الأحد، 20 أبريل 2014

مسؤولي أب.. فكيف أتعامل معه ؟

 

تم النشر في جريدة أخبار الخليج بتاريخ :٢٠ أبريل ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

ونحن نتكلم عن بعض الصفات التي يتحلى بها المسؤولون في مواقع العمل المختلفة، نلتقي بنوع غريب من المسؤولين ولكنه موجود وهو المسؤول الأب، فمن هذا المسؤول وكيف نتعامل معه ؟
الأب بالمفهوم العام هو رب الأسرة، المكونة من أفراد أو أبناء، فهو الذي يدير أمور حياتهم، ويحل مشاكلهم ويحنو عليهم إن ادلهمت الخُطوب واشتدّت الكروب.
فالآباء – عادة – يتصرفون بطريقة وقائية داعمة ومسؤولة تجاه أبنائهم، فهم يتولون مسؤولية الإنفاق عليهم إلى أن يصبحوا قادرين على الاعتماد على أنفسهم اعتمادًا تامًا، والأب يلعب دورًا مهمًا في الحد من المشكلات السلوكية والنفسية لدى الأبناء، ويتابع مستواهم الدراسي وحالتهم الاجتماعية، وكل أوجاعهم وأمراضهم ومعاناتهم.
والأب ليس مجرد وجود عضوي أو اقتصادي أو اجتماعي في الأسرة، وإنما هو كل ذلك، بالإضافة إلى دوره الأهم في الجوانب النفسية والروحية في تكوين الأبناء، وتماسك الأسرة واستمراريتها، وليس من باب العبث أن يُطلق على الأب في مجتمعنا عبارة «رب الأسرة»، أو أن يشبه (بعمود الخيمة)، الذي لا يمكن للخيمة أن تأخذ شكلها أو أن تستقيم دونه.
وبناء على مثل تلك الأمور تكّون ما عرف بسلطة الأب أو بالسلطة الأبوية، وهذا ما يحدث بالضبط عندما يوسد مسؤول في أي جهاز – حكومي أو خاص – إنسان – رجل أو امرأة – يحمل من الأبوة الأمر الكثير. وللأسف فإن الأدبيات المختصة في التنمية البشرية والإدارة والإنسانيات لم تأت على ذكر هذه النوعية من الخصائص الإدارية التي يمكن أن يتحلى بها المسؤول، ولكنها في الحقيقة موجودة بطريقة أو بأخرى.
قال لي أحد المسؤولين: كنت قريبًا من الموظفين الذي أعمل معهم، كنت لهم كالأب الذي يجدونه دائمًا أمامهم عندما يحتاجون إلى أب، لدرجة أنهم كانوا يروون لي معاناتهم الشخصية سواء في المنزل أو في الحياة بصورة عامة، فتلك الموظفة تعاني من اضطرابات في الهرمونات تأتي وتشتكي لي معاناتها، وتلك جاءها أحدهم للاقتران بها وتريد أخذ رأيي في الرجل، وذلك الموظف كان يعاني الأمرّين من زوجته ويسألني المشورة في تطليقها أو الزواج بأخرى، ومثل تلك الأمور اليومية أو الأسبوعية، لم أتخل عنهم وإنما كنت أسمعهم وبصورة سرية، لم أتحدث مع أحد عن مشاكلهم، كنت صمام أمان في حياتهم العملية وحتى الخاصة، حتى عندما كنت أجد تقصيرًا في العمل يتحول هذا الأمر إلى عتاب وزعل ولم نصل قط إلى لفت النظر وخصم في الرواتب أو ما إلى ذلك. وذات مرة أخطأت إحدى الموظفات ولم أكن موجودًا ولكن نقل لي ومن غير علمها أنها أخطأت، وسكتُّ عنها عدة أيام، من غير أن أناقشها في الخطأ الذي حدث، حتى أنظر ردة فعلها، وبعد عدة أيام جاءتني وهي نادمة، حكت لي الحكاية كلها وتعتذر.
إذن هذا النوع من الإدارة والمديرين موجود حتى وإن تجاهلته الأدبيات.
هذه النوعية من السلطة نجد أنها تنقسم إلى أربعة أنواع، وهي:
1- السلطة الحنونة.
2- السلطة المفترسة أو القاسية.
3- السلطة الحنونة الممزوجة ببعض الشدة.
4- السلطة الراغبة في السيطرة والتحكم.
وسنحاول أن نلقي ببعض من الضوء على هذه النوعيات، من أجل التوضيح. على أنه يجب أن يكون معلومًا، بل بالأحرى لنتخذ هذا المبدأ في هذا المقال أنه لا يوجد إلا الأب الذي يرغب في تفوق أبنائه عليه، وعلى مجده وماضيه.
1- السلطة الحنونة: وهو ذلك المسؤول الذي يتفقد الموظفين الذي يعملون معه، لماذا تأخروا عن الحضور؟ أين ذهبوا؟ هل فطروا؟ ليس لمجرد أن يعاقبهم أو يتخذ فيهم إجراء وإنما من أجل خوفه عليهم، ورغبة منه أن يكونوا حوله أثناء ساعات الدوام الرسمي، هو القلب الحنون لجميع الموظفين من غير استثناء، فهو موجود لكل من يطرق بابه، آذانه كلها وقلبه ووعيه وجميع حواسه جاهزة للموظفين، هذا المسؤول لا يعاقب وإنما يحمل الموظفين على كتفه ويسير بهم، يعلمهم، ويصبر عليهم، حتى وإن تطاولوا عليه بالكلام، فهو أب وعليه أن يضحي بكل شيء من أجل راحة الموظفين. وهذا المسؤول يحمل في قلبه الكثير إن عق الموظفون وخرجوا عن طوع أمره ولكنه لا يتكلم ولا يشتكي، وإنما يعاني بصمت.
2- السلطة المفترسة أو القاسية: وهذا الأب أو المسؤول هو المسؤول القاسي غير رقيق القلب، قاسي ملامح الوجه والقلب، أحكامه تعكس قسوته، فهذا الإنسان فقد عاطفة الإحساس بآلام الآخرين وحاجاتهم، فتحجر القلب. وعلى الرغم من أنه يشعر بأن الموظفين أبناؤه فإنه يقسو عليهم وحبهم يتغلغل في قلبه، إلا أن القسوة بالنسبة له لا تعني الكُره، فهي رحمة ورأفة، فالحب والعطف بالنسبة له يظهر على شكل قسوة من أجل حمايتهم من كل الأشياء الدنيئة التي يمكن أن تحيط بهم، كما يحيط الأب أبناءه من قسوة وفساد المجتمع.
هذا المسؤول يعاقب الموظفين على أقل خطأ ويوبخهم، ويتخذ فيهم كل الإجراء اللازم لتصحيح أخطائهم، وهو يختلف عن المسؤول الديكتاتوري في أن الأخير ليست لديه أي مشاعر تجاه الموظفين، بعكس المسؤول القاسي الذي بسبب حبهم يقسو عليهم.
3- السلطة الحنونة الممزوجة ببعض الشدة: وهذه النوعية من السلطة نوع وسطي ما بين السلطتين السابقتين، فالمسؤول يدير الإدارة في معظم الأوقات بصورة حنونة، ولكنه لا يتورع أن يعاقب الموظف إن أخطأ، فالعقاب في مفهوم هذا المسؤول جزء من السلطة الأبوية الممنوحة له، فهذا المسؤول لا يتورع عن الطلب من الموظف أن يقوم بعمل ما بأن يقول له «لو سمحت.. هل من الممكن أن تقوم بهذا العمل؟» وقد يسامحه أن أخطأ مرة ومرات ويعلمه كيف يمكن أداء هذا العمل، ولكن يمكن أن يصل إلى مرحلة لن يصبر على الخطأ والتلكؤ والتسويف.
4- السلطة الراغبة في السيطرة والتحكم: هناك بعض المسؤولين الذين يريدون من أبنائهم أو موظفيهم أن يقلدوهم هم في أي عمل يمكن أن ينجزوا، فكما يعتقد بعض الآباء أن أبناءهم لا يعرفون شيئًا فإن هذا النوع من المسؤولين يعتقد أنه هو القدوة لجميع الموظفين الذين يعملون معه، فكما أنجز هو هذا العمل فإن على الموظفين أن يمارسوا نفس تلك الخطوات وبنفس الأسلوب، فهو يريد أن يحول الموظفين إلى نسخ منه هو حتى لا يقعوا في الأخطاء والمشاكل.
حسنٌ، هذا الأب أو هذا المسؤول كيف يمكن أن نتعامل معه ؟
ببساطة، فكما نتعامل مع الأب في المنزل نتعامل مع هذا المسؤول الأب، يجب أن نعامله بكل حب واحترام، فهو وما يقوم به، يقوم به بهدف المحافظة على الموظفين، كما يعتقد هو. فيجب أن نشعره أنه هو مصدر الأمن والحماية وأن غيابه وغياب رقابته يمكن أن يحدث اضطرابًا في العمل، ولكن إن غدت هذه السلطة الأبوية سلطة لخنق الحريات والإبداع، فإننا نحتاج إلى أن نجلس معه ونحاور في الأمور التالية:
1- إن سلطته يجب أن تخضع للعديد من الضوابط والقيود التي تفسح المجال لأهلية الموظفين في التصرف في إطار ما هو مشروع.
2- ليس له سلطة على الموظفين، فهم راشدون، فما يكون منه سوى التوجيه والنصح فقط كمسؤول، فللموظف كامل الحقوق في العمل والإبداع والتفكير.
3- يجب أن يصل إليه أنه من أفضل الأساليب في التعامل بالسلطة الأبوية أن تكون في إطار «الشورى والتشاور» بين الموظفين، حيث إنها قيمة تربوية داخل المؤسسة، يمكن أن نتعلم منها الكثير بقيادته هو.
4- يجب أن يصل إليه أن للأبناء أو الموظفين شخصيات وحياة خاصة، وأن هؤلاء البشر يمكنهم – بعيدًا عنه – أن يعيشوا حياتهم، فلا يفرط في السؤال عنهم ومتابعتهم، فإن ذلك ربما يسيء إلى شخصياتهم وكينونتهم.
5- يمكنه أن يكون قدوة وموجها من غير أن يتدخل في حياة الموظفين، ولكن إن توجه إليه أحدهم يسأله فإنه يعطي في حدود المطلوب وبقدر الإمكان.

وختامًا، لا يحب هذا المسؤول أن يحدث عقوقا وأن تدمر العلاقة بينه وبين من يعمل معهم، لذلك التعامل الهادئ والحوار بالعقل يمكن أن يحل الكثير من المعضلات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق