السبت، 4 أبريل 2015

كيف ندير خلافاتنا ؟

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٥ أبريل ٢٠١٥

بقلم: د. ذكريا خنجي

نعرف جميعًا أنه لا مفر من وقوع خلافات في حياتنا اليومية، وسواء كنا نتحدث عن المنزل أو العمل أو حتى مع أي كان في حياتنا، فالخلافات أمر حتمي تمامًا، ليس ذلك فحسب وإنما الخلاف والخلافات قضية مهمة للإنسان كأهمية الطقس للطيار والدم للجراح؛ فالنجاح في كلتا الحالتين لا يقاس بمدى براعة كل منهما في التجنب التام للعراقيل، الأمر الذي لن يحدث حتى إن حاولوا، وإنما بقدرتهم على الهبوط الآمن بالطائرة وتحقيق الشفاء للمريض.
ويعد الخلاف الذي ينتج بسبب «أن ينهج كل شخص طريقًا مغايرًا للآخر في حاله أو في قوله» جزء من طبائع البشر منذ القديم، وقصة ابني آدم عليه السلام دليل على أن الخلاف قد يوقع الحقد والضغينة حتى بين الأخوين من أب واحد.
وتحدث الخلافات بين طرفين بسبب وجود أهداف يعتقد كل منهما أنها هي الأصح، وهذه الأهداف قد تكون نتيجة لحقائق موضوعية، أو قيم فردية، أو حتى وجهات نظر، وينشأ الخلاف من التعارض في وجهات النظر، وقد يتفاقم الخلاف لأشكال غير مرغوبة من العداء أو العنف، بينما ينتفي الخلاف عندما ترضى الجهات المشتركة إما بربح أو خسارة وهذا ما يحصل غالبًا إلا إذا شاء الطرفان أن يستمر الخلاف، شريطة أن تكون الأطراف الراغبة في الحل تتمتع بعدد من المهارات والاستراتيجيات التي تمكنها من حسم هذا الخلاف.
وتشير بعض أدبيات الإدارة والتنمية البشرية إلى أن الخلافات التي تقع داخل المؤسسات أو بين الدول أو الأفراد تتمايز بحسب شدتها ودرجة ظهورها وردود الأفعال من الأطراف، فمثلاً قسمها بعضهم إلى نوعين؛ أولهما: خلاف التنوع، وهو خلاف يقود الى النجاح وليس الى الفشل، فهو يثري العمل ويقود الى التنمية فهو يتفق في الأسس والأهداف ويختلف في الرؤى والحلول، فهو يرتكز إلى إيجاد أكثر من طريقة لحل المشكلة الواحدة، وهذا ما أسميناه سابقًا «الاختلاف»، وثانيهما: خلاف التضاد أو التعارض وهو يعني تعارضا في المنهج والهدف ووجهات النظر بما يقود الى نتائج متعارضة، وبالتالي يمكننا اعتباره خلافا هداما يقود الى الفشل. كما قسمها بعضهم إلى أنواع بحسب أحوال الخلاف، وهي الخلاف الخفي؛ وأسبابه عديدة منها الغيرة والحسد والخوف على الرزق، وكذلك الخلاف الملاحظ؛ ويحدث حينما يدرك أحد الأطراف الداخلة في النزاع الخلاف الخفي لدى الطرف الآخر وينشأ من أجله خلاف محسوس، وعند هذه الدرجة يتحول الخلاف الى ما يسمى «الخلاف المحسوس»؛ والفرق بينه وبين سابقه هو كما الفرق بين رؤية الشيء والشعور به، وفي هذه المرحلة من الخلاف يمكن لطرف ثالث لم يدخل في الخلاف أن يلاحظ أن هناك نزاعا بين أطراف الخلاف. ويضاف إلى ما سبق وبحسب طبيعة الخلاف ما يعرف بـ«الخلاف الجلي» أو الظاهر؛ وهو الذي منه تظهر آثار الخلاف جلية إما بمشاعر متبادلة أو بأقوال حادة أو حتى بأعمال لا مسئولة.
ويشير الكاتب (هاريسون مونارث) في كتابه (هالة القائد، كيف تكسب احترام الآخرين كالمديرين التنفيذيين؟) إلى عدة أساليب لحل الخلافات، وسنحاول أن نورد بعضًا من تلك الأساليب.

1- الإصغاء الإيجابي: ويقصد بالإصغاء الإيجابي الإنصات الممعن لكلا الطرفين من دون تحيز أو خضوع لأي مؤثرات عاطفية؛ تمامًا كما يستمع القاضي إلى المحامين بينما يقدم كل منهم حججه وبراهينه. فالأمر أسهل بكثير حين تكون مديرًا يلعب دور الوسيط لفض النزاع القائم بين اثنين من الموظفين على ألا تكون أحد طرفي النزاع، وبالتالي يمتد مفهوم الإصغاء في هذا السياق إلى ما هو أعمق من مجرد التركيز على الكلمات المنطوقة، وإنما السعي الحثيث وراء استخلاص الرسائل التي تعكسها تعبيرات الوجه ولغة الجسد، فهي تحمل بين طياتها الكثير من المعاني.
2- فصل الأوضاع المحيطة عن الخلافات: حين يبلغ الصراع أوجه، أحيانًا ما يذوب الخيط الرفيع الذي يفصل بين الأوضاع والخلافات. نضرب مثلاً على ذلك محاولة أحد الموظفين الحصول على إجازة قصيرة. فالخلاف هنا يرجع إلى سياسة الشركة وقوانينها بينما يشير الوضع إلى أن هذا الموظف قد عمل في وقت سابق ساعات عمل إضافية كثيرة من دون أن يتلقى أي تعويضات نظيرها، وبالتالي لا يسهم التركيز على الخلاف فقط من دون وضع أي اعتبارات للأوضاع والظروف المحيطة إلا في خلق نوع من التحيز الذي يعوق عملية الوصول إلى حل مرضٍ لكلا الطرفين. لذلك، ابدأ بالنظر في الخلاف القائم أولاً ثم ادرس الظروف والملابسات المحيطة في السياق ذاته.
3- التفهم والتحقق: باعتبارك مديرًا منوطا بك فض النزاع، فلا بد أن تتسع مداركك بحيث لا يُختزل دورك في تفهم الأوضاع المحيطة بطرفي النزاع فقط، وإنما التحقق وإثبات صحة ادعاء كل منهما. لا يعني ذلك بالضرورة أن توافق على كلا الادعاءين، ولكن تضع نفسك مكان الطرفين حتى يتسنى لك تفهم وجهتي النظر.
4- التعاطف: من بين العديد من الآليات التي أثبتت فعاليتها في فض النزاعات وحل الخلافات، يتربع التعاطف على عرش القائمة، فالتعاطف في مضمونه يعني أن تضع نفسك مكان طرفي النزاع، متجردًا من أي انحيازات أو تفضيلات شخصية، أو إن كنت أنت أحد الأطراف تضع نفسك مكان خصمك. حاول أن ترى الموضوع من منظور الآخرين وربما تجد الخلاف قد اتخذ منعطفًا جديدًا.
5- التحكم في السلوكيات ورسم التوقعات: يتوقع الآخرون منك- باعتبارك مديرًا ووسيطًا - أن تتحكم في سلوكيات الأفراد وترسم معالم التوقعات والنتائج المنتظرة. فإن ضاعت معالم هذه الأشياء في خضم المناقشة، فدورك هو إزالة الغبار عنها وتذكير الطرفين بها من وقت إلى آخر.
6- اللباقة: قد لا يكون تبني هذه السمة بالأمر اليسير؛ فربما يخرج أحد الطرفين أو كلاهما عن السياق منذ الوهلة الأولى. احرص على ألا تنجرف عاطفيًا أو تمرِّر شعورًا بالإهانة أو الازدراء لأي الطرفين أو لآرائهما ولو بقدر ضئيل حتى إن بدا الأمر كما لو أنهما قد أتيا من كوكب آخر.
7- البحث عن بدائل: نادرًا ما يقبل طرفا النزاع أن يتنازل أيٌّ منهما عن رأيه ويأبيا حتى أن ينظرا إلى الأمور بشكل مختلف، على الأقل في بادئ الأمر. وهذا هو دورك كمدير ووسيط أيضًا أن تساعدهما في تغيير رؤيتهما وذلك بطرح حلول وتقديم رؤى بديلة. اطرح بعض الأسئلة ذات النهايات المفتوحة من قبيل: «كيف سيكون تصرفك لو عكسنا هذه السياسة؟» يتطلب هذا النوع من الأسئلة قدرًا من التأمل والتمحيص، فإذا استطعت أن تتجه بهم نحو البحث عن بدائل، بالتأكيد سينتهي بهم الأمر راضخين إلى إحداها.
8- صيغة المتكلم: إذا كنت أحد طرفي النزاع، فمن الأفضل أن تستخدم صيغة المتكلم بدلاً من العبارات الواهية التي من السهل أن تفهم بشكل خاطئ، فحين تقول على سبيل المثال: «لقد انتابني شعور بالغضب لما قلته عني»، سيتقبل الطرف الآخر انتقادك له عما إذا قلت: «كل ما قلته بشأني ليس له أساس من الصحة».
9- فن التملق: قد يكون لهذه الكلمة وقع سلبي للوهلة الأولى، ولكنك إن استطعت أن تجد ما تصف به الطرف الثاني من سمات وأشياء إيجابية حتى إن بلغ النزاع ذروته، سيغلب عليه شعور بالارتياح ومن ثم تخرج كل ما في جعبتك بخصوص الموضوع محل النقاش من دون أن تجد أدنى مقاومة من جانبه، فهذا النوع من التملق ينفي احتمالات مهاجمتك لشخص الطرف الثاني أو تقليلك من شأنه، ويعكس اعتراضك على بعض الأقوال أو الأفعال التي صدرت عنه فقط.
10- مهاجمة الخلافات، لا الأفراد: أحيانًا ما تكون بعض الخلافات مجرد توابع أو مخلفات لمشاكل أخرى، أو بقايا نزاعات منصرمة وخلافات شخصية، فبمجرد أن تشم رائحة التضليل تنتشر بين طيات المناقشة، كإقحام بعض الآراء أو القضايا التي لا تمت بصلة للموضوع لمجرد التشويش على الموضوع الحالي مثل: «أنت دائمًا ما تمنح لنفسك الأولوية في مثل هذه المواقف»، تأكد على الفور أن هذا الخلاف قائم على اعتبارات شخصية ليس أكثر.

والآن يمكنك كزوج أو أب أو أيًا ما كنت تجد نفسك أن تفكر بالنقاط العشر السابقة، ويمكنك أن تعكسها على نفسك، فهل يمكن أن تجد فيها ضالتك لحل خلافاتك؟

عمومًا، ما ذكر جزء عام من مهارات إدارة الخلاف، وفي كتب الإدارة والتنمية البشرية الكثير من المهارات لحل الخلاف بين الأفراد، ويمكن أن نتطرق إليها يومًا حتى يكتمل حديثنا في موضوع التنمية البشرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق