السبت، 21 يونيو 2014

أخلاقيات العمل والجوانب الإنسانية

 

 تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٢ يونيو ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

من غير المعقول أن يتحكم في العلاقات البشرية في بيئة العمل الواجبات والحقوق والأنظمة فقط، ففي العمل وبين زملاء العمل يقضي الإنسان جلّ وقته، فهو يخالطهم ويحادثهم ويمازحهم، وربما يحدث سوء تفاهم أو علاقات إيجابية وودّ قد يؤدي الى ارتباط أبدي بالزواج أو الصداقة الدائمة.
ذات يوم ساقتني الأقدار لحلّ مشكلة أحد الموظفين المالية والأسرية بأن أقوم بتحويله من وظيفة إلى أخرى، حيث ان الوظيفة الثانية ستمكنه من أن يجني بعض المال الإضافي من ساعات العمل الإضافية وما إلى ذلك، ولكن عندما علم مديري بذلك نهرني قائلاً: لسنا الشئون الاجتماعية حتى نحل مشاكل الموظفين، نحن في عمل من يريد أن يستمر فليستمر، ومن لديه مشكلة يقوم هو بنفسه بحلها.
ربما هذه العلاقات الايجابية بين الموظفين في بيئة العمل تذكرنا بالآية الكريمة التي وردت في سورة آل عمران – الآية 159 حيث يقول تعالى لرسولنا الكريم «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الامْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ»، فإن كان التقيد بالأنظمة واللوائح مطلوبا في الكثير من الأوقات فإن الرحمة مطلوبة دائمًا وفي كل زمان وفي كل مكان، فلا يمكن أن تسود علاقة بين أناس يعملون ويقضون الكثير من الساعات مع بعضهم البعض بالمسطرة والقلم، وإنما يجب أن يتخلل تلك الأوقات الجوانب الإنسانية والعلاقات البشرية، حتى تقلّ المشاكل والشحناء.
ولسنا نرغب في تحويل الناس إلى ملائكة، ولا نتكلم عن مثاليات، ولكن لو استطعنا أن نضفي على أوقاتنا في العمل بعض اللمسات الإنسانية لانخفضت نسبة ضغوط العمل وارتفعت نسبة الرضا الوظيفي وبالتالي ربما تقل أمراض ضغط الدم والقلب وأمراض الشقيقة وما يتبع ذلك من أمراض نفسية واجتماعية، وأصبح الموظفون بدلاً من أن يتداولوا فيما بينهم النكات والسخريات حول الذهاب إلى العمل وانتهاء الإجازات عبر وسائل التواصل الاجتماعي كل نهاية أسبوع، فإنهم سوف يذهبون إلى العمل بإيجابية وبرغبة في إثبات وتحقيق الذات، وهذا هو قمة الاحتياجات البشرية في هرم ماسلو أو في أي نظرية للاحتياجات البشرية.
ولكن كيف نمد الجسور البشرية بين الموظفين؟ كيف ننشر الحب والصداقة بين المتخاصمين؟ كيف نجعل من بيئة العمل المليئة ربما ببعض الأنواع من الحسد وسوء الظن وسوء التفاهم إلى بيئة يسودها الود والحب والتفاهم وتغلف بالرحمة؟ وبالمعنى العلمي كيف نبني العلاقات الإيجابية بين زملاء العمل؟

عشرون صفة لبناء العلاقات الإيجابية مع زملاء العمل:
1ـ بادر بالسلام والتحية: التحية في ذاتها مصدر حياه يحييه فهي تحية، ومعناه في اللغة: الدعاء بالحياة، فيقال: حياك الله، أي أبقاك. والتحية الأعم هي إهداء السلام، وغدت في الإسلام فعلا يثاب فاعلها، وأصبحت من حقوق المسلم على أخيه، فتحولت هذه التحية من عادة إلى عبادة، ومن كلمة مجردة تقال إلى مشاعر تنتقل ما بين الناس، هذه المشاعر تنقل رسائل الحب والسلام بين الناس، لذلك يقول صلى الله عليه وسلم (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا. ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم، كما يقول عليه أفضل الصلاة والتسليم في رواية لأبي داوود (إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه). إذن ببساطة فإن فعل إلقاء التحية والسلام يؤدي إلى نشر الحب بين الناس.
2ـ ابتسم: لا يمكن في هذه الجزئية من مقال أن نتكلم عن الفوائد العلمية والنفسية للابتسامة سواء للمبتسم نفسه أو للمبتسم له، فببساطة يقول الأطباء تفيد الابتسامة في إرخاء العضلات وإبطاء إيقاع النبض القلبي وخفض التوتر الشرياني، ولقد بدأ العلماء في استخدام الابتسامة كأساس لاستراتيجية علاجية حقيقية، تقوم على استخدام تقنيات الاسترخاء واليوجا من خلال تعلم منكسات تنفسية وتمارين خاصة. ويقول صلى الله عليه وسلم (وتبسمك في وجه أخيك صدقة)، وفي حديث آخر (لا تحقرنّ من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق).
3ـ تعرف على اهتمامات زملائك الحالية والمستقبلية: نعيش مع زملاء العمل الجزء الأكبر من اليوم، إذن أليس من المستحسن أن نتعارف على بعض ليعرف رغباتي واهتماماتي وكذلك أعرف أنا ما اهتمامــات هذا الإنسان الذي أقضي جزءا من وقتي معه؟ أليس من الجميل أن أتعرف على أحلامه وطموحاته؟ ألا يخلق ذلك بيننا مودة وإنسانية؟
4ـ أعرف ظروفهم: التعرف على ظروف زميلك الاجتماعية والحياتية، فلربما احتاج منك يومًا أن تقف معه موقفا إنسانيا يصعب عليه هو تجاوزه بنفسه، فهل ستتخلى عنه؟ لا نحتاج أن نعرف أسرار الآخرين، ولكن على الأقل أن نعرف ظروفهم وحاجياتهم.
5ـ التوصل إلى نقاط مشتركة أثناء الحوار: عندما نتحاور من أجل الوصول إلى حلول معينة يمكننا أولاً أن نبحث عن نقاط مشتركة لكي نتفق عليها، وعليها نعمل، وبعد ذلك يمكن أن نتحاور في نقاط الاختلاف بحثًا عن نقاط مشتركة للاتفاق.
6ـ حاول أن تتعلم من زملائك: التعلم الإيجابي أمر ضروري، فلم يولد أحدنا وبين أصابعه قلم وورقة، فكلنا بدأنا نتعلم الحرف والكلمة والجملة، بل نظل طوال حياتنا نتعلم وربما من أصغر أبنائنا، لذلك ليس عيبًا أن تتعلم من زميل العمل، والأجمل إن تعلمت منه فعلاً أن تعيد له الفضل في عملية التعلم أي يمكنك يومًا أن تقول إنني تتلمذت في هذا الأمر على يد فلان.
7ـ تواضع: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر: يَا أَيُّهَا النَّاسُ تَوَاضَعُوا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ، فَهُوَ فِي نَفْسِهِ صَغِيرٌ، وَفِي أَعْيُنِ النَّاسِ عَظِيمٌ، وَمَنْ تَكَبَّرَ وَضَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَهُوَ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ صَغِيرٌ، وَفِي نَفْسِهِ كَبِيرٌ، وَحَتَّى لَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِمْ مِنْ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ». فما أجمل أن تتواضع لزملائك في العمل حتى وإن كنت مسئولاً عنهم، حتى وإن كنت تمتلك شهادة عليا لم يتمكن أحدهم من الوصول إليها، لأنك ستبقى الأعلى حينئذ.
8ـ اعكس الأدوار: عندما يحتدم الصراع بينك وبين زميلك وكل واحد منكما لا يقر بخطئه، اعكس الأدوار، ضع نفسك مكانه، وقس على ذلك، عندئذ يمكنك أن تتعرف على المخطئ.
9ـ كن متعاونًا معهم: حاول أن تقدم يد العون لكل من يحتاج إليك ولكن من غير استغلال لقدراتك ومساعدتك، كن فطنًا.
10ـ ابتعد عن التكلف بالكلام والتصرف: لا تتصرف وكأنك عبقري زمانك، أو وكأنك أجمل من خُلق على الأرض، ولا تتكلم من طرف أنفك ومن نفس عفنة.
11ـ لا تحاول ادعاء ما ليس فيك: فالجميع يعرفك، فلا تدعي أنك تملك أموال قارون وأنت لا تمتلك إلا راتبك، ولا تدعي ما ليس فيك أو لا تملك، فالكل يعرف ولكن الكل يمكن أن يضحك عليك وأن لا تعرف، كن متواضعًا حتى وإن كنت تملك أموال قارون.
12ـ ابتعد عن الثرثرة: في بيئة العمل هناك أمران يشغل المرء وقته بهما: الثرثرة والأكل، واليوم تحولت الثرثرة إلى ثرثرة إلكترونية عبر الواتساب وخلافه، ألا يمكن أن نتخلص من الثرثرة لأنها تخلق الكثير من المشاكل بين زملاء العمل؟
13ـ شاركهم أفراحهم وأحزانهم: جميل أن تلبي دعوات الأفراح التي تقام لزملاء وأبناء زملاء العمل، حفلات زواج وما شابه ذلك، وكذلك من الجميل أيضًا أن نتشارك في الأحزان، وربما الإنسان يحتاج إلى أن يشعر بقرب زملائه في الأحزان أكثر من الأفراح.
14ـ موازنة العاطفة مع العقل: وخاصة أثناء الغضب أو أثناء الحب الجارف، فلا تتخذ أي القرار وأنت غضبان أو أنت في حالة حب جارف، فلا يمكن أن يكون قرارك صائبًا مهما حاولت أن تكون موضوعيًا، حيث يمكن بعد ذلك أن تندم.
15ـ العمل نحو تحقيق التفاهم المشترك: من المريح أن نتفاهم مع زملاء العمل، على أن تكون هذه الرغبة مشتركة بين الطرفين، فليس من المعقول أن يتحرك أحدهم في سبيل التفاهم والآخر لا يرغب في ذلك، وعند وجود صلة بين الطرفين ونصل كلانا إلى منطقة للتفاهم علينا أن نعمل بصورة مشتركة في هذه المساحة، ويمكننا أن نترك النقاط التي لم نتوصل فيها إلى نقاط التفاهم للمرحلة القادمة.
16ـ بناء اتصالات جيدة وقوية: بين زملاء العمل وفي بيئة العمل دائمًا يجب أن يكون هناك وسيلة للتواصل الفعال، فالاتصال صفة موجودة بين الكائنات فلماذا لا نستغلها للوصل إلى جسور مشتركة ؟
17ـ كن جديرًا بأن يعتمد عليك: عندما يحتاج زميل عمل الى مساعدة مني لا أبخل ولا أحجم، وإنما أمد يد العون، على الأقل من أجل أن يساعدني في يوم ما عندما أحتاج إلى مساعدة.
18ـ استخدام الإقناع بدلاً من الإكراه: أثناء النقاش والحوار وحتى أثناء الدوام الاعتيادي يمكننا أن نتواصل بالحوار والكلام، فلا تفرض رأيك عليّ ولا أفرض رأيي عليك، فلكل منا عقل يفكر، فلا أنا أعلم منك ولا أنت أعلم مني، تتعلم مني وأتعلم منك، وهكذا يمكن أن تستمر العلاقة.
19ـ تعلم قبول الآخر: في بيئة العمل هناك العشرات من الأفراد، ولا يوجد أحدهم يشبه الآخر، وكلنا نختلف في الآراء والأفكار والسمات، وهناك فروق فردية بين الأفراد، ولكن هذا لا يعني أبدًا أن نكره بعضنا البعض، فالاختلاف مطلوب وبالتالي قبول الآخر مطلوب، فإن لم نقبل بعضنا البعض على اختلافاتنا فهل يمكننا أن نكون كلنا على صورة واحدة؟
20ـ لا تحسد: لا يمكن أن ننكر وجود الحسد في بيئة العمل، ولكن يجب أن يكون معلومًا أن الحسد يولد البغض والكراهية بين الأفراد، لذلك حاول أن تتخلص من هذه السمة السلبية، حتى تعيش نفسك في ايجابية وسلام.

الخلاصة، لو استطعنا أن نتحكم في علاقتنا الإنسانية في بيئة العمل من خلال هذه الصفات العشرين لأمكننا أن نتجاوز الكثير من المظاهر السلبية التي تحدث في بيئة العمل، وأن نحول بيئة العمل إلى صورتها الايجابية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق