السبت، 16 مايو 2015

هل يشلّ الخوف العقل ؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٧ مايو ٢٠١٥

بقلم: د. زكريا خنجي

أوضحنا أن الخوف حالة نفسية وميل طبيعي موجود في أعماق النفس الإنسانية، وبغضّ النظر عن الخلاف الموجود بين علماء النفس القدامى والجدد حول تحديد طبيعة الخوف، هل هو غريزة أو هو ميل فطري أو حاجة طبيعية؟ فلسنا معنيين بهذا الخلاف أيًا كان وإلى أين وصل، إلا اننا نؤمن أن الخوف حالة طبيعية أودعها الله تعالى في نفس الإنسان، هو شيء مفيد لحياة الإنسان، ذلك لأنه لولا الشعور بالخوف لما فكر الإنسان في درء الأخطار عن نفسه، وفي حماية نفسه من الصعاب والمشاكل، وأخذ الضمانات والاحتياطات الكافية لسلامته.
فإن لم نخف من البرد والشتاء فكيف نستعد له، وإن لم نخف المرض فإننا سوف نهمل الوقاية تجاهه، إذن يمكن أن يكون الخوف حاجة إيجابية أودعها الله في نفس الإنسان، كي يحمي بها ذاته ويحافظ على سلامة وجوده.
ولكن إن تجاوز الخوف حده في نفس الإنسان، فإن ذلك سيكون له انعكاسات وتأثيرات سيئة على تفكير الإنسان وجسمه، فقد يصاب الإنسان بالارتباك، ويصبح عاجزًا عن اتخاذ قرار سليم، ويقدم نفسه نتيجة لذلك فريسة سهلة للأمر الذي تخوف منه. فلو – مثلاً – رأيت شخصًا ماشيًا في شارع تقطعه السيارات، وفجأة يجد نفسه أمام سيارة مسرعة، تقترب منه لتطحنه بعجلاتها، فماذا يمكن أن يحدث؟ هنا – ربما – يبلغ به الخوف حدًا مربكًا فيقدم رجلاً ويؤخر أخرى، فلا يدري أيتراجع أم يسرع إلى الأمام؟ لذلك يشير العلماء إلى أن هذا الشخص قد يقع في الخطر الذي كان يخشاه، نتيجة خوفه وارتباكه، بينما لو كان هادئ النفس لاستطاع اتخاذ قرار سريع بالرجوع، أو الركض، فينقذ نفسه من الخطر. وبناء على ذلك قسم العلماء الخوف إلى ثلاثة أقسام أو أشكال؛ فالأول: الخوف المستحب. والثاني: هو خوف ردة الفعل وهو الناتج عن شيء مخيف. والثالث: الخوف المرضي. لنلقي بصيصا من الضوء على هذه الأنواع.

أشكال وأنواع الخوف
1- الخوف المستحب: وهو من ذلك النوع الذي يذكره القرآن الكريم في سورة آل عمران – الآية 175 (إنما ذلكم الشيطان يخوف اولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين)، بمعنى هو الخوف المطلوب وهو خوف المؤمن من ربه.
2- خوف ردة الفعل: فهو الخوف الناتج عن ردود أفعال وقد يكون مبررا مثل ظهور حيوان مفترس أمامنا فجأة أو ظهور سيارة مسرعة تريد أن تدهسنا أو ظهور مدير الإدارة الأرعن فجأة من خلف الكواليس وبطريقة هوليودية، ولكن هذا النوع من الخوف قد يسبب لصاحبه الكثير من الأذى المباشر وغير المباشر، كما ان أذى هذا الخوف إما أن يكون في حينه، وإما أن يكون على المدى القريب، وإما أن يكون على المدى البعيد. وبأي حال فإن على الإنسان ألا يستهين بهذه النوعية من الخوف الذي يكون ناتجًا عن ردود، وخاصة إن كانت ناجمة عن المزاح أو ما شابه ذلك، كما يحدث في برامج الكاميرا الخفية لأنها قد تودي بحياة إنسان غافل.
3- الخوف المرضي: ويعتبر العديد من العلماء أن الخوف المرضي من الأمراض الفتاكة، وهو في داخل الإنسان المريض، ويرافقه طوال الوقت ولا يستطيع الفكاك منه، ليصبح إنسانًا مهزوزًا ضعيفًا يخاف مما لا يخيف الاطفال، كالخوف من أن يكون وحده، أو الخوف من الجلوس في المكان المعتم، أو الخوف من الخروج في الليل، أو الخوف من إنقاذ إنسان في خطر، أو الخوف من أن يغيث ملهوفًا، أو الخوف من تناول الطعام عند الآخرين، وبالمعنى المختصر الخوف من كل شيء، وقد يصاب بشحوب اللون إذا جرح جرحًا صغيرًا، أو وقع على الأرض مغميًا عليه.
ليس ذلك فحسب وإنما هذا النوع من الخوف «الخوف المرضي» يمكن أن يسبب الكثير من الأمراض العضوية كالسكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب، وكسل الغدد، والتسارع في نبضات القلب، بالإضافة إلى بعض من الامراض النفسية، مثل: التوتر، القلق، الهلوسة، انفصام الشخصية، الانطوائية، عدم الثقة بالنفس، التردد، الرعاش العصبي، وربما أكثر من ذلك، إذ قد ينعكس كل ذلك على الجوانب الروحية فيعتقد أن هذا الإنسان يكون – ربما – أصيب بمس شيطاني، وكذلك الوسواس القهري، وربما تغزوه الكوابيس في المنام لذلك يخاف أن ينام فيصاب بالأرق وبالتالي الاكتئاب والوسواس والوهم وما إلى ذلك.

وقد قسم العلماء «الخوف المرضي» إلى خمسة أقسام، وهي:
أ. القسم الأول: نوبات الذعر، وهي من النوبات التي تصيب الإنسان فجأة.
ب. القسم الثاني: الرعب الداخلي، وهو التوتر الناتج عن الخوف من المجهول.
ت. القسم الثالث: الخوف الشديد من المواجهة والمنازلة.
ث. القسم الرابع: الخوف من الماضي والحاضر والمستقبل.
ج. القسم الخامس: الخوف من الحالة الصحية ومن الموت.

ماذا يحدث في الجسم عندما نخاف؟
عندما نشعر بالخوف أو الفزع، فإن الخوف كحافز أو كفكرة يقوم بإرسال سيّالات للدماغ يقوم بتحليلها الدماغ فتنبه اللوزة الدماغية (غدة موجودة في المخ) التي تقوم بدورها بالعمل كمحفز للغدّة النخاميّة التي تفرز هرمونات تعطي الجسم أمرًا بإفراز الأدرينالين الذي يؤدي ارتفاع نسبته في الدم إلى عمل تغيرات داخلية بالجسم والمواد الكيميائية داخله تجعله مستعدا لإبداء ردة الفعل المناسبة أيًا ما كانت تلك الردود.

هل يمكن أن يجمد الخوف تفكيرنا؟
في الحقيقة فإن كل الدراسات التي رجعت إليها وكل المراجع تقول انه إذا سيطر عليك الخوف فإنه سيسري في أعصابك ويأمر الغدد بأن تتأهب للمواجهة، فتعمل تلك الغدد على إفراز «الهرمونات»، التي تعمل على تهييج العضلات وتدفعها إلى بذل مجهود خارق لمواجهة الخطر الداهم، وفي الكثير من الأحيان تكون ردود الأفعال عفوية ومن غير أن يتدخل المخ أو التفكير في ذلك.
كما تشير تلك المراجع الى أنه بعد انتهاء الموقف تجد الجسم في حالة من التعب والإجهاد كبيرين، لذلك نرى أن من يسيطر الخوف على تفكيرهم باستمرار يشتكون كثيرًا من التعب بدون سبب ظاهر، وذلك لأنهم يبذلون في السنة الواحدة مجهودًا عصبيًا وجسديًا ما كانوا ليبذلوه في أقل من خمس سنوات، وبالتالي يمكن أن تطرق الشيخوخة أبوابهم قبل أوانها المعهود.

والخلاصة: يمكننا أن نقول إن الخوف المفرط الذي يشل الفكر، ويرهق الجسم، ويمنع من التقدم، وتفجير الطاقات، هو المرض الذي تعاني منه الأكثرية الساحقة من الناس، إنهم يفرطون في خوفهم من كل شيء؛ من الفشل، التعب، الألم، السلطة، مراكز القوة، المستقبل، الموت .. إلخ. وللأسف فإن هذا الخوف هو المسؤول عن شل قدرات الكثيرين، وتجميد طاقاتهم وكفاءاتهم، وبالتالي فهو المسؤول عن قسط كبير من التخلف.
إن هذه الظاهرة المرضية الخطيرة المتفشية في المجتمع هي التي تفسح المجال للاستبداد. فالاستبداد حينما يرى الناس خائفين خاضعين، يزداد هو قوة في مقابلهم، والحال أن قوته ليست ذاتية، وإنما تأتي من خنوع الناس وضعفهم أمامه.
ولكن؛ ما الأسباب والجذور التي يتكون وينمو بسببها هذا المرض الفتاك (الخوف) المفرط في نفوس كثير من الناس؟ وهذا موضوع آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق