السبت، 27 ديسمبر 2014

طفلي تربية الخادمة

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٨ ديسمبر ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

لديها دكتوراه في علم التربية، وكانت نشطة إلى حد كبير، وكانت تقف دائمًا أمام الكاميرات وفي المحاضرات لتعلم الناس والمشاهدين فن تربية الأطفال، والأسس العلمية لتربية النشء، والكيفية الصحيحة لتخطي مشاكل الطفولة والمراهقة وما إلى ذلك من موضوعات تتعلق بالتربية المثالية للطفل.
كانت عندما تعود إلى البيت - وهي مرهقة، فهي تعمل في الجامعة الجزء الأكبر من النهار، ثم يتم استضافتها في عدة أيام من الأسبوع سواء في محاضرات مباشرة أو من خلال شاشة التلفزيون - تحاول أن تأخذ قسطًا من الراحة، لذلك فعندما يأتيها طفلها ليلعب معها على السرير فإنها – ومن فرط إرهاقها - تنادي الخادمة لتبعد الطفل لأنها تريد أن تنام.
وبعد ساعة من الزمن تستيقظ، وعندها إما أن تعدّ لمحاضرة أو مقابلة تلفزيونية أو لمحاضرات الجامعة، وإما انها تبدأ بالاستعداد لأداء بعض الواجبات الاجتماعية، والطفل مازال يلعب مع الخادمة، فهي مشغولة.
يأتي المساء، فتقوم الخادمة بإطعام الطفل وتأخذه إلى سريره لينام، وهي تعود إلى المنزل في ساعة متأخرة من المساء يكون فيها الطفل نائما، لذلك تنام هي أيضًا حتى تستعد للغد.
وفي الغد تستيقظ مبكرة لتذهب إلى عملها مبكرة، فليس من اللائق أن تذهب الى الجامعة متأخرة، ترى ماذا سيقول عنها الزملاء وهي متخصصة في التربية؟! وعندما تخرج في الصباح الباكر، يكون الطفل مازال نائمًا.
أما هو، ونقصد الزوج أو الأب، فهو أيضًا دائمًا مشغول، فهو يخرج في الصباح الباكر، يكون الطفل نائما، ولا يعود إلا في المساء، وفي المساء لا يستطيع أن يجلس مع طفله، فهو يحتاج إلى راحة، لذلك فهو يحتاج الى جلسة مع الأصحاب في المقهى وتدخين الشيشة، لذلك فهو لا يعود إلى البيت إلا بعد منتصف الليل.
الصورة تتكرر، ويبقى الطفل بين أحضان الخادمة، يتربى على يدها، تعلمه مما تعلمته هي في بيئتها ومن مجتمعها، تعلمه لغة ما أنزل الله بها من سلطان، فهي ليست العربية أو الإنجليزية أو الهندية أو الفلبينية، وإنما هي خليط عجيب من كل تلك اللغات، لذلك يتشكل طفلنا بطريقة لا يمكن للكلمات أن تصفها.
نشر الدكتور فهد السويدان في عام 2012 دراسة حول موضوع «الخدم والأطفال» جاء فيه:
أكدت الدراسات أن وجود المربية والخادمة يؤثر سلبيًا على النمو اللغوي حيث يكتسب الطفل من خلال المربيات مفردات لغوية ركيكة غير متماسكة والتي تتضح في الكثير من المفردات، فقد أثبتت الدراسات أن هناك نسبة من الأطفال يعانون من عيوب في النطق في ظل وجود الخادمة في المنزل كالثأثأة أو الفأفأة أو التهتهة.
هذا عدا اللغة الداخلية التي قد يتأثر بها الطفل بشكل عام، والتي قد تنشأ باختلاط لغة الخادمة أو المربية بلغة المجتمع أو الأسرة، فيصبح للطفل تناقض بين ما قد يسمعه من الأم في طريقة المعاملة والمحادثة وما قد يسمعه من الخادمة التي تكون غالبًا لغة الخادمة الأصلية مع بعض المفردات المحلية.
كما أثبتت معظم الدراسات أن تأثير الخدم على الإناث من الأطفال لا يقتصر على اللغة فقط ولكن أيضًا أثبتت أن الطفلة قد تصبح خجولة وقليلة الكلام، وتحب الهدوء، وتنفر من الكبار وخصوصًا الغرباء، وقد تؤثر هذه الظاهرة على أسلوبها في المعاملة من حولها من أصدقاء وزملاء وقد تصبح عدوانية. إذ يصبح العدوان وسيلتها لإفراغ شحنات الغضب الكامنة في نفسها، كما بينت دراسات أخرى أن الطفلة قد تصبح عدوانية مع إخوتها فقط، عصبية وعنيدة إذا أرادت شيئًا وصممت عليه ولا بد أن تحصل عليه. لم تتوقف التأثيرات السلبية الناجمة عن الخدم والمربيات على الأطفال.
كما تسهم الخادمات في إكساب الأطفال أنماطًا سلوكية جديدة غير مرغوب فيها؛ نتيجة لاختلاف بيئة الخادمة عن بيئة الطفل، فضلاً عن اكتساب الأطفال لأنماط سلوكية جديدة، قد يكون من غير المسموح أن يعرفها الأطفال في هذه السن المبكرة، ولكن يتعلم الطفل مثل هذه السلوكيات عن طريق احتكاكه بالخادمة.
بالإضافة إلى أن وجود الخادمات بالبيت يشكل عبئًا نفسيًا على الأطفال، حيث يتعرض الطفل لمشكلات نفسية نتيجة غياب الوالدين عنه وعن متطلباته واحتياجاته، بجانب شعور الطفل في كثير من الأحيان بعدم الاطمئنان والشعور بالذنب، فهو يجلس كثيرًا وحده مع الخادمة، وقد تترسب لديه أشياء بالعقل الباطن ويحتفظ بها ولا يخبر والديه عنها. مما يترتب عليه احتمالية تعرض الطفل لانحرافات سلوكية في المستقبل في حالة تراكم الاحباطات والمواقف المؤلمة مع الخادمات. كما قد يتعرض الطفل للإيذاء البدني نتيجة لضرب الخادمة له عند رفض الانصياع لأوامرها.
أما مشكلة تعلق الطفل بالمربية التي تتولى أموره فهو يتعلق بها خلال المرحلة العمرية ما بين 3 و4 سنوات، ومن ثم يكبر ويزداد تعلقه بها، وينتهي عقد الخادمة وتعود من حيث أتت، فتختفي فجأة من حياة الطفل وتأتي خادمة أخرى فيدخل الإحباط في نفس الطفل. أ. هـ.
ونحن هنا لا نستهجن وجود الخدم في مجتمعنا، فوجودهم أصبح واقعا شئنا ذلك أم أبينا، إلا أننا لا نريد أن يفرض علينا هذا الواقع نمطية حياة تجرفنا إلى هوة مجهولة لا نعرف لها قرارا.
فنحن نقدم بلاغا في مركز الشرطة بمجرد أن الخادمة قد سرقت من المنزل خاتما أو مبلغا من المال يقدر ببضع مئات من الدنانير، ولكننا نتجاهل في الوقت نفسه أنها سرقت أطفالنا وأعمارهم وقيمهم.
لخصت دراسة نشرت عام 2005 أضرار ظاهرة الخدم في بعض المجتمعات الخليجية في بعض النقاط التالية:
1- تأثر الأولاد بلغة الخادمة وعاداتها وتقاليدها فأصبحوا مجرد مقلدين لها.
2- تقليد الخادمة في النظافة والطعام والكلام والمشاعر والصلاة.
3- تأثير الخدم والمربيات بشكل مباشر على البناء الأسري والعلاقات بين الزوجين وبروز ظاهرة الخلافات المتصاعدة بين الزوجين بنسبة 60%.
4- التأثير الثقافي المدمر لهوية الصغار والكبار معًا حيث ذكر 25% من الأطفال – من عينة البحث – أن المربية تناقشهم في أمورهم الدينية وبالذات ما يتعلق بالدين الإسلامي ليعايش الصغار مرحلة القلق والاضطراب النفسي نتيجة اختلاف العقائد والمفاهيم، مما يزعزع شعور الإيمان واستقراره العقائدي وانتمائه الى دينه الإسلامي.
5- حرمان الطفل من حنان أمه اللازم في تربيته واستقرار نفسيته، ولا يمكن للخادمة تعويض حنان الأم.
6- ما يحدث من تفسخ أسري من جراء العلاقات المشينة بين صاحب البيت والخادمة، كما أن السائق قد يقوم بدور الوسيط بين الفتيات والشباب العابث وتسهيل الانحراف الخلقي والتستر عليه.
7- إفشاء أسرار البيوت وانتهاك حرماتها عندما تتبادل الأسر الزيارات العائلية ويضطلع الخدم بدورهم عند اختلاطهم ببعضهم البعض.
وفي دراسة أخرى على 500 أسرة خليجية تم رصد العديد من المشاكل المتعلقة بالخدم، أبرزها:
1- إهمال الأعمال المنزلية بنسبة 63%.
2- السرقة بنسبة 29%.
3- إيذاء الأبناء بنسبة 29%.
4- إفشاء أسرار البيوت بنسبة 29%.
5- الهروب بنسبة 26%.
6- مشاكل أخلاقية بنسبة 26%.
وفي دراسة للدكتور عبدالرؤوف الجرداوي نشرت في كتاب بعنوان: «ظاهرة الخدم والمربيات وأبعادها الاجتماعية في الدول الخليجية» توصلت إلى بعض النتائج التالية:
1- وجد أن 97% من الخادمات يلتزمن بطقوس دينية يتم ممارستها بشكل علني على الرغم من معارضتها للعادات الخليجية، وأن 66% من المربيات غير مسلمات.
2- يتم السماح للطفل أقل من 12 سنة بالتدخين بنسبة 11% وشرب الكحوليات بنسبة 7% وتخويف الأطفال من الظلام والحيوانات بنسبة 42%.
3- تناول أطعمة محرفة بنسبة 36% وتناول الخمر بنسبة 43%.

وما ذكر ما هو إلا مقتطفات وجزء من دراسات وما خفي كان أعظم.

وعلى الرغم من ذلك فإننا لا نريد أن نحارب ظاهرة الخدم في دولنا العربية وبالتحديد الخليجية، إلا أننا ندعو – فقط – إلى الحذر عند التعامل مع هذه الفئة من الناس، وخاصة عندما نضع أبناءنا بين أيديهم، وإن كنت أنا شخصيًا من رافضي أن يربي أطفالي خادمة أو مربية، مهما كلفني الأمر، لأن طفلي أغلى ما عندي فكيف أضعه في يد إنسانه لم تلده ولن تشعر به ولم تسمع شهقة أول نفس أطلقه، وأول صرخة بكاء وأول ابتسامة أطلقها؟
كيف ترتضي قلوبنا قبل عقولنا التفريط في أطفالنا حتى يربيهم الخدم؟

السبت، 20 ديسمبر 2014

أنتِ وخادمتك

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢١ ديسمبر ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

يرد إلى مسامعنا العديد من القصص التي تخص وجود خادمات في المنازل، وتتعدد من جرائم قتل الأطفال وتعذيبهم بأبشع الأساليب وأحطها، إلى بعض المخالفات التي تبلغ الانحطاط الخلقي وبعض المشاكل الصغيرة مثل كسر الأواني والتحف الموجودة في المنزل التي شقت ربة الأسرة حتى تجلبها من بقاع الأرض لتزين منزلها.
ولسنا نريد أن نحكي من تلك القصص والحكايات، فمنازلنا مليئة بها، إلا أنه وعلى الرغم من كل شيء فإن ربة الأسرة لا يمكنها الاستغناء عن الخادمة في المنزل، وخاصة ربات الأسر العاملات، فالخادمات يتحملن مسؤولية المنزل بكل جزئياته، وهن اللاتي يتصرفن في كل صغيرة وكبيرة في المنزل. لذلك فليس من المستغرب أن يتعلق الطفل بأهداب الخادمة في حال رغبتها في السفر أو عندما يعود الطفل من المدرسة، فبالنسبة إليه حضن الخادمة أدفأ من حضن أمه.
ولا نريد أن نتحدث عن حقوق هذه الفئة من الناس، فئة الخدم أو العاملين في منازلنا، فكل المحاضرات والندوات سواء الدينية أو الاجتماعية تتحدث عن حقوقهم وكيف يجب على الأسرة أن تتعامل مع الخادمات في المنزل، وكيف طالب الإسلام بحسن التعامل معهن وما إلى ذلك، إلا أننا نود أن نتكلم عن زاوية أخرى من الموضوع، وهي الزاوية التي تخص الأسرة نفسها، فما حقوق هذه الأسرة التي تجلب هذه الخادمة من أقاصي الأرض وقد دفعت من قوت عيالها حتى تحضرها إلى أرض الوطن، وفجأة وبطرفة عين تختفي هذه الخادمة، تتسرب من المنزل، تسرقها مافيا الخادمات، وتجعلها تعمل في منازل البشر هنا وهناك، وفي نهاية الفترة وربما أكثر من تلك الفترة تقوم بتسليم نفسها للشرطة، لتُطالب أنت وبكل بساطة أن تدفع ثمن تذكرتها ومستحقاتها لتعيدها إلى وطنها! ماذا جنيت أنت وماذا استفدت؟
قال لي صديق: جلبت خادمة، كبيرة في السن نوعًا ما، قد عملت سابقًا في بعض الدول الجارة، وعملت عندي في المنزل، وكانت تتملق ربة الأسرة وأطفالي، وكانت تردد دائمًا أنها مبسوطة ومرتاحة في هذا المنزل، وكأنها لم تعش في سعادة أبدًا إلا يوم أن جاءت إلى منزلي، وفجأة وبعد ثلاثة أشهر ويوم واحد، أي بعد الانتهاء من فترة تأمين مكتب جلب الخدم بيوم واحد، هربت، ولا نعرف كيف؟ الغريب أنها لم تكن تخرج من المنزل إلا مع ربة البيت، وكنا نعتقد أنها لا تملك تليفونا.
هربت وأخذت معها ملابسها وأدواتها وكل مستلزماتها في الفترة الصباحية وأخذت مبلغا من المال، ومن الطبيعي تقدمنا ببلاغ بهروبها، وعملنا كل الإجراءات التي تحفظ حقي، ولكن من يرجع مالي الذي طار مع الخادمة؟
يواصل الصديق ويقول: عدت إلى نفس المكتب، لمحاولة – وأنا أعرف أنها محاولة فاشلة – المطالبة بتعويض إلا أن المكتب رفض لأنها هربت في اليوم التالي الذي ينتهي فيه تاريخ التأمين، فضاع مالي كله.
يقول – ومازال الحديث للصديق – وبعد عدة أشهر فكرت في إحضار خادمة أخرى، فلا يمكن الاستغناء عنهن، وبالفعل دفعنا ما نملك لإحضار الخادمة، أو ما يمكن تسميتها اليوم بالملكة لأننا يجب أن نعاملها كملكة حتى لا تغضب ولا تزعل، لأن حياتنا اليوم أصبحت مقرونة بها. وللأسف بنفس الكيفية هربت، ومشينا في نفس الإجراءات والخطوات، وفي النهاية طارت فلوسي، ولا أحد يعوض، ولا قانون يردك. انتهى.
وآخر يقول: «هربت الخادمة ولجأت إلى سفارتها، ودعمتها سفارتها بكل قوة، وأنا في وطني ولا أحد يدعمني، لا قانون يخدمني كصاحب عمل، وحتى تنظر إلى الحكومة بعين العطف، لماذا؟ ماذا فعلنا؟ أين حقنا؟».
وثالث يقول: أحضرت خادمة مسيحية، وطالبت بالذهاب إلى الكنيسة كل يوم أحد، فقلنا هذا حقها، ولكن تفاجأنا بعد عدة أشهر أنها حامل بجنين وأنها تريد أن تعود إلى موطنها! حسنٌ، وأنا من يعوضني؟
ورابع يقول: خادمتي أسلمت ولبست الحجاب ففرحنا بذلك كثيرًا، ورفعنا أكفنا إلى السماء حمدًا لله وشكرًا، ولكننا تفاجأنا أن أحد المواطنين كان يقابلها عندما تخرج للحظات، وأعطاها تليفون، ليتحدث معها بالليل ونحن نيام، فهربت معه ولا نعرف إلى أين ومع من؟
وخامس يقول: كان أحد القاطنين بجوار منزل – مواطن – يهرب لخادمتي بعض الأكل والحلويات من غير علمي، حتى وقعت في حبه! تصور!
وسادس وسابع وعاشر، قصص وحكايات كلها تشير إلى أن هناك فئة من الناس، لا أعرف كيف أصفهم يحاولون أن يخادعوا هذه الفئة، وللأسف أن هذه الفئة على استعداد للانحراف والسير في طريق غير أخلاقي، وفي المقابل لا توجد عقوبات رادعة في القانون إلا على رب الأسرة أو رب العمل، فهو من يعاقب وكأنه هو من أخطأ في حق العامل أو العاملة الهاربة، حيث عليه أن يدفع لها تذكرة العودة إلى موطنها وكل المصاريف وكل ما يلزم وما لا يلزم.
والأخطر من ذلك كله، إن ذهبت العاملة أو العامل إلى سفارته وقدم بلاغا أنك تضربه أو تعذبه أو تعمل ما لا يمكن أن يعمل، تقف سفارته بكل ما أوتيت من قوة لحماية هذا المواطن وأنت تقف وحيدًا في مهب الريح، لا يوجد لديك غطاء قانوني يحميك ويحمي مالك وممتلكاتك.
ونحن لا نقول إن أصحاب أو أرباب العمل سواء، حيث إننا نقر بأن هناك عددا منهم لا يهتم بحقوق هذه الفئة من البشر، فربما يسكنهم – وخاصة العمال – في مساكن وضيعة لا تليق بحقوق الإنسان، وهناك ربات وأرباب أسر يضربون الخادمة ويهينونهن بدرجة غير إنسانية، إلا أن هناك في المقابل أسرا تكرمهن وتعاملهن بأفضل حالات المعاملة، فكيف يمكن أن تتساوى كل تلك الحالات؟ كيف يمكن للقانون أن يساوي تلك الأسر الظالمة بالأسر غير الظالمة؟ ألا يمكن النظر في مثل هذا الموضوع؟
والغريب، هو أن أقصى عقوبة يمكن أن تقع على العامل الهارب أو الخادمة الهاربة عندما يتم القبض عليها أن يتم تسفيرها إلى موطنها بتذكرة قام المواطن نفسه بشرائها، والأغرب من ذلك أن هذه الخادمة أو هذا العامل يعود إلى البلاد بعد فترة من الزمن بجواز سفر جديد وربما باسم جديد، وربما قام بالاتصال برب عمله السابق لتقديم التحية له ويبشره أنه قد عاد إلى البلاد وهو يعمل الآن عند إنسان آخر.
حسنٌ، وبعد أن تهرب الخادمة من المنزل وتتلقفها أيادي «عصابات مافيا الخادمات» كما تسمى اليوم، ماذا يحدث ؟
من هم هؤلاء أعضاء هذه العصابات؟ هل هم من المواطنين أم أجانب أم هم خليط من هؤلاء وهؤلاء؟ ما نوعيتهم؟ وكيف يتاجرون في البشر؟ ألا يمكن لأجهزة الأمن أن تراقبهم وتعرف كيف يعملون وكيف يتاجرون؟ وكيف يسرقون العاملين والخدم من منازلهم ومن أرباب العمل؟ كيف يتواصلون معهم؟ وأسئلة كثيرة لا نعرف الإجابة عنها، إلا أننا نعرف أن هذه العصابات موجودة شئنا ذلك أم خبئنا رؤوسنا في التراب، ولكننا لا نعرف كيف تتواصل مع الخادمات، ربما عن طريق فلان، وفلان إلى فلان وهكذا حتى يصلوا إلى الخادمة، وهذه لا تحتاج إلى الكثير من الإغراءات، فالكثير منهن مستعدات وربما يتلقين التعليمات في أوطانهن، أو ربما يقوم صاحب المكتب – نقصد المكاتب الموجودة في أوطانهن – بإعطائهن أرقام بعض التليفونات لبعض الأشخاص الموجودين في أوطاننا مع تعليمات بأنها إن لم ترتح في المنزل أو مكان العمل فما عليها إلا أن تتصل بهذا الرقم حتى تأتيها المساعدة في الهروب من المنزل، ربما وأنا في الحقيقة لا أعرف ولكني أخمن.
لا نريد من أحد أن يقول إنه لا توجد مثل هذه العصابات، فإن لم تكن موجودة فأين تذهب الخادمات؟ وأين يسكن؟ وكيف يصلن إلى المسكن؟ وكيف يعملن في البيوت بنظام الساعات؟ ومن أين يأكلن وكيف يشربن؟ وأسئلة تحير العقل.
وهنا نقف حائرين، إن أيقنا بوجود مثل هذه العصابات أم لم نوقن، فإننا نعود ونتساءل: ما الحل الناجع الذي يمكن أن يريح المواطن من مشاكل الخدم والعاملين؟ كيف يمكن أن نحل هذه الإشكاليات وهذه المشاكل؟
من الطبيعي أنه لا توجد حلول سحرية يمكنها ببساطة أن تحل جميع الإشكاليات، ولكن المواطن يريد من الجهات الرسمية – على الأقل – أن تنظر في حقه المادي والمعنوي الذي خسره من جراء تلك الأحداث، يريد أن يعرف كيف يحل كل تلك المشاكل بحيث عندما يجلب خادمة فإنه يطمئن أن هذه الخادمة لن تهرب من منزله إلى منزل آخر، وإن هربت برغبتها ومن غير أن يؤذيها فإنه يمكن أن يسترجع حقه ولو بعيد حين.

وفي الختام نسأل: ألا يمكن أن نفكر في حلول؟ لا بد من وجود حلول، فلكل مشكلة حل.

ملاحظة: وأنا أكتب هذا المقال وبمحض الصدفة، أرسل لي صديق هذه النكتة عن طريق الواتساب، والنكتة تتكلم عن طفل: «عمره 13 سنة ويكتب: مؤلم أن تتعود على شخص ثم تفقده!»، فيرد عليه شخص آخر: «ما عليه حبيبي، الخدامات لازم يروحون يشوفون أهلهم بعد». ونحن نقول واقع مؤلم في الحقيقة ولكنه حقيقة، وموضوع سنتكلم فيه لاحقًا، ونود أن نسمع آراءكم وحكاياتكم حول هذا الموضوع.

السبت، 13 ديسمبر 2014

طفلٌ يحاور ويتقبل الآخر

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٤ ديسمبر ٢٠١٤

بقلم: الدكتور زكريا خنجي

أثناء دراستي الدكتوراه، وفي أثناء واحدة من تلك المحاضرات الممتعة الطويلة، وفي الحقيقة لا أعرف ماذا كان الموضوع، ولكن طرح الدكتور المحاضر هذه القصة، يقول إنه قرأ ذات يوم هذه القصة عن مدير مدرسة، قال: «كان لدينا طالب يزعج الطلبة كثيرًا، ولا يكاد يمر يوم إلا وقد قام بضرب أحد زملائه وسرقة أدواتهم الخاصة وربما وجباتهم الصباحية، وإزعاج شديد لف المدرسة كلها، حتى بلغ الأمر أن أولياء أمور الطلبة الآخرين بدأوا يضجرون من الموضوع، وبدأت تتكدس الشكاوى على هذا الطالب، ولم تكن تلك الشكاوى شكاوى أولياء الأمور فحسب وإنما بلغ الأمر أن المدرسين ضجروا منه وأصبحوا يرفضون دخول الطالب إلى حصصهم الدراسية.
أمامي مشكلة، فما كان مني إلا أن أتصلت بولي أمر الطالب -وهو رجل ذو منصب كبير في الدولة- وطلبت منه الحضور.
وبالفعل في اليوم التالي أتى ولي أمر الطالب، وسمع الموضوع من غير أن يقاطعني، وقلت في نفسي «فعلاً إن الأب مؤدب، كيف يخرج هذا الولد المشاغب من صلب هذا الرجل»، وبعد أن انتهيت من سرد الموضوع والمشكلات التي يسببها ابنه، قال لي: سأهتم أنا بالموضوع، ثم غادر.
يقول المدير: وخلال الأسبوع التالي بدأت أراقب الطالب مراقبة دقيقة، وكلفت عددا من المدرسين -أيضًا- بمراقبته وذلك تحسبًا لأي تغيير في سلوكياته، ولكن ظل الموضوع كما كان، لم يتغير الطالب وكأن الموضوع لم يكن، قلنا ربما التأثيرات تظهر بعد فترة، لذلك استمررنا نراقب الطالب مدة شهر، ولم يحدث أي شيء، ظل الطالب كما هو لا بل ازداد قساوة واستهتارا وازعاجا.
فقلت في نفسي «ماذا أفعل الآن؟ هل أطلب ولي أمر، أم ماذا أفعل؟» احترت، كيف يمكن حل هذه المشكلة؟ وكانت لدي الرغبة الشديدة في الجلوس مع الطالب وسماعه وهو يتحدث ويبرر هذه السلوكيات، ولكن كيف؟ ربما يزيده ذلك عنادًا.
يقول المدير: وأنا في هذا الوضع، سمعت أن الطالب أصيب بالزائدة الدودية وأجريت له عملية جراحية، وهو لم يحضر إلى المدرسة منذ أيام، فقلت في نفسي «فرصة سانحة لزيارته في المستشفى»، وبالفعل؛ أخذت معي باقة ورد وهدية للطالب وذهبت لزيارته في المستشفى، وجلست هناك معه ومع والده، ذلك الرجل المؤدب جدًا، ثم غادرت متمنيًا له السلامة.
وبعد أيام عاد إلى المدرسة وهو بالكاد يمشي ويتحرك، وبعد عدة أيام طلبته في غرفتي، وعندما حضر جلست معه وقدمت له بعض الحلوى، وبدأت بالتدريج أتحدث معه في سلوكياته المزعجة وغير المقبولة من زملائه الطلاب ومن المدرسين، عندئذ بكى الطالب وقال بنوع من البراءة «إن والدي يقول لي ولإخوتي دائمًا إن الناس والبشر مثل الزنبرك، كلما دعست عليهم برجلك فإنهم يبقون تحت رجلك لا يتحركون ويطلبون رضاك، أما إن حركت رجلك فإنهم سيقفزون أمامك وربما يزعجونك، فلا تتركوا لهم الفرصة أبدًا للقفز والتحرك، اجعلوهم دائمًا تحت أرجلكم» وانتهت الحكاية.
هذا الأب - وربما العديد من الآباء - خلق في نفس هذا الطفل الرغبة في استعباد الناس، وعدم قبولهم، ونمى في نفسه أنه أفضلهم وأنه لا يمكن أن يتساوى مع البشر، لذلك تحول سلوك هذا الطالب في المدرسة إلى سلوك شاذ غير مقبول.
إن قبول الآخر والتواصل معه أمر وسلوك الطبيعي، فلا يمكننا أن نعيش ونحيط أنفسنا بكبسولة لنمنع وصول الناس إلينا، فقد خلق الله سبحانه وتعالى سيدنا آدم وخلق معه من يؤنسه وهي أمنا حواء، وذلك لأن الكبسولة التي نصنعها لأنفسنا تمنع عنا الهواء فنختنق ونموت.
والطفل من طبعه أنه عنيد وأناني، ويحب نفسه، ولا يرغب في أن يشاركه أحد سواء في ألعابه أو أي شيء من ممتلكاته، وحتى أفكاره تراه يريد أن يفرضها على الآخرين عندما يلعب معهم، فالذكر يريد أن يقوم هو بدور البطل الذي يقضي على كل الأشرار وهو الذي ينتصر في النهاية، والبنت تريد أن تكون هي الجميلة وهي المرغوبة وهي الثرية وهي كل شيء.
وهذا أمر طبيعي لا يدعو إلى الخوف، وإنما المهم هو كيف نتعامل مع هذه السلوكيات بالكثير من الحذر، وكيف ننمي في أبنائنا تقبل الآخر وإن لم يكن يحبه، وكيف يمكن أن يتحاور مع تلك الأطراف وكيف يمكن أن يتفاهم معهم، حتى يعيش هو أولاً بنفس طيبة وراضية، ومن ثمة يمكننا أن ننشئ جيلا مسالما يعيش في مجتمع هادئ متماسك ينشئ حضارة مستدامة.


1- في البداية – ودائمًا - نبدأ من الوالدين والمجتمع الصغير الذي يحيط بالصغير، هذا المجتمع يجب أن يتبنى منهجية الحوار في تنظيم حياته، وإن اختلفت الآراء، وتعددت الأفكار، يجب أن تبنى تلك الأسرة على هذا المفهوم، فلا يفرض الأب أو الأخ الأكبر آراءه على هذا المجتمع الصغير، حتى في أصغر الأمور، فالجميع يمكن أن يبدي رأيه.


2- لا تقارن الصغير بزملائه أو أقرانه أبدًا، فهو إنسان قائم بذاته، له شخصيته الخاصة، وإنما حاول أن تنمي شخصيته هو، أيًا ما كانت تلك الشخصية، وذلك حتى لا ينمو وهو يعتقد أنه أفضل من الجميع ولا أقل منهم.


3- شاركه معك في اتخاذ بعض القرارات التي تمس المنزل وأفراد المنزل، وإن لم يكن له رأي يمكن أن يجالسكم كأفراد وأنتم تتناقشون في موضوع معين، دعه يشاهدك وأنت تحاور أخوته وأفراد الأسرة، ليعيش ويتعايش هذه الأجواء، وإن لم يرغب في الجلوس معكم حاول أن تفهمه أنها جلسة عائلية ولا تعقد إلا بوجود الجميع.


4- ويفضل أن تكون للأسرة جلسة عائلية - أسبوعية مثلاً - لمناقشة الأمور المتعلقة بالأسرة وأفراد الأسرة، إلا أن هذا لا يمنع أبدًا أن تكون بينك وبين أفراد الأسرة جلسات خاصة لمناقشة بعض الأمور الخاصة التي لا يرغبون في أن يطلع عليها أحد سواك.


5- لا يمنع أن تشتري للطفل الألعاب الإلكترونية أو الفردية، إلا أنه يجب أن يقتني بعض الألعاب التي لا يمكن اللعب بها إلا بصورة جماعية، فاللعب في الألعاب الفردية وخاصة الألعاب الإلكترونية فترات طويلة يولد عنده حب التقوقع والفردية.


6- يفضل أن يتم تسجيل الطفل في الأندية والمراكز العلمية حتى يشترك مع الآخرين في إنجاز بعض الأعمال والأنشطة الجماعية.


7- امنح الطفل بعض الصلاحيات ثم تنحَ جانبًا، وهذا لا ينطبق على المنزل فحسب وإنما حتى في المدرسة والمراكز التعليمية، نعم فوض الطفل القيام ببعض الأعمال، واجعله يعمل مرة كرئيس فريق ومرة أخرى كعضو في فريق، ثم راقبه من بعيد، وراقب سلوكياته وعمله، وحاول أن تدرس كيف يتصرف أثناء عمله كرئيس للفريق وكذلك أثناء كونه عضوا في الفريق، عندئذ يمكننا أن نعرف مدى تقبله للآخرين ومتى ينفر منهم، وفي أي حال من الأحوال لا تعنفه وإنما حاول أن تحاوره وتوضح له ماذا يعني فريق العمل، وكيف يكون جزءا من هذا الفريق.


8- وأنت - كمعلم أو كرب أسرة - لا تنس أبدًا التحفيز والتشجيع، سواء بالكلمة الطيبة أو ببعض المكافآت المادية التي يمكن أن تمنح لأفضل طفل يتعاون مع الآخرين، لأفضل طفل يصغي للآخرين، لأفضل طفل يناقش ويتحاور مع الآخرين، وكذلك يمكن أن تمنح تلك المكافآت للذين يحاولون النمو والتقدم في الانخراط في الفريق.. وهكذا.


9- يجب أن يستشعر الطفل ويتعايش مع مبدأ أن العمل بروح الفريق والتعاون وتقبل الآخرين هو مبدأ إسلامي وإنساني، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يد الله مع الجماعة» رواه البخاري، وقال في الآية 2 من سورة المائدة (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).


10- يمكن لوزارة التربية والتعليم أن تخصص بالإضافة إلى الجوائز للمتفوقين دراسيًا ومتفوقين أخلاقيًا وما إلى ذلك أن تخصص جوائز ومكافآت لأفضل فريق عامل في المدرسة، أو لأفضل جماعة طلابية، ومثل هذه الجوائز تمنح للفريق كله، وتوضع أسماءهم في لوحات الشرف ويكافأون في الطابور الصباحي وما إلى ذلك.


ونحن هنا عندما نتكلم عن ذلك فإننا لا نعتقد بسهولة هذا الموضوع، ولكن الجزء الأكبر من العبء يقع على ولي الأمر والمعلم، فباستثناء مسئولياتهم كمشرفين للفرق، فإنه سيكون لدورهم كمشرفين للفريق التأثير في شخصيات الأفراد، وذلك لأن تأثيرهم يفوق تأثير أي شخص آخر قابلوه في حياتهم، ويا لها من مسئولية، لذلك عليهم أن يتعاملوا مع الأمر بجدية، وهم بذلك يكونون قدوة لهؤلاء الأطفال، فيمكن تشبيه الصغار بقطعة من الإسفنج فإنها تمتص كل ما تراه.

الخلاصة: هذه العملية ليست من السهولة بمكان إلا أنها ليست مستحيلة، لذلك إن كنا نسعى لمجتمع منتج مستدام فعلينا أن نفكر في أفراده.

السبت، 6 ديسمبر 2014

لنُعلم طفلنا كيف يفكر؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٧ ديسمبر ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

تحدثنا في المقال السابق (طفل يفكر) عن إدارة التفكير لدى الطفل والكيفية التي يمكننا من خلالها أن نسهم ولو بجزئية في أن نحفز منظومة التفكير لدى الطفل، وقلنا انه يمكننا التركيز على ثلاثة أمور وهي: الجانب الخاص بالوالدين، وتنمية المهارات المختلفة، واليوم وفي هذا المقال سنحاول أن نأتي بالجانب الثالث.

ثالثًا: الجانب المرتبط بالتدريب والتعليم: وهذا جانب ملحّ، إذا ينقلنا ذلك من المراحل النظرية إلى المرحلة التطبيقية التي يمكن أن تتم بعدة طرق وأساليب، مثل:
1ـ تحديد الهدف: نعلمه أن يحدد هدفه في كل قضية يفكر فيها؛ فلماذا يريد أن يحل تلك المشكلة التي تؤرق حاله؟ لماذا يريد أن يدرس هذا الموضوع؟ ما الهدف من كل الأمور؟ عندئذ يمكنه أن يتساءل كيف يمكنني أن أحل تلك المشكلة حتى أحقق الهدف الذي أريد؟ كيف يمكنني استيعاب ذلك الموضوع؟
2ـ أترك له المجال لطرح الأسئلة: ربما نفاجأ بأن أطفالنا كبروا بسرعة، وأنهم اليوم يطرحون الكثير من الأسئلة التي لا نتوقعها، فيناقشوننا كما يفعل الكبار. فهو يحب أن يعرف كل شيء، ودائمًا يسأل: «لماذا، كيف؟»، فلا يجب أن نتهرب من الإجابة، ولا أن تستهين بعقله، بل يمكننا إخباره بكل شيء بحسب قبوله وفهمه، وبأسلوب بسيط، ومقنع.
3ـ تحدث مع الطفل كثيرًا: إن كنت بصدد إلحاق طفلك بالحضانة، فهيئ عقله، وتكلم معه كثيرًا عن المكان الذي سيذهب إليه، والأطفال الآخرين، وكل ما يتعلق بحياته الجديدة. ولا تصفه – أبدًا – بأنه أفضل من أقرانه، أو الأذكى، بل عندما تمتدحه، امدحه هو من دون مقارنته بالآخرين، حتى لا يشب وهو يشعر بالكبرياء أو التميز عن الآخرين، فيشعر بالغربة، ويبتعد عنه زملاؤه، نتيجة سوء معاملته لهم.
4ـ ناقش الطفل ودعه يناقشك: عندما نخرج لشراء لوازم البيت من السوبرماركت، اشرح لطفلك الغرض من الذهاب والأشياء التي ستشترونها، واجعله يختار معك ويعرف فائدة كل شيء بالنسبة له ولكما، حتى لا يتشبث بكل ما تمتد إليه يداه من دون أن يفهم. وإذا صرخ أو بكى وهو يمسك بلعبة أو قطعة حلوى، فلا تحرجه بألا تشتريها له، بل خذه بهدوء واشرح له أسباب عدم شرائك لها، مثلاً لعدم كفاية المال لديك، أو لوجود مثلها في البيت.. وهكذا.
5ـ لنعلم الطفل اتخاذ القرار وتحمل المسئولية من صغره، مثلاً: عند ارتداء ملابسه، لا تظن أنه لن يفهم في الألوان أو في الموديلات، بل قد تلاحظ أنه يميل الى ارتداء قطعة من ملابسه، أكثر من الباقي، ويفضل حذاء بعينه، ولا يحب ارتداء باقي الأحذية، فهنا يبرز الذوق الخاص للطفل، كما ستلاحظ أن طفلتك على الرغم من صغر سنها تهتم باختيار قطع الحُلي الصغيرة الملونة، التي تضعها في شعرها، أو في يديها، أو في أصابعها، وقد تدهش الأم من سلوك الطفلة لظنها أنها مازالت صغيرة على هذا السلوك.
6ـ الثواب والعقاب: قد يشكو الكثيرون من الآباء من أنهم لا يستطيعون اصطحاب أطفالهم إلى زيارة الأصدقاء أو الأقارب نتيجة سوء سلوكهم، وتصرفاتهم السيئة عند الغرباء، ولكن الأطفال يتصرفون هكذا، نتيجة تهاون الآباء في تعليمهم، وتربيتهم، لذلك يجب أن ننبه الطفل، ما دام باستطاعته الفهم، إلى أن يسلك سلوكًا طيبًا عند الناس، ونشجعه بمكافأة إذا تصرف بشكل جيد، أو بعقابه إذا لم يمتثل لتوجيهاتكما، وحرمانه من نزهة أو شيء يحبه، وذلك حتى يتعلم السلوك اللائق. فالهدية أو المكافأة ليست رشوة، بل هي أسلوب لتقريب وتبسيط الفكرة عند الطفل، لكي يحبها ويتمسك بها، وبالتدريج سيعتاد السلوك الطيب من دون مكافآت.
7ـ المشاركة في حل المشكلات: دع طفلك يشاركك التفكير في حل مشكلة معينة، وبالطبع مشكلة بسيطة، اجعله يشعر بأهميته، وأهمية أن يفكر، فلا يشب منقادًا أو معتمدًا على الآخرين، ليفكروا له، أو بليدًا لا يحب أن يرهق نفسه في التفكير.
8ـ الصبر مع الطفل: نعرف جميعًا أن الطفل لن يفهم ولن يتعلم من المرة الأولى، ولكن كلما تكلمت معه، وشرحت له كل شيء من دون الاستهانة بعقله وفهمه، يستطيع هو أن يتعلم السلوك اللائق، ويتعود أن يفكر ويستخدم عقله، بدلاً من الصراخ والبكاء، ولن يحرجك كلما خرجتما سويًا.
9ـ لنتبادل الأدوار ولنفهم ماذا يريد الطفل: وينصح خبراء علم النفس بأن أسلم طريقة لتوجيه الطفل، وفي الوقت نفسه مساعدتك على الفهم، هي أن تضع نفسك مكانه، حاول أن تفكر بنفس أسلوبه في كل موقف يواجه، فعندما يبكي متشبثًا بك عند ذهابك إلى العمل، فلا تزجره وتعنفه، أو تخرج من البيت خلسة من دون أن يراك، بل فكر في أن تصرفه هذا يدل على أنه يحبك، ويحب أن يكون معك. لذلك فكر أنت بأسلوب الطفل ودورك أن تشرح له المكان الذي ستذهب إليه، وماذا ستفعل، ومتى ستعود، كل هذا بأسلوب بسيط يستوعبه الطفل، ومن الجدير بالذكر أنه قد لا يفهم كل كلامك في المرة الأولى والثانية، ويظل يبكي، ولكنه سيفهم في المرات التالية.
10ـ التجارب العملية: أن ندخل الطفل في بعض التجارب حسب عمره وقدراته ذهنية، فمثلاً: يمكن أن نضع أشياءه الخاصة في غير أماكنها التي يعرفها، وعندما لا يجدها، لاحظ كيف سيتصرف: هل سيبحث عنها بمفرده؟ هل سيسألك عنها مباشرة ليوفر على نفسه العناء؟ هل سيطلب منك أن تشاركه البحث، أم سيغضب لاختفائها، وقد يبكي ويصرخ بدلاً من البحث عنها، وبعد أن يجدها هل سيعيدها مرة أخرى إلى مكانها السابق؟ أم سيرضى عن المكان الجديد؟
11ـ يمكن أن نستخدم أدوات التفكير: وعندما ندخل الطفل في تجارب فإننا يجب أن نقدم له الوسائل المناسبة للتفكير، مثل: الخرائط الذهنية وطرق التفكير المختلفة وطرق استخدامها حتى يتمكن من تنمية قدراته وتنظيم أفكاره.
12ـ ووسائل أخرى: ولنحاول أن ننمي ذاكرة الطفل بالحفظ والقراءة واللعب، أيضًا.
13ـ لنبدأ من البداية: الطفل يخطئ كثيرًا، وعندما يخطئ علينا أن نبدأ معه من البداية، فهو سيخطئ، وسيتصرف على نحو لا يرضيك، وسيتشبث برأيه في أكثر الأحيان، وسيطلب منك أن تلبي له كل طلباته. ولكن لا تجعل – ابدا – شخصية طفلك تطغى على كلامك وتوجيهاتك وأوامرك، بل لا بد أن تكون أنت صاحب الكلمة، وبخاصة في الأمور التي قد تضر بالطفل، ولا بد أن يحترم كلامك وتوجيهاتك من البداية.

والتفاصيل في هذا الموضوع كثيرة ومن الصعب الإتيان بها كلها في هذه المساحة، ولكن قبل أن ننهي المقال لنسأل ماذا يمكن أن يفعل المعلمون في مساعدة الأطفال والطلاب ودفعهم الى التفكير؟

يقول أحد كتاب التربية انه يتمثل دور المعلم في تسهيل عمل الطلاب بالحرص على توجيههم الوجهة الصحيحة، ومراقبة أعمالهم، ومتابعتها للحصول على نتائج سليمة. كما يترتب عليه إثارة روح التساؤل فيهم وتشجيعهم على ذلك وأن يعمل هو بنفسه على استكشاف الخلفية التي لديهم عن طريق الأسئلة، وذلك ليتمكن من البناء عليها. وهذا يعني التفاعل المستمر ما بين الطالب والمدرس لا سيما عن طريق التغذية المرتدة. كما يمثل المدرس دور المستشار حين الضرورة، ويعمل أساسًا عمل المدرب لا عمل المدرس الذي يصب المعلومات فقط. ولتحقيق ذلك لابد أن تتوافر لديه روح التدريب، والإشراف، والتوجيه، وحب العمل بالإضافة إلى الخلفية المناسبة لذلك.
والتقييم هو قياس مستوى الأداء وتوجيهه، لا بد من تقييم أداء الطلاب وذلك للتمكن من معرفة المستوى الذي وصل إليه الطلاب. ومن الضروري أن تستند عملية التقييم على المستوى الشخصي والجماعي أي على قدرات الطالب الذاتية وأدائه في الفريق، كما ينبغي أن تستند إلى كل من المحتوى والطريقة أي إلى المعرفة والمهارات، ويكون ذلك بالنظر إلى الأهداف هل تحققت؟ وبالنظر إلى أداء الطلاب بشكل مفصل لمعرفة نقاط الضعف والقوة في الأداء وفي اكتساب المعرفة والمهارات وفي الإعداد النفسي. وهذا يتطلب المتابعة المستمرة من قبل المرشدين والتغذية المرتدة الآنية والتفكر فيما حصل.
ويمكن تقييم الأداء عن طريق التأكد من فهم الطالب بتركه يُعبر عن الموضوع بعباراته وشرحها أمام المدرس والطلاب، وان يُعطى المجال لتدريب زملائه، وان يقيِّم بعضهم بعضًا، وأن يقوموا بكتابة المذكرات والتقارير وأوراق البحث، والكشف عن مدى استفادة كل عضو في الفريق من الآخر وتأثير كل عضو على الفريق ككل.

الخلاصة؛ تقول الحكمة «إن كنا نريد أن نغير النتائج علينا أن نغير السلوكيات والتصرفات والأفعال»، لذلك يمكننا القول إن كنا نريد أن نربي أطفالنا على التفكير فعلينا أن نثير في نفوسهم وعقولهم الرغبة في التفكير وأن ننمي تلك الأساليب لا أن نحبطهم ونضع في حياتهم المعوقات الفكرية والأقفال الذهنية.

الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

المضافات الغذائية - صبغة الورا الحمراء أ سي (E129)

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢ ديسمبر ٢٠١٤

بقلم الدكتور زكريا خنجي

تعرف صبغة الورا الحمراء أ سي (E129) بأنها من صبغات آزو (azo) الصناعية التي بدأ استخدامها عام 1971 في الولايات المتحدة الأمريكية بدلاً عن صبغة الامارانث (E123). وللصبغة العديد من الأسماء مثل: (C.I. 16035)، لون الغذاء الأحمر 17، (FD & C Red 40)، بالإضافة إلى الأسماء العلمية الأخرى.
وعادة ما تكون الصبغة على هيئة مسحوق أحمر داكن، وتستخدم كواحدة من أملاح الصوديوم، وربما تستخدم على حد سواء كأملاح الكالسيوم والبوتاسيوم. وهو قابل للذوبان في الماء ليتحول إلى محلول، والحد الأقصى للامتصاصية تقدر بحوالي 504 نانومتر، ودرجة انصهاره يتجاوز 300 م. وتعد صبغة الورا الحمراء أ سي (E129) واحدة من المواد الكيميائية الأكثر إنتاجًا.
ويتم تصنيع صبغة الورا الحمراء أ سي (E129) من المشتقات البترولية (coal tar)، وعلى الرغم من الاعتقاد الخاطئ الشائع، فإن الصبغة صبغة الورا الحمراء أ سي (E129) لا تستخرج من الحشرات، على عكس بعض الصبغات الأخرى.

الآثار السلوكية المحتملة
صدرت عدة تقارير ودراسات حول موضوع المضافات الغذائية وخاصة الألوان الغذائية، وربما من أشهرها تقرير عام 2007 من جامعة ساوثامبتون حول تأثير أصباغ (azo) على الأطفال ذوي الثلاث السنوات من العمر والذين تتراوح أعمارهم ما بين 8 – 9 سنوات، وتقرير عام 2006 الذي أشار المؤلفون إلى أنه من الصعب تقيد كل هذه الأصباغ من دون التسبب في حدوث نقص التغذية.
وردًا على ذلك، فإنه في 6 سبتمبر 2007 أصدرت هيئة مواصفات الأغذية البريطانية بعض المواصفات المنقحة بشأن بعض الإضافات الغذائية الاصطناعية، بما في ذلك صبغة الورا الحمراء أ سي (E129).
صرح البروفيسور ستيفنسون، الأستاذ المشارك في التقريرين، «لقد كانت هذه دراسة من الدراسات المهمة في مجال البحث، وتشير النتائج إلى وجود ترابط بين استهلاك مخاليط ألوان الطعام الاصطناعية والمواد الحافظة مثل بنزوات الصوديوم وزيادة في سلوك مفرط لدى الأطفال». وأضاف: «ومع ذلك، يجب ألا يعتقد الآباء أنه بمجرد إزالة هذه الإضافات من المواد الغذائية يمكن أن نمنع اضطرابات السلوك المفرط، حيث إننا نعلم بوجود العديد من المؤثرات الأخرى التي يمكن أن يكون لها ذات التأثير، وهذه واحدة، وإن كنا ننصح بتجنبها».
ووجدت دراسة أخرى أن زيادة مستويات النشاط المفرط واضطرابات نقص الانتباه بسبب النشاط المفرط لدى الأطفال ناتجة عن تناولهم بعض المواد الكيميائية. وبناء على هذه الدراسة، نصحت الهيئة المعنية في المملكة المتحدة بالتخلص من بعض الألوان الاصطناعية، مثل: أصفر غروب الشمس، Carmoisine، التارتازين، بالإضافة إلى صبغة الورا الحمراء أ سي (E129) من وجبات الأطفال الذين يعانون من النشاط المفرط، حيث أشارت نصائح الهيئة إلى أنه يمكن أن يكون لذلك بعض الآثار المفيدة.

الآثار الصحية
لم تشر الدراسات إلى أن صبغة الورا الحمراء أ سي (E129) يمكن أن تكون ذات تأثيرات سمية جينية، أو أنه يمكن أن تسبب السرطان، ولكن مركب (para-cresidine) الذي يستخدم في إنتاج الصبغة، وجد أنه يمكن أن يسبب أورام المثانة عند القوارض، ولكن لم يتم العثور على المركب بصورة حرة في الصبغة. كما أنه لم توجد دلائل على أن صبغة الورا الحمراء أ سي (E129) يمكن أن تسبب عيوب خلقية في الفئران أو الأرانب، ولا حساسية الجلد فيهما.

القوانين
في 10 إبريل 2008، دعت هيئة مواصفات الأغذية بإزالة الطوعية أو بالتخلص الطوعي من الألوان – ولكن ليس من بنزوات الصوديوم – بحلول عام 2009. بالإضافة إلى ذلك، فقد أوصت بأنه ينبغي أن يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة للتخلص منها سواء في الأطعمة أو المشروبات على مستوى الاتحاد الأوروبي على مدى فترة محددة. إلا أن هيئة سلامة الأغذية الأوروبية (FSA) طلبت من المملكة المتحدة بمراجعة الدراسة، حيث أشارت الهيئة الأوروبية إلى أن الدراسة قدمت أدلة محدودة وذات دلالات إحصائية صغيرة. وفي نفس السياق فقد خلصت (FSA) إلى أن الاستهلاك اليومي المقبول من الألوان التي تم تحليلها في الدراسة ساوثامبتون لا تحتاج إلى تغييرها. ولكن أصر وزراء المملكة المتحدة على التخلص من ستة ملونات تدريجيًا بحلول عام 2009.

إلى النواب وأعضاء المجالس البلدية.. مع التحية

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢ ديسمبر ٢٠١٤

بقلم الدكتور زكريا خنجي

في البداية نبارك للبحرين نجاح الانتخابات، وكذلك نبارك للفائزين في مجلس النواب والمجالس البلدية على دخولهم هذا المعترك السياسي الاجتماعي، وعلى ذلك فكلنا أمل في أن تسع صدورهم لبضع كلمات من مواطن يمكن أن يعد واحدا من الشهود الذين يراقبون ما يحدث في البلاد.

أيها السادة النواب:
إن البيئة في البحرين تعاني الكثير من المشاكل، فمازال قانون البيئة الجديد يقبع بين أدراج المجلس النيابي ومازال قانون الصحة العامة يراوح بين مكاتب المجلس النيابي ومازلنا نطمح في التفكير بقانون خاص بسلامة الأغذية، والعديد العديد من الأمور المتعلقة بالبيئة ناقصة سواء من حيث التشريعات أو حتى المراقبة، نريد منكم خلال هذه السنوات الأربع القادمة أن تنظروا إلى هذا الجانب بإشفاق ولو لمرة واحدة، حيث إننا لم نجد إلا مرشحا واحدا – فقط – هو من تحدث عن المشاكل والقضايا البيئية خلال حملته الانتخابية، ولا نعرف لماذا، هل لأنكم لا تعرفون ما البيئة ومشاكلنا البيئية؟ أم لأنكم لا تقدرون لهذا الموضوع من قيمة؟

أيها السادة أعضاء المجالس البلدية
أنتم أيها السادة، مكلفون بحوالي 25 قضية جلها قضايا بيئية وخدمية، كل الذي تحتاجون إليه أن تستشيروا المواطنين في المناطق التي تسكنونها، سواء عن طريق الاستفتاء أو الاستبيان أو حتى بتدشين موقع إلكتروني حتى يقول الناس مشاكلهم الخدمية البيئية، وعليه يمكنكم التعامل معها.
أنصتوا للناس وللمواطنين، فمن عنده مشكلة في المصباح الذي أمام منزله يعتبر أن هذه المشكلة أكبر مشكلة تواجه البشرية، فلا تغضب عندما يتصل بك مواطن يطالبك بتغير هذا المصباح المحروق، ولا تتذمر بأن المواطن طالبك بتوفير مطب صناعي أمام منزله.
نعم، بعض الأعضاء يقولون إن أمامنا مشاكل كبيرة فمن الأفضل أن نلتفت إليها ولا نلتفت إلى القضايا الصغيرة، وإن كان هذا الصحيح فإن المشاكل الصغيرة أو المشاكل التي يمكن أنت أن تعتبرها تافهة هي عند المواطن كبيرة وتؤرق مضجعه، فلا تهملها.

أيها السادة،
أنتم اليوم وافقتم على حمل هذه الأمانة، إنها أمانة وطن ومواطن، فلا تتقاعسوا مهما حدث، ولا تتوقعوا أن العملية سهلة وأنها وجاهة ومنصب وامتيازات، والله إنها مسؤولية وتحتاج منكم إلى جهد كبير وصدق مع النفس والمواطن والوطن، وسوف تحاسبون عليها.
يقول عمر «والذي بعث محمدًا بالحق لو أن جملاً هلك ضياعًا بشط الفرات خشيت أن يسأل الله عنه آل الخطاب».
فكونوا بهذه الشفافية.