الأحد، 1 يونيو 2014

حينما يوسد الأمر إلى غير أهله!

 

  تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١ يونيو ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

يوسد بمعنى يكلف بأمر أو ينصب لمهمة أو يوكل أو يوظف في وظيفة ما.
عندما يرد في ذهني هذا الموضوع أتذكر - دائمًا - قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: إِنَّ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنِينَ خَدَّاعَةً، يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيَتَكَلَّمُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ. أخرجه أحمد.
والرويبضة هم - كما أشار علماء اللغة - الذين يتصدرون المجالس، بل وأحيانًا المناصب والولايات فيتكلمون ويتصرفون في أمور الناس من دون اثارة من علم، فقد صارت الصدارة لهؤلاء المتفيهقين والمتشدقين الذين يحملون الناس على فتاوى شاذة وغريبة.
وفي زمن الرويبضة تجد الأصاغر هم الذين يتصدون للتعليم والفتوى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم «إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر» رواه الطبراني.
وبناء على ذلك نجد أنفسنا في هذا الزمن، وإن لم يكن كذلك فنحن في زمن أوشك أن يوسد فيه الروبيضة، أو المتفيهقين أو ببساطة الذين لا مؤهل لهم إلا أنهم من القبيلة أو الطائفة أو الجماعة الفلانية، وبذلك توزع المناصب والوظائف على هذه الأسس.
قال لي أحدهم ذات يوم:
تقدمت إلى وظيفة في واحدة من المؤسسات الموجودة في البلاد وذلك من خلال إعلان منشور في الجريدة بوجود وظيفة شاغرة، حيث وجدت أن كل المواصفات المطلوبة تنطبق علي.
يقول: في اليوم الموعد أخذت أوراقي المطلوبة وذهبت، وأرشدتني السكرتيرة إلى غرفة الانتظار، فجلست لمدة تزيد على الساعة وأنا انتظر أن تأتي السكرتيرة وتأذن لي بالدخول وإجراء اللقاء.
يضيف: وأنا في حالة القلق والانتظار، إذ تفاجأت أن السكرتيرة قفزت من كرسيها ووقفت، وإذ بأحد الشباب - في مثل سني - يأتي من الخارج مباشرة، فتبتسم السكرتيرة له وتفتح له غرفة المدير المسئول عن التوظيف، ويدخل.
يواصل الشاب ويقول: لم أعر الموضوع أي انتباه، فالموضوع لا يهمني، ولكن كلها عدة دقائق، خرج الشاب وتبعه المدير المسئول وهو يصافحه وابتسامته كادت أن تمزق وجهه ويقول: «بلغ تحياتي لوالدك وقل له أنه تم توظيفك منذ الأمس»، فغادر الشاب، ثم عاد المدير المسئول وهو يقول للسكرتيرة: «لقد أشغلت الوظيفة، اعتذري لكل الذين تقدموا لها» ثم دخل غرفته وأغلق الباب.
ذهبت إلى السكرتيرة استفسر عن الموضوع فقالت: لقد شغل ذلك الشاب الوظيفة. فسألتها من يكون؟، فقالت لي اسمه، فاستغربت حيث إني أعرف ذلك الشاب فقد كان معي في المدرسة، وكان ضعيف دراسيًا، ولقد فشل لسنوات عن النجاح، ولكن بسبب النجاح الآلي كان يتم ترفيعه حتى تخرج بنسبة ضعيفة، ولكنه على الرغم من ذلك ابتعث لأنه «ابن فلان» وكذلك رسب وعاد إلى البلاد، ثم ابتعث للمرة الثانية وكذلك لم يواصل وعاد الى البلاد، ومن محاسن الصدف أني قابلته منذ أيام، وعندما سألته عن حاله أفاد بأنه لم يتمكن من مواصلة الدراسة، وأنه لا يرغب في مواصلة الدراسة.
يقول الشاب: وأنا تخرجت وذهبت إلى الجامعة بجهدي وتخرجت، وها أنا ذا أتواجه مع «ابن فلان» ويأخذ هو الوظيفة وأعود أنا إلى البيت. أ. هـ.
ويتسلم ذلك الشاب الوظيفة وكل مؤهلاته أنه «ابن فلان».
وشابة تتسلم وظيفة وكل مؤهلاتها أنها «جميلة»، وجمالها أذهل المسئول فتم توظيفها، والأخرى لأن جمالها عادي جلست في البيت.
والثالث لأنه ينتمي إلى العائلة الفلانية يجد أفضل الأعمال، والرابع لأنه ينتمي إلى الجهة الفلانية يتوظف ويرتقي على السلم الوظيفي أما الآخر فلأنه لا ينتمي إلى أحد فإنه يتدحرج إلى الأسفل بسبب سخط المسئول الفلاني حيث لا ينتمي إلى جهة معينة.
وآخرون أحيلوا الى التقاعد بسبب أنهم لا ينتمون إلى عائلة المسؤول الفلاني الذي وجد أن أفراد عائلته هم - فقط - الذين يستحقون الوظيفة.
وفلان يؤتى به وهو لم ينته من دراسته بعد وينصب في وظيفة، فقط بسبب أنه تم تزكيته عند فلان المسؤول، وفلان ينصب في وظيفة عالية وهو لم يتدرج في الوظائف ولا حتى المناصب، ولم يكن في يوم من الأيام - حتى - رئيس فريق عمل.
حتى الإدارات والأقسام داخل المؤسسات توزع بحسب الأهواء والانتماءات، فذاك يحبه المسؤول لأنه يقوم بخدمته فيتحول بقدرة قادر إلى رئيس قسم، والآخر لأنه يمسح الأحذية، والثالث لأنه يفتح الأبواب للمسؤول عندما يأتي من الخارج يمكن أن يصبح مسؤول كبير في الدولة بلمحة بصر، وأنت تقف تراوح في مكانك بسبب أثقال الكرامة التي تحملها بين جنبيك، وتسأل نفسك: كيف؟ ولماذا؟
واليوم دخلت علينا موضة جديدة فإن كنت من الجماعة الفلانية فإن ذلك كفيل أن ينقلك من موظف عادي إلى درجة مسؤول في المؤسسة الفلانية، تصور!
هذا يعني أنك اليوم لا تحتاج إلى مؤهل كبير أو جهد أو خبرة، كل الذي تحتاجه هو انتماؤك وولاؤك، ليس الى الوطن وإنما الى الجماعة أو الفئة أو تحمل لقب أسرتك، عجبي.
قصص وحكايات كثيرة لا حدود لها، وأنا على يقين أن كل من يقرأ هذا المقال يمكنه أن يتذكر قصة أو حكاية جرت أمامه أو سمعها من أحد، أو ربما جرت لابنه فقط لأنه مواطن، ومواطن عادي، لا يجر وراء اسمه لقبا أو جماعة تحميه وتدافع عنه.
والغريب أن الدول اليوم تقول إنها دولة مؤسسات وقانون، وانها خلال السنوات القادمة ستقوم بتطبيق استراتيجيات وبرامج للجودة والتميز والأيزو وكلام كبير في وسائل الإعلام المختلفة، ثم يأتي المطبلون من الإعلاميين وغيرهم ليثنوا على كلام المسؤول الفلاني وتفتح الصفحات وتقام الندوات لمناقشة الخطط والبرامج المستقبلية، وفي واقع الحال أن البنية الدولة التحتية غير سليمة فكيف يقام بنيان من غير أسس؟
والأغرب من ذلك أن هذه المحسوبيات غير مستشرية فقط في المؤسسات الحكومية، وإنما تجدها حتى في المؤسسات الخاصة والشركات وما إلى ذلك.
والأكثر غرابة أن هذه الآفة مستشرية حتى في جمعيات النفع التي تقام بها الانتخابات.
فالعائلة الفلانية أو المجموعة الفلانية تتكتل ضد الطرف الآخر حتى لا تتيح لهم الفرصة لدخول مجلس الإدارة، وذلك حتى لا ينافسوهم فيه!
قالت لي أحداهن، وهي تنتمي إلى جمعية من جمعيات النفع العام النسائية: عندما رغبنا كعضوات مجلس إدارة في توظيف رجل حتى يقوم ببعض المهام وخاصة في الفترة الصباحية حيث نكون كلنا في أعمالنا نظير راتب شهري، اقترحت رئيسة المجلس أن نوظف زوجها المتقاعد، فوافقنا كلنا من غير تردد لأنه متقاعد ونعرفه وزوجته، وسيسهم بكل الطرق لإنجاز أعمال الجمعية، على الأقل لإرضاء زوجته. فتم توظيفه، وبعد سنتين وجدنا أن رئيسة مجلس الإدارة قد قامت وفي غفلة منا بتوظيف كل أفراد عائلتها، أليس في ذلك فساد إداري؟
وهذا هو واقع الحال أيها السادة، فنحن اليوم نتكلم من غير أن نشعر بفساد إداري مستشرٍ في المنظومة العامة للدول الفقيرة والغنية على حد سواء، الدول الراقية والدول المتخلفة، الدول الديمقراطية أو الدول التي تتبجح بالديمقراطية، آفة لم يسلم منها أحد.
لذلك نعود الى الحديث النبوي الشريف، ويمكننا أن نقول إننا نعيش أو نقترب أن نعيش في زمن الرويبضة، فلنعيد حساباتنا مرة أخرى ولنعرف إلى أين نحن سائرون، ففي مثل هذه الأوضاع لا تنفع استراتيجية أو خطط أو برامج التميز أو الأيزو، وذلك بسبب أننا نقيم بنياننا في الهواء أو بسبب أننا نحرث في البحر ونريد أن نزرع فيه القمح، فهل ينفع ذلك؟
أترك الإجابة لكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق