السبت، 27 ديسمبر 2014

طفلي تربية الخادمة

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٨ ديسمبر ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

لديها دكتوراه في علم التربية، وكانت نشطة إلى حد كبير، وكانت تقف دائمًا أمام الكاميرات وفي المحاضرات لتعلم الناس والمشاهدين فن تربية الأطفال، والأسس العلمية لتربية النشء، والكيفية الصحيحة لتخطي مشاكل الطفولة والمراهقة وما إلى ذلك من موضوعات تتعلق بالتربية المثالية للطفل.
كانت عندما تعود إلى البيت - وهي مرهقة، فهي تعمل في الجامعة الجزء الأكبر من النهار، ثم يتم استضافتها في عدة أيام من الأسبوع سواء في محاضرات مباشرة أو من خلال شاشة التلفزيون - تحاول أن تأخذ قسطًا من الراحة، لذلك فعندما يأتيها طفلها ليلعب معها على السرير فإنها – ومن فرط إرهاقها - تنادي الخادمة لتبعد الطفل لأنها تريد أن تنام.
وبعد ساعة من الزمن تستيقظ، وعندها إما أن تعدّ لمحاضرة أو مقابلة تلفزيونية أو لمحاضرات الجامعة، وإما انها تبدأ بالاستعداد لأداء بعض الواجبات الاجتماعية، والطفل مازال يلعب مع الخادمة، فهي مشغولة.
يأتي المساء، فتقوم الخادمة بإطعام الطفل وتأخذه إلى سريره لينام، وهي تعود إلى المنزل في ساعة متأخرة من المساء يكون فيها الطفل نائما، لذلك تنام هي أيضًا حتى تستعد للغد.
وفي الغد تستيقظ مبكرة لتذهب إلى عملها مبكرة، فليس من اللائق أن تذهب الى الجامعة متأخرة، ترى ماذا سيقول عنها الزملاء وهي متخصصة في التربية؟! وعندما تخرج في الصباح الباكر، يكون الطفل مازال نائمًا.
أما هو، ونقصد الزوج أو الأب، فهو أيضًا دائمًا مشغول، فهو يخرج في الصباح الباكر، يكون الطفل نائما، ولا يعود إلا في المساء، وفي المساء لا يستطيع أن يجلس مع طفله، فهو يحتاج إلى راحة، لذلك فهو يحتاج الى جلسة مع الأصحاب في المقهى وتدخين الشيشة، لذلك فهو لا يعود إلى البيت إلا بعد منتصف الليل.
الصورة تتكرر، ويبقى الطفل بين أحضان الخادمة، يتربى على يدها، تعلمه مما تعلمته هي في بيئتها ومن مجتمعها، تعلمه لغة ما أنزل الله بها من سلطان، فهي ليست العربية أو الإنجليزية أو الهندية أو الفلبينية، وإنما هي خليط عجيب من كل تلك اللغات، لذلك يتشكل طفلنا بطريقة لا يمكن للكلمات أن تصفها.
نشر الدكتور فهد السويدان في عام 2012 دراسة حول موضوع «الخدم والأطفال» جاء فيه:
أكدت الدراسات أن وجود المربية والخادمة يؤثر سلبيًا على النمو اللغوي حيث يكتسب الطفل من خلال المربيات مفردات لغوية ركيكة غير متماسكة والتي تتضح في الكثير من المفردات، فقد أثبتت الدراسات أن هناك نسبة من الأطفال يعانون من عيوب في النطق في ظل وجود الخادمة في المنزل كالثأثأة أو الفأفأة أو التهتهة.
هذا عدا اللغة الداخلية التي قد يتأثر بها الطفل بشكل عام، والتي قد تنشأ باختلاط لغة الخادمة أو المربية بلغة المجتمع أو الأسرة، فيصبح للطفل تناقض بين ما قد يسمعه من الأم في طريقة المعاملة والمحادثة وما قد يسمعه من الخادمة التي تكون غالبًا لغة الخادمة الأصلية مع بعض المفردات المحلية.
كما أثبتت معظم الدراسات أن تأثير الخدم على الإناث من الأطفال لا يقتصر على اللغة فقط ولكن أيضًا أثبتت أن الطفلة قد تصبح خجولة وقليلة الكلام، وتحب الهدوء، وتنفر من الكبار وخصوصًا الغرباء، وقد تؤثر هذه الظاهرة على أسلوبها في المعاملة من حولها من أصدقاء وزملاء وقد تصبح عدوانية. إذ يصبح العدوان وسيلتها لإفراغ شحنات الغضب الكامنة في نفسها، كما بينت دراسات أخرى أن الطفلة قد تصبح عدوانية مع إخوتها فقط، عصبية وعنيدة إذا أرادت شيئًا وصممت عليه ولا بد أن تحصل عليه. لم تتوقف التأثيرات السلبية الناجمة عن الخدم والمربيات على الأطفال.
كما تسهم الخادمات في إكساب الأطفال أنماطًا سلوكية جديدة غير مرغوب فيها؛ نتيجة لاختلاف بيئة الخادمة عن بيئة الطفل، فضلاً عن اكتساب الأطفال لأنماط سلوكية جديدة، قد يكون من غير المسموح أن يعرفها الأطفال في هذه السن المبكرة، ولكن يتعلم الطفل مثل هذه السلوكيات عن طريق احتكاكه بالخادمة.
بالإضافة إلى أن وجود الخادمات بالبيت يشكل عبئًا نفسيًا على الأطفال، حيث يتعرض الطفل لمشكلات نفسية نتيجة غياب الوالدين عنه وعن متطلباته واحتياجاته، بجانب شعور الطفل في كثير من الأحيان بعدم الاطمئنان والشعور بالذنب، فهو يجلس كثيرًا وحده مع الخادمة، وقد تترسب لديه أشياء بالعقل الباطن ويحتفظ بها ولا يخبر والديه عنها. مما يترتب عليه احتمالية تعرض الطفل لانحرافات سلوكية في المستقبل في حالة تراكم الاحباطات والمواقف المؤلمة مع الخادمات. كما قد يتعرض الطفل للإيذاء البدني نتيجة لضرب الخادمة له عند رفض الانصياع لأوامرها.
أما مشكلة تعلق الطفل بالمربية التي تتولى أموره فهو يتعلق بها خلال المرحلة العمرية ما بين 3 و4 سنوات، ومن ثم يكبر ويزداد تعلقه بها، وينتهي عقد الخادمة وتعود من حيث أتت، فتختفي فجأة من حياة الطفل وتأتي خادمة أخرى فيدخل الإحباط في نفس الطفل. أ. هـ.
ونحن هنا لا نستهجن وجود الخدم في مجتمعنا، فوجودهم أصبح واقعا شئنا ذلك أم أبينا، إلا أننا لا نريد أن يفرض علينا هذا الواقع نمطية حياة تجرفنا إلى هوة مجهولة لا نعرف لها قرارا.
فنحن نقدم بلاغا في مركز الشرطة بمجرد أن الخادمة قد سرقت من المنزل خاتما أو مبلغا من المال يقدر ببضع مئات من الدنانير، ولكننا نتجاهل في الوقت نفسه أنها سرقت أطفالنا وأعمارهم وقيمهم.
لخصت دراسة نشرت عام 2005 أضرار ظاهرة الخدم في بعض المجتمعات الخليجية في بعض النقاط التالية:
1- تأثر الأولاد بلغة الخادمة وعاداتها وتقاليدها فأصبحوا مجرد مقلدين لها.
2- تقليد الخادمة في النظافة والطعام والكلام والمشاعر والصلاة.
3- تأثير الخدم والمربيات بشكل مباشر على البناء الأسري والعلاقات بين الزوجين وبروز ظاهرة الخلافات المتصاعدة بين الزوجين بنسبة 60%.
4- التأثير الثقافي المدمر لهوية الصغار والكبار معًا حيث ذكر 25% من الأطفال – من عينة البحث – أن المربية تناقشهم في أمورهم الدينية وبالذات ما يتعلق بالدين الإسلامي ليعايش الصغار مرحلة القلق والاضطراب النفسي نتيجة اختلاف العقائد والمفاهيم، مما يزعزع شعور الإيمان واستقراره العقائدي وانتمائه الى دينه الإسلامي.
5- حرمان الطفل من حنان أمه اللازم في تربيته واستقرار نفسيته، ولا يمكن للخادمة تعويض حنان الأم.
6- ما يحدث من تفسخ أسري من جراء العلاقات المشينة بين صاحب البيت والخادمة، كما أن السائق قد يقوم بدور الوسيط بين الفتيات والشباب العابث وتسهيل الانحراف الخلقي والتستر عليه.
7- إفشاء أسرار البيوت وانتهاك حرماتها عندما تتبادل الأسر الزيارات العائلية ويضطلع الخدم بدورهم عند اختلاطهم ببعضهم البعض.
وفي دراسة أخرى على 500 أسرة خليجية تم رصد العديد من المشاكل المتعلقة بالخدم، أبرزها:
1- إهمال الأعمال المنزلية بنسبة 63%.
2- السرقة بنسبة 29%.
3- إيذاء الأبناء بنسبة 29%.
4- إفشاء أسرار البيوت بنسبة 29%.
5- الهروب بنسبة 26%.
6- مشاكل أخلاقية بنسبة 26%.
وفي دراسة للدكتور عبدالرؤوف الجرداوي نشرت في كتاب بعنوان: «ظاهرة الخدم والمربيات وأبعادها الاجتماعية في الدول الخليجية» توصلت إلى بعض النتائج التالية:
1- وجد أن 97% من الخادمات يلتزمن بطقوس دينية يتم ممارستها بشكل علني على الرغم من معارضتها للعادات الخليجية، وأن 66% من المربيات غير مسلمات.
2- يتم السماح للطفل أقل من 12 سنة بالتدخين بنسبة 11% وشرب الكحوليات بنسبة 7% وتخويف الأطفال من الظلام والحيوانات بنسبة 42%.
3- تناول أطعمة محرفة بنسبة 36% وتناول الخمر بنسبة 43%.

وما ذكر ما هو إلا مقتطفات وجزء من دراسات وما خفي كان أعظم.

وعلى الرغم من ذلك فإننا لا نريد أن نحارب ظاهرة الخدم في دولنا العربية وبالتحديد الخليجية، إلا أننا ندعو – فقط – إلى الحذر عند التعامل مع هذه الفئة من الناس، وخاصة عندما نضع أبناءنا بين أيديهم، وإن كنت أنا شخصيًا من رافضي أن يربي أطفالي خادمة أو مربية، مهما كلفني الأمر، لأن طفلي أغلى ما عندي فكيف أضعه في يد إنسانه لم تلده ولن تشعر به ولم تسمع شهقة أول نفس أطلقه، وأول صرخة بكاء وأول ابتسامة أطلقها؟
كيف ترتضي قلوبنا قبل عقولنا التفريط في أطفالنا حتى يربيهم الخدم؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق