السبت، 20 ديسمبر 2014

أنتِ وخادمتك

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢١ ديسمبر ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

يرد إلى مسامعنا العديد من القصص التي تخص وجود خادمات في المنازل، وتتعدد من جرائم قتل الأطفال وتعذيبهم بأبشع الأساليب وأحطها، إلى بعض المخالفات التي تبلغ الانحطاط الخلقي وبعض المشاكل الصغيرة مثل كسر الأواني والتحف الموجودة في المنزل التي شقت ربة الأسرة حتى تجلبها من بقاع الأرض لتزين منزلها.
ولسنا نريد أن نحكي من تلك القصص والحكايات، فمنازلنا مليئة بها، إلا أنه وعلى الرغم من كل شيء فإن ربة الأسرة لا يمكنها الاستغناء عن الخادمة في المنزل، وخاصة ربات الأسر العاملات، فالخادمات يتحملن مسؤولية المنزل بكل جزئياته، وهن اللاتي يتصرفن في كل صغيرة وكبيرة في المنزل. لذلك فليس من المستغرب أن يتعلق الطفل بأهداب الخادمة في حال رغبتها في السفر أو عندما يعود الطفل من المدرسة، فبالنسبة إليه حضن الخادمة أدفأ من حضن أمه.
ولا نريد أن نتحدث عن حقوق هذه الفئة من الناس، فئة الخدم أو العاملين في منازلنا، فكل المحاضرات والندوات سواء الدينية أو الاجتماعية تتحدث عن حقوقهم وكيف يجب على الأسرة أن تتعامل مع الخادمات في المنزل، وكيف طالب الإسلام بحسن التعامل معهن وما إلى ذلك، إلا أننا نود أن نتكلم عن زاوية أخرى من الموضوع، وهي الزاوية التي تخص الأسرة نفسها، فما حقوق هذه الأسرة التي تجلب هذه الخادمة من أقاصي الأرض وقد دفعت من قوت عيالها حتى تحضرها إلى أرض الوطن، وفجأة وبطرفة عين تختفي هذه الخادمة، تتسرب من المنزل، تسرقها مافيا الخادمات، وتجعلها تعمل في منازل البشر هنا وهناك، وفي نهاية الفترة وربما أكثر من تلك الفترة تقوم بتسليم نفسها للشرطة، لتُطالب أنت وبكل بساطة أن تدفع ثمن تذكرتها ومستحقاتها لتعيدها إلى وطنها! ماذا جنيت أنت وماذا استفدت؟
قال لي صديق: جلبت خادمة، كبيرة في السن نوعًا ما، قد عملت سابقًا في بعض الدول الجارة، وعملت عندي في المنزل، وكانت تتملق ربة الأسرة وأطفالي، وكانت تردد دائمًا أنها مبسوطة ومرتاحة في هذا المنزل، وكأنها لم تعش في سعادة أبدًا إلا يوم أن جاءت إلى منزلي، وفجأة وبعد ثلاثة أشهر ويوم واحد، أي بعد الانتهاء من فترة تأمين مكتب جلب الخدم بيوم واحد، هربت، ولا نعرف كيف؟ الغريب أنها لم تكن تخرج من المنزل إلا مع ربة البيت، وكنا نعتقد أنها لا تملك تليفونا.
هربت وأخذت معها ملابسها وأدواتها وكل مستلزماتها في الفترة الصباحية وأخذت مبلغا من المال، ومن الطبيعي تقدمنا ببلاغ بهروبها، وعملنا كل الإجراءات التي تحفظ حقي، ولكن من يرجع مالي الذي طار مع الخادمة؟
يواصل الصديق ويقول: عدت إلى نفس المكتب، لمحاولة – وأنا أعرف أنها محاولة فاشلة – المطالبة بتعويض إلا أن المكتب رفض لأنها هربت في اليوم التالي الذي ينتهي فيه تاريخ التأمين، فضاع مالي كله.
يقول – ومازال الحديث للصديق – وبعد عدة أشهر فكرت في إحضار خادمة أخرى، فلا يمكن الاستغناء عنهن، وبالفعل دفعنا ما نملك لإحضار الخادمة، أو ما يمكن تسميتها اليوم بالملكة لأننا يجب أن نعاملها كملكة حتى لا تغضب ولا تزعل، لأن حياتنا اليوم أصبحت مقرونة بها. وللأسف بنفس الكيفية هربت، ومشينا في نفس الإجراءات والخطوات، وفي النهاية طارت فلوسي، ولا أحد يعوض، ولا قانون يردك. انتهى.
وآخر يقول: «هربت الخادمة ولجأت إلى سفارتها، ودعمتها سفارتها بكل قوة، وأنا في وطني ولا أحد يدعمني، لا قانون يخدمني كصاحب عمل، وحتى تنظر إلى الحكومة بعين العطف، لماذا؟ ماذا فعلنا؟ أين حقنا؟».
وثالث يقول: أحضرت خادمة مسيحية، وطالبت بالذهاب إلى الكنيسة كل يوم أحد، فقلنا هذا حقها، ولكن تفاجأنا بعد عدة أشهر أنها حامل بجنين وأنها تريد أن تعود إلى موطنها! حسنٌ، وأنا من يعوضني؟
ورابع يقول: خادمتي أسلمت ولبست الحجاب ففرحنا بذلك كثيرًا، ورفعنا أكفنا إلى السماء حمدًا لله وشكرًا، ولكننا تفاجأنا أن أحد المواطنين كان يقابلها عندما تخرج للحظات، وأعطاها تليفون، ليتحدث معها بالليل ونحن نيام، فهربت معه ولا نعرف إلى أين ومع من؟
وخامس يقول: كان أحد القاطنين بجوار منزل – مواطن – يهرب لخادمتي بعض الأكل والحلويات من غير علمي، حتى وقعت في حبه! تصور!
وسادس وسابع وعاشر، قصص وحكايات كلها تشير إلى أن هناك فئة من الناس، لا أعرف كيف أصفهم يحاولون أن يخادعوا هذه الفئة، وللأسف أن هذه الفئة على استعداد للانحراف والسير في طريق غير أخلاقي، وفي المقابل لا توجد عقوبات رادعة في القانون إلا على رب الأسرة أو رب العمل، فهو من يعاقب وكأنه هو من أخطأ في حق العامل أو العاملة الهاربة، حيث عليه أن يدفع لها تذكرة العودة إلى موطنها وكل المصاريف وكل ما يلزم وما لا يلزم.
والأخطر من ذلك كله، إن ذهبت العاملة أو العامل إلى سفارته وقدم بلاغا أنك تضربه أو تعذبه أو تعمل ما لا يمكن أن يعمل، تقف سفارته بكل ما أوتيت من قوة لحماية هذا المواطن وأنت تقف وحيدًا في مهب الريح، لا يوجد لديك غطاء قانوني يحميك ويحمي مالك وممتلكاتك.
ونحن لا نقول إن أصحاب أو أرباب العمل سواء، حيث إننا نقر بأن هناك عددا منهم لا يهتم بحقوق هذه الفئة من البشر، فربما يسكنهم – وخاصة العمال – في مساكن وضيعة لا تليق بحقوق الإنسان، وهناك ربات وأرباب أسر يضربون الخادمة ويهينونهن بدرجة غير إنسانية، إلا أن هناك في المقابل أسرا تكرمهن وتعاملهن بأفضل حالات المعاملة، فكيف يمكن أن تتساوى كل تلك الحالات؟ كيف يمكن للقانون أن يساوي تلك الأسر الظالمة بالأسر غير الظالمة؟ ألا يمكن النظر في مثل هذا الموضوع؟
والغريب، هو أن أقصى عقوبة يمكن أن تقع على العامل الهارب أو الخادمة الهاربة عندما يتم القبض عليها أن يتم تسفيرها إلى موطنها بتذكرة قام المواطن نفسه بشرائها، والأغرب من ذلك أن هذه الخادمة أو هذا العامل يعود إلى البلاد بعد فترة من الزمن بجواز سفر جديد وربما باسم جديد، وربما قام بالاتصال برب عمله السابق لتقديم التحية له ويبشره أنه قد عاد إلى البلاد وهو يعمل الآن عند إنسان آخر.
حسنٌ، وبعد أن تهرب الخادمة من المنزل وتتلقفها أيادي «عصابات مافيا الخادمات» كما تسمى اليوم، ماذا يحدث ؟
من هم هؤلاء أعضاء هذه العصابات؟ هل هم من المواطنين أم أجانب أم هم خليط من هؤلاء وهؤلاء؟ ما نوعيتهم؟ وكيف يتاجرون في البشر؟ ألا يمكن لأجهزة الأمن أن تراقبهم وتعرف كيف يعملون وكيف يتاجرون؟ وكيف يسرقون العاملين والخدم من منازلهم ومن أرباب العمل؟ كيف يتواصلون معهم؟ وأسئلة كثيرة لا نعرف الإجابة عنها، إلا أننا نعرف أن هذه العصابات موجودة شئنا ذلك أم خبئنا رؤوسنا في التراب، ولكننا لا نعرف كيف تتواصل مع الخادمات، ربما عن طريق فلان، وفلان إلى فلان وهكذا حتى يصلوا إلى الخادمة، وهذه لا تحتاج إلى الكثير من الإغراءات، فالكثير منهن مستعدات وربما يتلقين التعليمات في أوطانهن، أو ربما يقوم صاحب المكتب – نقصد المكاتب الموجودة في أوطانهن – بإعطائهن أرقام بعض التليفونات لبعض الأشخاص الموجودين في أوطاننا مع تعليمات بأنها إن لم ترتح في المنزل أو مكان العمل فما عليها إلا أن تتصل بهذا الرقم حتى تأتيها المساعدة في الهروب من المنزل، ربما وأنا في الحقيقة لا أعرف ولكني أخمن.
لا نريد من أحد أن يقول إنه لا توجد مثل هذه العصابات، فإن لم تكن موجودة فأين تذهب الخادمات؟ وأين يسكن؟ وكيف يصلن إلى المسكن؟ وكيف يعملن في البيوت بنظام الساعات؟ ومن أين يأكلن وكيف يشربن؟ وأسئلة تحير العقل.
وهنا نقف حائرين، إن أيقنا بوجود مثل هذه العصابات أم لم نوقن، فإننا نعود ونتساءل: ما الحل الناجع الذي يمكن أن يريح المواطن من مشاكل الخدم والعاملين؟ كيف يمكن أن نحل هذه الإشكاليات وهذه المشاكل؟
من الطبيعي أنه لا توجد حلول سحرية يمكنها ببساطة أن تحل جميع الإشكاليات، ولكن المواطن يريد من الجهات الرسمية – على الأقل – أن تنظر في حقه المادي والمعنوي الذي خسره من جراء تلك الأحداث، يريد أن يعرف كيف يحل كل تلك المشاكل بحيث عندما يجلب خادمة فإنه يطمئن أن هذه الخادمة لن تهرب من منزله إلى منزل آخر، وإن هربت برغبتها ومن غير أن يؤذيها فإنه يمكن أن يسترجع حقه ولو بعيد حين.

وفي الختام نسأل: ألا يمكن أن نفكر في حلول؟ لا بد من وجود حلول، فلكل مشكلة حل.

ملاحظة: وأنا أكتب هذا المقال وبمحض الصدفة، أرسل لي صديق هذه النكتة عن طريق الواتساب، والنكتة تتكلم عن طفل: «عمره 13 سنة ويكتب: مؤلم أن تتعود على شخص ثم تفقده!»، فيرد عليه شخص آخر: «ما عليه حبيبي، الخدامات لازم يروحون يشوفون أهلهم بعد». ونحن نقول واقع مؤلم في الحقيقة ولكنه حقيقة، وموضوع سنتكلم فيه لاحقًا، ونود أن نسمع آراءكم وحكاياتكم حول هذا الموضوع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق