الجمعة، 20 يونيو 2014

التلوث الاستهلاكي في رمضان

 

نشر في جريدة أخبار الخليج بتاريخ 8 فبراير 1994

بقلم: الدكتور زكريا خنجي

فجأة ومن غير مقدمات تحول كل شيء، أصبح حديث الناس لا يستساغ إلا عندما تفوح منه رائحة الثوم والبهارات وماء الورد، تحولت الإعلانات التجارية في الصحف والمجلات وحتى في التلفزيون وربما جميع وسائل الإعلام إلى إعلانات عن أجود أنواع الطعام الفاخر، عن الجيلي والكاسترد والأنواع المختلفة من الحليب، والرز الذي لا يأكله إلا علية القوم، ناهيك عن اللحوم والعصائر الطبيعية الطازجة والتي لم تعرف من الطبيعة شيء، والكريمات والأنواع التي لا تضاهى من الكعك والحلويات، وكل ما لذ وطاب من الغذاء، وكأن الناس سيتحولون إلى أفواه ليس لها هم إلا التهام الطعام التهامًا، أو كأن البشر مقبلون على سبع سنوات عجاف.

وفجأة ومن غير مقدمات أيضًا إلا بتأثير من وسائل الاعلام المختلفة هرع الناس وركضوا إلى الأسواق ركضًا، ذهبوا خفافًا ورجعوا ثقالاً محملين بكل ما وجدوه في سوق الاستهلاك المحلي، كل ما يمت إلى شهر رمضان عن قريب أو بعيد وحتى في كثير من الأحيان حملوا معهم أغذية ليست ذات علاقة برمضان ولا حتى بالعيد ولا الشهور التي تلي هذه الأشهر أو تسبقها، المهم أنهم حولوا البيوت إلى مخازن للأغذية، التي قد تنفد خلال الشهر الكريم !

ومن جانب آخر أصبح هم الجهات المسئولة عن قطاع توفير الغذاء أن توفر كل ما يمكن توفيره من أنواع مختلفة من الغذاء خلال شهر رمضان، فالبيض متوفر خلال الشهر وكذلك اللحوم الحمراء والبيضاء وكل شيء، وما على المواطن إلا أن يصوم ولا يفكر في بطنه، ولكن – وللأسف – إن مثل هذه التصريحات تحولت إلى هاجس أخاف المواطنين من مغبة نفاد كميات الأغذية المطروحة في السوق، فتسابقوا إلى الأطعمة واستنفروا كافة طاقاتهم ليستحوذوا على كل ما تقع عليه الأيدي.

وهكذا نحن في كل سنة، نكدس الأغذية بمختلف أنواعها، نحول منازلنا إلى مستودعات ومخازن فتصبح مرتعًا – شئنًا ذلك أم أبينًا – للفئران والحشرات الضارة، ثم نشتكي بل ونولول من هذه الكائنات الضارة، وعندما ينتهي رمضان تنتهي أهمية الكثير من الأطعمة التي انفقنا عليها مئات الدنانير، فتصبح قمامة همنا أن نتخلص منها بشتى الطرق.

أيها السادة ما هكذا تورد الأبل، فليس الأفراط في الإسراف من سمات رمضان ولا رجالات رمضان، فالأجداد لم يعرفوا هذا التلوث الاستهلاكي بل ولم يقروه أبدًا والتاريخ يشهد على ذلك، ورمضان لم يخلق لتناول الطعام إن هو إلا شهر من شهور الله إن كان له فضل ففي روحانياته وميلاد الأمة الإسلامية وغير ذلك فإنه لا يختلف عن بقية الشهور، بل على العكس فإن هذه الأمة لم تخلق إلا في رمضان ولم يقم لها كيان إلا فيه ولم يثبت لها رجل إلا من خلال أيامه الكريمة.

فيا أيها السادة أتقوا الله في هذا الشهر وكفوا عن هذا التلوث الاستهلاكي الذي لا يضر إلا صاحبه، ولا تنسوا قول الله تعالى (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين). فلنكن صادقين مع أنفسنا ولنحاول أن نغير من هذا السلوك الاستهلاكي ولنقنن عملية شراء الأغذية، حتى وأن كان بالتدريج.

وهذه دعوة نقدمها للمواطنين نتمنى أن تتلقى آذان صاغية، حتى نتخلص – من خلال هذا الشهر الكريم – من أحد أنواع التلوث الذي يعاني منه خليجنا المعطاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق