السبت، 9 أغسطس 2014

لماذا نخاف العولمة؟

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٠ أغسطس ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

بعد أن تعرفنا - من خلال بعض المقالات السابقة- على العولمة وفلسفتها وفكرها ومنبعها، وعرفنا وضع العالم العربي الإسلامي، نجد أنفسنا أمام السؤال الصعب: لماذا نخاف العولمة؟ هل العالم العربي الإسلامي ضعيف لدرجة عدم الرغبة أو الخوف من المواجهة؟ ولا نقصد هنا المواجهة المسلحة وإنما نحن نتحدث عن الإرث والهوية والفكر الثقافي والروحي. وربما يحق لنا أن نتساءل بطريقة أخرى: هل أعددنا أنفسنا للمواجهة؟ وهل نمتلك الفكر والهوية الثقافية حتى نستطيع المواجهة؟ هل فعلاً أعددنا عدتنا وبدأنا نصدر فكرنا وثقافتنا إلى الغرب لنتمكن من هزيمته في عقر داره؟
وحتى لا نلوك الماضي والتاريخ، وإن كان ماضينا الجميل يقول إننا كنا ذات يوم سادة العولمة على الكرة الأرضية والدول المعروفة آنذاك، ولكن كل ذلك انتهى لأسباب كلنا يعلمها.
أما واقع اليوم فإنه يقول إننا أصبحنا في مؤخرة الركب، آسف، أقصد خارج سرب الحضارة الإنسانية، فلم يعد لنا وجود ولم يعد لصوتنا الحق في الوصول إلى الآذان، ولماذا أصبحنا خارج السرب؟ ببساطة لأننا ارتضينا ذلك، ارتضينا هذا الهوان وهذا الذل، وحتى ندلل على ما نقول بالأرقام، وحتى لا نظلم أنفسنا ولا نظلم أحدا دعونا نتدارس الواقع الثقافي والإعلامي - فقط - في الوطن العربي مقارنة بالغرب.
ورد في تقرير منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة والتربية (اليونسكو) أن معدل نشر الكتاب في العالم العربي لا يتجاوز نسبة 7%، وأن نصيب كل مليون عربي من الكتب لا يتجاوز ثلاثين كتابًا، في مقابل 584 كتابا لكل مليون أوروبي، وما لا يقل عن 212 كتابا لكل مليون أمريكي. وورد في تقرير التنمية البشرية (2003) أن أعداد النسخ المطبوعة من الكتاب العربي في المعدل العام بين ألف إلى ثلاثة آلاف، بينما يبلغ عدد النسخ المطبوعة للكتاب في أوروبا وأمريكا عشرات الآلاف· ويشير نفس التقرير إلى أن الدول العربية مجتمعة أنتجت 6,500 كتاب عام 1991، بالمقارنة بـ 102,000 كتاب في أمريكا الشمالية، و42,000 كتاب في أمريكا اللاتينية والكاريبي.
وتكشف دراسة أخرى أن الأوروبي يقرأ بمعدل 35 كتابًا في السنة، والإسرائيلي 40 كتابًا في السنة، أما العربي فإن 80 شخصًا يقرأون كتابًا واحدًا في السنة.
أي لكي يتم قراءة 35 كتابًا باللغة العربية (في الوطن العربي)، فإننا نحتاج إلى (2800 عربي)، ولكي يتم قراءة 40 كتابًا فإننا نحتاج إلى 3200 عربي. أي أن ثقافة أوروبي واحد يساوي ثقافة 2800 عربي، وأن ثقافة إسرائيلي واحد تساوي ثقافة 3200 عربي.
وفي إحصائية أخيرة- بحسب إحصائيات حديثة لليونسكو والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليسكو)- تشير الأرقام إلى أن معدل القراءة في العالم العربي يبلغ حوالي ست (6) دقائق في السنة، وينشر في البلدان العربية سنويًا كتاب واحد لكل ربع مليون شخص. وتشير نفس الإحصائيات إلى أن العالم العربي يصدر كتابين مقابل كل مائة (100) كتاب يصدر في دول أوروبا الغربية، علمًا أن هذه الأخيرة تنشر كل سنة كتابًا لكل خمسة آلاف (5000) شخص كما، أن مدة القراءة في السنة تبلغ 36 ساعة في الغرب.
هل هذا واقع أمة تطالب بالمجد والمعالي؟ هل يمكننا أن نصدر واقعنا الثقافي وفكرنا؟ هل من حقنا -إذن - أن نخاف العولمة؟
أما بالنسبة الى الفضائيات العربية، فإننا نقف أمام أرقام خطيرة، فمثلاً تشير بعض الإحصاءات إلى أن عدد الفضائيات العربية اليوم تجاوز 400 فضائية، وكل هذا الفضائيات دشنت خلال خمسة عشر عاما فقط، وهي قفزة قياسية من ناحية الكم، ولكن هل حققت هذه الفضائيات (النوعية) التي يعتبر العالم العربي في أمس الحاجة إليها اليوم؟ وفي المقابل فقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن العرب لم ينتجوا سوى 101 مجلة مخصصة للطفل خلال 130 عاما.
إذن العدد كبير، ليس ذلك فحسب وإنما تطل علينا بين فترة وأخرى قناة جديدة ومعها جملة (بث تجريبي)، فتبث وتجرب من غير أي ضابط، وتعد أنها ستكون القناة المميزة التي ينتظرها العرب من انطلاقة أول فضائية عربية. وفعلاً كلها أيام أو شهور حتى تطل تلك القناة للوجود بكم هائل من الجعجعة التي بلا طحين، أفلام عربية وأجنبية مستهلكة، مسلسلات عربية سمجة، برامج فارغة من الهوية والثقافة العربية.
في هذه القنوات ما أن ينتهي الفيلم أو المسلسل، حتى تبدأ أغنية مصورة - طبعًا- يجب أن تكون راقصة، ومن مسلسل إلى أغنية إلى فيلم أجنبي، إلى مذيعة تتمايل أمام الكاميرا، وتتفنن في نطق الكلمات، ولا تأبه إن كان الجو صيفًا أم شتاء فالملابس هي هي، كلها صيفية عارية.
لقد أكدت دراسات اليونسكو أن المحطات العربية تستورد من الدول الأجنبية، وبخاصة الولايات المتحدة ما بين 40 و 60% من البرامج والمسلسلات والأفلام، الأمر الذي يؤشر إلى تسيد الثقافة الأمريكية المعولمة الهادفة إلى الوصول إلى المجتمع العربي.
يجد (أمين سعيد عبدالغني) في أطروحته للدكتوراه من جامعة المنصورة أن أداء الفضائيات العربية بعامة يركز أولاً على الترفيه، حيث تمثل البرامج الفنية ما نسبته 60% من ساعات البث الفضائية. كما ويلاحظ غياب الفنون العربية مثل السينما العربية الجادة والمسرح والفنون الشعبية والآداب العربية والفنون التشكيلية على شاشات القنوات الفضائية العربية، وكذلك غياب الواقع العربي سياسيا واقتصاديا وثقافيا ودينيا وعلميا عن خريطة القنوات الفضائية العربية، وأنها تعرض ثقافة الفئات العليا من المجتمع العربي.
وفي دراسة أخرى تبين أن برامج المقدمة في الفضائيات العربية تتنوع ما بين نشرات الأخبار التي تستحوذ على ما نسبته ما بين 11 و40% من عدد ‏ساعات البث، وبرامج ثقافية ومنوعات ودراما وغناء وترفيه يعتمد على الإثارة والإغراء الغرائزي. وتبلغ نسبة البرامج المعدة محليا أو عربيا في القنوات الفضائية العربية ما بين 55 و 84%، بينما تشكل البرامج المستوردة ما بين 15 و45%، وتشكل الفضائيات وفقًا لدراسة إعلامية 73% من مصادر الأخبار لدى المشاهد العربي.
إذن، من حقنا أن نخاف العولمة وهذا هو واقعنا.
ليس ذلك فحسب، وإنما قس على ذلك، غلق المراكز البحثية، والقضاء على العقول العربية المفكرة وربما هجرتها إلى دول الغرب، صعود الفئة المطبلة إلى قمة هرم السلطة وإلغاء دور المفكرين، إلغاء الفكر التخطيطي والاستعاضة عنه بفكر الرجل الواحد والرغبة الواحدة، وما إلى ذلك.
واقع مرير، ثم نقول أو نسأل لماذا نخاف العولمة؟ وهل من حقنا أن نخاف العولمة؟
وحتى نكون إيجابيين، ربما يمكننا أن نسأل وأن نختم مقالنا بهذا السؤال: هل يمكننا أن نفعل شيئا أمام هذا الضعف الذي يعيشه العالم العربي الإسلامي وهذه الهجمة الشرسة التي يقوم بها العالم الغربي الرأسمالي؟
نعم يمكننا ذلك، ولكن يجب أن يكون معلوما أنه لا توجد حلول معلبة يمكن أن نستوردها وثم أن نمارسها، وإنما حلولنا تنبع من ذواتنا ومن أوطاننا، وأما بالنسبة الى الطرق فأمامنا العشرات من الطرق والحلول، ولكن يبقى الموضوع الأهم، هو: هل فعلاً نحن - كوطن عربي إسلامي- مازلنا نريد أن نسود؟ هل فعلاً نريد أن نزيل هذا الركام الذي يغطينا مئات السنين؟ هل مللنا من أن نكون خارج الحضارة؟ هل استوعبنا الدروس تلو الدروس؟ أم نحن مازلنا نعيش في أوهام الماضي والتاريخ التليد والعسل والنوم الطويل؟ أترك الإجابة لكم ولشباب هذه الأمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق