السبت، 6 ديسمبر 2014

لنُعلم طفلنا كيف يفكر؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٧ ديسمبر ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

تحدثنا في المقال السابق (طفل يفكر) عن إدارة التفكير لدى الطفل والكيفية التي يمكننا من خلالها أن نسهم ولو بجزئية في أن نحفز منظومة التفكير لدى الطفل، وقلنا انه يمكننا التركيز على ثلاثة أمور وهي: الجانب الخاص بالوالدين، وتنمية المهارات المختلفة، واليوم وفي هذا المقال سنحاول أن نأتي بالجانب الثالث.

ثالثًا: الجانب المرتبط بالتدريب والتعليم: وهذا جانب ملحّ، إذا ينقلنا ذلك من المراحل النظرية إلى المرحلة التطبيقية التي يمكن أن تتم بعدة طرق وأساليب، مثل:
1ـ تحديد الهدف: نعلمه أن يحدد هدفه في كل قضية يفكر فيها؛ فلماذا يريد أن يحل تلك المشكلة التي تؤرق حاله؟ لماذا يريد أن يدرس هذا الموضوع؟ ما الهدف من كل الأمور؟ عندئذ يمكنه أن يتساءل كيف يمكنني أن أحل تلك المشكلة حتى أحقق الهدف الذي أريد؟ كيف يمكنني استيعاب ذلك الموضوع؟
2ـ أترك له المجال لطرح الأسئلة: ربما نفاجأ بأن أطفالنا كبروا بسرعة، وأنهم اليوم يطرحون الكثير من الأسئلة التي لا نتوقعها، فيناقشوننا كما يفعل الكبار. فهو يحب أن يعرف كل شيء، ودائمًا يسأل: «لماذا، كيف؟»، فلا يجب أن نتهرب من الإجابة، ولا أن تستهين بعقله، بل يمكننا إخباره بكل شيء بحسب قبوله وفهمه، وبأسلوب بسيط، ومقنع.
3ـ تحدث مع الطفل كثيرًا: إن كنت بصدد إلحاق طفلك بالحضانة، فهيئ عقله، وتكلم معه كثيرًا عن المكان الذي سيذهب إليه، والأطفال الآخرين، وكل ما يتعلق بحياته الجديدة. ولا تصفه – أبدًا – بأنه أفضل من أقرانه، أو الأذكى، بل عندما تمتدحه، امدحه هو من دون مقارنته بالآخرين، حتى لا يشب وهو يشعر بالكبرياء أو التميز عن الآخرين، فيشعر بالغربة، ويبتعد عنه زملاؤه، نتيجة سوء معاملته لهم.
4ـ ناقش الطفل ودعه يناقشك: عندما نخرج لشراء لوازم البيت من السوبرماركت، اشرح لطفلك الغرض من الذهاب والأشياء التي ستشترونها، واجعله يختار معك ويعرف فائدة كل شيء بالنسبة له ولكما، حتى لا يتشبث بكل ما تمتد إليه يداه من دون أن يفهم. وإذا صرخ أو بكى وهو يمسك بلعبة أو قطعة حلوى، فلا تحرجه بألا تشتريها له، بل خذه بهدوء واشرح له أسباب عدم شرائك لها، مثلاً لعدم كفاية المال لديك، أو لوجود مثلها في البيت.. وهكذا.
5ـ لنعلم الطفل اتخاذ القرار وتحمل المسئولية من صغره، مثلاً: عند ارتداء ملابسه، لا تظن أنه لن يفهم في الألوان أو في الموديلات، بل قد تلاحظ أنه يميل الى ارتداء قطعة من ملابسه، أكثر من الباقي، ويفضل حذاء بعينه، ولا يحب ارتداء باقي الأحذية، فهنا يبرز الذوق الخاص للطفل، كما ستلاحظ أن طفلتك على الرغم من صغر سنها تهتم باختيار قطع الحُلي الصغيرة الملونة، التي تضعها في شعرها، أو في يديها، أو في أصابعها، وقد تدهش الأم من سلوك الطفلة لظنها أنها مازالت صغيرة على هذا السلوك.
6ـ الثواب والعقاب: قد يشكو الكثيرون من الآباء من أنهم لا يستطيعون اصطحاب أطفالهم إلى زيارة الأصدقاء أو الأقارب نتيجة سوء سلوكهم، وتصرفاتهم السيئة عند الغرباء، ولكن الأطفال يتصرفون هكذا، نتيجة تهاون الآباء في تعليمهم، وتربيتهم، لذلك يجب أن ننبه الطفل، ما دام باستطاعته الفهم، إلى أن يسلك سلوكًا طيبًا عند الناس، ونشجعه بمكافأة إذا تصرف بشكل جيد، أو بعقابه إذا لم يمتثل لتوجيهاتكما، وحرمانه من نزهة أو شيء يحبه، وذلك حتى يتعلم السلوك اللائق. فالهدية أو المكافأة ليست رشوة، بل هي أسلوب لتقريب وتبسيط الفكرة عند الطفل، لكي يحبها ويتمسك بها، وبالتدريج سيعتاد السلوك الطيب من دون مكافآت.
7ـ المشاركة في حل المشكلات: دع طفلك يشاركك التفكير في حل مشكلة معينة، وبالطبع مشكلة بسيطة، اجعله يشعر بأهميته، وأهمية أن يفكر، فلا يشب منقادًا أو معتمدًا على الآخرين، ليفكروا له، أو بليدًا لا يحب أن يرهق نفسه في التفكير.
8ـ الصبر مع الطفل: نعرف جميعًا أن الطفل لن يفهم ولن يتعلم من المرة الأولى، ولكن كلما تكلمت معه، وشرحت له كل شيء من دون الاستهانة بعقله وفهمه، يستطيع هو أن يتعلم السلوك اللائق، ويتعود أن يفكر ويستخدم عقله، بدلاً من الصراخ والبكاء، ولن يحرجك كلما خرجتما سويًا.
9ـ لنتبادل الأدوار ولنفهم ماذا يريد الطفل: وينصح خبراء علم النفس بأن أسلم طريقة لتوجيه الطفل، وفي الوقت نفسه مساعدتك على الفهم، هي أن تضع نفسك مكانه، حاول أن تفكر بنفس أسلوبه في كل موقف يواجه، فعندما يبكي متشبثًا بك عند ذهابك إلى العمل، فلا تزجره وتعنفه، أو تخرج من البيت خلسة من دون أن يراك، بل فكر في أن تصرفه هذا يدل على أنه يحبك، ويحب أن يكون معك. لذلك فكر أنت بأسلوب الطفل ودورك أن تشرح له المكان الذي ستذهب إليه، وماذا ستفعل، ومتى ستعود، كل هذا بأسلوب بسيط يستوعبه الطفل، ومن الجدير بالذكر أنه قد لا يفهم كل كلامك في المرة الأولى والثانية، ويظل يبكي، ولكنه سيفهم في المرات التالية.
10ـ التجارب العملية: أن ندخل الطفل في بعض التجارب حسب عمره وقدراته ذهنية، فمثلاً: يمكن أن نضع أشياءه الخاصة في غير أماكنها التي يعرفها، وعندما لا يجدها، لاحظ كيف سيتصرف: هل سيبحث عنها بمفرده؟ هل سيسألك عنها مباشرة ليوفر على نفسه العناء؟ هل سيطلب منك أن تشاركه البحث، أم سيغضب لاختفائها، وقد يبكي ويصرخ بدلاً من البحث عنها، وبعد أن يجدها هل سيعيدها مرة أخرى إلى مكانها السابق؟ أم سيرضى عن المكان الجديد؟
11ـ يمكن أن نستخدم أدوات التفكير: وعندما ندخل الطفل في تجارب فإننا يجب أن نقدم له الوسائل المناسبة للتفكير، مثل: الخرائط الذهنية وطرق التفكير المختلفة وطرق استخدامها حتى يتمكن من تنمية قدراته وتنظيم أفكاره.
12ـ ووسائل أخرى: ولنحاول أن ننمي ذاكرة الطفل بالحفظ والقراءة واللعب، أيضًا.
13ـ لنبدأ من البداية: الطفل يخطئ كثيرًا، وعندما يخطئ علينا أن نبدأ معه من البداية، فهو سيخطئ، وسيتصرف على نحو لا يرضيك، وسيتشبث برأيه في أكثر الأحيان، وسيطلب منك أن تلبي له كل طلباته. ولكن لا تجعل – ابدا – شخصية طفلك تطغى على كلامك وتوجيهاتك وأوامرك، بل لا بد أن تكون أنت صاحب الكلمة، وبخاصة في الأمور التي قد تضر بالطفل، ولا بد أن يحترم كلامك وتوجيهاتك من البداية.

والتفاصيل في هذا الموضوع كثيرة ومن الصعب الإتيان بها كلها في هذه المساحة، ولكن قبل أن ننهي المقال لنسأل ماذا يمكن أن يفعل المعلمون في مساعدة الأطفال والطلاب ودفعهم الى التفكير؟

يقول أحد كتاب التربية انه يتمثل دور المعلم في تسهيل عمل الطلاب بالحرص على توجيههم الوجهة الصحيحة، ومراقبة أعمالهم، ومتابعتها للحصول على نتائج سليمة. كما يترتب عليه إثارة روح التساؤل فيهم وتشجيعهم على ذلك وأن يعمل هو بنفسه على استكشاف الخلفية التي لديهم عن طريق الأسئلة، وذلك ليتمكن من البناء عليها. وهذا يعني التفاعل المستمر ما بين الطالب والمدرس لا سيما عن طريق التغذية المرتدة. كما يمثل المدرس دور المستشار حين الضرورة، ويعمل أساسًا عمل المدرب لا عمل المدرس الذي يصب المعلومات فقط. ولتحقيق ذلك لابد أن تتوافر لديه روح التدريب، والإشراف، والتوجيه، وحب العمل بالإضافة إلى الخلفية المناسبة لذلك.
والتقييم هو قياس مستوى الأداء وتوجيهه، لا بد من تقييم أداء الطلاب وذلك للتمكن من معرفة المستوى الذي وصل إليه الطلاب. ومن الضروري أن تستند عملية التقييم على المستوى الشخصي والجماعي أي على قدرات الطالب الذاتية وأدائه في الفريق، كما ينبغي أن تستند إلى كل من المحتوى والطريقة أي إلى المعرفة والمهارات، ويكون ذلك بالنظر إلى الأهداف هل تحققت؟ وبالنظر إلى أداء الطلاب بشكل مفصل لمعرفة نقاط الضعف والقوة في الأداء وفي اكتساب المعرفة والمهارات وفي الإعداد النفسي. وهذا يتطلب المتابعة المستمرة من قبل المرشدين والتغذية المرتدة الآنية والتفكر فيما حصل.
ويمكن تقييم الأداء عن طريق التأكد من فهم الطالب بتركه يُعبر عن الموضوع بعباراته وشرحها أمام المدرس والطلاب، وان يُعطى المجال لتدريب زملائه، وان يقيِّم بعضهم بعضًا، وأن يقوموا بكتابة المذكرات والتقارير وأوراق البحث، والكشف عن مدى استفادة كل عضو في الفريق من الآخر وتأثير كل عضو على الفريق ككل.

الخلاصة؛ تقول الحكمة «إن كنا نريد أن نغير النتائج علينا أن نغير السلوكيات والتصرفات والأفعال»، لذلك يمكننا القول إن كنا نريد أن نربي أطفالنا على التفكير فعلينا أن نثير في نفوسهم وعقولهم الرغبة في التفكير وأن ننمي تلك الأساليب لا أن نحبطهم ونضع في حياتهم المعوقات الفكرية والأقفال الذهنية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق