الأحد، 3 أغسطس 2014

نحن.. بين العولمة ونظرية المؤامرة

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٣ أغسطس ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

بعد انتهاء الحرب الباردة وتفرد الفكر الرأسمالي الواحد على الشعوب، برز مصطلح العولمة، وبدأت الدول ذات الفكر الرأسمالي تنمي وتنفخ في هذا الوحش الذي أطلقته، ولكن بأسماء مختلفة، فمرة باسم التجارة الدولية وتارة باسم كسر الحواجز الثقافية بين البشر ومرات بحجة إلغاء الحدود التي تعيق تقدم البشرية وأخيرًا تحقيق ديمقراطية الشعوب وحريتها وما إلى ذلك.
وعلى الرغم من هذا الوضوح في توجه تلك الدول للتحكم في مقدرات الشعوب، فإن هناك بعض الفئات في الوطن العربي ما زال يقلل من شأن تلك الرغبة الأمريكية الرأسمالية في التحكم في عقول البشر، فيقلل من شأن مصطلح العولمة فيقلصها حتى لا تتعدى انتشار الرغبة الاستهلاكية في النفوس وبين أبناء الوطن العربي، مثل فتح محلات الأغذية السريعة و«الكوفي شوب» وما إلى ذلك.
إلا أننا يمكننا أن نقول إنه يخطئ من يعتقد أن العولمة لا تخرج عن نطاق الانتشار الواسع لأنواع مختلفة من المشروبات الغازية أو بعض الوجبات السريعة أو انتشار المحلات التي تبيع القهوة الأمريكية بأنواعها المختلفة وما شابه ذلك.
ويخطئ أيضًا من يعتقد أن العولمة هو انتشار فكر وفلسفة الحواسيب والتليفونات النقالة واستخدام الإنترنت ومتصفح جوجل ووسائل التواصل الاجتماعية الحديثة.
ويخطئ كذلك من يعتقد أن مقاطعة كل هذه المنتجات الاستهلاكية هي في الحقيقة محاربة ووقوف أمام زحف الفكر الغربي الرأسمالي.
وللأسف - فإن المقاطعة بهذه الصورة السمجة - تعد جزءا من تفكير قطاع فئة معينة من شعوب العالم العربي الإسلامي، وفي المقابل فإننا أمام فئة أخرى - وهي فئة كبيرة - تناقض الفكر الأول، فهي ترى أن ننفتح أمام الفكر الغربي الرأسمالي بكل ما فيه، وتعتقد أن كل ما يأتي من الغرب الرأسمالي فهو خير، سواء كانت أفكار وآراء سياسية أو اقتصادية وترى كذلك أن حتى الفكر العقائدي يجب أن يتبع بل يخضع للفكر الغربي الليبرالي العلماني الذي يرى أن الاقتصاد والإعلام والسياسة هو الرب الذي يتحكم في الشعوب، وإن على الشعوب أن تسجد في محراب هذا الرب الجديد بعد أن زال الفكر والرب اليساري الشيوعي.
ولقد وجدنا أن هناك فئة ثالثة من الشعوب العربية الإسلامية التي تقف موقف الوسط، حيث ترى أنه يمكن أن تستفيد مما تنتجه هذه الحضارة من مواد استهلاكية إلى أقصى درجات الاستفادة، ولكنها تقف سدًا أمام أي فكر غربي يؤثر على فكرها وثقافتها التي تجد أن جذورها ضاربة في أعماق صفحات التاريخ، لذلك لا تجد أن هناك غضاضة بين التوازن والوسطية بين ما تحمله هي من فكر وبين ما تستفيد مما تنتجه المصانع الغربية.
وفئة رابعة حائرة، لا تعرف أين تقف ومع من تتكلم، فكل يجذبها إلى جهته، ويلمع جبهته حتى تبدو ناصعة البياض، لتجذب الأفراد الواقعين تحت الفئة الرابعة والذين هم السواد الأكبر من العالم العربي والإسلامي. وكذلك هناك فئة خامسة وهي الفئة غير المبالية لما يحدث من صراعات في هذا الجزء من العالم، فهي لا تعرف أو بالأحرى لا تريد أن تعرف ولا تريد أن تفكر ولا تريد أن تتجاذبها أي تيارات فكرية أو سياسية، فهي تعيش اليوم ومن أجل اليوم فقط.
ترى من أي الفرق أنت ؟ وكيف تفكر؟
وللأسف، فإن كل فئة من تلك الفئات تعيب على الفئة الأخرى موقفها وتوجهها، ونكون محظوظين إن كان الموضوع يقف عند حد المعاتبة والمجادلة والحوار واختلاف الفكر والرأي، ولكن - اليوم - يعيش أبناء العالم العربي الإسلامي في حالة صراع حاد قد يصل إلى الصراع الدموي. ليس ذلك فحسب وإنما - على المستوى العالمي - يعاب على العالم العربي والإسلامي أنه يقف موقف المنكمش على نفسه الخائف من زحف العولمة على معتقداته وفكره وإرثه وهويته الثقافية، وعلى الرغم من ذلك فهو - أي هذا الجزء من العالم - لا يستطيع أن يمنع سريان وتدفق كل ما ينتجه الفكر الغربي الرأسمالي بخيره وشره.
فغدا أبناء العرب يتشربون كل ما يأتي من الغرب بلهفة الظمآن إلى الماء، سواء كانت موضة ملابس أو تسريحات شعر، أو أفكار أو تحريك اللسان ليصبح وكأنه يتكلم اللغة الأجنبية، فأصبحت الأم لا تكلم أبناءها إلا باللغة الأجنبية أو على أقل تقدير تخلط ما بين العربية والأجنبية، وتفتخر بأن أبناءها لا يدرسون إلا في مدارس أجنبية، ولا يتحدثون إلا بتلك اللغة.
وأصبحت الأفلام الأجنبية - وخاصة الأمريكية الهوليودية - تتصدر صالات السينما وعروض الفضائيات العربية، وفي تلك الأفلام قيم وعقائد وأخلاق الغرب، التي عادة ما تكون بعيدة عن قيمنا العربية الإسلامية، فيتشربها أبناء العرب، ويكون المحظوظ منهم من استطاع أن يقلد البطل الذي صنعته هوليود - سواء كان فتى أو فتاة - فيقلده في طيشه وانحرافه وعلاقاته وتحلله من القيم والسخرية منها، وحتى يصل الأمر إلى كيفية مسكه للسيجارة وطريقة مشيته وملابسه وشربه للخمرة وتعاطيه للمخدرات وما إلى ذلك.
وفي الحقيقة، نحن لا نعيب الغرب على كل ذلك، فهذا العالم عديم القيم والعقائد فكيف ننتظر منه أن يصّدر لنا القيم النبيلة والعقائد الصالحة ؟ ولكننا نعيب على عالمنا الذي يوقف موقف المتفرج، موقف الخائف السلبي الذي لا يستطيع تقديم البديل على الرغم من كل تلك القيم والهوية والإرث الثقافي الذي يزخر به.
وللحقيقة والتاريخ، وفي رأي المتواضع، فإن عالمنا العربي الإسلامي لا يخاف العولمة، لأنه لا يعرفها ولم يعرفها بعد، وإنما يخاف شيئا خفيا، شيئا مطمورا في باطن النفوس يغطيه ركام قرن من الزمان، يخاف عالمنا أبناءه، الذين من الممكن ان يعوا في غفلة من الزمان أن لديهم إرثا وهوية ثقافية مدفونة تحت هذا الركام الهائل من الإهمال والجهل والأمية، بالإضافة إلى الإحباط وتدمير التطلع البشري إلى المعالي والتغيير.
فالمناهج الدراسية في العالم العربي الإسلامي تعلم الطفل أن يحفظ المنهج لأنه سيدخل الاختبار، فما عليه إلا أن ينجح لينتقل إلى المرحلة التالية، ولكن تلك المناهج لا تعلمه أن يصنع حاسوبا، ولا تعلمه طرق التفكير الإبداعي، ولا تعلمه طرق التفكير والتخطيط أثناء الأزمات أو حتى في الحياة العادية، وحتى لا تعلمه أن يكتب رسالة بسيطة من صديق إلى صديقه، تلك المناهج هدفها الأول والأسمى أن تخرج جيلا من الشباب - من الجنسين - ذوي عقول بيضاء لا تفكر ولا تستطيع أن تفكر.
فضائياتنا تنتج أفلاما ومسلسلات عقيمة خالية من القيم والفكر والثقافة والعقيدة، مسلسلات ساخرة هدفها الضحك على الذقون، مسلسلات مليئة بالسباب والشتائم والاستهبال، ومسلسلات لا تمس الواقع بشيء، وإن ادعت أنها تحدثت عن الواقع فإنها - في الحقيقة - تتحدث عن الرذيلة والانحرافات الشبابية والخيانات الزوجية والسلبيات التي يمكن أن يعايشها فئة صغيرة من البشر، مثل تعاطي المخدرات والخمور والزنا، حتى أن بعض المسلسلات حاولت أن تنشر الرذيلة عبر نشر موضوع زنا المحارم.
وزادت تلك الفضائيات الطين بلة أنها استوردت كل البرامج الأجنبية الممجوجة والتي تعرف ببرامج «الواقع»، والتي من خلالها - كما تدعي - أنها تبحث عن المواهب والمبدعين، ولكنها في الحقيقة تبحث عن المغنيين والراقصين والراقصات فقط، حتى يصنعوا منهم أبطالا أمام الشباب العربي، فإن كانوا يبحثون عن كل المبدعين – كما يدعون – فلم لم يبرز من المتقدمين مبدع في تصنيع آليات الحاسوب وبرامجه وكيفية الاستفادة منه، ولم لم نجد من تلك البرامج من المتقدمين من صنع الرجل الآلي «الروبوت»، ولم لم نجد من ابتكر فكرة جديدة لتقطير المياه أو المحافظة على البيئة، لم نكتشف الخطيب المفوه، لم نجد المدير المبدع، لم نجد أي شيء من ذلك.
فهل نلوم العالم الغربي الرأسمالي على ذلك ؟
والغريب أن عالمنا العربي الإسلامي يريد من شبابنا – من الجنسين – أن يكون خانعًا مطبلا يتابع الحياة اليومية للاعبي كرة القدم والممثلين والممثلات والمغنيين والمغنيات، يريد عالمنا أن يُمكّن الشباب والشابات رقابهم لسادة العولمة، فإن فكروا في تحريك ذلك الركام، فعندها وعندها فقط تبرز «نظرية المؤامرة»، وهي نظرية افتعلها العالم الغربي ليقضي على أي فكرة إبداعية لدى الشباب العربي.
وما زال للموضوع بقية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق