السبت، 30 أغسطس 2014

العمل ضمن الدقائق السبع

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٣١ أغسطس ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

قد أكون ضمن الكثيرين الذين يؤمنون أنه ينبغي للمرء أن يبدأ دائمًا بالعمل الأصعب وربما الذي لا نشعر بالرضا أو الرغبة في انجازه وبالتالي نتهرب منه، ربما أنا وغيري من الذين يؤمنون بهذا الأسلوب نفكر بطريقة أو بأخرى بأسلوب أكل أبشع «ضفدعة» تواجهك في اليوم، كما يشير إلى ذلك الباحث «برايان تريسي» في كتابه «ابدأ بالأهم ولو كان صعبًا.. التهم هذا الضفدع»، هذا الكتاب وإن كان صغيرًا في حجمه إلا أنه من الكتب العملية الذي يتحدث عن إدارة الوقت وكيفية الاستفادة منه، ولكن الذي يهمني في الكتاب هذه الفقرة التي يقول فيها المؤلف:
«يقال على مر السنين بأنه إذا كان أول شيء تفعله كل صباح هو أكل ضفدعة حية، فإنك ستكون راضيًا طوال اليوم لأنك تعرف أن هذا سيكون أسوأ شيء سيحدث لك طيلة النهار.
ضفدعتك هي واجبك الأكبر والأهم، وهي أكثر شيء تماطل به إذا لم تفعل شيئًا ما من أجله، وهي أيضًا المهمة التي لها الوقع الإيجابي العظيم على حياتك ونتائج اللحظة الراهنة.
ويقال أيضًا: إذا كان عليك أكل ضفدعتين فابدأ بالأبشع، وهناك قول آخر إنه إذا كان لديك واجبان مهمان، فابدأ بالأكبر، والأصعب والأهم أولاً. واضبط نفسك بأن تبدأ مباشرة وتتابع المهمة إلى أن تنهيها قبل أن تبدأ بالأخرى» وانتهى الاقتباس.
وقد يخالف آخرين هذا الرأي بحجة أن المرء يجب أن يبدأ أو يؤدي العمل الذي يرغب فيه، أما الأعمال الأخرى يمكن أن يتجنبها أو أن يفوضها لشخص آخر، ونحن من جانبنا نرى أن هذا المنطق يجانبه الصواب نوعًا ما، ولكن يبقى السؤال المهم: ماذا لو أجبرت أن تعمل هذا العمل الذي بين يديك؟ ماذا إن لم تجد من تفوض له العمل ورفض الزملاء تفويضك للعمل بحجة أنهم مشغولون؟ كيف ستتصرف؟
في واحدة من البرامج التدريبية التي أقدمها بين الفينة والأخرى في مواضيع الإدارة، قال لي أحد المتدربين: عندما غضب مسئولي عليّ وأراد أن يعاقبني حولني - أو نفاني كما قال الشاب - إلى قسم آخر يختلف تمامًا عن عملي السابق، نصحني زملائي الامتثال للأوامر حتى يهدأ المسئول وحينئذ سيتكلمون معه ويحاولون إرجاعي إلى عملي.
ذهبت إلى عملي الجديد وأنا مرغم على تنفيذ الأوامر، دخلت الغرفة فلم أجد إلا رجلا كبيرا في السن ربما تجاوز الستين من العمر (أبو عبد الله)، وكأن الدهر نساه هناك، رحب بي الرجل أحسن ترحيب، وأنا أتكلم معه على مضض، ثم جلس على مقعده الذي ينافسه في العمر وتلك الطاولة العتيقة.
جلسنا ساعات من غير أن أتكلم أو يتكلم هو، ومرّ اليوم الأول من غير أن أقوم بعمل أي شيء، واليوم الثاني والأسبوع الأول، ويبدو أن المسئول لم يشف غليله مني بعد.
وخلال تلك الفترات كنا أنا وأبو عبدالله نتبادل بعض الأحاديث من هنا وهناك، ولم يسألني قط، لماذا تم تحويلي إلى هنا، أو ما قصتي؟ ومن تلك الأسئلة الفضولية، ولكنه يبدو أنه رجل مرح يضحك ودائم الابتسامة، وكأن لا يكدر صفو حياته شيء.
وكانت الأعمال التي تحول إليه يقسمها إلى ثلاثة أقسام، الأول: ينجزها بسرعة ويعيدها في نفس الوقت تقريبًا، الثاني: كان ينظر إليها ويقلب الأوراق ويحاول خلال بضع دقائق أن يقرر ما أن ينجزها أم لا، فإن قرر أن ينجزها أنجزها ولكن يقوم بها على مضض، وفي النهاية يعيدها في أقرب وقت ممكن، الثالث: يقلبها أيضًا ولكن بعد دقائق معدودة يضعها في السلة التي بقربه على الطاولة، وبعد سويعات يعود إلى تلك الأوراق، فيحاول أن ينجزها وإلا فإنه يعيدها في نفس تلك السلة، ويكرر العمل مع هذه الأوراق حتى ينجزها كلها.
مرّ على وجودي مع أبو عبدالله قرابة ثمانية أشهر وهو على هذا الحال، ولأني من غير عمل، جلست أراقب سلوكه وقدراته في انجاز الأعمال حتى ضجرت من هذا التصرف الغريب، في اعتقادي.
فسألته ذات يوم عن طريقة توزيع الأوراق إلى ثلاث مجموعات وطريقة عمله، فتبسم العجوز، وقال: هل لاحظت ذلك، حقًا إنك شديد الملاحظة. ثم قال: اسمع يا ابني، أنا بالفعل أقسم الأعمال إلى ثلاث مجموعات، المجموعة الأول: أحب إنجازها لذلك أنجزها بسرعة وأعيدها اليهم، حتى يتأكدوا أني أقوم بعملي، أما المجموعتان الثانية والثالثة فهي أعمال لا أحب إنجازها، لذلك أقسمها كالتالي: أعطي لنفسي 7 دقائق للنظر وتنفيذ العمل في العمل المرسل كبداية للتنفيذ، وبعد الدقائق السبع إن وجدت نفسي أني استحسنت العمل أستمر فيه حتى أنجزه في النهاية، وهذه هي المجموعة الثانية من الأعمال، وإن وجدت نفسي بعد الدقائق السبع أني لا أرغب في تنفيذ هذا العمل أتركه في هذه السلة التي أمامي، وأتوجه إلى أداء عمل آخر أو ربما لشرب الشاي أو لأخذ استراحة قصيرة، وبعد أن أعود أحاول إتمام ذلك العمل الذي لم أرغب في إتمامه، وأعطي نفسي 7 دقائق أخرى لتنفيذ العمل، فإن شعرت برغبة في إتمامه أنجزته وإلا أرجعته في السلة مرة أخرى، وأتركه هناك حتى وقت لاحق، وهكذا.
يقول الشاب: وكان هذا من أجمل الدروس التي تعلمتها في حياتي من أبي عبدالله، ربما كان عقاب من المسئول ولكني تعلمت الدرس.
ونحن من خلال هذا المقال ننقل هذه التجربة للذين يجدون أنفسهم أمام مهمات لا يرغبون في أدائها، وضفدعة لا يرغبون في ابتلاعها، وعقبات يصعب عليهم اجتيازها.
العمل ضمن الدقائق السبع، فكرة أو نظرية أعجبتني، ولا أعرف - في الحقيقة - من أين تعلمها الشيخ أبو عبد الله ولكنها واقعية ومنطقية تمامًا، فالعمل - أيًا كان - إما أن نرغب في إنجازه أو نستثقله فلا نجد في أنفسنا رغبة في إتمامه، فالأولى سنتمها لأننا نحبها ونرغب في إنجازها، ولكن المشكلة في المجموعة الثانية التي لا نرغب في إتمامها، فما الذي يمكن أن نفعله حيالها، هل نقف مكتوفي اليد، أو أن نضع رؤوسنا بين أيدينا ونلطم؟ لا أعتقد أن أمورنا يجب أن تصل إلى هذا المستوى، لذلك وببساطة فإنه إن لم نرغب في هذا العمل فيمكن أن نمارس عليه فكرة الدقائق السبع، هي مجرد سبع دقائق فقط، ولكن بشرط ألا ننظر إلى الساعة، فإن النظر إلى الساعة أثناء أداء عمل يسبب التوتر والقلق، وتشعرك نفسك أنك لا تريد القيام بهذا العمل، وكأنك تقول لعقارب الساعة هيا أسرعي لتنتهي الدقائق السبع بسرعة حتى أرمي هذا العمل.
فكرة الدقائق السبع تقوم على الرغبة في إنجاز العمل، وليس من أجل الهروب منه وتركه وراء أظهرنا، وإنما لمقاومة النفس التي لا ترغب في أداء هذه المهمة، نحن نتحايل عليها، كما نتحايل على الطفل ليذاكر أو ينجز فروضه المدرسية، ونجبر النفس لكي تنتهي من أعمالها بدل من التسويف وإضاعة الوقت، وكلنا يعلم أن النفس البشرية ميالة للدعة والراحة، لذلك فنحن نتحايل عليها بهذه الدقائق وكأننا نقول لها: «حسنا، لنقوم بهذا العمل ضمن الدقائق السبع، من غير أن ننظر إلى الساعة، ربما وجدنا أنفسنا نرغب في إتمام المهمة، هيا لننجز هذه المهمة».
وإلا فإنه سيأتي علينا يوم نجبر على أكل أبشع ضفدعة حية، عندئذ فنحن مجبرون على إنجاز أي مهمة سيتم تكليفنا بها، فما نحن فاعلون؟
إذن عش الدقائق السبع وتعلمها وتدرب عليها، حتمًا سيأتي ذلك اليوم الذي ستجد نفسك تسير على هذه الفكرة وهذه النظرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق