السبت، 28 فبراير 2015

كيف تنجح في اجتذاب عميلك ؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١ مارس ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

ربما يعد سؤال العنوان من أهم الأسئلة التي يسألها صاحب أو رب العمل نفسه، وخاصة إذا كان هذا العمل يعتمد على جلب الزبائن وراحته. ومن المعروف أن العملاء والزبائن هم وقود المنشآت التجارية والصناعية، فهم من يجلبون الرواتب والمعاشات وكل المصاريف لذلك فإن رضاهم واجب، لذلك يقال دائمًا «إن الزبون على حق ولو كان على خطأ»، فرضا هذا الإنسان غاية كل منشأة.
ويبقى السؤال والإجابة عنه محور القضية والموضوع الأساسي لصاحب ورب العمل.
دخلت ذات مرة مع ابنتي لشراء تلفون نقال، استقبلنا صاحب المحل - وهو شاب - بكل ترحاب وبشاشة، وبعدما عرف مطلبنا بدأ يشرح لنا ويعطينا أفكارا عن هذا الجهاز وذاك، حتى وقع الخيار على جهاز واحد معين، وعندما بدأ يشرع في شرح مزايا هذا الجهاز، وأنه من الذكاء اختيار هذا الجهاز على الأجهزة الأخرى، وعندما طلبنا أن يعلمنا عن السعر، أخذ جهاز الحاسب وبدأ يجمع ويطرح ويقسم ويجري العديد من العمليات الحسابية وبعدها قال «إن هذا السعر الذي سوف أعطيكم إياه لم أعطه أحدا من قبلكم، صدقوني، وهذا الجهاز بمبلغ وقدره..».
ومن نافلة القول أن أذكر أننا كنا نعرف الأسعار مسبقًا، حيث قمنا بزيارة عدة محلات قبل هذا المحل، لذلك تبين أن هذا البائع وهو صاحب المحل لم يقم بالتخفيض كثيرًا عن نظرائه، وإنما يشبههم إلى حد ما، ولذلك بدأت أجادله وأحاول أن أقيم معه حوارا جادا وبناءً ليس من أجل سعر الجهاز بقدر أنني كنت أريد أن أعرف مكنونات هذا الشاب وقدراته على البيع والشراء، ومن ضمن الأسئلة التي طرحتها عليه أني قلت «هل حضرت من قبل دورة أو برنامجا تدريبيا حول موضوع خدمة العملاء أو ما شابه ذلك»، فقال «لا»، حينها ذكرت له إعجابي بقدرته على خدمة زبائن المحل؛ فقد كان يستقبل كل زبون بنفسه، ويرحب بهم ويعرف أسماءهم وربما رغباتهم، وكان طوال الوقت يبتسم للجميع، ويتحرك هنا وهناك من غير كلل أو ملل، بالإضافة إلى أنه كان يعطي أوامر للعاملين في المحل بأن يقدموا الخدمات المميزة للزبائن، وفي النهاية قلت له «إنك تبيع الهواء، وعلى الرغم من ذلك سوف أشتري منك، لأنك فعلاً تمتلك القدرة على سحر الزبائن العملاء».

حسنٌ، لنعد النظر في طريقة هذا الشاب في التعامل مع العملاء، والآلية التي استخدمها في كسب الزبائن أو بالأحرى سحرهم.

حتى نسحر الزبائن فإنه علينا:
1ـ ابتسم: يقول المثل الصيني «الإنسان الذي لا يملك وجهًا باسمًا، يجب ألا يفتح محلاً تجاريًا»، فبابتسامتك كأنك تقول للعميل «إني أحبك، فأنت تجعلني سعيدًا، وأنا سعيد برؤيتك». وقد جاء في كتب السيرة النبوية الشريفة الكثير من الأحاديث وسلوكيات رسول الله صلى عليه وسلم التي تدعو إلى التبسم في وجوه الناس، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تَبَسُّمُك في وَجْه أَخِيك لك صدقة» رواه الترمذي، وعن أبي ذر رضي الله عنه أيضًا أنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم «لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْـمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ» رواه الترمذي، ويروي عبدالله بن الحارث رضي الله عنه «ما رأيت أحدًا أكثر تبسّمًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه الترمذي. فإذن تذكر دائمًا إن أردت أن تكسب محبة الزبائن فعليك بالابتسامة الصادقة وليست المخادعة.
2ـ الإصغاء والإنصات: لا يمكن أن تتم عملية الاتصال والتواصل بين صاحب العمل والعميل إلا بتفعيل عملية الإصغاء. ويعرف الإصغاء أنه العملية التي لا تتم بالأذن فقط وإنما هي العملية التي تتم بجميع الجوارح.
3ـ ما يعرف بالقيمة المضافة، والتي تعني ببساطة ما يمكنني أن أقدم للزبون ولا يستطيع غيري تقديمه، أي ما يمكن أن يجد لدي العميل ولا يجده عند غيري، سواء كمنتج أو حسن خلق وحسن معاملة، وهذه القيمة هي التي تتنافس عليها كل المؤسسات الضخمة.
4ـ الإلمام بالمنتجات والخدمات؛ على صاحب العمل أن يعرف ما يقدم للزبون، وما هذا المنتج، وأهميته، وكيف يعمل، وما أفضل أنواعه، وما أضراره وكل ما يريد أن يعرفه العميل، وألا يكذب عليه فحبل الكذب كما يقال قصير.
5ـ الثقة بالنفس؛ يجب على صاحب العمل أن يثق بنفسه وبمنتجه وخدماته التي يقدمها، فإن لم يكن واثقًا بما يقدم فلن يستطيع تقديمه بصورة إيجابية.
6ـ المظهر المهني المقبول؛ وهذا يعني الشكل العام لمن يقدم المنتج، وملابسه، وترتيب شعره وهيئته، فليس من المعقول أن يتصدى للعملاء إنسان ذو رائحة كريهة ومظهر لا يسر الناظرين.
7ـ الحماسة للعمل؛ دائمًا يحتاج من يقدم منتجات وخدمات للعملاء أن يكون متوقد النشاط والحماسة، فمن المفروض ألا يفتر، وإن كان مرهقًا، فعلى صاحب العمل إن وجد في العامل فتورا أن يبعده عن التصدي للزبائن والعملاء حتى يسترد نشاطه.
8ـ الصبر وضبط النفس؛ ودائمًا - كذلك - على صاحب العمل والعاملين في المؤسسات أن يضبطوا أنفسهم وأعصابهم عند التعامل مع البشر، فلكل عميل وزبون شخصية تغاير الآخرين، فيجب أن نتعامل مع كل شخصية على حدة.
9ـ المرونة والقدرة على التكيف؛ لذلك يجب أن تكون للعاملين وصاحب العمل القدرة على أن يتعامل مع البشر بمرونة تامة، فالزبون دائمًا على حق وإن أخطأ.
10ـ الصدق والأمانة؛ وهذه صفة أساسية يجب أن نتمتع بها في جميع حياتنا وليس عند التعامل مع العملاء فحسب.
11ـ القدرة على الإقناع والتواصل الجيد؛ وربما تكون هذه ملكة يهبها الله سبحانه وتعالى لبعض البشر ولا يمنحها للآخرين، ولكن الذي يفتقد مثل هذه الملكة عليه أن يتعلمها، فهي ثقافة جميع تجذب الناس حواليك.
12ـ التوازن النفسي والعاطفي؛ وتعني ببساطة: لا تغضب، ولا تتعامل مع الناس بعاطفتك حينما تغضب أو تسر، فليس من المعقول أن تتعامل مع الناس حسب مزاجك أنت، فأنت في مكان تقدم خدمة للناس، وهم أتوا باختيارهم، ويمكنهم أن يرحلوا باختيارهم أيضًا.
13ـ الولاء للمؤسسة والانتماء إليها؛ كثيرًا ما يعمل بعض الأفراد في أماكن لا يشعرون بالولاء لها، فهم يعملون من أجل العمل، وهذا شيء جيد، ولكن إن استطعنا أن نزرع الولاء للمؤسسة بين أضلعهم فهذا أفضل.
14ـ حفظ أسرار مكان العمل؛ فعندما يوجد ولاء للمؤسسة والمكان العمل الذي نعمل فيه فإنه من المستحيل أن ننتقد المحل أو أن نتذمر أمام العميل أو الناس سواء بسبب سوء المعاملة في بعض الأحيان أو قلة الراتب، وإن كان هذان العاملان من أساسيات حق العاملين، ولكن في الكثير من الأحيان يحدث التذمر بأسباب تامة لمجرد أن المرء يريد أن يتذمر.
15ـ احترام العميل؛ وقد تكون هذه آخر صفة نذكرها وإنما هي في الحقيقة يجب أن تعد الأولى والأخيرة، فدائمًا وأبدأ يجب أن نحترم العميل، نحترم شخصه وشخصيته، نحترم عقله، وكذلك نحترم قدراته المادية، فلا نسخر منه مهما بدر منه من سلوكيات أو حاجات يمكن أن نعتبرها سخيفة.
عمومًا، هذه بعض الصفات والسلوكيات لو استطعنا أن نطبقها في مؤسساتنا حتى العامة والحكومية وخاصة التي تتعامل مع العملاء، فإن الخدمة في تلك المؤسسات ستصبح راقية جدًا.

 

ملاحظة: عنوان المقال الأصلي هو (كيف تسحر عميلك ؟) وقد قامت إدارة الصفحة بتغيره إلى (كيف تنجح في اجتذاب عميلك ؟) وهذا مجرد تنويه.

السبت، 21 فبراير 2015

هل لمجاهدة النفس علاقة بتنمية الذات؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٢ فبراير ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

يظن بعض الأفراد أن مجاهدة النفس مصطلح لا يطرق الآذان إلا في رمضان عندما نتحدث عن الصيام والامتناع عن الأكل وكذلك صيام الجوارح عن الكذب والغش وما إلى ذلك، وإن كان هذا صحيحا في بعض جزئياته فإنه لا يمثل إلا جزءا من الحقيقة، فالحقيقة تقول إن مجاهدة النفس هي ثقافة ومنهجية حياة يمكن أن نعيشها ونتعايش معها طوال حياتنا إن رغبنا في حياة متطورة كريمة.
ومجاهدة النفس تعني ببساطة تربية النفس وترويضها، لتبلغ النفس البشرية درجة من الشفافية وتصبح مطيعة للإنسان نفسه، حينئذ يستطيع هذا الإنسان أن يوجهها إلى ما يريد القيام به ويمنعها عن الأمور والحاجيات التي يرى أنها تعيق تقدمه في الاتجاه الذي يرغب في السير فيه.
ومن المعروف أن النفس البشرية جبلت على الدعة والكسل والراحة، ليس ذلك فحسب وإنما في بعض النفوس فإنها تبدأ في وضع بذرة الأنا في العقول حتى تعشش، فتغذيها وتسقيها بالوهم، فتكبر ليصبح صنم الأنا راسخ القدمين في العقل، فيقوم هذا الشخص بمعاملة الناس من هذا المنطلق، منطلق الطغيان، حتى يمتلئ هذا الصنم بالغرور والإعجاب بالنفس والتكبر، وخاصة إذا ما أحيطت هذه النفس بالمطبلين والمصفقين والمهرجين.
فلنتصور طالبا جامعيا مثلاً، والمطلوب إجراء اختبار غدًا، هذا الطالب الذي من المفروض أن يذاكر حتى ينجح نجده في ليلة الاختبار يتنقل من مجمع تجاري إلى آخر، غير آبه بالاختبار، وفي الغد يمكن أن يعتمد على زملائه أو أن يقوم بالغش بطريقة أو بأخرى.
إنسان تقدم لوظيفة وعندما جاء يوم المقابلة لم يستعدّ لها بصورة جيدة، فرفض ولم يعين، وتم تعيين شخص آخر.
والأمثلة كثيرة، هؤلاء البشر كان لديهم كل الفرص للتوفيق والتقدم الى الأمام، ولكن نفوسهم الميالة الى الدعة والراحة دعتهم إلى التواكل والكسل، فلو ضبطوا أنفسهم قليلاً وأجبروها على القيام بما هو مطلوب منهم لتحسنوا وفازوا، ولكن مازلنا نقول إن النفس البشرية تبحث عن الراحة.
وللأسف فإن النفس ترتبط بالسلبيات والمفاهيم الرديئة، فهي ميالة دائمًا لإشباع غرائزها، ولكن الإنسان صاحب الإرادة هو الذي يتحكم بها ويسيطر عليها، فترقى هذه النفس وتتهذب ويصبح الإنسان قادرًا على أداء الوظيفة التي خلق لأجلها، وتقوى علاقته مع باقي المخلوقات وينتشر الحب وفعل الخير بين الناس، وتحقق غاية الله في خلقه وتعمر الأرض، أما النفوس المريضة فهي التي تدمر البشرية وتعيث الخراب في الأرض، فبالقطع لم تكن نفوس الظالمين والمتجبرين والمتكبرين والطماعين والحاقدين والذين أنزلوا أشد أنواع الويلات والنكبات في الشعوب على اختلاف حقب التاريخ البشري، لم تكن هذه النفوس نفوسًا سوية، بل على العكس تمامًا كانت نفوسًا قميئة نتنة مريضة عفنة أحاقت الويلات بجميع مخلوقات الله.
وحتى يرتقي الإنسان بنفسه إلى مراتب النفوس القوية صاحبة الإرادة المتحكمة، عليه أن يروضها ويربيها، وللأسف فإن هذا الترويض وهذه التربية ليست رحلة قصيرة تنتهي خلال يوم أو بضع يوم، وليست هي عملية عشوائية أو عفوية وإنما هي رحلة شاقة وسفر طويل وحياة مليئة بالنجاحات والإحباطات، ولكن في النهاية حتمًا سيجني هذا الإنسان النهاية السعيدة، فما من نفس روضت وارتقت إلا وصلت الى مراتب شبه الكمال، وفي الحقيقة هي ليست رحلة مجهدة وليست كريهة، وإنما هي رحلة سموّ للوصول إلى أعلى المراتب الإنسانية، رحلة لتطوير النفس والبلوغ إلى مرتبة تجد فيها نفسك راضية عن نفسك، وبالتالي يمكنك أن تشعر بالسعادة في أبسط الأمور التي يمكن أن تجدها في دروب الحياة.
وعندما نتحدث عن مثل هذه الأمور في بعض الدورات التدريبية عن مثل هذه الأمور، يرد سؤال مهم وهو ما السبيل لبلوغ تلك المراتب وكيف يمكن مجاهدة النفس؟
نعتقد أن هناك مرحلتين أو خطوتين في مجاهدة النفس، وهما: تربية النفس والتخلص الصادق والحقيقي من المعوقات، ولكن الأهم من ذلك كله هي الرغبة الحقيقة في مجاهدة النفس، فلا يمكن أن نتحرك قيد أنملة في هذا الطريق من غير أن تكون لدينا الرغبة الحقيقة والنية الصادقة في السير في هذا الطريق، فكما قلنا سابقًا ان في هذا الطريق الكثير من المعوقات التي ستعيق حركتك وتشتت تفكيرك وتزرع فيك اليأس والرغبة للتخلص من فكرة مجاهدة النفس، والعودة إلى قطعان البشر.

أولاً: تربية النفس
عرف مصطلح «تربية» عدة تعريفات كل منها يستند إلى خلفية قائله أو كاتبه، وفي أدبيات الاختصاص عشرات التعاريف وربما يكون آخرها ما ورد في كتاب عوامل التربية للدكتور رشراش عبدالخالق وزميله 2001 م بأن التربية هي «الرعاية الشاملة والمتكاملة لشخصية الإنسان من جوانبها الأربعة الجسدي والنفسي والعقلي والاجتماعي بهدف إيجاد فرد متوازن يستطيع إصابة قوته واستمرار حياته والتكيف مع بيئتيه الطبيعية والاجتماعية».
هناك تعاريف كثيرة للتربية، مثل:
فأفلاطون كان يقول: «إن التربية هي أن تضفي على الجسم والنفس كل جمال وكمال ممكن لها». ويرى أبو حامد الغزالي «ان صناعة التعليم هي أشرف الصناعات التي يستطيع الإنسان أن يحترفها وإن الغرض من التربية هو الفضيلة والتقرب إلى الله». أما التربية في نظر الفيلسوف الألماني أمانويل كانط فهي: «ترقية لجميع أوجه الكمال التي يمكن ترقيتها في الفرد». ويرى ساطع الحصري أن التربية هي تنشئة الفرد قوي البدن حسن الخلق صحيح التفكير محبا لوطنه معتزًا بقوميته مدركًا واجباته مزودًا بالمعلومات التي يحتاج إليها في حياته. ويرى حسن البنا أن التربية تسعى إلى ايجاد إنسان فيه صفات عشرة أساسية وهي أن يكون قوي الجسم متين الخلق مثقف الفكر قادرا على الكسب سليم العقيدة صحيح العبادة مجاهدًا لنفسة منظمًا في شؤونه حريصًا على وقته نافعًا لغيره.
وبناء على هذه التعريفات فإنه يمكن تلخيص الخطوات العملية في تربية النفس في النقاط التالية، وهي:
1- تعويد النفس على الصبر على المكاره: وحياتنا مليئة بالمكاره فكيف نصبر ونصطبر عليها، فإن تمكنا من ذلك فهذه أولى خطوات تربية النفس.
2- تعويد النفس على تحمل المسؤوليات: كموظف أو كطالب أو كإنسان يجب أن نتحمل كافة المسؤوليات التي تلقى على عاتقنا، حتى ولو كانت شاقة أو لا تحبها النفس.
3- التضحية بما تميل إليه النفس من أمور وشهوات تعود بالضرر على النفس وعلى الآخرين.
4- محاسبة النفس على التقصير والخطأ إن قصرت وأخطأت، ليس ذلك فحسب وإنما العزم على عدم العودة إلى هذا الخطأ وهذا التقصير، فكما يقال إن الندم توبة.

ثانيًا: التخلص الصادق والحقيقي من المعوقات
والعوق؛ يعني الحبس والصرف والتثبيط. والمعوقات وضع صعب يكتنفه شيء من الغموض يحول دون تحقيق الأهداف بكفاية وفاعلية، ويمكن النظر إليه على أنها المسبب للفجوة بين مستوى الإنجاز المتوقع والإنجاز الفعلي أو على أنها الانحراف في الأداء عن معيار محدد مسبقًا.
والمعوقات التي يجدها الإنسان في رحلة السمو والارتقاء عديدة ومتنوعة، ولكننا سنحاول أن نأتي ببعضها، مثل:
1-  الحيل النفسية: ومنها أهمها:
أ- التبرير وخاصة السلبي منها، وهي عادة نطلقها كوسيلة للهروب عن الخطيئة والضعف البشري، فإن أخطأت النفس فإننا ببساطة نحاول أن نجد لها التبرير المناسب حتى لا نلوم أنفسنا.
ب- التقليد السلبي لشخصيات ونفوس ضعيفة لم ترتق ولم تحاول أن تسمو.
ت- الكبت النفسي؛ وهذا ينتج عن عدم الاعتراف بالمشكلة النفسية التي نعاني منها ليس ذلك فحسب وإنما نحاول أن نتهرب منها حتى وإن كنا نشعر بها في قرارة أنفسنا، لذلك ينتج هذا الكبت.
2- العجز والكسل: وهذا للأسف خلق سيئ، حيث ان الكسل والعجز هروب من واقع يمكننا أن نتغلب عليه، ولكن ربما بسبب نفوسنا الضعيفة والتي نضع لها تبريرا لكل شيء، فإننا لا نحاول أن نقوم بما هو مفروض أن نقوم به.
3- الفوضى والتسويف: هذان العاملان لا يؤديان إلى تثبيط النفس عن الحركة فحسب وإنما تقضي على الحياة بكل ما فيها من جمال وسعادة، فالفوضى تعد من أكبر مضيعات الحياة حيث أنها تؤدي إلى شل فعالية الإنسان وحيويته فما بالنا إن خالط ذلك تسويف وتأجيل الأعمال؟
4- مشاعر الفشل: وهو الشعور بخيبة أمل وإحباط عندما يصعب علينا أن نحقق أهدافنا حتى ولو كان ذلك مؤقتًا، فنزرع في نفوسنا وعقلنا الباطن أننا قد فشلنا في إنجاز المهمة التي نحن بصدد إنجازها، هذه البذرة العفنة التي نزرعها في عقلنا الباطن تعشش وتربو حتى تسيطر علينا مشاعر الفشل، عندئذ لن يمكننا النجاح.

إذن يمكننا القول إنه لو استطعنا أن نحقق هذا التوزان وهذه الرغبة في مجاهدة النفس فإننا حتما سنسمو بأنفسنا ونبلغ أعلى مراتب الإنسانية، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول دائمًا «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا».

الخلاصة: فإن مجاهدة النفس رحلة لتطوير الذات وتنميتها وكل ذلك يمكن أن يحدث برغبة الإنسان في التغيير.

السبت، 14 فبراير 2015

الرضا عن النفس وعلاقاتي بالآخرين

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٥ فبراير ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

كيف ترضى نفسي عن نفسي؟
في اعتقادي الشخصي أن هذا السؤال يمكن أن يعد من أهم القضايا التي يجب أن نفكر فيها، فمَن منا لا يرغب في رضا النفس والاطمئنان والسكينة؟
قال لي صديق ذات يوم: عندما تقدمت لخطبة زوجتي الحالية، ومن ضمن أسئلتها سألتني سؤالا قالت: هل لديك مشاكل مع الآخرين؟ قلت لها بكل بساطة ومن غير تكلف أو حتى تفكير: ليست لدي مشاكل مع نفسي، لذلك ليست لدي مشاكل مع الآخرين.
وبعد سنوات من زواجي، وفي إحدى تلك المواقف التي تمر على البشر، ذكّرتني بذلك الحديث، فقلت لها: وإن كنت لم أفهم سؤالك في حينه ولكن إجابتي كانت تلقائية، بسيطة، ومن غير تكلف، فأنا فعلاً ليست لدي مشاكل مع الناس لأني متصالح مع نفسي، وهذا لا يعني أنه ليس لدي طموح في الترقي والوصول إلى أهدافي، ولكني في الحقيقة أحترم كل الناس ولا أكره أحد، ولا أحاول أن أصعد على أكتاف البشر.
قالت زوجتي – كما يقول الصديق – هذا الشيء لمسته فيك طوال كل هذه السنوات، فأنت فعلاً متصالح مع نفسك. أ. هـ.
هذا الكلام ذكرني بشخص، كنت أعمل معه فترة من الزمن، هذا الشخص لا يطيق نفسه، ولديه اعتقاد مبطن أنه مظلوم وأن كل العالم يتآمر ضده ويريد أن يدمره، فإن مرت ذبابة أمام رأسه فإنها مبعوثة من قبل قوات أجنبية تريد أن تتجسس عليه، وإن شاهد قطة تمشي أمامه اعتقد أنها مبعوثة لتفجره ببعض المتفجرات، وهكذا هو.

وفي أي حوار يتم بين الموظفين والزملاء والعملاء؛ يكون لديه شعور أن لا أحد يعطيه الفرصة أن يتكلم وأن الكل – من غير استثناء – يضطهده ويسخر منه، وهكذا هو.
لنفكر الآن ولنواجه أنفسنا، من أي الصنفين نحن ؟
وحتى نفهم الفرق بين الصنفين، يمكننا أن نضرب مثالا حول هذا الحادث، لنفترض أن مجموعة من الأفراد أرادوا أن يذهبوا في نزهة معينة، على أن يصلوا إلى المكان المحدد في زمن معين، ولكن تاهوا بعض الشيء ولم يصلوا إلى المكان المطلوب إلا بعد انقضاء الموعد، إلا أنهم عندما وصلوا اكتشفوا أنه لم يفتهم أي شيء، وبعد الانتهاء من النزهة وعودة الأفراد إلى بيوتهم، يأتيهم شخص ثالث ويسأل أحدهم عن النزهة فيقول: «الحمد لله، كانت رائعة، استمتعنا وتقابلنا مع أصدقائنا على الرغم من اننا تهنا بعض الشيء ولكن في النهاية وصلنا ولم يفتنا أي شيء»، أما الشخص الآخر فيقول: «كانت أسوء نزهة في حياتي، تهنا في الطريق ووصلنا متأخرين وضاعت أوقاتنا على لا شيء»، فهل يمكننا الآن أن نعرف من أي الصنفين نحن؟
وبعيدًا عن التعريفات الأكاديمية، فإن الرضا عن النفس حالة شعورية وجدانية، تتملك الإنسان لدرجة أنه يشعر بالشبع من كل شيء، ويجد أن الحياة أعطته كل ما يرغب وما لا يرغب فيه، فهو في نعمة عظيمة ودائمة فإن نقصت النعمة من حوله فهو في رعاية الله وإن زادت النعم من حوله فهي عطايا من الله، وذلك مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم حينما: «وارْضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس»، وتقول العرب: إن الرضا هو سكون القلب إلى قديم اختيار الله للعبد أنه اختار له الأفضل، فيرضي به، ويقولون أيضًا: « ومن فاته حظه من الرضا امتلأ قلبه بضد ذلك، واشتغل عما فيه سعادته وفلاحه».
ويقال كذلك: «إن للرضا حلاوة تفوق حلاوة وعذوبة دونها كل عذوبة، وله من المذاق النفسي والروحي والقلبي ما يفوق مذاق اللسان، وإن الاضطراب والتفرق والذل والخوف والفوضى كل ذلك مرهونٌ – سلبًا وإيجابًا – بالرضا بالدين».
ولكن ليس المقصود بالرضا – بصورة عامة – أن نركن بالواقع الموجود وأن نقتل طموحاتنا من أجل أن نشعر بالرضا، أبدًا، فمن الرضا عن النفس أن نسعى لتحقيق كل طموحاتنا وأن نجيب عن الأسئلة الكونية المبهمة وأن نبحث وأن ندرس حتى نصل إلى قمة الهمم، وأن نكون في صفوف المتميزين، إلا أن هذا يجب ألا يقودنا أبدًا إلى حالة من الصراع والقتال والقلق والحسد بين بعضنا البعض من أجل العديد من الأمور التي يمكن أن تعد من الأمور الدنيوية التافهة إن شعرنا بالفعل بالرضا.
والرضا النفسي أو الرضا عن النفس هو الشعور الذي يجعل الإنسان ينوء بنفسه عن الكثير من الصراعات التي تجري من حوله، فكم من أشقاء تناحروا من أجل تركة أو ورث وحفنة من مال، وكم من شقيقات تفرقن من أجل صراعات أطفال، والكل يعرف أنه بعد نصف ساعة تعود مياه الأطفال إلى مجاريها ولكن مياه الكبار تنحرف عن مجاريها ويبقى الصراع ينخر في النفوس حتى تصل إلى قيعان مظلمة لا يمكن أن تجد لها الحلول الناجعة، وكأنهم تناسوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان، فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهم الذي يبدأ بِالسلام»، ومن هو الذي يبدأ بالصلح؟ هو الأفضل وهو الذي يمتلك قرارا وهو الذي يشعر بالرضا عن نفسه، فمهما كانت الخلافات فإنها ستضمحل مع الزمن، لذلك فمن الأجدى أن نتغلب عليها بإرادتنا وعزمنا وبتصالحنا مع أنفسنا.
قالت لي إحداهن: «كنت على خلاف مع شقيقتي، واستمر الخلاف واستمرت القطيعة عدة سنوات، وكنت خلال كل تلك المدة أشعر بقلق وعدم الرضا عن نفسي وذلك بسبب هذه القطيعة مع شقيقتي، سنوات وأنا أعيش بين كوابيس الخوف والقلق وربما احتقار نفسي، وأسأل نفسي دائمًا «لماذا قاطعت شقيقتي؟ هل لأن ابنها اختلف مع ابني؟ هل هذا سبب كاف حتى أقاطع شقيقتي كل هذه السنوات؟ وكانت دموعي لا تتوقف عندما أخلو إلى نفسي، واستمرت هذه القطيعة حتى في الأعياد والمناسبات لا تلقي إحدانا التحية على الأخرى، كل هذا كان يسبب لي الحزن».
وتواصل: «ولكن في لحظة صفاء مع النفس وتصالح معها قررت أن أذهب إلى منزل شقيقتي وأن أصالحها مهما كانت النتيجة، وفي اليوم المقرر ركبت سيارتي وأنا استعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأطلب من الله أن يزودني بالقوة حتى أستطيع أن أصحح هذا الخطأ الذي حدث، كنت خلال الرحلة التي من المفروض ألا تستغرق ربع ساعة أقدّم رِجلاً وأؤخر الأخرى، وفي النهاية وصلت وكأن الزمن قد توقف عند هذه اللحظة، جلست في السيارة وأنا أراقب منزلها وأرى سيارتها مركونة عند باب البيت، وأسأل نفسي: «ماذا أفعل الآن؟ هل أقرع الجرس؟ هل أرجع من حيث أتيت؟ صراع وحرب يجري، ساحته نفسي المضطربة، وجلست للحظات ظننتها سنوات حتى هدأت نفسي، نزلت من السيارة وقفت عند باب المنزل وقبل أن أضع يدي على زر الجرس شعرت أن الباب أنفتح وشاهدت شقيقتي تقف عند عتبة الباب وتأخذني في حضنها، وبكينا، لا أعرف كم وقفنا هناك نبكي ولكن كل الذي شعرت به أني تغلب على الخوف وأني تصالحت مع نفسي حتى شعرت بالرضا التام، وعندها عرفت أن شقيقتي كانت تعاني ما أعاني منه ولكني كنت الأكثر تصالحنا ورضا مع النفس لذلك أقدمت أنا على تنفيذ التصالح» أ. هـ.
يقول ياسر حارب صاحب كتاب (بيكاسو وستاربكس): «لكي تتصالح مع الآخرين عليك أولاً أن تتصالح مع ذاتك، وأن تقبلها بكل عيوبها، بضعفها وبزلاتها من دون أن تحكم عليها، ومن دون أن تصنفها أيضًا... أن تتصالح مع ذاتك يعني أن تقبل الآخر بكل اختلافاته وتناقضاته، ليس لأنك تحبه، ولكن لأنك، ببساطة لا تكرهه». ويضرب بمانديلا مثلاً حيث يقول: «يستغرب البعض كيف استطاع مانديلا أن يعيش في زنزانة ضيقة طوال سبعة وعشرين عامًا، الجواب ببساطة هو أن مانديلا تجاوز نفسه ليتصالح مع الكون كله، ومع الوجود، فاتسع قلبه لكل المعتقدات ولكل الأشكال ولكل الألوان، فأصبح – سعادة – تمشي على الأرض».
الخلاصة: إن كنت تريد أن تتصالح مع الآخرين، عليك أولاً أن تتصالح مع نفسك وتشعر بالرضا عنها، فمن النفس البشرية تنبع كل علاقاتك مع الآخرين، فالشعور بالرضا عن النفس هو شعور لا يعرفه إلا من يعيش مع نفسه في حالة توافق.

الثلاثاء، 10 فبراير 2015

المضافات الغذائية - صبغة بانت الأزرق (E 131)

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٠ فبراير ٢٠١٥

الدكتور زكريا خنجي

مركب (بانت الأزرق في E 131) ويعرف بالاسم الإنجليزي (Patent Blue V)، يظهر مركب (بانت الأزرق في E 131) باللون البنفسجي المزرق الداكن، وتصنف بحسب أنظمة الاتحاد الأوروبي بالرقم (E 131).
ولا يستخدم عادة على نطاق واسع، ولكن في أوروبا يمكن العثور عليها في البيض الاسكتلندي، وبعض الحلويات، وخاصة الحلويات الهلامية (الجلي)، ومن أهم مميزات المركب أنه ذو لون قاتم، وتنتج حتى في تركيز منخفض، ومن أهم عيوبها هو أنها تتلاشى بسرعة وإلى حد ما عند تعرضها للضوء.
ولقد منع استخدام (بانت الأزرق في E 131) كصبغة للطعام في أستراليا والولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لأن مسؤولي الصحة في تلك الدول تعتقد أنها قد تسبب الحساسية، مع بعض أعراض تتراوح ما بين الحكة والطفح الجلدي، وربما تصل إلى مرحلة الغثيان، وانخفاض ضغط الدم، وفي بعض الحالات النادرة تبلغ إلى مرحلة صدمة الحساسية. ولذلك لا ينصح تناولها وخاصة للأطفال في تلك الدول.
إلا أن دراسات السمية التي أجريت على (بانت الأزرق في E 131) لم تظهر أي تأثير ضار على الجينات. وفي نفس الوقت فإن فريق عمل (الأطفال ذي النشاط المفرط) لا يفضل تواجدا من هذا اللون في أغذية هذه الفئة من الأطفال.
ويستخدم (بانت الأزرق في E 131) في الطب، كصبغة لتلوين الأوعية الليمفاوية حيث تعطى للمريض عندما يراد تصوير الأوعية اللمفاوية والعقد التابعة لها، كما أن هذا المركب يستخدم كأقراص للكشف عن ترسبات الأسنان.

كائنات فطرية - ابن مقرض

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٠ فبراير ٢٠١٥

الدكتور زكريا خنجي

يطلق على هذا الحيوان أيضًا اسم «النِّمْس»، وهو من الثدييات، صغير الحجم، كثير الحركة والنشاط، وينتمي إلى فصيلة ابن عرس، واسمه يشير إلى النوع المستأنس من فأر الخيل الأوروبي وإلى النمس ذي الأقدام السوداء في أمريكا الشمالية.
ولابن مقرض جسم طويل ونحيل وأرجل قصيرة، ويعتمد في غذائه بشكل رئيسي على القوارض، ولكنه أيضًا يأكل الطيور والبيض والزواحف والبرمائيات، وبعض النباتات وثمار التوت، وكبقية أفراد فصيلة ابن عرس، يفرز ابن مقرض سائلاً كريهًا قوي الرائحة، تفرزه غدد الرائحة الموجودة تحت الذيل.
وابن مِقْرض المستأنس تتراوح ألوانه ما بين الأبيض والأسود أو البني بدرجاته المختلفة، وأكثر أشكاله انتشارًا، هو الأمهق أو الأبيض ذو العيون الوردية. ويُستخدم ابن مقرض المستأنس في صيد الأرانب البرية، وبذلك يساعد في تقليل التلف الذي تحدثه هذه الأرانب بالمحاصيل.
وقد تناسل ابن مِقْرض المستأنس مع فأر الخيل البري، وولَّدا نوعًا هجينًا. وابن مِقْرض ذو الأقدام السوداء له لون أصفر باهت وأقدام سوداء، وذيلٌ ذو طرف أسود، وقناع من الشعر الأسود يحيط بعينيه، ويتراوح طول الذكور ما بين 38 و40 سم، بدون الذيل الذي يتراوح طوله منفرداً بين 10 و12 سم، أما الإناث فهي أصغر حجمًا.
وابن مِقْرض ذو الأقدام السوداء من أنواع الحيوانات المُعرَّضة لخطر الانقراض، إذ يوجد فقط في أجزاءٍ قليلة من السهول الغربية في شمالي أمريكا، ويفترس كلاب المروج لطعامه، ويعيش في جحورها التي تحفرها في باطن الأرض، ولكن الفلاحين ومربي الماشية يعدون كلاب المروج مؤذية، ولذلك قتلوا الملايين منها مما أدى إلى تناقص عددها، وربما يكون ذلك هو السبب الرئيسي الذي يجعل ابن مِقْرض ذا الأقدام السوداء من الحيوانات النادرة جدًا.

4807-adult-black-footed-ferret-male-in-outdoor-pen-at-the-national-black-footed-ferret-conservation-s3

زيارة سمو الأمير خليفة لمنطقة عراد

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٠ فبراير ٢٠١٥

الدكتور زكريا خنجي

بكل ترحيب وإجلال احتضنت منطقة عراد صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء يوم الخميس الموافق 22 يناير 2015 وذلك للاطلاع على إحدى المشاكل التي تواجهها المنطقة، ألا وهي خزانات الوقود التي كانت تقف شامخة من غير أن يحركها الريح، إلا أن أوامر سمو الأمير حركتها وسوف تنقل إن شاء الله إلى منطقة أخرى وذلك من أجل سلامة المواطنين في عراد.
والغريب أن المسؤولين انتبهوا فجأة إلى أن هناك خزانات يجب إزالتها بعد أن تحرك سمو رئيس الوزراء وكأنهم قبل ذلك كانوا في سبات أو كانوا في غيبوبة.
لذلك نتقدم بالشكر الجزيل إلى سيدي سمو الأمير لأنه هو الذي يحرك المياه الراكدة في هذه البلاد وينبه المسؤولين إلى أن هناك مشكلة تحتاج إلى حل، وعلى الرغم من أن المفروض أن يحدث العكس تمامًا وخاصة بالنسبة لأعضاء المجلس البلدي الذين من المفروض أن يتحركوا دائمًا في حاجة الناس، ولكن يبدو أن بعد مهرجان الانتخابات انتهى كل شيء.
عمومًا،
سيدي سمو الأمير خليفة.. مازالت عراد تعاني من مشكلة كتبنا عنها كثيرًا سواء من خلال هذه الصفحة أو نقلناها إلى المسؤولين في بلدية المحرق أو إلى المجلس البلدي، أو عبر أثير الإذاعة، ألا وهي مشكلة تداخل المنطقة الصناعية أو الخدمية مع المنازل والسكان، والغريب يا سيدي أن المشكلة التي يعاني منها مجمع 243 تحديدًا يعرفها كل إنسان وكل مسؤول في المحرق، إلا أن الوضع كما هو لم يتغير، ويبدو أن المسؤولين لا يرغبون في تحريك المياه الراكدة ويريدون بقاء الوضع كما هو عليه، وإن قام بعضهم خلال الفترة الماضية بمد يد العون إلا أنه لم يستطع أن يفعل شيئا.
سيدي سمو الأمير، إن هذا المجمع يعاني من مشكلة تداخل المناطق السكنية بالمناطق الخدمية مثل ورش العمل والكراجات وورش النجارة والحدادة وكل ما يمكن تصوره وما لا يمكن تصوره، والأدهى من كل ذلك أن هذه الكراجات تضرب بكل القوانين والاشتراطات الصحية والبيئية عرض الحائط، وذلك من خلال رش المواد الكيميائية على السيارات التي تقوم بتصليحها في قارعة الطريق، وكذلك بوقوف السيارات سواء الصغيرة أو الشاحنات أمام المنازل غير عابئ بأحد، وكل ذلك يجري أمام أعين المسؤولين وسمعهم، ولكن.. لا شيء.
سمو الأمير، أهالي المنطقة لا يريدون غلق المنطقة وإنما تنظيمها وترتيبها وإدارتها بطريقة صحية بيئية فقط، وهم يتمنون من سموكم إصدار تعليماتكم لحل مثل هذا الموضوع المعلق.
ودمتم.

DSC_5706

 

DSC_5728

 

DSC_5733

السبت، 7 فبراير 2015

طفلي يستغل ضعفي.. فماذا أفعل؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج:٨ فبراير ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

قد يبدو عنوان هذا المقال مستفزًا حيث يصور أن الطفل هذا المولود الجميل الذي يعد قرة أعين والديه وكأنه كائن طفيلي يقتات على حياة والديه ويمتص رحيق عمريهما.
وفي الحقيقة، إن هذه حقيقة، وقد يستهجن البعض هذه الحقيقة ولسان حالهم يقول «نحن نقدم كل ما يمكننا أن نقدم لأطفالنا برغباتنا، فنحن نوفر لهم كل مستلزماتهم الحياتية من غير أنانية منا ولا كراهية، وإنما نؤثر على أنفسنا ونقدمه لأطفالنا»، وللأسف هذه حقيقة.
وهذه الحقيقة يعرفها حتى أطفالنا، لذلك تجدهم يستكشفون نقاط الضعف لدى والديهم، وعند ذلك فإنه - وللأسف - يستغلون هذه النقاط بطريقة أو بأخرى، وفي النهاية نكون نحن من أرشدهم إلى تلك النقاط من غير أن ندرك، وإليكم هذين المثالين:

استغلال الأوقات
في معظم الدورات التدريبية المتعلقة بتنظيم الوقت وتنظيم حياتنا على الوقت نصطدم وخاصة فيما يتعلق بالأمهات بموضوع أن أطفالهن وبالتحديد وقت المذاكرة وحل الواجبات يستغرق جزءا كبيرا من أوقاتهن، لذلك تشكو الأمهات ويقولون كيف يمكننا أن نلتفت إلى بقية أمور المنزل وطلبات الزوج والأهل ونحن بين رحى الواجبات المدرسية التي لا تنتهي وسندان الطلبات الأسرية؟ كيف يمكننا أن ننظم أوقاتنا حتى إن أردنا ذلك فإنه من المستحيل قيامنا بذلك.
وعندما نسأل ونستفسر عن الزمن الذي تستغرقه الأم في حل الواجبات المدرسية مع الطفل نجد أننا أمام زمن مفتوح، يبدأ من بعد وجبة الغداء وتستمر حتى ينتهي الطفل من حل واجباته، وطبعًا بين هذه الأوقات فترات راحة والذهاب إلى الحمام وأمور أخرى كثيرة، والأم بطبيعة نفسيتها لا تريد أن تقسو على الطفل، وإنما تعطف عليه وبالتالي هذا العطف يقود إلى الدلال، والطفل يكبر على هذا النمط من الحياة.
يكبر على أمرين؛ أحدهما: أنه يتعلم أن طلباته مستجابة مهما كانت قاسية على أمه، فهي التي من المفروض أن تلبي حاجياته، وهي التي يجب أن تجلس وتجلس وتنتظر حتى ينتهي هو من كل ما هو مطلوب منه، هذا الطفل إن لم يلجم فإن هذا السلوك يمكن أن ينتقل معه حتى إلى الجامعة، وربما إلى حياته العملية، فمتى سوف يصل إلى سن الفطام؟
الأمر الثاني: سوف يرسخ في ذهن هذا الصغير أن الوقت لا قيمة له، فها هي أمه تجلس معه ساعات، ربما تزيد على أربع ساعات، من غير أن تضجر أو تحاسب نفسها أو تحاسبه على هذا الوقت الذي يتطاير يوميًا من بين يديها، وسنة بعد سنة تجد أن هذا الصغير أصبح إنسانا يافعا إلا أن مسألة الوقت ما زالت بالنسبة إليه لعبة، فمهما ضاعت أوقات حياته فإنها تضيع من غير حسرة.
أما بالنسبة إلى الأم فإنها تجد نفسها قد أضاعت الكثير من الأوقات من أجل هذا الصغير، ولسان حالها يقول: «كل أمر يهون من أجل طفلي»، والطفل يدري وهو في كامل وعيه أن يمتص من زهرة شباب، ولكنه مستمتع فالأم لا تشتكي ولا تتذمر.
وقد يقول قائل «هؤلاء أطفالنا، ومن حقهم علينا أن نسهم في تنشئتهم بالطريقة التي نراها مناسبة، وكل ذلك من أجل مستقبلهم»، ونحن نسأل أمن أجل مستقبلهم نربيهم على أن الوقت لا قيمة له؟ ثم ماذا تسمى كل تلك الأفعال لو أننا مارسناها مع أناس غير أطفالنا؟ ألا نسميها مضيعة للوقت واستغلالا بشعا للأم؟
ترى ماذا يمكن أن يحدث لو قمنا بتحديد وقت الدراسة وحل الواجبات مع أطفالنا - ربما ساعة أو أكثر - وقالت الأم للطفل «لك ساعة أو ساعتان لحل كل الواجبات ومذاكرة دروسك، فإن تمكنت من ذلك فهذا جيد، ولكن إن ماطلت ولعبت فإني سوف أتركك وحدك ولن أساعدك»، هل سيبكي الطفل، نعم سوف يبكي، ولكنه سيتعلم أن وقت الأم ثمين، وأن الوقت في حد ذاته أيضًا ثمين ولا يجب أن يضيعه مهما كان، وحينما يشب هذا الصغير يبقى راسخًا في ذاته أن للوقت قيمة يجب الاهتمام بها. وقد يقول قائل «إنها تربية قاسية»، ونحن نقول «نعم» ولكن من شأنها أن تعلم الطفل بعض الأمور التي لا يتعلمها إلا بهذه الطريقة ومنها ألا يستغل ضعف أولياء الأمور تجاهه.

الاستغلال العاطفي
قالت لي إحداهن: «عندما عدت ذات يوم إلى البيت وجدت في المنزل دراجة هوائية جديدة مركونة في الصالة، فاستغربت وتساءلت لمن هذه الدراجة؟ هل هي لابني؟ هل جلبها زوجي؟ استغربت حيث لم نتفق على شراء هذه الدراجة للطفل».
تقول «وعندما سألت زوجي عن الدراجة؛ قال: لقد سألني ابني لماذا لا أملك دراجة مثل بقية أولاد الحي؟ لماذا لا تشتري لي دراجة كما يشتري بقية الآباء لأبنائهم»، يواصل الأب ويقول «حينئذ تذكرت نفسي وأنا طفل وفي نفسي الكثير من المتطلبات ولا يوجد من يملك المال ليشتري لي حتى زجاجة مشروب غازي شأني شأن بقية الأطفال، فشعرت بمرارة طفلي ورغباته وشعرت بحزنه، فما كان مني إلا أن أذهب للسوق واشتريت تلك الدراجة حتى لا يشعر الطفل أنه ناقص أمام أولاد الحي».
ونحن نسأل ماذا يعد ذلك؟
قصة أخرى ولكنها تحدث لمعظم الأمهات، وهي أنه عندما يرغبن في التسوق ويأخذن أطفالهن معهن فإنهن يأخذن على الطفل كل العهود والمواثيق بأن الطفل لا يطلب أي شيء، ولا يزعج الأم، وإن وجدت الأم شيئًا نافعا للطفل فإنها سوف تشتريه من تلقاء نفسها. ولكن ماذا يحدث في العادة؟
فجأة وفي لحظات تجد أن رغبات الطفل تتعالى على صوت المواثيق والعهود، فالطفل تارة يريد هذه اللعبة وتارة أخرى يريد تلك، فإن لم توف الأم كل تلك المطالب فإنه يستغلها بطريقته المعهودة «البكاء»، فهو يبكي ويبكي ويستمر في البكاء، وليس البكاء الهادئ وإنما العويل والصراخ وبالصوت العالي، لماذا؟ لأنه يريد أن يضع الأم في موقف محرج أمام الناس في السوق، وهذا ما يحدث فجميع الموجودين في السوق يلتفتون إلى الأم وهم يتساءلون «لماذا يبكي هذا الطفل البريء؟ لماذا لا تحقق الأم متطلباته؟»، ويستمر هذا المسلسل حتى ترضخ الأم لهذا الاستغلال الطفولي البريء.

لو قمنا بتحليل كل تلك الصور والكثير منها، وخاصة التي نعيشها يوميًا لوجدنا أنفسنا نخضع لهم ولرغباتهم، وسنجد أننا نقوم بالكثير من الأعمال والأفعال من أجل أطفالنا، من أجل مستقبلهم، وحياتهم، وبالأصح من أجل رضاهم، حتى إن كنا نقوم بتلك الأعمال على مضض، وللأسف لم نتوقف ولو للحظة ونسأل أنفسنا «لماذا نقوم بذلك؟»، ألا توجد طريقة أخرى لتربية الأبناء من غير أن يستغلنا هؤلاء الأطفال الذين نعتبرهم لا يفقهون شيئا، ولكنهم في الحقيقة أذكى مما نتصور، فهم يعرفون أننا لا يمكن أن نرفض لهم شيئا، وإننا سوف نفعل ما يريدون وكيفما يريدون ومتى ما أرادوا، وإن لم نفعل أو تجاهلنا طلبهم في لحظة ما بسبب أو بآخر فإنهم يشنون حربًا علينا بالعويل والصراخ، وبالطبع بالبكاء أيضًا، وللأسف فإن كل هذه الأمور نقاط ضعف للوالدين يمكن أن يستغلها الأطفال بكل سهولة.
إن لم تكن كل تلك الأعمال استغلالا فماذا يمكن أن نطلق عليها؟
ولكن يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن أن نتعامل مع أطفالنا في كل تلك الأحوال؟
ببساطة علينا أن نتعامل معهم بالحب، وهذا لا يعني الدلال وسوء الخلق، وإنما في بعض الأحيان نحتاج إلى القسوة أثناء التربية، والقسوة في بعض الأحيان تعني الضرب، ولكن حتى للضرب شروط ومواصفات يجب أن تراعى، ونحن لا ندعو إلى الضرب الذي يؤدي إلى عاهة، وإنما إلى التربية والشدة في بعض الأحيان إن كان هذا الأسلوب يمكن أن يؤدي إلى نتيجة معينة، ويقول الفيلسوف أبو حامد الغزالي في كتابه (إحياء علوم الدين) «والصبي أمانة عند والده»؛ وهذا يعني أن الأب مدعو إلى صيانة تلك الجوهرة وحفظها ورعايتها؛ فلا يهملها ولا يقسو عليها، وإنما هي بين وبين.