السبت، 3 يناير 2015

طفلي يسأل أسئلة محرجة!

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٤ يناير ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

ربما يبدأ الطفل بطرح الكثير من الأسئلة في بدايات السنة الثالثة من عمره، أو قبل ذلك بقليل أو بعده بقليل، وقد يستغرب الآباء – وخاصة الحديثين – من تلك الأسئلة لسذاجتها وبساطتها، ففي البداية لا تتعدى بعض الظواهر الكونية الطبيعية، مثل: ما الشمس؟ ولماذا تغيب؟ من أين يأتي القمر؟ ولماذا تمطر السماء؟ ما النجوم؟ وربما يسأل عن بعض الحيوانات التي تعيش معه وفي حياته.
وقد يجد الآباء أنه من غير الضروري الإجابة عن تلك الأسئلة السمجة والساذجة، فالقط قط، والمطر ما هو إلا قطرات من الماء تنزل من السماء، إلا أنه في الحقيقة وعلى الرغم من سذاجة هذه الأسئلة وبساطتها فإنها تبدأ في تشكيل علاقة الأبناء بالوالدين، حيث إن الإجابات الخاطئة أو التهرب من تلك الأسئلة يؤدي إلى زعزعة ثقة الطفل بوالديه، وكذلك فإن هذه الأسئلة وطريقة الإجابة عنها تشكل بدايات الهاجس الثقافي لدى الطفل.
يقول الدكتور مصطفى أسعد أن الطفل عندما يسأل فإنه يسأل لعدة أسباب، منها:
1. الرغبة في الاستطلاع والاكتشاف.
2. حاجة الأطفال إلى فهم كل ما يحيط بهم من ظواهر وأشياء؛ فمثلاً الطفل يرى الشمس تضيء نهارًا ثم تختفي في المساء لكنه لا يفهم من أين تأتي الشمس؟ فيكون هذا دافعًا ليطرح الأسئلة.
3. قلق الأطفال وخوفهم من الأشياء: وذلك لعدم وجود خبرة سابقة فمثلاً يخاف الطفل من الحيوانات حتى لو لم تهاجمه، لذلك يسأل ويكثر من تساؤلاته لكي يشعر بالأمن.
4. نمو قدرة الأطفال اللغوية: فحين يلقي السؤال تلو الأخر ليس حبًا في طلب الإجابة بقدر رغبته في ممارسة اللغة والتباهي بقدراته حاجه الأطفال إلى المشاركة الاجتماعية.
5. يتعلم حسن الاستماع: فعندما يسأل عن سؤال ويستمع للإجابة فهذا تدريب له على حسن الإنصات للآخرين.
6. فرصة للتواصل والمشاركة الوجدانية بين الآباء والأبناء.
7. تنمية ثقة الطفل بنفسه وبوالديه وتنمية احترامه لذاته.
وعقل الطفل وبالتالي أسئلته تتنوع في مختلف العلوم وربما يأتي بها من مختلف الأقطار، وفي بعض الأحيان نسأل أنفسنا من أين أتى الطفل بهذا السؤال، وكيف فكر فيه؟
ففي بحر الأسئلة الدينية ربما يسأل عن الذات الإلهية، مثل: من هو الله؟ وأين يعيش؟ كيف يرانا الله ونحن لا نراه؟ لماذا خلق الله الأشرار؟ ما يوم الحساب وما يوم القيامة؟
وهناك ما يعرف بأسئلة التموقع، وهي تتعلق ببحث الطفل عن تفسيرات لمبادئ الزمان والمكان، مثل: من أين أتينا وإلى أين نذهب؟ كيف يأتي الأولاد؟ وماذا يعني الموت؟ وماذا عن الكون.. إلخ.
أسئلة التمرد: وهي تتمحور حول فكرة لماذا لا يسمح للأطفال بمسائل مسموحة للكبار؟ وهي تأتي على شكل محاولات تقليد الكبار أكثر منها على شكل أسئلة، مع تسببها بإحراجات للأهل.
الأسئلة الاختبارية: وهي أسئلة يتوجه بها الأطفال لاختبار قدرات الأهل وانتقاد ما يرونه ضعفًا لدى الأهل، وهي غالبًا ما تتمازج مع مقارنات بأهل رفاق الطفل، وتتمحور هذه الأسئلة حول قدرات الأهل المالية والجسدية.
أسئلة القلق الطفولي: يتولد قلق الطفل من جهله للعالم المحيط به، ومن هنا يتعلق بالأهل، والأم خاصة، ليكونوا صلة اتصاله بالعالم الخارجي. وهذا ما يجعل الطفل يقلق من أن تهجره أمه. وكثيرًا ما يطرح الأطفال أسئلة تعوض مشاعر القلق المتنامية لديهم، ومن أكثر أسئلة القلق ترددًا لدى الأطفال هي تلك المتمحورة حول غياب أحد الوالدين أو مظاهر الهجر الأخرى.
أسئلة استكشاف الجسد: وهي مرحلة تبدأ في الأشهر الأولى من عمر الرضيع، حيث يبدأ العبث بأصابع قدمه وينهمك فيها مسرورًا باكتشافه لانتماء قدمه (موضوع اللعب) إلى جسمه. وفي مقدمة الأسئلة التي يطرحها الطفل على سبيل الاستكشاف هي الأسئلة المتعلقة بالفروق التشريحية بين البنت والولد، وهذا ما يؤدي إلى ما يتعلق بالأسئلة الجنسية.
أسئلة الجنسية؛ مثل: من أين يأتي الطفل؟ وكيف يحدث الحمل؟ ولماذا الاختلاف بين أعضاء الذكر والأنثى؟ من المفهوم أن يشعر الأهل بالحرج والقلق في مجتمعاتنا حيث ترتبط الأمور الجنسية بالجهل والخرافة ونقص المعلومات وبالتكتم الشديد حولها.
أسئلة الغيبيات: وهي تلك الأسئلة والاستفسارات التي تكون عادة ناتجة من ما يسمعونه من أهليهم ورفاقهم ومن وسائل الاعلام عن الملائكة والجان، وعن العبادة كالصلاة والصيام وعن رسول الله والأنبياء عليهم السلام.. إلخ.
ومثل هذه الأسئلة وغيرها يجب ألا ترعب الآباء، ولا أن تسبب في إحراجهم وخوفهم، فقد وجدنا أن الكثير من الآباء ترتعد فرائصهم ويتصببون عرقًا عندما يسمعون أطفالهم يسألون مثل هذه الأسئلة أو غيرها، وإن كنا نعتقد أنه يجب أن يحدث العكس تمامًا بمعنى أنه يجب أن نسعد عندما نسمع أطفالنا يسألون، فإن ذلك لمؤشر أن الطفل بدأ يفكر، وبدأ يشعر، وبدأت الظواهر التي تحيطه تسترعي انتباهه، وهذا لدليل ومؤشر جيد لتنامي ذكاء الطفل وعقله.
لذلك على الوالدين أن يجيبوا على أسئلة الطفل – أيًا كانت ساذجة أو سمجة – ويجب أن يتصف الرد بالصحة والدقة والوضوح والإقناع، فلا نقدم للطفل إجابة خاطئة أو غامضة أو غير مقنعة، ولكن هذا لا يعني أن نطيل في الإجابة حتى تتحقق الصفات السابقة، بل نقدمها بشكل مناسب بين الإيجاز والإطالة، وما يتلاءم مع عمر الطفل، فالإجابة عن أسئلة أبن السادسة يجب أن تكون أقصر من الإجابة عن أسئلة أبن العاشرة وهكذا، وهذا في الأسئلة التي يحتاج الجواب فيها إلى إفاضة وتوسع وتقديم أدلة وبراهين كما في أسئلة الغيبيات، والأسئلة المحرجة، أما بعض الأسئلة فتكون الإجابة عنها محدودة تقدم لأعمار الاطفال جميعها كسؤال: كم عدد ركعات الفرض في صلاة الظهر؟ فالإجابة واحدة وهي أربع ركعات.
ويقول الدكتور مصطفى أسعد: ويستحسن أن نفتح آفاقًا واسعة للطفل كي يسأل، ونشجعه على ذلك، ونمنحه مزيدًا من الثقة والمحبة، ونجيبه عن جميع أسئلته حتى المحرجة منها فورًا، وإذا كان الأمر يتطلب مراجعة الكتب أو سؤال أهل العلم، فعلينا أن نمهله إلى وقت آخر للإجابة عن سؤاله، ونحرص على إجابته ولو بعد حين، لكيلا يبقى في حيرة وشك، فالمماطلة في الإجابة، تثير لدى الطفل أسئلة أخرى، وربما يبحث عن الإجابة من مصادر أخرى، قد لا تقدم له الإجابة الصحيحة الشافية، بل تقدم له الإجابة المشوشة الخاطئة، فيزداد حيرة وشكًا. ولكن عندما نبدأ بالتفكير في الإجابة علينا أن نعرف مع من نتحدث، فمن غير الحكمة أن تكون أجوبتنا موحدة لكل طفل، فالطفل كائن بشري له حوافزه ورغباته وشخصيته وكيانه، وهذا الطفل يختلف عن الآخر، فهذا الطفل يسأل ليعرف وإنما ذلك الطفل يسأل ليثير والديه، والثالث يسأل لأنه خائف، لذلك علينا أن نجيب حسب الأمور الآتية:
1. عمر الطفل: هذا العامل يحدد مدى قدرة الطفل على الاستيعاب، وبالتالي فإنه يحدد أسلوب الجواب.
2. جنس الطفل: عادة ما تميل أسئلة البنات إلى فئة أسئلة استكشاف الجسد، بعكس الأولاد.
3. ترتيب الطفل في العائلة: حيث يتحدد الجواب من خلال المعلومات التي قد تنتقل للطفل من إخوته.
4. نوعية العلاقة بالأم: هل هي علاقة إعجاب (أوديبية) أم تمردية أو غيرها.
5. مناسبة طرح الطفل للسؤال: كمثل ولادة أخ جديد، الخروج إلى المدرسة أو اللعب مع أطفال آخرين.
6. الهدف من السؤال: وذلك لنعرف هل الطفل يسأل ليعرف ويستكشف؟ أم يسأل لمجرد أن يسأل؟
مثل هذه العوامل تعطينا – كوالدين – المساحة المناسبة للإجابة عن السؤال، فكما أشرنا أنه ليس من المعقول أن نجيب على طفل ذوي السادسة من العمر كما نجيب طفل قد دخل مرحلة المراهقة.
إلا أن الموضوع لا يدور في أروقة المنازل فحسب وإنما يتخطى ذلك إلى أزقة الأحياء السكنية وكراسي المدارس، وإن كنا في الحقيقة لا نستطيع التحكم فيما يدور في أزقة الأحياء السكنية، ولكن يمكننا أن نتحكم في المناهج الدراسية وفي المدارس، فالمعلم الواعي هو الذي يترك للأطفال فرصًا ليسألوا عما يخطر ببالهم من أسئلة ربما يخجلون من طرحها أمام ذويهم وآبائهم، فيجيبهم بشكل مناسب ومقنع، ويبدي لهم سروره بأسئلتهم ويشجعهم على ذلك، فعندما يتلقى الأطفال أجوبة شافية كافية عن تساؤلاتهم، ولا يجدون لدى معلمهم غضاضة في الإجابة عنها، يزدادون في طرح الاسئلة ويسألونه أسئلة محرجة قد يترددون في طرحها على أهليهم وذويهم.
الخلاصة: إن الأطفال يسألون ليشبعوا حب الاستطلاع والمعرفة التي فطروا عليها، فالله سبحانه وتعالى جعل هذا الدافع للسؤال في داخل الطفل ليزداد معرفة وفهم لكل ما يحيط به، وحتى تلك الأسئلة الجنسية التي يسألون عنها قد لا تعني – أبدًا – أنهم يرغبون في ممارسة الجنس أو أنها تثيرهم ولكنهم يسألون لأنهم يريدون أن يعرفوا.
ويبقى سؤالنا المطروح الذي لم نجب عليه، ما الطريقة المناسبة للإجابة عن أسئلة الأطفال المحرجة؟ وهذا موضوع آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق