السبت، 7 فبراير 2015

طفلي يستغل ضعفي.. فماذا أفعل؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج:٨ فبراير ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

قد يبدو عنوان هذا المقال مستفزًا حيث يصور أن الطفل هذا المولود الجميل الذي يعد قرة أعين والديه وكأنه كائن طفيلي يقتات على حياة والديه ويمتص رحيق عمريهما.
وفي الحقيقة، إن هذه حقيقة، وقد يستهجن البعض هذه الحقيقة ولسان حالهم يقول «نحن نقدم كل ما يمكننا أن نقدم لأطفالنا برغباتنا، فنحن نوفر لهم كل مستلزماتهم الحياتية من غير أنانية منا ولا كراهية، وإنما نؤثر على أنفسنا ونقدمه لأطفالنا»، وللأسف هذه حقيقة.
وهذه الحقيقة يعرفها حتى أطفالنا، لذلك تجدهم يستكشفون نقاط الضعف لدى والديهم، وعند ذلك فإنه - وللأسف - يستغلون هذه النقاط بطريقة أو بأخرى، وفي النهاية نكون نحن من أرشدهم إلى تلك النقاط من غير أن ندرك، وإليكم هذين المثالين:

استغلال الأوقات
في معظم الدورات التدريبية المتعلقة بتنظيم الوقت وتنظيم حياتنا على الوقت نصطدم وخاصة فيما يتعلق بالأمهات بموضوع أن أطفالهن وبالتحديد وقت المذاكرة وحل الواجبات يستغرق جزءا كبيرا من أوقاتهن، لذلك تشكو الأمهات ويقولون كيف يمكننا أن نلتفت إلى بقية أمور المنزل وطلبات الزوج والأهل ونحن بين رحى الواجبات المدرسية التي لا تنتهي وسندان الطلبات الأسرية؟ كيف يمكننا أن ننظم أوقاتنا حتى إن أردنا ذلك فإنه من المستحيل قيامنا بذلك.
وعندما نسأل ونستفسر عن الزمن الذي تستغرقه الأم في حل الواجبات المدرسية مع الطفل نجد أننا أمام زمن مفتوح، يبدأ من بعد وجبة الغداء وتستمر حتى ينتهي الطفل من حل واجباته، وطبعًا بين هذه الأوقات فترات راحة والذهاب إلى الحمام وأمور أخرى كثيرة، والأم بطبيعة نفسيتها لا تريد أن تقسو على الطفل، وإنما تعطف عليه وبالتالي هذا العطف يقود إلى الدلال، والطفل يكبر على هذا النمط من الحياة.
يكبر على أمرين؛ أحدهما: أنه يتعلم أن طلباته مستجابة مهما كانت قاسية على أمه، فهي التي من المفروض أن تلبي حاجياته، وهي التي يجب أن تجلس وتجلس وتنتظر حتى ينتهي هو من كل ما هو مطلوب منه، هذا الطفل إن لم يلجم فإن هذا السلوك يمكن أن ينتقل معه حتى إلى الجامعة، وربما إلى حياته العملية، فمتى سوف يصل إلى سن الفطام؟
الأمر الثاني: سوف يرسخ في ذهن هذا الصغير أن الوقت لا قيمة له، فها هي أمه تجلس معه ساعات، ربما تزيد على أربع ساعات، من غير أن تضجر أو تحاسب نفسها أو تحاسبه على هذا الوقت الذي يتطاير يوميًا من بين يديها، وسنة بعد سنة تجد أن هذا الصغير أصبح إنسانا يافعا إلا أن مسألة الوقت ما زالت بالنسبة إليه لعبة، فمهما ضاعت أوقات حياته فإنها تضيع من غير حسرة.
أما بالنسبة إلى الأم فإنها تجد نفسها قد أضاعت الكثير من الأوقات من أجل هذا الصغير، ولسان حالها يقول: «كل أمر يهون من أجل طفلي»، والطفل يدري وهو في كامل وعيه أن يمتص من زهرة شباب، ولكنه مستمتع فالأم لا تشتكي ولا تتذمر.
وقد يقول قائل «هؤلاء أطفالنا، ومن حقهم علينا أن نسهم في تنشئتهم بالطريقة التي نراها مناسبة، وكل ذلك من أجل مستقبلهم»، ونحن نسأل أمن أجل مستقبلهم نربيهم على أن الوقت لا قيمة له؟ ثم ماذا تسمى كل تلك الأفعال لو أننا مارسناها مع أناس غير أطفالنا؟ ألا نسميها مضيعة للوقت واستغلالا بشعا للأم؟
ترى ماذا يمكن أن يحدث لو قمنا بتحديد وقت الدراسة وحل الواجبات مع أطفالنا - ربما ساعة أو أكثر - وقالت الأم للطفل «لك ساعة أو ساعتان لحل كل الواجبات ومذاكرة دروسك، فإن تمكنت من ذلك فهذا جيد، ولكن إن ماطلت ولعبت فإني سوف أتركك وحدك ولن أساعدك»، هل سيبكي الطفل، نعم سوف يبكي، ولكنه سيتعلم أن وقت الأم ثمين، وأن الوقت في حد ذاته أيضًا ثمين ولا يجب أن يضيعه مهما كان، وحينما يشب هذا الصغير يبقى راسخًا في ذاته أن للوقت قيمة يجب الاهتمام بها. وقد يقول قائل «إنها تربية قاسية»، ونحن نقول «نعم» ولكن من شأنها أن تعلم الطفل بعض الأمور التي لا يتعلمها إلا بهذه الطريقة ومنها ألا يستغل ضعف أولياء الأمور تجاهه.

الاستغلال العاطفي
قالت لي إحداهن: «عندما عدت ذات يوم إلى البيت وجدت في المنزل دراجة هوائية جديدة مركونة في الصالة، فاستغربت وتساءلت لمن هذه الدراجة؟ هل هي لابني؟ هل جلبها زوجي؟ استغربت حيث لم نتفق على شراء هذه الدراجة للطفل».
تقول «وعندما سألت زوجي عن الدراجة؛ قال: لقد سألني ابني لماذا لا أملك دراجة مثل بقية أولاد الحي؟ لماذا لا تشتري لي دراجة كما يشتري بقية الآباء لأبنائهم»، يواصل الأب ويقول «حينئذ تذكرت نفسي وأنا طفل وفي نفسي الكثير من المتطلبات ولا يوجد من يملك المال ليشتري لي حتى زجاجة مشروب غازي شأني شأن بقية الأطفال، فشعرت بمرارة طفلي ورغباته وشعرت بحزنه، فما كان مني إلا أن أذهب للسوق واشتريت تلك الدراجة حتى لا يشعر الطفل أنه ناقص أمام أولاد الحي».
ونحن نسأل ماذا يعد ذلك؟
قصة أخرى ولكنها تحدث لمعظم الأمهات، وهي أنه عندما يرغبن في التسوق ويأخذن أطفالهن معهن فإنهن يأخذن على الطفل كل العهود والمواثيق بأن الطفل لا يطلب أي شيء، ولا يزعج الأم، وإن وجدت الأم شيئًا نافعا للطفل فإنها سوف تشتريه من تلقاء نفسها. ولكن ماذا يحدث في العادة؟
فجأة وفي لحظات تجد أن رغبات الطفل تتعالى على صوت المواثيق والعهود، فالطفل تارة يريد هذه اللعبة وتارة أخرى يريد تلك، فإن لم توف الأم كل تلك المطالب فإنه يستغلها بطريقته المعهودة «البكاء»، فهو يبكي ويبكي ويستمر في البكاء، وليس البكاء الهادئ وإنما العويل والصراخ وبالصوت العالي، لماذا؟ لأنه يريد أن يضع الأم في موقف محرج أمام الناس في السوق، وهذا ما يحدث فجميع الموجودين في السوق يلتفتون إلى الأم وهم يتساءلون «لماذا يبكي هذا الطفل البريء؟ لماذا لا تحقق الأم متطلباته؟»، ويستمر هذا المسلسل حتى ترضخ الأم لهذا الاستغلال الطفولي البريء.

لو قمنا بتحليل كل تلك الصور والكثير منها، وخاصة التي نعيشها يوميًا لوجدنا أنفسنا نخضع لهم ولرغباتهم، وسنجد أننا نقوم بالكثير من الأعمال والأفعال من أجل أطفالنا، من أجل مستقبلهم، وحياتهم، وبالأصح من أجل رضاهم، حتى إن كنا نقوم بتلك الأعمال على مضض، وللأسف لم نتوقف ولو للحظة ونسأل أنفسنا «لماذا نقوم بذلك؟»، ألا توجد طريقة أخرى لتربية الأبناء من غير أن يستغلنا هؤلاء الأطفال الذين نعتبرهم لا يفقهون شيئا، ولكنهم في الحقيقة أذكى مما نتصور، فهم يعرفون أننا لا يمكن أن نرفض لهم شيئا، وإننا سوف نفعل ما يريدون وكيفما يريدون ومتى ما أرادوا، وإن لم نفعل أو تجاهلنا طلبهم في لحظة ما بسبب أو بآخر فإنهم يشنون حربًا علينا بالعويل والصراخ، وبالطبع بالبكاء أيضًا، وللأسف فإن كل هذه الأمور نقاط ضعف للوالدين يمكن أن يستغلها الأطفال بكل سهولة.
إن لم تكن كل تلك الأعمال استغلالا فماذا يمكن أن نطلق عليها؟
ولكن يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن أن نتعامل مع أطفالنا في كل تلك الأحوال؟
ببساطة علينا أن نتعامل معهم بالحب، وهذا لا يعني الدلال وسوء الخلق، وإنما في بعض الأحيان نحتاج إلى القسوة أثناء التربية، والقسوة في بعض الأحيان تعني الضرب، ولكن حتى للضرب شروط ومواصفات يجب أن تراعى، ونحن لا ندعو إلى الضرب الذي يؤدي إلى عاهة، وإنما إلى التربية والشدة في بعض الأحيان إن كان هذا الأسلوب يمكن أن يؤدي إلى نتيجة معينة، ويقول الفيلسوف أبو حامد الغزالي في كتابه (إحياء علوم الدين) «والصبي أمانة عند والده»؛ وهذا يعني أن الأب مدعو إلى صيانة تلك الجوهرة وحفظها ورعايتها؛ فلا يهملها ولا يقسو عليها، وإنما هي بين وبين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق