الأحد، 31 مايو 2015

استشعر الخوف وتقدم




سواء أكنت تريد أم لا، فالخوف شعور فطري من حياة الإنسان لا يمكن تجاهله، فالجميع يشعر به في لحظة أو أخرى، ولكن بعضنا يخاف إلى الدرجة أنه يدع الخوف يتحكم فيه، فتظهر أعراضه على يديه وعلى وجهه، فيتصبب عرقًا ويحجم عن الإقدام، وبعضنا الآخر يخاف ولكنه يحاول أن يخبئ الخوف بين أظهره ولا يدعه يتمكن منه، فيحاول أن يظهر ما لا يبطن على الأقل أمام الناس، فنشعر جميعًا بمدى ثقة هذا الإنسان بنفسه ومدى تحكمه بقدراته وأدواته.
إلا أننا هنا يجب أن نفرق بين أنواع الخوف فأي منها يمكن مواجهته، وأي منها يحتاج إلى طرق خاصة للتعامل معه، فلا يمكن أن نطلب من شخص يقف وجهًا لوجه أمام أسد متوحش أو أي حيوان مفترس أن يواجه خوفه ويثبت أمام كتلة الغضب البهيمية تلك، ولا يمكن أن نقول لمن يخاف الله ويحول خوفه إلى طمع في رضوانه بالعمل المفيد الذي ينعكس على المجتمع أن أحجم وتحكم في خوفك وطمعك لرضوان الله.
وكذلك لا يمكن أن نمزح مع من يعاني مرض الرهاب أو ما يعرف بالخوف المرضي بين طيات الجزئية التي يخاف منها، فمثل هذا الشخص يحتاج إلى علاج نفسي وكلينيكي.
وإنما الحديث هنا عن ذلك النوع من الخوف الذي يختلج نفوسنا جميعًا، وخاصة عند الإقدام على أمر جديد، فربما طلب منك مديرك في العمل -ذات يوم- أن تدير فريق عمل، وأنت لم تقم قط بمثل هذه المهمة من قبل، ترى كيف يكون شعورك؟
ما شعورك عندما يطلب منك أن تصعد المنصة وأن تتحدث أمام الجمهور فترة زمنية أو أمام عدسة التلفزيون، على اعتبار أنها المرة الأولى التي يطلب منك ذلك؟
ماذا تكون ردة فعلك عندما تسافر بالسيارة إلى بلد وأنت لا تعرف طرقه ولا ممراته، ولم يكن بين يديك خريطة تدلك على هذا البلد؟
مواقف كثيرة، ربما تمنح فرصة للاستعداد لها، وربما تأتيك فجأة من غير استعداد، هل ستترك المجال للخوف ليشل عقلك وتفكيرك، فلا تتقدم وتعتذر وتهرب من المواجهة أم ستقدم وإن قدمت رجلا وأخرت الأخرى؟ ترى من أي الفريقين أنت؟
ذات يوم في دورة لتنمية مهارات العرض والتقديم في إحدى الدول العربية دخلت وقدمت نفسي كالعادة، ثم طلبت من المتدربين -أيضًا كالعادة تقديم أنفسهم- ولكن هذه المرة طلبت منهم أن يقوموا ويتقدموا إلى المنصة ومن هناك يقدم كل شخص نفسه، عندئذ بدأ الارتباك على الحضور، وانقسمت المجموعة عندئذ إلى ثلاثة فرق؛ الفريق الأول وهم القلة قاموا بما هو مطلوب منهم، أي وقفوا في المنصة وقدموا أنفسهم، والفريق الآخر تردد كثيرًا وكان يقدم رجلا ويؤخر الرجل الأخرى، ولكنه قام على مضض وقدم نفسه، أما الفريق الثالث فلم تسعفه شجاعته بالوقوف في المنصة وتقديم نفسه مدة دقيقتين فقط. 
وبعد أن هدأ الجميع وقبل أن أبدأ وأسترسل في الدورة طلبت منهم إن رغبوا في اجتياز هذه الدورة أن يستعدوا لتقديم عرض تقديمي في اليوم الأخير وهو اليوم الخامس من الدورة، حينئذ تغيرت الوجوه وتغيرت ألوانها، وبدأ العرق يتصبب من الحضور وكما يقال وبلغت القلوب الحناجر، فقال أحدهم: نحن لم نتمكن من الوقوف مدة دقيقتين لتقديم أنفسنا فكيف يمكننا أن نقدم محاضرة وعرضا لمدة ربع ساعة؟
قلت لهم جملة واحدة فقط «ستتمكنون إن رغبتم»، ثم بدأت في الدورة، وفي الحقيقة أنهم في اليوم الموعود كانوا أفضل ما يمكن حتى إن مديرهم العام عندما حضر العروض انبهر بهم وبقوة إدائهم على المنصة، ولكن يبقى السؤال الذي يدور في الأذهان: كيف تغلبوا على خوفهم وأقدموا وتقدموا؟
حاولت الدكتورة سوزان جيفرز في كتابها «استشعر الخوف وأقدم على ما تخاف» أن تلخص طرق مواجهة الخوف في بعض النقاط التالية:

1- اعترف بخوفك؛ فالخوف هو أحد الأحاسيس والمشاعر الطبيعية التي تمر بالبشر، ومن الممكن أن يكون الخوف نافعًا إن جاء ملائمًا للموقف الذي أدى إليه، فهو ينبهنا إلى حدوث خطر ما، لذلك يعتبر الاعتراف بالخوف وقبوله أول خطوة للتخلص منه. 
2- افصل الخوف عن الموقف الذي أدى إليه؛ إنك بهذه الطريقة ستضع مسافة بين إحساسك بالخوف وبين حقيقة الموقف الذي أدى إليه، فتستطيع بذلك تقييم قدر الخوف الذي تشعر به وتحديد إن كان ملائمًا للموقف أم مبالغًا فيه.
3- عبر عن خوفك؛ لا تخجل من الاضطراب وإبداء التوتر والبكاء نتيجة شعورك بالخوف من شيء ما، فالخوف هو كأي إحساس طبيعي يخرج على شكل سلوك تخرج به انفعالاتك وتتخلص منها، أما كتمان الخوف فهو غير مفيد، لذلك من الأفضل التعبير عنه حتى تستطيع مواجهته ومقاومته.
4- تقبل خوفك كما هو، يجب أن تنظر إلى إحساس الخوف الذي بداخلك على حقيقته من دون أن تحاول إخضاعه للمنطق، فهو في حد ذاته إحساس غير منطقي وقد لا يتفق في كثير من الأحيان مع الموقف الذي أدى إليه، ولكنه يكون في أغلب الأحيان صدى لمواقف أخرى مشابهة أو ذكريات مختبئة في العقل الباطن قد تمت استثارتها. 
5- لا تشعر بالذنب بسبب خوفك؛ من حقك أن تخاف مهما كانت طبيعة هذا الخوف وحجمه، فالشعور بالذنب وتأنيب النفس عليه لا يساعدان كثيرًا على الخروج منه، بل على العكس يؤديان إلى تعقيد الموقف وتراكم الانفعالات السلبية بداخلك.
6- حاول أن تتوقع الخوف، لذلك لا بد من أن تستعد دائمًا لمواجهة المواقف التي تكون متأكدا من أنها تشعرك بالخوف، فتتخذ خطوات عملية لتحمي نفسك منها، وتأكد أن أي خطوة ستقوم بها لتحمي نفسك من الخوف ستجعلك تتقدم في طريق تخلصك منه تمامًا، كما أن هذه الخطوات ستقربك أكثر من الحقيقة، وتستطيع السيطرة على الخوف ليتناسب مع الموقف الذي أدى إليه.
7- لا تفكر في الفشل؛ فعندما تبدأ في عمل ما ركز فقط على خطوات تحقيقك له وواجه الصعوبات التي تصادفك وحاول حلها تدريجيًا من دون التفكير في النتيجة، وبذلك تكون قد شغلت عقلك بالتفكير في شيء نافع بدلاً من الخوف الذي سيعوقك عن العمل نهائيًا.
8- لا تطلب المستحيل؛ وحدد لنفسك أهدافًا يمكنك تحقيقها، وأعط لنفسك الوقت الكافي لتنجزها، فمن الأفضل لك أن تنجز مهمات صغيرة بنجاح بدلاً من الطموح إلى أشياء كبيرة يصعب عليك تحقيقها فتقع فريسة إحساس الخوف والقلق.
9- تذكر بطولاتك وإنجازاتك، عندما يصادفك إحساس الخوف حاول تذكر أي موقف صعب قد مر بك من قبل ونجحت في تخطيه ومواجهته بشجاعة لتستمد منه القوة في مقاومة إحساس الخوف الذي تشعر به.
10- تحرك ولا تتوقف عند إحساسك بالخوف؛ فيمنعك ذلك من اتخاذ أي موقف إيجابي يحررك من خوفك الحالي، بل حاول التصرف لإنهاء الوضع الذي أنت فيه والتخلص معه من الخوف والقلق. 
11- هنئ نفسك، عندما تنجح في حربك على الخوف هنئ نفسك وكافئها على ما أنجزته حتى يكون ذلك دافعًا لك فيما بعد.
12- اعترف بالعالم المحيط بك، إن كل ما يحيط بك سواء كان أشخاصًا أو أشياء يجعلك تشعر بوجودك، فلا تنكره أو تتجاهله مهما كان يشعرك بالخوف حتى تستطيع التعامل معه ومواجهته.
13- وإن تسرب إلى داخلك إحساس بالخوف على المستقبل فلا تحاول أن تتجاهله والتهرب من محاولة التفكير فيه، ففي هذه الحالة سوف يتسرب إلى داخل أعماق اللاشعور ويسبب لك المتاعب أضعافا مضاعفة، وإنما حاول أن تفكر في الموضوع بموضوعية وعقلانية. فضع تلك المخاوف أمام عينيك بكل هدوء عقلي وابدأ في مناقشتها.
14- افترض أن مخاوفك قد تجلت في أسوأ صورها، هذا الافتراض سيجعلك تكون على دراية بأنك في تلك الحالة إما أن تموت نتيجة لحدوث الكارثة المفترضة أو لا تموت بسببها، وستدرك بعد فترة من الزمن أنك لم تمت، فلديك استطاعة بفضل الله عز وجل ثم بفضل إيمانك بنفسك أن تقيم حياتك على أساس جديد.
15- وأخيرًا، وأولاً، ودائمًا، واجه مخاوفك بالتواصل مع الله، فهو سبحانه قادر على كل شيء.

ربما يمكننا أن نستخلص أن الخوف، هذا الشعور الطبيعي يحتاج منا فقط إلى التعامل والتعايش معه، فيجب ألا يسبب لنا الذعر والهلع، وإنما يجب أن نتعامل معه بكل هدوء وإدراك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق