الاثنين، 24 فبراير 2014

اختلف معك .. ولكني لا أكرهك

 

لنبدأ هذا المقال من حيث ما انتهينا في المقال السابق، وهي الجملة المأثورة "إن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية"، هذه الجملة نعيدها ونكررها كثيرًا بألسنتنا وأفواهنا، ولكن هل لامست شغاف قلوبنا وأفئدتنا ؟ في الحقيقة لا يمكن لأحد أن يجيب عن أحد في هذا الموضوع، فكل إنسان يتمتع بالقدرة الذهنية الكافية ليرد ويفند آراءه بنفسه.

ومرة أخرى نقول أن نختلف فهذا أمر طبيعي، وفي الحقيقة أن لا نختلف فإن هذا هو الأمر غير الطبيعي، نختلف في الآراء والأفكار والاطروحات ووجهات النظر، ولكننا في النهاية نشد على أيدي بعضنا البعض ونبتسم للآخر، لأني لا أكره الشخص ولا أكره آراءه وإنما لي وجهة نظر أخرى.

يروى عن فولتير قوله " أكره ما تقول، لكني سأدافع حتى الموت عن حقك في أن تقوله".

روى لي أحدهم ذات مرة أنه كان في زيارة للبرلمان أوروبي، يقول "عندما بدأ النقاش في واحدة من القضايا، كنت استمتع بأدب الحوار بين الطرفين، ولكن فجأة تحول الحوار الهادئ إلى نقاس ساخن جدًا وصراخ وكنت أعتقد أنه لو تمكن أحد المناقشين من الآخر لقتله، وكنت أقول في نفسي: أهذا هو البرود الإنجليزي الذي يقال عنه ؟ استمر هذا الصراخ حوالي ساعة، وبعدها ضرب الرئيس مطرقته إعلانًا ببدء فترة الاستراحة التي تمتد حوالي نصف ساعة، وبعدها يتم مواصلة الجلسة".

يقول هذا الشخص "خرجت مع الخارجين وذهبنا لتناول بعض الشاي والقهوة، وهناك رأت منظر أذهلني، رأيت الذين كانوا بالداخل وتحت القبة يتطاولون على بعضهم البعض بالصراخ والعويل يتضاحكون ويشربون الشاي مع بعض وكل شخص يقدم للآخر البسكويت والحلاوة، والذي أذهلني أكثر أن أحدهم دعا آخر لحفلة عيد ميلاد ابنته الليلة في منزله !!"

يقول: "وقفت لحظات، وأنا أحاول أن اربط بين ما حدث هناك بما يحدث هنا، ولكني لم أستطيع، كنت أعتقد أنهم في فترة الاستراحة سيتقاتلون ويتضاربون بالأحذية والأحزمة، ولكن لم يحدث أي شيء من ذلك، فقلت في نفسي أمر مذهل، ولكني أعتقد أنه فاتني شيء بالداخل وربما تصالحوا وانتهت المشكلة"، ويواصل "وبعد أن انتهت فترة الاستراحة عندنا إلى تحت القبة وإذا بالصراخ والعويل يعودان مرة أخرى وبين نفس الأشخاص".

يواصل هذا الأخ قوله "وعندما نقلت هذا الموقف وتساؤلاتي إلى أحد المرافقين، قال ببساطة: ماذا كنت تعتقد أن يتقاتلا بالأيدي ؟ طبعًا لا، نحن هنا نختلف تحت قبة البرلمان ولكل إنسان الحق في التعبير عن نفسه في حدود الأدب والاحترام المتبادل بين الجميع، وفي الخارج فإننا أحباب ولا نكره بعضنا البعض بسبب آرائنا، أنتم في عالمكم لا تعرفون كيف تختلفون".

وهذا في الحقيقة الذي يحدث في معظم الدول العربية إن لم نقل كلها، يصل بنا النقاش إلى درجة العناد والتعصب للرأي حتى وإن كانت كل الأدلة تشير إلى خطأ هذا الرأي، المهم – كما يقول صاحب الرأي – ن كلامي لا ينزل الأرض، على الرغم من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أنا زعيمٌ ببيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقاً"، والمراء هو درجة أعلى من الجدال، فهي المجادلة المبنية على الشك والريبة، وهو كثرة الملاحاة للشخص لبيان غلطه وافحامه، والباعث على ذلك الترفع، ويقول الجرجاني: (المراء: طعن في كلام الغير لإظهار خلل فيه، من غير أن يرتبط به غرض سوى تحقير الغير).

ويا ليت الأمر يصل إلى حد الجدال والمراء لهان الأمر وإنما في بعض الأحيان يتحول الأمر إلى فحش في الخصومة وفجر في الانتقام لمجرد الاختلاف في الرأي.

فلقد كنت شاهدًا على مدير في إحدى المؤسسات اختلف مع رئيس قسم، فتحول الأمر إلى بطش وانتقام شديدين استخدم فيها المدير كل الوسائل الإدارية الرسمية وغير الرسمية من أجل إخضاع رئيس القسم، وذلك لمجرد أن هذا الرئيس أبدى رأيه في قضية كانت مطروحة للنقاش.

ومرة أخرى تحول اختلاف الرأي بين أثنين من الإداريين في إحدى المؤسسات إلى صراع، وأصبح كل إداري همة الأول والوحيد أن يجمع حولة من الأنصار لمحاربة الشخص الثاني، فهل نحن في ساحة معركة أم في مؤسسة مهنية من المفروض أن يتعاون الجميع فيها لمصلحة المؤسسة والدولة ؟

أيها السادة، أن جميع الشرائع السماوية وكل المواثيق البشرية أعطت البشر حق التعبير عن الذات، ففي القرآن الكريم تسجيل للكثير من تلك المواقف التي حدثت في سالف الأزمان للتعبير عن النفس مثل الحوار الذي جرى بين الله سبحانه وتعالي وملائكته عندما أعلمهم أنه عازم على خلق بشر، ويصور لنا ذلك الحوار الرائع الذي جرى بين الله جلت قدرته والملائكة، فلم ينههم ولم يسكتهم ولكنه تعالى أعطاهم الفرصة الكاملة ليعبروا عن مخاوفهم، وكذلك ذلك الحوار الذي جرى بين الله تعالى وإبليس عليه لعنة الله عندما طلب منه تعالى أن يعطيه الفرصة إلى يوم القيامة ليتمكن من اغواء بني آدم، على الرغم من أن الله سبحانه وتعالى كان بإمكانه اسكاته بلحظة. فمن منا أفضل من الله ومن منا أسوء من إبليس ؟

وأما في الشرائع البشرية فإن المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الأمم المتحدة 1948 ينص على القول التالي: "لكل إنسان الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية".

دعونا نتحاور ونختلف ولكن في أفكارنا وأطروحاتنا ونوقفها عند هذا الحد، ولا نتركها تصل إلى حياتنا وعلاقاتنا، لماذا عندما نختلف في الآراء والأفكار يكره بعضنا البعض ؟ هل من حقك أن تعبر عن ذاتك وليس من حقي ذلك ؟

لماذا تقف المعارضة – دائمًا – ضد الحكومة، والحكومة ضد المعارضة وكأن كل منهما يريد القضاء على الآخر، لماذا مكتوب في منهج المعارضة أن الحكومة دائمًا على خطأ ؟ لماذا لا تحاول المعارضة أن تتفهم الحكومة وبالعكس حتى تصل السفينة إلى بر الأمان ؟

فليس من الحكمة أن نصنع خندقًا من الكراهية بيني وبينك من أجل التعبير عن الرأي والأفكار، بل على العكس فإن تحاورنا بنية الوصول إلى تقاطعات ايجابية بين رأيي ورأيك حتمًا سنصل إلى بعض من تلك التقاطعات، عندها لنتعاون معًا من أجل تحقيق تلك النقاط، ومن ثم لننتقل إلى النقاط الأخرى.

لكن يجب أن يكون معلومًا بالضرورة أن التعبير عن الرأي والاختلاف في طرح الأفكار لا يكون بقلة الأدب والاحترام، ولا يكون بالسباب والشتائم، وإنما يجب أن نترفع عن كل هذا المستوى في الحوار فالقاعدة الذهبية تقول "إن العقول الصغيرة تناقش الأشخاص، والعقول المتوسطة تناقش الأشياء، والعقول الكبيرة تناقش المبادئ" فاحترامك للأخرين هو احترام لنفسك أولاً فأنت لا تناقش هذا الشخص وتفنده هو ولكن الحوار والنقاش يكون في الأفكار والمبادئ، وعندما يتحقق ذلك فإننا فعلاً لا نكره الأشخاص، فأنت تناقش فكر الآخر لا تناقش حياته وشخصيته، لذلك فإنه لا وجود حينئذ للكراهية التي تأتي عندما نمس كرامة الأفراد وشخصياتهم.

الخلاصة: أن نناقش أفكار الناس وآرائهم وهذا حق لنا وله أيضًا، وأن لا نكرههم بسبب تلك الأفكار والآراء، فربما كنا ننظر إلى أفكاره من منظار آخر، فلنتخيل رقم (7) باللغة العربية أو (6) باللغة الإنجليزية فإن نظرت لها من فوق فإنها ستكون (8) وإن نظرت لها من تحت فإنها (7)، على الرغم من أن الرقم لم يتغير، وإنما تغير موقفك أنت من الرقم. لذلك ببساطة أطرح رأيك وناقش وهذا حقك ولكن لا تكره المخالفين لرأيك مهما كان خلافهم.

أخبار الخليج

2 أغسطس 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق