السبت، 21 فبراير 2015

هل لمجاهدة النفس علاقة بتنمية الذات؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٢ فبراير ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

يظن بعض الأفراد أن مجاهدة النفس مصطلح لا يطرق الآذان إلا في رمضان عندما نتحدث عن الصيام والامتناع عن الأكل وكذلك صيام الجوارح عن الكذب والغش وما إلى ذلك، وإن كان هذا صحيحا في بعض جزئياته فإنه لا يمثل إلا جزءا من الحقيقة، فالحقيقة تقول إن مجاهدة النفس هي ثقافة ومنهجية حياة يمكن أن نعيشها ونتعايش معها طوال حياتنا إن رغبنا في حياة متطورة كريمة.
ومجاهدة النفس تعني ببساطة تربية النفس وترويضها، لتبلغ النفس البشرية درجة من الشفافية وتصبح مطيعة للإنسان نفسه، حينئذ يستطيع هذا الإنسان أن يوجهها إلى ما يريد القيام به ويمنعها عن الأمور والحاجيات التي يرى أنها تعيق تقدمه في الاتجاه الذي يرغب في السير فيه.
ومن المعروف أن النفس البشرية جبلت على الدعة والكسل والراحة، ليس ذلك فحسب وإنما في بعض النفوس فإنها تبدأ في وضع بذرة الأنا في العقول حتى تعشش، فتغذيها وتسقيها بالوهم، فتكبر ليصبح صنم الأنا راسخ القدمين في العقل، فيقوم هذا الشخص بمعاملة الناس من هذا المنطلق، منطلق الطغيان، حتى يمتلئ هذا الصنم بالغرور والإعجاب بالنفس والتكبر، وخاصة إذا ما أحيطت هذه النفس بالمطبلين والمصفقين والمهرجين.
فلنتصور طالبا جامعيا مثلاً، والمطلوب إجراء اختبار غدًا، هذا الطالب الذي من المفروض أن يذاكر حتى ينجح نجده في ليلة الاختبار يتنقل من مجمع تجاري إلى آخر، غير آبه بالاختبار، وفي الغد يمكن أن يعتمد على زملائه أو أن يقوم بالغش بطريقة أو بأخرى.
إنسان تقدم لوظيفة وعندما جاء يوم المقابلة لم يستعدّ لها بصورة جيدة، فرفض ولم يعين، وتم تعيين شخص آخر.
والأمثلة كثيرة، هؤلاء البشر كان لديهم كل الفرص للتوفيق والتقدم الى الأمام، ولكن نفوسهم الميالة الى الدعة والراحة دعتهم إلى التواكل والكسل، فلو ضبطوا أنفسهم قليلاً وأجبروها على القيام بما هو مطلوب منهم لتحسنوا وفازوا، ولكن مازلنا نقول إن النفس البشرية تبحث عن الراحة.
وللأسف فإن النفس ترتبط بالسلبيات والمفاهيم الرديئة، فهي ميالة دائمًا لإشباع غرائزها، ولكن الإنسان صاحب الإرادة هو الذي يتحكم بها ويسيطر عليها، فترقى هذه النفس وتتهذب ويصبح الإنسان قادرًا على أداء الوظيفة التي خلق لأجلها، وتقوى علاقته مع باقي المخلوقات وينتشر الحب وفعل الخير بين الناس، وتحقق غاية الله في خلقه وتعمر الأرض، أما النفوس المريضة فهي التي تدمر البشرية وتعيث الخراب في الأرض، فبالقطع لم تكن نفوس الظالمين والمتجبرين والمتكبرين والطماعين والحاقدين والذين أنزلوا أشد أنواع الويلات والنكبات في الشعوب على اختلاف حقب التاريخ البشري، لم تكن هذه النفوس نفوسًا سوية، بل على العكس تمامًا كانت نفوسًا قميئة نتنة مريضة عفنة أحاقت الويلات بجميع مخلوقات الله.
وحتى يرتقي الإنسان بنفسه إلى مراتب النفوس القوية صاحبة الإرادة المتحكمة، عليه أن يروضها ويربيها، وللأسف فإن هذا الترويض وهذه التربية ليست رحلة قصيرة تنتهي خلال يوم أو بضع يوم، وليست هي عملية عشوائية أو عفوية وإنما هي رحلة شاقة وسفر طويل وحياة مليئة بالنجاحات والإحباطات، ولكن في النهاية حتمًا سيجني هذا الإنسان النهاية السعيدة، فما من نفس روضت وارتقت إلا وصلت الى مراتب شبه الكمال، وفي الحقيقة هي ليست رحلة مجهدة وليست كريهة، وإنما هي رحلة سموّ للوصول إلى أعلى المراتب الإنسانية، رحلة لتطوير النفس والبلوغ إلى مرتبة تجد فيها نفسك راضية عن نفسك، وبالتالي يمكنك أن تشعر بالسعادة في أبسط الأمور التي يمكن أن تجدها في دروب الحياة.
وعندما نتحدث عن مثل هذه الأمور في بعض الدورات التدريبية عن مثل هذه الأمور، يرد سؤال مهم وهو ما السبيل لبلوغ تلك المراتب وكيف يمكن مجاهدة النفس؟
نعتقد أن هناك مرحلتين أو خطوتين في مجاهدة النفس، وهما: تربية النفس والتخلص الصادق والحقيقي من المعوقات، ولكن الأهم من ذلك كله هي الرغبة الحقيقة في مجاهدة النفس، فلا يمكن أن نتحرك قيد أنملة في هذا الطريق من غير أن تكون لدينا الرغبة الحقيقة والنية الصادقة في السير في هذا الطريق، فكما قلنا سابقًا ان في هذا الطريق الكثير من المعوقات التي ستعيق حركتك وتشتت تفكيرك وتزرع فيك اليأس والرغبة للتخلص من فكرة مجاهدة النفس، والعودة إلى قطعان البشر.

أولاً: تربية النفس
عرف مصطلح «تربية» عدة تعريفات كل منها يستند إلى خلفية قائله أو كاتبه، وفي أدبيات الاختصاص عشرات التعاريف وربما يكون آخرها ما ورد في كتاب عوامل التربية للدكتور رشراش عبدالخالق وزميله 2001 م بأن التربية هي «الرعاية الشاملة والمتكاملة لشخصية الإنسان من جوانبها الأربعة الجسدي والنفسي والعقلي والاجتماعي بهدف إيجاد فرد متوازن يستطيع إصابة قوته واستمرار حياته والتكيف مع بيئتيه الطبيعية والاجتماعية».
هناك تعاريف كثيرة للتربية، مثل:
فأفلاطون كان يقول: «إن التربية هي أن تضفي على الجسم والنفس كل جمال وكمال ممكن لها». ويرى أبو حامد الغزالي «ان صناعة التعليم هي أشرف الصناعات التي يستطيع الإنسان أن يحترفها وإن الغرض من التربية هو الفضيلة والتقرب إلى الله». أما التربية في نظر الفيلسوف الألماني أمانويل كانط فهي: «ترقية لجميع أوجه الكمال التي يمكن ترقيتها في الفرد». ويرى ساطع الحصري أن التربية هي تنشئة الفرد قوي البدن حسن الخلق صحيح التفكير محبا لوطنه معتزًا بقوميته مدركًا واجباته مزودًا بالمعلومات التي يحتاج إليها في حياته. ويرى حسن البنا أن التربية تسعى إلى ايجاد إنسان فيه صفات عشرة أساسية وهي أن يكون قوي الجسم متين الخلق مثقف الفكر قادرا على الكسب سليم العقيدة صحيح العبادة مجاهدًا لنفسة منظمًا في شؤونه حريصًا على وقته نافعًا لغيره.
وبناء على هذه التعريفات فإنه يمكن تلخيص الخطوات العملية في تربية النفس في النقاط التالية، وهي:
1- تعويد النفس على الصبر على المكاره: وحياتنا مليئة بالمكاره فكيف نصبر ونصطبر عليها، فإن تمكنا من ذلك فهذه أولى خطوات تربية النفس.
2- تعويد النفس على تحمل المسؤوليات: كموظف أو كطالب أو كإنسان يجب أن نتحمل كافة المسؤوليات التي تلقى على عاتقنا، حتى ولو كانت شاقة أو لا تحبها النفس.
3- التضحية بما تميل إليه النفس من أمور وشهوات تعود بالضرر على النفس وعلى الآخرين.
4- محاسبة النفس على التقصير والخطأ إن قصرت وأخطأت، ليس ذلك فحسب وإنما العزم على عدم العودة إلى هذا الخطأ وهذا التقصير، فكما يقال إن الندم توبة.

ثانيًا: التخلص الصادق والحقيقي من المعوقات
والعوق؛ يعني الحبس والصرف والتثبيط. والمعوقات وضع صعب يكتنفه شيء من الغموض يحول دون تحقيق الأهداف بكفاية وفاعلية، ويمكن النظر إليه على أنها المسبب للفجوة بين مستوى الإنجاز المتوقع والإنجاز الفعلي أو على أنها الانحراف في الأداء عن معيار محدد مسبقًا.
والمعوقات التي يجدها الإنسان في رحلة السمو والارتقاء عديدة ومتنوعة، ولكننا سنحاول أن نأتي ببعضها، مثل:
1-  الحيل النفسية: ومنها أهمها:
أ- التبرير وخاصة السلبي منها، وهي عادة نطلقها كوسيلة للهروب عن الخطيئة والضعف البشري، فإن أخطأت النفس فإننا ببساطة نحاول أن نجد لها التبرير المناسب حتى لا نلوم أنفسنا.
ب- التقليد السلبي لشخصيات ونفوس ضعيفة لم ترتق ولم تحاول أن تسمو.
ت- الكبت النفسي؛ وهذا ينتج عن عدم الاعتراف بالمشكلة النفسية التي نعاني منها ليس ذلك فحسب وإنما نحاول أن نتهرب منها حتى وإن كنا نشعر بها في قرارة أنفسنا، لذلك ينتج هذا الكبت.
2- العجز والكسل: وهذا للأسف خلق سيئ، حيث ان الكسل والعجز هروب من واقع يمكننا أن نتغلب عليه، ولكن ربما بسبب نفوسنا الضعيفة والتي نضع لها تبريرا لكل شيء، فإننا لا نحاول أن نقوم بما هو مفروض أن نقوم به.
3- الفوضى والتسويف: هذان العاملان لا يؤديان إلى تثبيط النفس عن الحركة فحسب وإنما تقضي على الحياة بكل ما فيها من جمال وسعادة، فالفوضى تعد من أكبر مضيعات الحياة حيث أنها تؤدي إلى شل فعالية الإنسان وحيويته فما بالنا إن خالط ذلك تسويف وتأجيل الأعمال؟
4- مشاعر الفشل: وهو الشعور بخيبة أمل وإحباط عندما يصعب علينا أن نحقق أهدافنا حتى ولو كان ذلك مؤقتًا، فنزرع في نفوسنا وعقلنا الباطن أننا قد فشلنا في إنجاز المهمة التي نحن بصدد إنجازها، هذه البذرة العفنة التي نزرعها في عقلنا الباطن تعشش وتربو حتى تسيطر علينا مشاعر الفشل، عندئذ لن يمكننا النجاح.

إذن يمكننا القول إنه لو استطعنا أن نحقق هذا التوزان وهذه الرغبة في مجاهدة النفس فإننا حتما سنسمو بأنفسنا ونبلغ أعلى مراتب الإنسانية، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول دائمًا «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا».

الخلاصة: فإن مجاهدة النفس رحلة لتطوير الذات وتنميتها وكل ذلك يمكن أن يحدث برغبة الإنسان في التغيير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق