الأحد، 27 يوليو 2014

رعب العولمة.. لماذا؟

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٧ يوليو ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

هل العالم الغربي يحاول أن يصبغ العالم العربي الإسلامي باللون الذي يريد، ليستعمرنا هذه المرة بطريقة جديدة تعرف بالعولمة؟ هل ما يُعرف بالعولمة شيء سيئ؟ هل ستمحو العولمة شخصيتنا السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية؟ أين نحن – كعالم عربي إسلامي – من هذا الزحف الذي يسمى بالعولمة؟
منذ فترة وهذا الموضوع، موضوع العولمة ومدى سيطرة العالم الغربي على وطننا العربي والإسلامي يقلقني، وخاصة من الجانب الثقافي والفكري، فهل نحن – كعالم عربي إسلامي – وصلنا إلى مفترق الطريق بحيث بتنا بين خيارين لا ثالث لهما، وهما: إما أن نمسح هويتنا ونتنكر لكل هذا الإرث الثقافي والفكري ونختلط بالعالم من حولنا بل ونذوب فيه، فنتكلم كما يتكلمون ونفكر كما يفكرون ونلبس كما يلبسون ونعيش ونتعايش مع الثقافة التي تفرضها الدول التي تسيطر على العولمة، وإما أن نرفض كل ذلك وكل ما تضخه لنا وسائل التكنولوجيا الحديثة، فلا فضائيات ولا إنترنت ولا سيارات ولا حواسيب ولا تليفونات فنقبع في كهوفنا الصخرية نرسم على جدرانها كيفية صيد الجواميس والغزلان، ثم ينسانا التاريخ هناك فلا يعد لنا ذكر أو وجود.
وربما هنا يأتي السؤال: ألا يوجد طريق ثالث بين هذا وذلك؟
ولكن السؤال الذي يجب أن يأتي قبل ذلك، هو: ما العولمة؟ وكيف جاءت الفكرة والفلسفة؟
نعتقد أنه لا يمكن أن نعتبر أن أصل فلسفة العولمة وفكرها وليدة اليوم وليس لها علاقة بالماضي؛ بل نجد أن هذه الفكرة نشأت مع بداية تطلع الإنسان للسيطرة على الآخرين، واستمرت حتى غدت واضحة مع بداية القرن الخامس عشر إلى زمن النهضة الأوروبية الحديثة حيث نشأت المجتمعات القومية، فبدأت العولمة ببزوغ ظاهرة الدولة القومية عندما حلت الدولة محل الإقطاعية، مما زاد في توسيع نطاق السوق ليشمل الأمة بأسرها بعد أن كان محدودًا بحدود المقاطعة.
إلا أن بعض الباحثين يجد أن نشأة العولمة كان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين، ويعتقد أنها تنامت بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة. يقول إسماعيل صبري: «نشأت ظاهرة الكوكبة (العولمة) وتنامت في النصف الثاني من القرن العشرين، وهي حاليًا في أوج الحركة فلا يكاد يمر يوم واحد دون أن نسمع أو نقرأ عن اندماج شركات كبرى، أو انتزاع شركة السيطرة على شركة ثانية».
وفي المقابل فإن الدعوة إلى إقامة حكومة عالمية، ونظام مالي عالمي موحد والتخلص من السيادة القومية بدأت في الخطاب السياسي الغربي منذ فترة طويلة فهذا «هتلر» يقول في خطابه أمام الرايخ الثالث: «سوف تستخدم الاشتراكية الدولية ثورتها لإقامة نظام عالمي جديد»، وفي كتابات الطبقة المستنيرة عام 1780 «من الضروري أن نقيم إمبراطورية عالمية تحكم العالم كله».
كما جاء في إعلان حقوق الإنسان الثاني عام 1973 «إننا نأسف بشدة لتقسيم الجنس البشري على أسس قومية، لقد وصلنا إلى نقطة تحول في التاريخ البشري حيث يكون أحسن اختيار هو تجاوز حدود السياسة القومية، والتحرك نحو بناء نظام عالمي مبني على أساس إقامة حكومة فيدرالية تتخطى الحدود القومية». وقال «بنيامين كريم» أحد قادة حركة العصر الجديد عام 1982 «ما الخطة؟ إنها تشمل إحلال حكومة عالمية جديدة، وديانة جديدة».
ويذكر التاريخ أن رئيسة الوزراء البريطانية السابقة «مارجريت تاتشر» قد اقترحت فكرة العولمة يرافقها في ذلك الرئيس الأمريكي السابق «رونالد ريجان»، وكانت وجهة نظر تاتشر الاقتصادية – والتي عُرفت بالتاتشرية – انبثقت من الاستحواذ اليهودي للمال والعتاد، حيث إن فكرتها الاقتصادية والتي صاغها اليهودي جوزيف تهدف بجعل الغني أغنى والفقير أفقر. ويذكر «بات روبرتسون» إن النظام العالمي الجديد نظام ماسوني عالمي، ويعلل ما يقول «بأن على وجهي الدولار مطبوع علامة الولايات المتحدة، وهي عبارة عن النسر الأمريكي ممسكًا بغصن الزيتون رمز السلام بأحد مخالبه، وفي المخلب الآخر يوجد 13 سهمًا رمز الحرب، وعلى الوجه الآخر هرم غير كامل، فوقه عين لها بريق المجد، وتحت الهرم كلمات لاتينيه (Novus Order Seclorum) وهي شطرة من شعر فرجيل الشاعر الروماني القديم معناها: نظام جديد لكل العصور. إن الذي صمم علامة الولايات المتحدة هذه هو «تشارلز طومسون»، وهو عضو في النظام الماسوني وكان يعمل سكرتير للكونجرس، وهذا الهرم الناقص له معنى خاص بالنسبة للماسونيين، وهو اليوم العلامة المميزة لأتباع حركة العصر الجديد». وبعد تحليل ليس بطويل يصل المؤلف إلى وجود علاقة واضحة تربط بين النظام الماسوني والنظام العالمي الجديد.
ووجدنا من خلال بحثنا في هذا الموضوع كمّاً هائلاً من الأبحاث والدراسات والأحاديث الصحفية التي تربط بين العولمة والماسونية والصهيونية لا نريد الإتيان بها، فهذا لا يقع ضمن نطاق بحثنا ودراستنا هنا.
إلا أننا نستطيع من خلال هذا الكم الهائل من الأدبيات أن نُعرّف العولمة أنها تعني وببساطة جعل الشيء عالمي الانتشار في مداه أو تطبيقه، وهي أيضًا العملية التي تقوم من خلالها المؤسسات التجارية بجعل كل تلك العمليات عالمية لا تحدها الحدود ولا القوانين الإقليمية الضيقة. وتمتد العولمة لتكون عملية تحكم وسيطرة ووضع قوانين وروابط، مع إزاحة أسوار وحواجز محددة بين الدول وبعضها البعض.
وإن كانت العولمة بدأت كفكرة اقتصادية إلا أن هذا الفكر الاقتصادي كان يهيمن على أطماع وسيطرة سياسية، فالدول الرأسمالية المتحكمة في الاقتصاد العالمي كانت تنمو نموًا كبيرًا مما جعلها تبحث عن مصادر وأسواق جديدة، وهذا يعني أن يجعل حدودها الاقتصادية تمتد إلى ربط مجموعة من العلاقات مع ال دول النامية، لكن الشيء غير مرغوب فيه هو أن هذه الدول المتطورة على جميع المستويات الفكرية والثقافية والعلمية دخلت وتدخلت في تغير هوية الدول التي تسمى بالدول النامية مع احتفاظها هي على هويتها الثقافية والفكرية خاصة. لذلك فيمكننا أن نقول إن العولمة إن بدأت اقتصادية في البداية إلا أنها لم تقتصر فقط على البعد المالي والاقتصادي بل تعدت ذلك إلى البعد الثقافي والفكري المتمثل في مجموع التقاليد والمعتقدات والقيم، وذلك ليس من أجل تطوير تلك الدول النامية مع تركها تحتفظ بإرثها الثقافي والفكري وإنما مسخها وإذابتها في القرية العالمية الصغيرة.
واستكمالاً لذلك فإن العولمة في العصر الحديث وخاصة في ظل التطور التكنولوجي في مجال الاتصالات أتاح المجال الواسع في التبادل المعرفي والمالي على حد سواء، وبالتالي فإن العولمة تدعو إلى إزالة كل القيود الجغرافية ونهاية عصر سيادة الدولة الإقليمية من أجل إنشاء قرية عالمية يسيطر عليها مفهوم النظام الرأسمالي الغربي واعتماد الديمقراطية الغربية كنظام سياسي عام لتلك القرية، بمعنى آخر إزالة مفهوم وجود دول إقليمية واستبدالها بدولة واحدة فقط، وهي التي تسيطر على الكرة الأرضية.
وهذا يعني أن هذه الدولة العالمية الواحدة هي التي يعتمد فكرها وثقافتها ومنتوجاتها على العالم، وذلك – للأسف – ليست نتيجة تفاعلات حضارات غربية وشرقية، بل هي سيطرة قطب واحد على العالم.
حسنٌ، هذا هو الصراع الحقيقي الذي نعيشه اليوم، فماذا أعددنا لذلك؟ وهذا هو موضوعنا في الأسبوع القادم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق