفوقهم، فالمؤهلات سلاح وأدوات يمكن استخدامها في شق الطرق الوعرة.
26ـ الاجتهاد: عشرات بل آلاف المرات يمكن أن نقولها: اجتهد، فالسماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، يجب أن تتعب وتجتهد حتى تصل إلى مرادك.
27ـ الحس الوطني: يجب أن تفتخر انك مواطن في هذا البلد، فوطنك هو الذي يكرمك، فلا تعتقد انه عندما تهاجر إلى بلد آخر سيتم تكريمك حتى لو غلّف كل الكلام بورق السلوفان، فلا كرامة لإنسان إلا في وطنه.

عمومًا، هذه بعض الوسائل التي لو أخذ بها الموظف، فإنها ستوصله إلى مرحلة التميز لو رغب هو بذلك، وهذا يتوقف دائمًا على النفس البشرية.

السبت، 24 يناير 2015

كيف أتميز على غيري؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٥ يناير ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

بعد أن نشرنا المقال السابق (أيقظ التميز بين جنبيك) في الأسبوع الماضي، وصلتني ثلاثة رسائل عبر البريد الإلكتروني، كلها تركز على موضوع واحد وهو باختصار: أنا أريد بالفعل أن أتميز ولكن كيف؟ لا أعرف السبيل ولا أعرف الطريق؟ حتى إن أحدهم أضاف بقوله «لا تقول لي اقرأ الكتب الموجودة في الأسواق، فقد قرأت جلها ومع ذلك لم أحقق تقدمًا».
في الحقيقة، أنا أعتقد أنه لا يوجد سبيل واحد ولا طريقة واحدة لبلوغ التميز، كما يجب أن نلاحظ إننا لا نتكلم هنا عن النجاح وإنما نتكلم عن التميز في النجاح، نتكلم عن التفرد وسط مجموعة كبيرة من العاملين في نفس المجال، نتكلم عن النجومية بين العديد من النجوم اللامعة ولكنها أقل لمعانا منك، فكيف تصبح لامعًا في البداية ومن ثم كيف تصبح أكثر لمعانا منهم؟

إذن، ببساطة كيف نتميز وسط النجوم؟
1- معرفة نقطة التميز: أول أمر يجب أن تعرفه هو ما النقطة التي تتميز بها؟ فهل أنت حرفي، نجار أو ميكانيكي أو ما إلى ذلك؟ أم أنت كاتب؟ أم أنت مفكر؟ يجب أن تتوصل إلى قرار، ونعتقد أن هذا الأمر يحتاج إلى تفكير ومراقبة النفس وفي النهاية إلى اتخاذ قرار. وقد يكون هذا الأمر صعبا على العديد من الناس، لذلك فإننا نجد أن المتميزين قليلون، وعليه فإننا يجب أن نبدأ بهذه النقطة، وقد تمر سنوات ونحن عاجزون عن بلوغها، ولكن في النهاية يجب أن نصلها إن قررنا أن نتميز في مجال وجودنا. ويجب أن نعرف أنه ما من كائن في هذا الكون إلا ولوجوده معنى فأبحث عن معنى لوجودك مهما تأخر اكتشاف ذلك، فإن جاء متأخرًا خير من أن لا يأتي.
2- الذكاء: ونحن هنا لا نحتاج إلى عبقرية وذكاء خارق، ولكن نحتاج إلى نوع من الذكاء في مجال التميز، فمن غير المعقول أن تقول للبشر أنك متميز في الديكور الداخلي للمنازل وأنت لا تعرف أن ترتب بعض المخدات! أو أن تقول أنك متميز في حرفة النجارة وأنت لا تعرف كيف تستخدم المسطرة للقياس! أنت محتاج إلى ذكاء يتفوق على الناس العاديين يساعدك على الاجتهاد والاتقاد الروحي، وذكاء فطري يساهم في شق دروب التميز. ويذكر الإمام السيوطي في ترجمة الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه من كتابه (تاريخ الخلفاء): «وهو مع ذلك من أذكى عباد الله وأعقلهم». كما يروي ابن الجوزي في (المنتظم) خبرًا عن التوزي يقول فيه: «اجتمعنا بمكة، أدباء من كل أفق، فتذاكرنا أمر العلماء، فجعل أهل كل بلد يرفعون علماءهم ويصفونهم، حتى جرى ذكر الخليل فلم يبق أحد منهم إلا قال: الخليل أذكى العرب، وهو مفتاح العلوم ومصرفها»، يعني به الخليل بن أحمد الفراهيدي، صاحب العروض.
3- القراءة والعلم: اسأل نفسك هذا السؤال: كيف يمكنك أن تتقدم في المجال الذي ترغب في أن تتميز فيه وأنت لا تقرأ فيه أو حتى لا تحاول أن تتعلم من علومه الأمور الجديدة كل يوم؟ والاطلاع على ثقافة وعلوم الآخرين، حتى لو كانوا منافسين من الأمور التي تعمل على توسيعِ المدارك، ورفع نسب الإبداع، أما التشرنق على الذات، وسجن العقل في محابس المكان والثقافة المتعود عليها، فلا يؤديان إلا إلى «العادية»، وفي هذا المعنى يقول أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه: «من أراد أن يكثر علمه، فليجالس غير عشيرته». قال الشاعر الألماني (راينر ماريا ريلكه): «إذا أردت أن تكتب سطرًا شعريًا واحدًا، يجب أن تكون قد زرت مدنًا كثيرة، ورأيت أشياء كثيرة، وقطفت زهورًا كثيرة». وابن بطوطة لم يلقب بأمير الرحالين لأنه جلس في منزله وتخيل المدن والدول ولكنه غادر مسقط رأسه طنجة وانتقل بالفعل إلى كل تلك الدول، فهل نذكر ابن بطوطة ؟
4- دراسة حقل الاختصاص والتميز: ونؤكد مرة أخرى وفي هذه النقطة لزيادة التعمق في المجال الذي نرغب التميز فيه، نعرف كل صغيرة وكبيرة فيه، حاضره وماضيه، من هم علماؤه ومن هم الذي حاولوا أن يسبروا غوره ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك ولماذا؟ ما الأدوات التي يحتاجها من يرغب الإبحار في هذا المجال؟ هل تحتاج إلى دراسة جامعية وشهادة تخصص؟
5- تحديد الهدف ووضع خطة: من غير المعقول أن تسير في خط وطريق وأنت لا تعرف إلى أين يؤدي هذا الطريق كيف تسير فيه وكيف يمكنك اجتياز مشاكله؟ فلا تتوقع أبدًا أن الأمر بسيط وأن الطريق وردي ومنثور بالورود، فضع خطة واضحة وربما خططا بديلة فإن فشلت في تحديد هذه الخطة فيمكن أن تسلك الخطة البديلة؟ فهل وضعت خطتك للوصول إلى التميز في هذا الطريق؟ فليس من المعقول أن تركز على الهدف ولا تعرف كيف يمكن الوصول إلى تحديد الهدف.
6- الجودة في اختيار الأدوات والآلات وكذلك الجودة في استخدامها: يجب أن نعرف أن الأدوات ونوعيتها تلعب دورًا رئيسًا في عملية الإبداع والتميز، فالرسام الذي يدهشنا بلوحاتِه الفنية البديعة، لم يدهشنا إلا بعد أن جند لفنه ضروبًا شتى من أدوات الرسم المختلفة في أنواعها وأحجامها وأغراضها، وبمواصفاتٍ نخبوية فاخرة من الطراز الأول جودة ونوعية. والأمر نفسه ينطبق على أدوات المصور، والمخرج، والطبيب، وخبيرة التجميل، والطاهية ونحوهم من المبدعين.
7- ترك التقليد: فبين التقليد والإبداع منافرة شديدة، ولا يمكن أن يتميز من يعتمد على تقليد الآخرين ومحاكاتهم في نجاحاته، مهما نجح في النسخ واللصق والاستنساخ إلا أنه في لحظة ما يقف ويفشل. نعم، يمكننا أن نستفيد من الآخرين ونتعلم من نجاحاتهم ولكن إلى درجة معينة فلا نقلدهم التقليد الأعمى؛ وإنما نستفيد منهم ونطور ونفكر ونبدع، حتى نصل إلى درجات من التميز لم يصل إليها الأسبقون.
8- الروح المتطلعة للتميز: فلا يمكن لإنسان يرغب في التميز أن لا يمتلك تلك الروح الشغوفة بتلك المهارة التي تغلي في نفسه وترغب في البروز، يجب أن تكون روحه كلها متشربة من هذا التميز، كل خلية من خلايا جسمه تصرخ من ضغط التميز عليها، تأخذ كل مساحة من مساحات فكره، فلا يعجز ولا يفتر ولا يبرد، بل نجده دائمًا في حال من التوهج والركض والحماس.
9- الثقة بالنفس: يعد الشخص المميز شخصا واثقا من نفسه، مؤمنا بأحلامه، لا يستكين ولا يتهاون، ومتى أراد بلوغَ القمة بلغها، والمثبطون من خلفه لا ينفكون يحذرونه مما ينتظره في القمة. قال العالم النفسي (وليام جيمس): «إن الفكرةَ الجديدة تتهم بالسخف في البداية، ثم بالتفاهة بعد ذلك، وفي النهاية تصبح شيئًا معروفًا لكل الناس».
10- الترحيب بالنقد البناء، وعدم الالتفات إلى النقد الهدام: إن الثقة بالنفس لا تعني أبدًا أن لا نسمع إلى الانتقادات البناءة التي تحاول أن تعلمنا أخطاءنا وترشدنا إلى نقاط الضعف فينا، وخاصة لما تأتي من معلمينا الذين يحاولون أن يقننوا خطواتنا ويقلصوا في الزمن حتى نصل إلى مبتغانا، فنحن نتعلم من أخطائنا أكثر مما نتعلم من نجاحاتنا، ولكن علينا أن نحذر من المتشككين والمثبطين في قدراتنا ومن هممننا. فربما نخطئ في الوصول إلى مبتغانا من الخطوات الأولى، وربما نمضي جزءا من عمرنا ونحن نعاني الأمرين ولم نبلغ ما نريد، ولكن كل هذا يجب أن يكون دافعا لنا حتى نصل، فكل خطأ نرتكبه يجب أن يزيد من عزمنا على بلوغ النجاح. وعندما سأل أحد الصحفيين توماس أديسون عن شعوره حيال 25 ألف محاولة فاشلة قبل النجاح في اختراع بطارية تخزين بسيطة، أجاب: «لست أفهم لم تسميها محاولات فاشلة؟ أنا أعرف الآن 25 ألف طريقة لا يمكنك بها صنع بطارية، ماذا تعرف أنت؟» وعن اختراع المصباح الكهربائي الذي حققه بعد ألفي مرة من التجريب الفاشل يقول: «أنا لم أفشل أبدًا، فقد اخترعت المصباح في النهاية. لقد كانت عملية من ألفي خطوة، ولا بد من اجتيازها للوصول إلى ذلك».
11- اغتنام فرص الإلهام: لم يكتشف أرشميدس قانون الطفو بصورة اعتباطية، ولم يكتب أمير الشعراء قصائده وهو نائم، ولم يكتشف الرازي كتابه الحاوي من غير أن يعاني وأن يجرب لذلك وفي الحقيقة فإن الإنسان يحتاج إلى لحظة من الإلهام، فإن جاءت فيجب أن يستغلها وألا يتركها تتطاير من بين يديه مع نسمات الهواء، فارشميدس عندما وجد نفسه يطفو في حوض السباحة صرخ «وجدتها» ثم راح يكتب لحظة إلهامه، وكذلك نيوتن عندما وجد التفاحة تسقط من الشجرة. قال الشاعر الفرنسي (بول فاليري): «إن الإلهام يأتي الشاعر بأول بيت، ثم عليه أن يواصل كتابة القصيدة».
12- الشجاعة والجسارة: لابد من المجازفة والاستعداد لخوض المخاطر، ومواجهة الإحباط، فالأمور المميزة تتسم عادةً بالغرابة، وكل ما هو مستغرب كثيرًا ما يجد الرفض والاستهجان عند أصحاب العقول التقليدية.
13- الصبر والمثابرة: لم يكن التميز يومًا ما وليد الصدفة أو السرعة أو الإلهام فحسب، بل هو نتاج سنوات عديدة من الصبر والكفاح والعمل الدؤوب، وإجهاد الطاقة، واستفراغ الوسع، لإخراج هذه الباقة البديعة المغلفة بشكل فاتن مما نرى ونسمع، ونلمس ونشم ونستشعر بكل حاسة من حواسنا، تلك الهدايا التي لا تملك أحداقنا إلا أن تتسع إعجابًا بما تحمل في بطنها من معجزات التميز والتفوق والإبداع.
14- إدراك قيمة الوقت: يجب أن نعرف دائمًا وأبدًا أن الزمن يسير إلى الأمام، ولا يتراجع لحظة واحدة إلى الوراء، فكل دقيقة من العمر تمضي تموت ولا تبعث ثانية، ومن يعرف قيمةَ الوقت لا يجلس مكانه وينتظر أن تمطر عليه السماء ذهبًا ولؤلؤًا وياقوتًا، بل يستثمر كل لحظةٍ من عمره وكأنها آخر لحظةٍ من عمره، فيجب أن يغتنمها.

الخلاصة، إن كنا نرغب في التميز فعلنا أن نعمل ونعمل ونعمل وأن نستمر في العمل حتى نصل إلى مبتغانا مهما طال الطريق وشق، فالأمور الرائعة لا تأتي بسهولة، أما الأمور التي تأتي بسهولة فإنها أيضًا تطير بسهولة.

الاثنين، 19 يناير 2015

قضية اللحوم الفاسدة

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٠ يناير ٢٠١٥

الدكتور زكريا خنجي

لو استطعت أن أحصر كل المقالات التي كتبتها من خلال هذه الصفحة عن الأغذية وفسادها وتلوثها لتحولت إلى مجلدات، ولكن لا أحد يسمع ولا أحد يستجيب، وكأننا نتكلم في قضايا لا تهم أحدا.
ولكن فجأة تطفح قضية على السطح، فيتحدث بها الناس ويلهون، وتمتلئ بها وسائل الإعلام وتقام الندوات والمنتديات، وما هي إلا هنية حتى ينتهي كلام الناس عن الموضوع، فيلهو الناس عن الموضوع ليتحدثوا عن موضوع آخر، وهكذا تستمر الحكاية، وفي النهاية نلام لأننا لم نتحدث عن هذا الموضوع أو تلك القضية.
قضية اللحوم الفاسدة – أيها السادة – هي ليست قضية محورية في هذا المجال، دعونا نتكلم عن كل تلك الكميات من الأغذية التي تدخل البلاد، ترى كم منها يفحص؟ وما نتائج الفحص؟ وعن ماذا نبحث عندما نفحص؟ كم منها فاسدة أو تحوي بكتيريا التسمم وكم منها صالحا للاستهلاك الآدمي؟
هل يتم فحص الأغذية للتأكد من التلاعب في الجينات؟
هل يتم فحص الهرمونات؟ وأي نوع من الهرمونات التي تفحص؟
هل يتم فحص المبيدات الحشرية؟ وأي الأنواع من المبيدات الحشرية التي تفحص؟
وقائمة طويلة من الاختبارات التي من المفروض أن تتم، فهل تساءلنا عنها؟ أم فقط لأن اللحوم الفاسدة ظهرت على السطح فتقافزنا ورفعنا أصواتنا لأنها واضحة للعيان؟
نحن هنا لا نشك في قدرات الجهات الرسمية والحكومية، ولكننا على الرغم من ذلك نريد الشفافية في هذا الموضوع.
كما أننا نوجه إلى السادة النواب هذا الكلام، أتعرفون كيف فسدت تلك اللحوم؟ هل تعرفون كيف تجلب اللحوم المبردة من الدول الأخرى؟ أتعرفون ماذا يعني أن اللحوم المبردة فاسدة؟ هل يمكنكم أن تدخلوا في موضوع فساد الأغذية أعمق من هذا الموضوع السطحي؟ إلى أين يمكن أن تصلوا وإلى أي عمق؟
لا نشك في أحد، ولا نوجه الاتهام إلى أحد ولكن فقط نسأل ربما لامست أسألتنا بعض الآذان التي تسمع.

كائنات فطرية - شيطان البحر الأسود

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٠ يناير ٢٠١٥

الدكتور زكريا خنجي

شيطان البحر الأسود ليس سوى سمكة من الأسماك التي تعيش في القاع والتي تعرف باسم سمكة «أبو الشص» أو «السمك الصياد»، ويعرف بالإنجليزية (Anglerfish)، سمك أبو الشص هو من أضخم أنواع السمك في القاع البحري، وهو ذو رأس ضخم مسطح وفم عريض وعلى رأسه شبه طعم يغري به صغار السمك. واستمد سمك أبو الشص اسمه من الزائدة التي تبرز من مقدمة رأسه، والتي يستخدمها في صيد طعامه، لأنها تشبه الطعم الذي يوضع في شص الصنارة.
وهي أسماك عظمية تتواجد في جميع أنحاء العالم، بعضها بحري، والبعض الآخر قاعي، البعض يعيش في أعماق البحار والبعض الآخر على الجرف القاري، يصل طول جسم الكبار حتى 2 متر، وتزن ما يصل إلى 0 كجم، في حين يصغر حجم الذكر كثيرًا عن ذلك. ومعظم البالغين الإناث تمتلك جهاز إنارة على الطرف الظهري وقد افترض أن هذا الجهاز لخدمة غرض واضح من استدراج الفريسة في الظلام، والبيئات في أعماق البحار، ولكن يخدم أيضًا لفت انتباه الذكور إلى الإناث لتسهيل التزاوج.
ومعظم أنواع أسماك أبو الشص لديها فم واسع يمتد في جميع أنحاء المحيط الأمامي من الرأس، وشرائح الأسنان تميل داخل كلا الفكين، وهي أسماك قادرة على نفخ كل من الفك والمعدة إلى حجم هائل، لأن عظامها رقيقة ومرنة، وتسمح لها بابتلاع فريسة تصل حجمها إلى مرتين مثل جسمها كله. والعديد من أنواع أسماك أبو الشص سكان أعماق البحار، مما يشكل تحديًا لعلماء البيئة الذين يأملون في دراسة ومراقبة الأسماك، مورفولوجيا أسماك أبو الشص تعكس قيمة الحفاظ على الطاقة لهذه الكائنات الحية التي تعيش فريسة في بيئات شحيحة للغاية في كثير من الأحيان.
وصرح العلماء بأنهم لم يصادفوا حتى الآن ما هو أغرب من هذه النوعية من الأسماك، وخاصة في ذكورها التي تتغذى وتتزاوج، بأن يلصق الذكر نفسه بإحدى الإناث ويكون مندمجًا مع جسمها ويتغذى من دمها، لهذا فإن طول الإناث يصل إلى مترين، ومن الغرائب أيضًا أنها تضع ما يفوق المليون بيضة مجتمعة في كتلة واحدة.
ويفقس البيض ما بين مايو ويونيو في المياه البريطانية، وبين يونيو وأغسطس في شمال المحيط الأطلسي، ويصل أعداد البيض إلى مليون وترد في عصابة من المخاط نحو طول عشرة أمتار، وتفقس عن اليرقات بطول 40 سم في سن أربع سنوات للذكور، وبطول 70 سم في سن ست سنوات للإناث، ويقدر أن هذه الأسماك قد تعيش مدة 20 عامًا أو أكثر.

 

Foto4036

Foto4037

Foto4038

السبت، 17 يناير 2015

أيقظ التميز الذي بين جنبيك

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج:١٨ يناير ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

أنا من الذين يؤمنون بأن كل إنسان يتمتع بقوة ذكاء في جانب معين، فإن استطاع هذا الإنسان خلال فترة حياته أن يتعرف على هذا الجانب وأن يطوّره ويستغله فإنه حتمًا سيتميز على أقرانه حتى وإن لم يكن أذكى الموجودين، وهذا هو التميز.
قال لي أحدهم ذات يوم: ليس مهمًا أن تكون قد تخرجت في الجامعة بدرجة ممتاز لتكون ذكيًا، وليس من المهم أن تكون ذكيًا في كل جوانب الحياة حتى تكون مميزًا، وإنما يجب أن تتميز في جانب أنت قادر على استملاك كل أدواته، ليس ذلك فحسب وإنما استغلال كل تلك الأدوات والاستفادة منها بأقصى قدر ممكن حتى تتميز وتصبح نجمًا في السماء، انظر إلى الفنان عبدالحليم حافظ يقال انه لم يكن أجمل الأصوات ولكن انظر إليه عندما يعتلي المسرح ويبدأ في الغناء، هذا الفنان استطاع أن يستفيد من قدرات صوته وأبعاده فاستطاع أن يستخدم كل تلك المساحات الصوتية التي أتيحت له وكل تلك الإمكانيات فأصبح نجمًا. أ. هـ.
وفي اللغة العربية فإن التميز يعني التفرد، والاتصاف بأوصاف تشتهر بها ولا يشتهر بها غيرك، وفي المعجم الوسيط: (امتاز الشيء) تعني بدا فضله على مثله، وكذلك (التميز يعني الرفعة)، وفي القاموس المحيط: (استماز الشيء) تعني فضل بعضه على بعض.
وعرف مكتب التربية الأمريكي عام 1972 م الأفراد المتميزين بأنهم الأفراد المؤهلون بدرجة عالية، والذين يتميزون بدرجات عالية من الأداء، وفي تعريف آخر، عرف الفرد المتميز بأنه صاحب الأداء العالي مقارنة مع المجموعة العمرية التي ينتمي إليها في قدرة أو أكثر.
كما عرف العالم التربوي رنزولي التميز بأنه تمتع الفرد بقدرات فوق المعدل العادي، والتمتع بالقدرات الإبداعية، وقدرات العمل والإنجاز.
ومصطلح التميز مصطلح براق شديد التوهج، يعكس أوجه الفرادة للوهلة والاختلاف مع التمكن الذي يمكن به الظهور على الآخرين والتفوق عليهم، وهو مظهر من مظاهر التفوق لدى الشخصية القيادية الناجحة، أو هو حالة من التفرد النوعي الذي يكتسبه المرء بسبب كفاءات خاصة تفاضله عن باقي أقرانه في مجال ما، وهو دليل على وجود الرغبة في الإبداع والتغيير عند الشخص المميز، إذ لا يمكن الحديث عن التميز عند الشخصية الاتكالية أو الانهزامية أو الخاملة.
و يعتبر الدكتور الفقي التميز عملية إنتاجية ذاتية بمقدور كل فرد أن يقوم بها بشرط أن يدرك قيمة ما أودعه الله فيه من قدرات ومواهب تؤهله للتميز، فيقول في هذا الصدد «التميز منتج أنت المسئول عن صناعته، فهو كامن بداخلك فما عليك إلا أن تبحث عنه وتصبح جاهزًا لصناعته بنجاح متواصل على المستوى النفسي والعملي، فمثلاً الهواء إذا لم تكن رئتاك سليمتين وجاهزتين لاستنشاقه وتنقيته فلن تستطيع التنفس،... وعليك أن تؤمن بهذا المنتج وقدرتك على وصول عقلك إليه، فمخك له 4 وظائف أساسية تساعدك على الإنتاج هي: الاستدلال أو التعلم والإدراك، اكتساب المهارات، الابتكار».
ونحن نعتقد أن الشخصية المميزة الناجحة هي تلك التي تسير في اتجاه معين ولكن ليس أي اتجاه بل الاتجاه المؤدي إلى الطريق الصحيح، وتتبع منهجًا خاصًا يقودها إلى النجاح، وصاحبها هو الذي يبدأ مشوار حياته في تحديد هدفه وطريقه ويضع خطة ومنهجًا يسير عليهما، ويستغل وقته ويومه بالشكل الصحيح.
وقد حثنا المصطفى صلى الله عليه وسلم على البحث في ذواتنا والغوص في أعماق مكنوناتنا لنستكشف ونضع أيدينا على نقاط قوتنا وذكائنا عندما قال «اعملوا فكل ميسر لما خلق له»، وبالتالي يمكننا أن نطور من أنفسنا، فليس المطلوب من الإنسان أن يعمل ويجد في كل الاتجاهات ولكن المطلوب منه أن يعمل ويجدّ في الجزء الذي هو ميسر له.
فعلى الإنسان السعي الدائم للتميز في كل أمر من أمور حياته، وذلك من خلال إتقان العمل، وبذل الجهد من دون رقيب، مع إخلاص النية لله تعالى، والتوكل عليه في كل هذه الأمور، فبذلك يكون قد وضع قدمه على أولى درجات التميز، فمع وجود الرغبة، وبغضّ النظر عن العمر وعن الظروف المحيطة، ثم البدء في تطوير أدائه وتفكيره، ومسايرة كل ما هو جديد من أبحاث وتجارب وخبرات وإبداعات تتناسب مع عقيدتنا، وحسن تخطيط مع تحمل الصعاب والأزمات في سبيل ذلك، والإيمان بأهمية دوره في الحياة، مع التحلي بثقة كبيرة بالنفس، فبهذا كله يستطيع أن يحقق درجات عالية من الأداء، ليصبح فردًا متميزًا.
وقد فهم الصحابيات رضوان الله عليهن هذا المضمون من التميز عندما طلبن من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخصص لهن يومًا. فعن أبي سعيد الخدري؛ قالت النساء للنبي: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يومًا من نفسك، فوعدهن يومًا لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن.. إلى آخر الحديث.
فالصحابيات شعرن بالرغبة في التميز أيضًا كما كان الرجال، وكان سؤالهن: لماذا يتميز الرجال عنا؟ أليس من حقنا أن نتعلم وأن نتميز؟
ويرى الباحثون أن من أبرز دوافع التميز:
1- الدافعية الشخصية للأفراد الذين يمتلكون حماسًا خاصًا نحو العمل.
2- الرغبة في التحدي والاندفاع نحو تحقيق الأهداف مع إيجابية تامة في التعامل مع الآخرين.
3- المرونة في التفكير وزيادة النشاط.
4- ارتفاع في القدرات العقلية والأدائية.
5- وجود حساسية تجاه المشكلات المحيطة مع رغبة جادة في إيجاد الحلول المناسبة.
6- احترام الذات والرغبة في تحقيق الاستقلال في جوانب عدة منها: التفكير وإصدار الحكم والتفرد والنظرة المختلفة للأشياء والقيادة.
7- الثورة الداخلية على الروتين والتقليد والرغبة في التعامل مع ما هو غير واضح ومعقد ومبهم.
8- تحقيق اتساع واضح وامتداد مستمر داخل الجماعة من خلال التفاعل المباشر مع قضايا المجتمع ومشكلاته.
9- الرغبة المستمرة في تحقيق النجاح وحب الاستطلاع والقدرة على تقديم مساهمات مبتكرة وجادة وأصيلة.
ترى كم نملك نحن وكم يملك أولادنا من هذه الدوافع؟ فإن كنا نملك ذلك فكم حاولنا أن نتطور فعلاً؟ وإن وجدنا في أولادنا هذه الرغبة في التميز فكم حاولنا تشجيعهم والأخذ بيدهم إلى طريق التميز؟ كم فردا منا يفعل ذلك؟ كم معلم أو معلمة استطاعا أن يثير حماس الطلبة للتميز من خلال المناهج الدراسية والأنشطة الصفية واللا صفية؟
هذه الصفة هي ما نبحث عنه عندما ندخل محل لشراء بعض الاحتياجات، فلماذا نصرّ على شراء نوع معين من التلفونات النقالة؟ لماذا هذه العلامة من العطر وهذا النوع من المكياج؟ لماذا نذهب إلى الشركة الفلانية عندما نريد تأمين السيارة؟ لماذا نذهب الى المصنع الفلاني عندما نرغب في صناعة بعض المنتجات الخشبية؟ كل ذلك بسبب أن هذه الجهات استطاعت أن تتميز في المنتج النهائي، استطاعت أن تجذب الزبون حتى وإن كانت توجد البدائل العديدة.
ولكن يجب أن نفهم أن التميز هاجس، يعيش داخل النفس البشرية، قلق دائم، اندفاع ذاتي وشخصي، يجعلك في الكثير من الأوقات تتقلب ولا تتمكن من الجلوس حتى تصل إلى مبتغاك، وعندما تصل إلى هذا المبتغى وتنجزه فإنك ببساطة تندفع إلى آخر، والسبب أنك تبحث عن الارتواء، ولكن في الحقيقة لن ترتوي إلا أنك دائمًا تعيش في حالة رضا مع نفسك، لأنك عادة تشعر أنك تميزت على أقرانك، وهذا ليس غرورًا بقدر ما هو معرفة قدراتنا وأنفسنا.
التميز والرضا به لا يعد جزءا من الغرور أو ما يشابه، وكذلك التميز لا يعني أن نجعل الناس تطأطئ رؤوسها لنا حتى نصعد على اكتافها، إنما التميز حالة من الإبداع والتجلي في النفس والذات، فإن تمكنا منها فإننا تمكنا من التميز وإن لم نتمكن فإننا نبقى أناسا مثلنا مثل غيرنا، جئنا إلى الدنيا ونغادرها من غير أن نترك بصمة.

الاثنين، 12 يناير 2015

أين تقبع البكتيريا الملوثة؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٣ يناير ٢٠١٥

الدكتور زكريا خنجي

وأنا أبحث في الموضوعات المتعلقة بالبيئة والكائنات الدقيقة وقع بصري على هذا التقرير بعنوان (ملابس الطاقم الطبي تنقل البكتيريا والجراثيم) جاء فيه أن دراسة فرنسية جديدة أفادت بأن ملابس الطاقم الطبي تبدو حافظة وناقلة للجراثيم والبكتيريا، وبينت النتائج أن 65% من محتوى ملابس الممرضات محملة بالجراثيم والبكتيريا، و60% من ملابس الأطباء ملوثة بالجراثيم، وتكمن خطورة هذه البكتيريا في نقل العدوى ومزيد من الأمراض للمرضى، وربما للأهالي والأطباء والممرضات، لذلك لم يكن أمام إدارة المستشفيات إلا أن تلزم الطواقم الطبية بتغيير ملابسهم يوميًا، أو استبدالها خلال اليوم الواحد، في حال كانت مدة العمل طويلة.
هذا الموضوع جعلني أتتبع وأحاول أن اطلع على أكثر الأماكن تلوثًا بالبكتيريا من غير أن نشعر، وخاصة الأدوات التي نستخدمها باستمرار، فتبين لي أن الأمور تحتاج منا – فعلاً – إلى إعادة النظر في الكثير من الإكسسوارات التي نستخدمها، فقد تبين التالي:
كشفت دراسة بريطانية أن «حقائب النساء» ملوثة بكميات من البكتيريا تفوق الموجودة في المراحيض العادية، وذكرت أن الاختبارات أظهرت أن واحدًا من كل خمسة أذرع لحقائب نسائية، يشكل موطنًا لأنواع من البكتيريا يمكن أن تشكل خطرًا على صحة الإنسان.
ليس ذلك فحسب، وإنما كشف البحث، أن أقذر العناصر الموجودة في حقيبة اليد العادية هو كريم اليدين، وأن عبوات كريم اليدين تحمل بكتيريا أكثر من قاعدة المرحاض العادي، بينما وجدوا أن وضع أحمر الشفاه وعبوات الماسكارا أفضل بقليل. وقال القائمون على الدراسة إن حقائب اليد الجلدية هي الأكثر تلوثًا بالبكتيريا، لأن نسيجها الإسفنجي يوفر الأجواء المثالية لنمو البكتيريا وانتشارها. واقترح الباحثون على النساء تنظيف حقائبهن بشكل منتظم بمناديل مبللة، أو جيل مضاد للبكتيريا لمنع انتشار التلوث ومسح أياديهم بعد ذلك.
وأفادت دراسة قديمة أن الأيدي المبللة تساعد على نشر البكتيريا في الجسم بشكل مضاعف مقارنة بالأيدي الجافة، وأكد علماء من عيادة مايو الأمريكية أن البيئة المبللة والرطبة تعد الأمثل لتكاثر البكتيريا، وهذا ما يفسّر وجود البكتيريا على الأيدي المبللة بشكل أكبر من الأيدي الجافة. وينصح الأطباء بغسل اليدين عند لمس أشياء عامة، كأزرار المصاعد وعربات التسوق والعملات الورقية فهي من أكثر الأجسام الحاملة للميكروبات.
خلصت دراسة أكاديمية إلى أن 88% من العملات الورقية تحتوي على بكتيريا معدية، تنتقل بسهولة عبر تداول العملات بين الأشخاص وخاصة الفئات الصغيرة. وبينت الدراسة التي أعدها باحثون في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة عام 2011، أن الإصدارات القديمة من الأوراق المالية كانت تحمل نوعين من البكتيريا، بينما الإصدارات الجديدة تظل «نظيفة» من الملوثات، بسبب عدم انتقالها بشكل كبير بين الأشخاص. وأوضح الدكتور أحمد الغامدي، الأستاذ المساعد واستشاري الميكروبات الطبية، ورئيس قسم التغذية العلاجية بكلية العلوم الطبية التطبيقية، ورئيس مختبر الأحياء الجزيئية التشخيصي بمستشفى جامعة الملك عبدالعزيز أن تداول النقود بشكل مستمر، بين أيدي فئات متعددة من الناس، بينهم السليم والمريض على حد سواء، وبين من يحرص على النظافة الشخصية وغسل الأيدي، وبين من لا يكترث، يؤدي إلى احتمال تلوث هذه النقود بأنواع مختلفة من الميكروبات، وبالتالي سهولة انتقالها بين المتداولين.
وأضاف الغامدي: «أجريت هذه الدراسة عدة مرات، وعلى فترات متباعدة، على الفئات الصغيرة من الأوراق المالية، كالريال وفئة الخمسة ريالات، باعتبارها الأكثر تداولاً بين جميع الشرائح، إلى جانب عملات أجنبية لعدد من الجاليات المقيمة في السعودية، وخصص البحث ضمن مقرر بحثي اشترك فيه طلاب وطالبات السنة الرابعة بقسم تقنية المختبرات الطبية بكلية العلوم الطبية التطبيقية بالجامعة».
وأثبتت الدراسة أن 88% من الأوراق النقدية من فئة الريال، التي تم اختبارها تحمل نوعين أو أكثر من أنواع البكتيريا، بينما كانت عينات الأوراق المالية الجديدة، كما يطلق عليها في مؤسسة النقد «الإصدار الخامس للريال» قبل تداولها، خالية من البكتيريا. وأشارت الدراسة إلى أنه كلما زاد تداول العملة الورقية، زادت إمكانية تلوثها بالبكتيريا، وكلما كانت متسخة أو مشوهة، كانت أكثر عرضة لهذا التلوث، مبينة أن معظم أنواع البكتريا المكتشفة نوع يسمى «المعزولة»، وهي بكتيريا طبيعية لا تسبب المرض إلا في حالات نادرة، أما النوع الثاني من البكتيريا وتسمى البكتريا «الانتهازية»، يمكن أن تسبب المرض في حال توافر العوامل المناسبة. وبينت الدراسة أن النوع الثالث من البكتيريا يشكل 38% من نسبة البكتيريا، وهي البكتريا العنقودية، التي يمكن أن تتسبب في بعض الأمراض السطحية كالتهابات الجلد، والدمامل، والتهابات ملتحمة العين، والتسمم الغذائي نتيجة لتلوث الطعام.
هذه نتائج بعض الأبحاث، والمواقع التي يمكن أن تكمن فيها أنواع مختلفة من البكتيريا، وهذه ليست دعوة لأن نتجنب التعامل مع الأشياء، ولكنها دعوة لأن نأخذ حذرنا عندما نتعامل مع الأشياء.

السبت، 10 يناير 2015

أهدافي.. كيف أحددها ؟ وكيف أصوغها ؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١١ يناير ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

في دورة من دورات التخطيط الشخصي، قال لي أحد المتدربين ونحن نتحدث عن جزئية تحديد وصياغة الأهداف: هل يعني أني لو وضعت لي هدفًا – ولنفترض – أن أربح مليون دينار، يمكنني أن أربحه ؟
طبعًا اختلفنا على موضوع الربح، فكيف يمكن أن تضع هدف من خلال أن تربح هذا المبلغ؟ فالهدف يجب أن يتم تحقيقه من خلال عمل، ثم سألته: كم راتبك؟ وكم توفر منه حتى يمكن أن تبلغ مدخراتك المالية مليون دينار؟ قال: راتبي لا يتعدى 300 دينار، ولا يبقى منه شيء في نهاية الشهر.
وعند هذا الكلام حدث حوار كبير، من خلال سؤال غبي ولكنه مهم: هل يمكن أن تبلغ مدخراتنا المالية مليون دينار بهذا الراتب؟
ولم ننته من هذا الموضوع حتى طرح أحد المتدربين سؤالا آخر، كم منا لديه هدف؟ وهدف مكتوب يسعى – بالفعل – لتحقيقه؟ الغريب أن من بين 30 مشاركا لم يرفع يده إلا شخصان، أما البقية فقد قال بعضهم ان لدينا أهدافا ولكنها غير مكتوبة لأننا لا نعرف حتى كيف تصاغ الأهداف، قال البعض الآخر نحن لا نعرف كيف نحدد أهدافنا، وهكذا انقسمت المجموعة إلى كل تلك الفئات، وقالت إحدى المشاركات: أعتقد اننا هنا لأننا – وليس نحن فقط وإنما فئة كبيرة من الناس – نريد أن نضع لنا خطة، حياتنا تجرى إلى ما لا نهاية ونحن نجري معها، ولا نعرف إلى أين.
في الحقيقة إن موضوع تحديد الأهداف وصياغتها ليس من الموضوعات السهلة، والتي يستطيع كل إنسان القيام بها، وإن لم تكن مستحيلة في نفس الوقت، فجميعنا يمكنه تحديد هدفه، وبعدما نحدد ماذا نريد بالتأكيد يمكننا صياغة ما نريد في جملة أو مجموعة جمل، ألا يمكننا ذلك؟ إلا اننا يجب أن نسال أنفسنا قبل ذلك ماذا يعني الهدف؟
والهدف – ببساطة – هي النتيجة التي نرغب في تحقيقها خلال فترة زمنية محددة، ويعد الوسيلة العملية في تحويل الرؤية من آمال وتطلعات إلى حقائق وإنجازات باعتبارها تمثل الأفكار الرئيسية في الرؤية.
وفي الماضي القريب كانت الأهداف توضع وفق منهجية محددة وواضحة، وهي من خلال تلك الكلمة المأخوذة من الكلمة الإنجليزية (Smart)، على اعتبار أن لكل حرف معنى واضح، مثال: (S) تعني (الدقة Specific)، و(M) تعني (قابل للقياس Measurable)، و(A) تعني (قابلة للتحقيق Achievable)، و(R) تعني (الواقعية Realistic)، وأخيرًا (T) تعني (تحديد المدة الزمنية Time based).
واليوم، وبعد العديد من الدراسات والمدارس الفكرية التي تناولت هذه الموضوعات تم إضافة حرفين للحروف السابقة وهي: (E) وتعني (التقييم Evaluate)، و(R) تعني (التنقيح Revise)، لتصبح الكلمة (Smarter)، أي الأذكى أو الأهداف الأذكى، ولنتدارس هذه المصطلحات:


1- الدقة (Specific): يجب أن يصاغ الهدف بكلمات واضحة ومعبرة بعيدة عن العمومية ولا تحتمل أكثر من معنى، حيث يجب أن يكون الهدف واضحًا لمن أعده ولمن سيقوم بتنفيذه.
وعادة ما نطلب الإجابة على الأسئلة الخمسة التي تبدأ بحرف (W)، وهي:
أ- ماذا (What): ماذا نريد تحقيقه؟
ب- لماذا (Why): لماذا نريد تحقيق هذا الهدف؟ أو ما الفوائد التي نجنيها من تحقيق هذا الهدف؟
ج- من (Who): من يشاركنا في تحقيق الهدف؟
د- أين (Where): أين يتم تحقيق الهدف؟ هل هناك موقع محدد؟
ح- ما (Which): ما المتطلبات والقيود المطلوبة والمفروضة لتحديد الهدف؟

2- قابل للقياس (Measurable): ينبغي أن تشتمل صياغة الهدف على تحديد واضح لما سيتم إنجازه، ويحتوي – في الغالب – على تحديد النسبة المراد تحقيقها ليمكن قياس ذلك التقدم المطلوب.
وعادة ما يكون الهدف القابل للقياس، أي ما هو إلا إجابة على أسئلة مثل:
أ- كم العدد/ أو الحجم/ أو النسبة؟
ب- بمعنى كيف أعرف أن العمل قد أنجز؟

3- إمكانية التحقيق (Achievable): يجب أن يتصف الهدف عند صياغته بالطموح القابل للتطبيق، بمعنى أن يتناسب مع الموارد والإمكانات الحالية والمتاحة مع الأخذ في الاعتبار توفر المدى الزمني الذي يسمح بتحقيق الهدف.
وعادة ما يكون الهدف المراد بلوغه يجيب على السؤال التالي:
كيف يمكن تحقيق ذلك الهدف؟

4- الواقعية (Realistic): ومن المتفق عليه أن تحتوي الأهداف على طموح يمكن الوصول إليه، حيث إنه من الخطأ أن يتجاوز هذا الطموح درجة الواقعية التي تؤدي إلى الفشل، كما لا يفضل أن تكون هذه الأهداف ضعيفة أو متواضعة أو أقل من الطموح المطلوب.
ويمكن للهدف التنفيذي أن يجيب (بنعم) على هذه الأسئلة:
أ- هل هذا الهدف يبدو من المجدي؟
ب- هل هذا هو الوقت المناسب لتحقيق الهدف؟
ج- هل هذا يطابق جهودنا الأخرى/ الاحتياجات؟
د- هل أنت الشخص المناسب لتحقيق الهدف؟

5- تحديد المدة الزمنية (Time based): دائمًا يجب أن يكون تحديد الهدف مرتبط بفترة زمنية يتوقع خلالها تحقيق الهدف، على أن تكون المدة الزمنية تتناسب مع حجم الهدف وأبعاده.
وعادة ما يكون للهدف فترة زمنية محددة قابل للتنفيذ، وللإجابة على السؤال (متى ؟):
أ- ماذا يمكنني أن أفعل بعد 6 أشهر من الآن؟
ب- ماذا يمكنني أن أفعل بعد 6 أسابيع من الآن؟
ج- ماذا يمكنني أن أفعل اليوم؟

6- التقييم (Evaluate): لا يمكن أن تظل الأهداف ثابتة لا تتغير فهي ليست صخورا وجلاميد، لذلك فإنها تحتاج إلى عملية تقييم مستمرة وذلك من أجل بلوغها وتحقيقها، ويجب أن يؤخذ في الاعتبار عوامل تغيير البيئة المحيطة والأفراد والأفكار خلال مراحل التقييم، مثل تغيير مسؤوليات العمل، أو تغيير في الموارد المتاحة وما إلى ذلك.
ولكن يجب أن نفهم أن عملية التقييم ليس لها وقت محدد، وإنما هي عملية ترافق وضع الأهداف منذ اللحظات الأولى حتى النهاية، مرورًا بجميع مراحل وضع الأهداف.

7- التنقيح (Revise): بعد أن تتم عمليات التقييم المستمرة فإنه يجب إعادة كتابة وصياغة الأهداف التي تحتاج إلى تغيير ومواصلة العملية باستمرار، حتى لا تتجمد الحياة من حولك.
وعملية التنقيح تمكنك لتكون قادرا على تغيير أهدافك (بالزيادة أو النقصان) اعتمادًا على نتائج التقييم الخاص بك في كل خطوة.
لنعود الآن إلى موضوع هدف صاحبنا الذي يرغب في كسب مليون دينار، يمكننا أن نقول إن هذا الهدف حق مشروع لصاحبة، ولكن هل صاحبنا حدد فترة زمنية لتحقيق هذا الهدف ؟ هل إمكانياته وموارده تسمح بذلك؟ هل هدفه واقعي بالمقارنة مع إمكانياته وموارده؟ كل هذه الأمور يجب أن تأخذ في الاعتبار عند تحديد الأهداف وصياغتها، فليس من الحكمة أن نضع هدفًا يصعب تطبيقه وعند مرور الفترة الزمنية المحددة نصاب بالإحباط لأننا لم نتمكن من تحقيق هدفنا، وليس من المنطق أيضًا أن نضع هدفًا دون المستوى بحيث لا يحتاج إلى جهد وعمل لتحقيقه، وكأنه هدف تحصيل حاصل.

الخلاصة، عند صياغة أهدافنا يجب مراعاة الأمور التالية؛ يجب أن تتم صياغتها بدقة في جمل واضحة، يجب أن تعبر عن واقعنا ولا يشطح بنا الخيال، يجب أن تكون أهدافنا قابلة للتحقيق، يجب أن تحوي على جميع أفكارنا الرئيسة، عندئذ يجب أن توضع على ورق، وهذه الورقة يجب أن تلازمنا حتى تحقيق هدفنا.

السبت، 3 يناير 2015

طفلي يسأل أسئلة محرجة!

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٤ يناير ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

ربما يبدأ الطفل بطرح الكثير من الأسئلة في بدايات السنة الثالثة من عمره، أو قبل ذلك بقليل أو بعده بقليل، وقد يستغرب الآباء – وخاصة الحديثين – من تلك الأسئلة لسذاجتها وبساطتها، ففي البداية لا تتعدى بعض الظواهر الكونية الطبيعية، مثل: ما الشمس؟ ولماذا تغيب؟ من أين يأتي القمر؟ ولماذا تمطر السماء؟ ما النجوم؟ وربما يسأل عن بعض الحيوانات التي تعيش معه وفي حياته.
وقد يجد الآباء أنه من غير الضروري الإجابة عن تلك الأسئلة السمجة والساذجة، فالقط قط، والمطر ما هو إلا قطرات من الماء تنزل من السماء، إلا أنه في الحقيقة وعلى الرغم من سذاجة هذه الأسئلة وبساطتها فإنها تبدأ في تشكيل علاقة الأبناء بالوالدين، حيث إن الإجابات الخاطئة أو التهرب من تلك الأسئلة يؤدي إلى زعزعة ثقة الطفل بوالديه، وكذلك فإن هذه الأسئلة وطريقة الإجابة عنها تشكل بدايات الهاجس الثقافي لدى الطفل.
يقول الدكتور مصطفى أسعد أن الطفل عندما يسأل فإنه يسأل لعدة أسباب، منها:
1. الرغبة في الاستطلاع والاكتشاف.
2. حاجة الأطفال إلى فهم كل ما يحيط بهم من ظواهر وأشياء؛ فمثلاً الطفل يرى الشمس تضيء نهارًا ثم تختفي في المساء لكنه لا يفهم من أين تأتي الشمس؟ فيكون هذا دافعًا ليطرح الأسئلة.
3. قلق الأطفال وخوفهم من الأشياء: وذلك لعدم وجود خبرة سابقة فمثلاً يخاف الطفل من الحيوانات حتى لو لم تهاجمه، لذلك يسأل ويكثر من تساؤلاته لكي يشعر بالأمن.
4. نمو قدرة الأطفال اللغوية: فحين يلقي السؤال تلو الأخر ليس حبًا في طلب الإجابة بقدر رغبته في ممارسة اللغة والتباهي بقدراته حاجه الأطفال إلى المشاركة الاجتماعية.
5. يتعلم حسن الاستماع: فعندما يسأل عن سؤال ويستمع للإجابة فهذا تدريب له على حسن الإنصات للآخرين.
6. فرصة للتواصل والمشاركة الوجدانية بين الآباء والأبناء.
7. تنمية ثقة الطفل بنفسه وبوالديه وتنمية احترامه لذاته.
وعقل الطفل وبالتالي أسئلته تتنوع في مختلف العلوم وربما يأتي بها من مختلف الأقطار، وفي بعض الأحيان نسأل أنفسنا من أين أتى الطفل بهذا السؤال، وكيف فكر فيه؟
ففي بحر الأسئلة الدينية ربما يسأل عن الذات الإلهية، مثل: من هو الله؟ وأين يعيش؟ كيف يرانا الله ونحن لا نراه؟ لماذا خلق الله الأشرار؟ ما يوم الحساب وما يوم القيامة؟
وهناك ما يعرف بأسئلة التموقع، وهي تتعلق ببحث الطفل عن تفسيرات لمبادئ الزمان والمكان، مثل: من أين أتينا وإلى أين نذهب؟ كيف يأتي الأولاد؟ وماذا يعني الموت؟ وماذا عن الكون.. إلخ.
أسئلة التمرد: وهي تتمحور حول فكرة لماذا لا يسمح للأطفال بمسائل مسموحة للكبار؟ وهي تأتي على شكل محاولات تقليد الكبار أكثر منها على شكل أسئلة، مع تسببها بإحراجات للأهل.
الأسئلة الاختبارية: وهي أسئلة يتوجه بها الأطفال لاختبار قدرات الأهل وانتقاد ما يرونه ضعفًا لدى الأهل، وهي غالبًا ما تتمازج مع مقارنات بأهل رفاق الطفل، وتتمحور هذه الأسئلة حول قدرات الأهل المالية والجسدية.
أسئلة القلق الطفولي: يتولد قلق الطفل من جهله للعالم المحيط به، ومن هنا يتعلق بالأهل، والأم خاصة، ليكونوا صلة اتصاله بالعالم الخارجي. وهذا ما يجعل الطفل يقلق من أن تهجره أمه. وكثيرًا ما يطرح الأطفال أسئلة تعوض مشاعر القلق المتنامية لديهم، ومن أكثر أسئلة القلق ترددًا لدى الأطفال هي تلك المتمحورة حول غياب أحد الوالدين أو مظاهر الهجر الأخرى.
أسئلة استكشاف الجسد: وهي مرحلة تبدأ في الأشهر الأولى من عمر الرضيع، حيث يبدأ العبث بأصابع قدمه وينهمك فيها مسرورًا باكتشافه لانتماء قدمه (موضوع اللعب) إلى جسمه. وفي مقدمة الأسئلة التي يطرحها الطفل على سبيل الاستكشاف هي الأسئلة المتعلقة بالفروق التشريحية بين البنت والولد، وهذا ما يؤدي إلى ما يتعلق بالأسئلة الجنسية.
أسئلة الجنسية؛ مثل: من أين يأتي الطفل؟ وكيف يحدث الحمل؟ ولماذا الاختلاف بين أعضاء الذكر والأنثى؟ من المفهوم أن يشعر الأهل بالحرج والقلق في مجتمعاتنا حيث ترتبط الأمور الجنسية بالجهل والخرافة ونقص المعلومات وبالتكتم الشديد حولها.
أسئلة الغيبيات: وهي تلك الأسئلة والاستفسارات التي تكون عادة ناتجة من ما يسمعونه من أهليهم ورفاقهم ومن وسائل الاعلام عن الملائكة والجان، وعن العبادة كالصلاة والصيام وعن رسول الله والأنبياء عليهم السلام.. إلخ.
ومثل هذه الأسئلة وغيرها يجب ألا ترعب الآباء، ولا أن تسبب في إحراجهم وخوفهم، فقد وجدنا أن الكثير من الآباء ترتعد فرائصهم ويتصببون عرقًا عندما يسمعون أطفالهم يسألون مثل هذه الأسئلة أو غيرها، وإن كنا نعتقد أنه يجب أن يحدث العكس تمامًا بمعنى أنه يجب أن نسعد عندما نسمع أطفالنا يسألون، فإن ذلك لمؤشر أن الطفل بدأ يفكر، وبدأ يشعر، وبدأت الظواهر التي تحيطه تسترعي انتباهه، وهذا لدليل ومؤشر جيد لتنامي ذكاء الطفل وعقله.
لذلك على الوالدين أن يجيبوا على أسئلة الطفل – أيًا كانت ساذجة أو سمجة – ويجب أن يتصف الرد بالصحة والدقة والوضوح والإقناع، فلا نقدم للطفل إجابة خاطئة أو غامضة أو غير مقنعة، ولكن هذا لا يعني أن نطيل في الإجابة حتى تتحقق الصفات السابقة، بل نقدمها بشكل مناسب بين الإيجاز والإطالة، وما يتلاءم مع عمر الطفل، فالإجابة عن أسئلة أبن السادسة يجب أن تكون أقصر من الإجابة عن أسئلة أبن العاشرة وهكذا، وهذا في الأسئلة التي يحتاج الجواب فيها إلى إفاضة وتوسع وتقديم أدلة وبراهين كما في أسئلة الغيبيات، والأسئلة المحرجة، أما بعض الأسئلة فتكون الإجابة عنها محدودة تقدم لأعمار الاطفال جميعها كسؤال: كم عدد ركعات الفرض في صلاة الظهر؟ فالإجابة واحدة وهي أربع ركعات.
ويقول الدكتور مصطفى أسعد: ويستحسن أن نفتح آفاقًا واسعة للطفل كي يسأل، ونشجعه على ذلك، ونمنحه مزيدًا من الثقة والمحبة، ونجيبه عن جميع أسئلته حتى المحرجة منها فورًا، وإذا كان الأمر يتطلب مراجعة الكتب أو سؤال أهل العلم، فعلينا أن نمهله إلى وقت آخر للإجابة عن سؤاله، ونحرص على إجابته ولو بعد حين، لكيلا يبقى في حيرة وشك، فالمماطلة في الإجابة، تثير لدى الطفل أسئلة أخرى، وربما يبحث عن الإجابة من مصادر أخرى، قد لا تقدم له الإجابة الصحيحة الشافية، بل تقدم له الإجابة المشوشة الخاطئة، فيزداد حيرة وشكًا. ولكن عندما نبدأ بالتفكير في الإجابة علينا أن نعرف مع من نتحدث، فمن غير الحكمة أن تكون أجوبتنا موحدة لكل طفل، فالطفل كائن بشري له حوافزه ورغباته وشخصيته وكيانه، وهذا الطفل يختلف عن الآخر، فهذا الطفل يسأل ليعرف وإنما ذلك الطفل يسأل ليثير والديه، والثالث يسأل لأنه خائف، لذلك علينا أن نجيب حسب الأمور الآتية:
1. عمر الطفل: هذا العامل يحدد مدى قدرة الطفل على الاستيعاب، وبالتالي فإنه يحدد أسلوب الجواب.
2. جنس الطفل: عادة ما تميل أسئلة البنات إلى فئة أسئلة استكشاف الجسد، بعكس الأولاد.
3. ترتيب الطفل في العائلة: حيث يتحدد الجواب من خلال المعلومات التي قد تنتقل للطفل من إخوته.
4. نوعية العلاقة بالأم: هل هي علاقة إعجاب (أوديبية) أم تمردية أو غيرها.
5. مناسبة طرح الطفل للسؤال: كمثل ولادة أخ جديد، الخروج إلى المدرسة أو اللعب مع أطفال آخرين.
6. الهدف من السؤال: وذلك لنعرف هل الطفل يسأل ليعرف ويستكشف؟ أم يسأل لمجرد أن يسأل؟
مثل هذه العوامل تعطينا – كوالدين – المساحة المناسبة للإجابة عن السؤال، فكما أشرنا أنه ليس من المعقول أن نجيب على طفل ذوي السادسة من العمر كما نجيب طفل قد دخل مرحلة المراهقة.
إلا أن الموضوع لا يدور في أروقة المنازل فحسب وإنما يتخطى ذلك إلى أزقة الأحياء السكنية وكراسي المدارس، وإن كنا في الحقيقة لا نستطيع التحكم فيما يدور في أزقة الأحياء السكنية، ولكن يمكننا أن نتحكم في المناهج الدراسية وفي المدارس، فالمعلم الواعي هو الذي يترك للأطفال فرصًا ليسألوا عما يخطر ببالهم من أسئلة ربما يخجلون من طرحها أمام ذويهم وآبائهم، فيجيبهم بشكل مناسب ومقنع، ويبدي لهم سروره بأسئلتهم ويشجعهم على ذلك، فعندما يتلقى الأطفال أجوبة شافية كافية عن تساؤلاتهم، ولا يجدون لدى معلمهم غضاضة في الإجابة عنها، يزدادون في طرح الاسئلة ويسألونه أسئلة محرجة قد يترددون في طرحها على أهليهم وذويهم.
الخلاصة: إن الأطفال يسألون ليشبعوا حب الاستطلاع والمعرفة التي فطروا عليها، فالله سبحانه وتعالى جعل هذا الدافع للسؤال في داخل الطفل ليزداد معرفة وفهم لكل ما يحيط به، وحتى تلك الأسئلة الجنسية التي يسألون عنها قد لا تعني – أبدًا – أنهم يرغبون في ممارسة الجنس أو أنها تثيرهم ولكنهم يسألون لأنهم يريدون أن يعرفوا.
ويبقى سؤالنا المطروح الذي لم نجب عليه، ما الطريقة المناسبة للإجابة عن أسئلة الأطفال المحرجة؟ وهذا موضوع آخر.