السبت، 9 مايو 2015

ما الخوف؟ وممّ نخاف؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٠ مايو ٢٠١٥

بقلم: الدكتور زكريا خنجي

كم مرة أتيحت لأحدنا فرصة أن يغير حياته ولكنه لم يستغلها؟ كم مرة تردد محاضر واهتزت ركبه وهو واقف أمام الملأ ليحاضرهم في موضوع ما؟ كم مرة وقفت امرأة أمام مجموعة من الصراصير في المطبخ وبدأت تصرخ وتطلب النجدة؟ كم مرة وقفنا أمام قبر مفتوح فارتعدت فرائصنا عندما تخيلنا اليوم الذي سنكون نحن من يوضع فيه؟ كم وكم؟

ما الذي يعنيه كل ذلك؟
في برنامج تدريبي حول موضوع «مهارات العرض والتقديم» نشير دائمًا للمتدربين إلى تلك الدراسة التي أجريت في أمريكا حول «أسوأ عشرة مخاوف في أمريكا» وكان الترتيب كالتالي:
أ‌. التحدث أمام الجمهور.
ب‌. الارتفاع.
ت‌. الحشرات.
ث‌. المشكلات المالية.
ج‌. الماء العميق.
ح‌. المرض.
خ‌. الموت.
د‌. الوحدة.
ذ‌. الطيران.
ر‌. الكلاب.
ترى ماذا يمكن أن تكون النتيجة لو أجرينا مثل هذه الدراسة في الوطن العربي، ربما أضفنا إليها عدة مخاوف أخرى، مثل: اتخاذ القرار، وإثبات الذات، وتغيير العمل، والشرطة والمخابرات، وحرية الكلام، والحروب، والمدير أو المسئول، وفقد حبيب بسبب أو بآخر، والسخرية من الفشل، والفصل من الوظيفة، وما إلى ذلك.

حسنٌ، لو طرحنا عليك الآن هذا السؤال، هل ستجيب بصدق: ما الذي تخاف منه؟ سواء من هذه القائمة أو من قائمة أخرى أنت تعرفها فقط؟ وعندما تحدد إجابتك بصدق، فهل يمكنك أن تحدد لماذا تخاف من مخاوفك؟
وقبل أن نسترسل في موضوع الخوف لنحاول استشفاف حقيقة الخوف من خلال تعريف بعض العلماء -من عدة تخصصات- له.

فالخوف في اللغة هو الفزع، خافه يخافه خوفًا وخيفة، قال القرطبي رحمه الله: «الخوف في كلام العرب: الذعر، وخاوفني فلان فخفته أي؛ كنت أشد خوفًا منه، والخوفاء: المفازة لا ماء بها، ويقال: ناقة خوفاء وهي الجرباء. قال الجرجاني: «الخوف: توقع حلول مكروه أو فوات محبوب». ويقال أيضًا خوّف الرجل رجلاً آخر، بمعنى جعل في قلبه الخوف والفزع، ونقول كذلك خوّف الرجل أي بمعنى جعل الناس يخافون منه».
ويقول بعض علماء النفس إن الخوف غريزة بشرية موجودة في نفس كل إنسان، فمن منّا لا يشعر بالخوف من أي أمر من أمور الحياة، وهو ليس من الأمور التي تعيب الإنسان؛ فالإنسان الشجاع الجسور ليس الذي لا يخاف من شيء، بل هو الذي يتصرف أمام الآخرين بعدم الخوف، بحيث لا تظهر عليه أي أعراض أو معالم للخوف.
ونحن كلنا نعلم أن كل البشر يشعرون بالخوف، فلكل منا أمر ما يخيفه ويثير الرعب في داخله، وللخوف درجات تتفاوت من شخص لآخر تبعًا لطبيعة كل شخص، فهناك من يخاف من أمور حقيقية وواقعية قد تؤذيه وتضره، وهنالك من الأشخاص ما نجدهم يخافون من أتفه الأمور، وقد نجد بعض الأشخاص يخافون من أشياء معينة يرسمونها في مخيلتهم ويعتقدون أنها حقيقية، وفي بعض الأحيان يصل الخوف إلى درجة يصبح فيها مرضا نفسيا وهنا تكمن خطورة الشعور بالخوف، كونه يسبب العديد من الأمراض العضوية والنفسية لمن يصاب به.
يقول الأستاذ الدكتور علاء عبدالباقي إبراهيم «الخوف بصفة عامة انفعال من أهم الانفعالات الفطرية يولد بها كل كائن حي للحفاظ على وجوده، فجميع الكائنات الحية تناضل من أجل البقاء، والخوف إشارة خطر بالغة الأهمية مؤادها: خذ حذرك، إن شيئًا ما على وشك أن يؤذيك، فإذا كنت تعتقد أنك من القوة بحيث تستطيع التغلب على هذا الشيء الذي يهددك، فاستعد للقتال والمواجهة، أما إذا كان التهديد الموجه إليك بالغ الشدة والقوة، فعليك بالاحتراز والفرار خوفًا على حياتك، ويمد الخوف المرء بالحافز الضروري لتعبئة طاقاته والتصرف بحذر وتروٍّ».

ويقسم العلماء الخوف نوعين، هما:
أ‌. الخوف الموضوعي: وهو الذي ينشأ نتيجة خطر حقيقي يهدد حياة الإنسان أو سلامته أو أقرب الناس إليه كأطفاله.
ب‌. خوف غير موضوعي أو ما يعرف بالرهاب أو الخوف المرضي: وهو الذي ينشأ عن مواقف لا تهدد الإنسان بأخطار حقيقية كالخوف من الظلام أو الخوف من الأماكن المغلقة أو المرتفعة.

والخوف -كما نعتقد- عبارة عن غريزة بشرية مرتبطة بالعقل تظهر في أعراض متعددة ولأسباب متعددة، وهو شعور فطري وطبيعي ولكنه قوي ومزعج تجاه الأخطار، ومن الجدير بالذكر: إما أن تكون هذه الأخطار حقيقية وإما خيالية تكمن في ذهن الإنسان فقط. ولكن يبقى الخوف هو العدو الأعظم للإنسان، فالخوف هو السبب وراء الفشل والمرض وخلل العلاقات الإنسانية.
إذن، يمكننا أن نقول إن الإنسان يخاف وهذا أمر طبيعي، ولكن من غير الحكمة أن يكون الخوف عقبة وحاجزًا أمام الإنسان، يمنعه من التقدم والاحتفاظ بالحرية والكرامة، فالقرآن -مثلاً- اعترف بواقعية الخوف لدى الإنسان، ولا يعتبره جريمة أو عيبًا في الأساس، وإنما الجريمة تكمن في سوء الاستفادة، وفي الإفراط في ممارسة الخوف، وأن يصبح الخوف عقبة في طريق تقدم الإنسان وكرامته وحريته. وقد ورد في القرآن الخوف على خمسة وجوه؛ وهي:

أ‌. بمعنى القتل والهزيمة «وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ» سورة النساء - الآية 83، «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ» سورة البقرة - الآية 155، أي: القتل.

ب‌. بمعنى الحرب والقتال «فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ» سورة الأحزاب - الآية 19 أي: إِذا انجلت الحرب، «فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ» سورة الأحزاب - الآية 19 أي: الحرب.

ت‌. بمعنى العلم والدّراية «فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً» سورة البقرة - الآية 182 أي: علم، «إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ» سورة البقرة - الآية 229 أي: يعلما، «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي اليتامى» سورة النساء - الآية 3 أي: علمتم.

ث‌. بمعنى النقص «أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ» سورة النحل - الآية 47 أي: تنقُّص.

ج‌. بمعنى الرُّعب والخشية من العذاب والعقوبة: «يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ» سورة السجدة - الآية 16.

ويبقى السؤال المطروح؛ هل بإمكان الإنسان أن يواجه هذا الخوف الفطري؟ هل بإمكانه أن يتجاوزه وأن يطرحه جانبًا؟ بل هل بإمكانه أن يحول الخوف إلى قوة يمكنه استخدامها في الإقدام على ما لم يكن يستطيع الإقدام عليه؟
ولنا لقاء آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق