السبت، 5 يوليو 2014

هل لفرق العمل من أهمية؟

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٦ يوليو ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

بعد أن نشرنا الأسبوع الماضي مقالنا «فرق العمل.. ما هي؟ وكيف تعمل؟» وددت أن أواصل الحديث عن كيفية عمل تلك الفرق المؤسسية وبعض الأمور المتعلقة بتلك الفرق وكيفية تشكيلها والمشاكل التي يمكن أن تواجهها أو تلك التي تحدث داخل الفريق الواحد وبين أفراد الفريق، ولكن في نفس ذلك اليوم هاتفني أحد الإخوة المسئولين متهجمًا ومتجهمًا على المقال زاعمًا أن ما نشر أو بالأحرى ما يقال عن فرق العمل كلام مثالي لا يرقى إلى الواقع بأي حال من الأحوال، وأنه سبق أن عمل مع فرق عمل أو دعا إلى إنشاء فرق عمل وأنشأها بالفعل، إلا أنها لم تتمكن من أداء العمل المنوط بها، وأنه -كما يدعي- يمكنه أن يقوم بأداء عمل بما يوازي فريق عمل كامل، وما فرق العمل إلا مضيعة للوقت والجهد.
ثم انتهى به القول إلى أن العمل ضمن فرق العمل يضيع الجهود الذاتية الفردية، فلا يبرز عمل الإنسان الفرد، إذ يصبح الفرد ترسا في جهاز.
وبعد أن هدأ عنه الغضب، وتحدثنا في بعض الأمور الأخرى، قلت له: بما أننا في موسم كأس العالم (2014) فهل تعتقد أنه لو لعب كل لاعب من الفريق الألماني أو الأرجنتيني من غير أن يتعاون مع زملائه، أنه يمكن أن يحققوا أي نتيجة؟ تصور أن خط الدفاع لا يتعاون مع خط الوسط، وخط الوسط لا يتعاون مع خط الهجوم، هل تعتقد أنه يمكن أحراز أهداف في مرمى الخصم؟ تصور إن كان خط الدفاع لا يتعاون مع الحارس، فهل يمكن صد الكرة عن المرمى؟ أجاب بالنفي.
ثم واصلت، وقلت: هب أنك أخذت بعض عمال البناء من هنا وهناك، ومن غير أن يكون هناك انسجام بينهم، وأخذتهم إلى أرض فلاة، وقلت لهم هذه أرضي أريد منكم أن تقيموا عليها منزل العمر، فهل تعتقد أنه يمكنهم القيام بذلك ؟ إجاب بالنفي. عندئذ سألته: لماذا؟
قال: لأن المنتخب إن لم يلعب كفريق واحد فإنه حتمًا سينهزم ولا يمكنه أن يحقق أي نتيجة، وكذلك العمال، فمن غير هدف ولا خارطة طريق ولا انسجام بين العمل، فكيف يمكنهم أن يحققوا المطلوب منهم؟
فقلت له: هكذا هو عمل الفريق الواحد، فمهما كنت أنت وقدراتك في العمل، فإن الفريق يكملك، فكل شخص في الفريق له إمكانيات تختلف عن إمكانياتك، وطرق في التعبير تختلف عما تمتلك، فإن فشل فريق عمل في تحقيق نتائج فلا تلم فكرة إنشاء فرق العمل، وإنما حتمًا الخطأ في مكان آخر، ابحث عن السبب وعندها ستكتشف أن فكرة وفلسفة إنشاء فرق العمل بعيدة كل البعد عن أسباب فشلها في مؤسستكم.
عند هذا الحد انتهى حديثي مع الأخ المسئول، ونفسي تراودني للكتابة عن الضرورات اللازمة لإنشاء فرق العمل والعمل معها، ولعلي أستطيع أن ألخص تلك الأسباب في الأمور التالية:

أـ مواجهة الآثار السلبية للتخصص: نحن في عالم التخصص، وربما التخصص الدقيق، ومن المعروف أن المتخصص في مجال معين من العلم يصعب عليه أن يلم ببعض العلوم الأخرى، فالمتخصص في مجال الكمبيوتر لا يعرف أي شيء عن البكتيريا وبالعكس، لذلك فإن العمل ضمن فرق عمل يتيح المجال للتفكير بعقل واحد ولكن بمختلف التخصصات، حيث إنه من المفروض أن تتميز فرق العمل بأفراد من مختلف التخصصات، حتى إذا تمت مناقشة قضية علمية أو فنية أو اجتماعية يستطيع كل صاحب تخصص أن ينظر إلى الأمور من ناحية تخصصه، فلو -مثلاً- أردنا إنشاء فريق عمل لتخطيط وبناء شارع في منطقة جديدة، فيجب أن يتكون هذا الفريق من مهندسين مدنيين وكيميائيين وربما متخصصين في الطقس وما إلى ذلك، وذلك حتى يكمل كل فرد النقص في التخصص الآخر، فالكيميائي يمكن أن يتحدث عن المواد التي يمكن أن تصنع منها الشوارع، واختصاصي الطقس يمكن أن يتحدث عن درجات الحرارة والمطر في تلك المنطقة وما إلى ذلك.

ب ـ محدودية الهياكل الإدارية: إن الهيكلية الإدارية التقليدية العادية والتي تُقَسِّم النشاطات الإدارية إلى أقسام لا تستطيع أن تفي بمختلف الحاجات الموجودة في المؤسسة، ولا تستطيع مواجهة مختلف التحديات التي تواجه المؤسسة من داخلها وخارجها، إن تخصص الوزارات والإدارات والهيئات أمر مطلوب ومتوقع، حتى لا تتضارب الصلاحيات والمسؤوليات، ولكن هناك العديد من التحديات والمشاكل التي لا تنتمي إلى إدارة بمفردها، أو إلى هيئة وحدها بل كثيرًا ما تتقاطع، فعلى سبيل المثال مشكلة مثل مشكلة البطالة لا تعني مؤسسة بعينها دون غيرها، فتتقاطع فيها وزارات وإدارات معينة بالواقع الاقتصادي، والشئون الاجتماعية، والتربية والتعليم، والتنمية الإدارية وغير ذلك، وهذا المثال بالطبع مثال واسع وشامل، غير أن المرء يستطيع ذكر العديد من التحديات، التي هي ربما أقل حجمًا، ولكنها تستدعي جهودًا مشتركة من عدد من الهيئات والإدارات العامة، وحينذاك يصبح دور فرق العمل وما يمكن أن تقدمه لتحليل المشكلة واقتراح الحلول لها أكثر بروزًا، أضف إلى ذلك أن فرق العمل تتميز بالمرونة، ولهذا فهي أكثر استجابة للمتغيرات التي تطرأ في واقع المؤسسة من التشكيلات الإدارية التقليدية التي يغلب عليها الجمود في الكثير من الأحيان.

ت ـ مشاركة العاملين وتمكينهم: لا تقتصر فوائد فرق العمل على المزيد من الفاعلية والكفاءة، بل إن فرق العمل بحد ذاتها هي فرصة لتحفيز العاملين وتمكينهم، وإضفاء جو من الثقة والمشاركة، وهذا بدوره يسهم في رفع مستوى الأداء ويحسن نوعية وجودة الخدمات التي يقوم العاملون بتأديتها، إن الإدارة التي تشكل فريق عمل لهدف معين، هي إنما تقول للموظفين والعاملين في ذلك الفريق: «إننا واثقون من قدرتكم ومهاراتكم، كما أننا واثقون من أمانتكم وحسن رعايتكم للمهمة الموكلة»، وفي هذه الرسالة غير المباشرة الكثير من التشجيع والتحفيز لمعظم العاملين.

ث ـ التعاون وتبادل المعلومات: إن العمل بأسلوب الفريق يحقق التعاون بين أعضاء المجموعة، ويسهم بصورة كبيرة في مساندة الأفراد بعضهم البعض؛ لأنهم يتوحدون في فريق يريدون له النجاح، ما يقلل من المنافسة الفردية، كما يتيح أسلوب إدارة وبناء فرق العمل بفعالية فرص تبادل المعلومات المطلوبة بحرية وبطريقة انسيابية حيث تتدفق المعلومات بسهولة من أسفل إلى أعلى (من الأعضاء إلى الإدارة)، ومن أعلى إلى أسفل (من الإدارة إلى الأعضاء)، لأن الأفراد يدركون عند العمل بفرق فعّالة أهمية تبادل المعلومات المطلوبة والمشاركة بفعالية في تحقيق أهداف الفريق والمنظمة.

جـ ـ سهولة اتخاذ القرار: ومن الفوائد المهمة لفرق العمل أن القرارات يتم اتخاذها في آن واحد، بدلاً من الطرق التقليدية في الإدارة المتمثلة في اتخاذ القرارات بالتتابع، وفي ذلك تأثير كبير على تحقيق السرعة في الإنجاز والاستغلال الأمثل لعنصر الوقت كأحد أهم عناصر العملية الإنتاجية والخدمية، ويولد اتخاذ القرارات بهذه الصفة الشعور العالي بالالتزام بهذه القرارات نظرًا إلى مشاركة الأعضاء في اتخاذها.

وبالإضافة إلى كل ذلك، فإن الأخذ بمنهجية فرق العمل يترتب عليه العديد من الفوائد الأخرى، منها:
1- خلق بيئة عالية التحفيز، ومناخ مناسب للعمل يقلل من شعور العاملين بالوحدة ويزيد من إحساسهم بالهوية المشتركة.
2- إشعار العاملين بالفخر بأدائهم الجماعي لتقليل حالات الغياب والإهمال والكسل.
3- الحد من الصراعات.
4- الإحساس المشترك بالمسؤولية تجاه المهام المطلوب إنجازها، ما يؤدي إلى التركيز على الأهداف.
5- تشجيع المبادرات، وتقديم الاقتراحات، ما يؤدي إلى تحفيز القدرات الإبداعية والمواهب الذاتية لدى الأفراد.
6- استجابة أسرع للمتغيرات البيئية.
7- تقليل الاعتماد على الوصف الوظيفي.
8- التفويض الفعال من قبل المديرين.
9- توقع المشكلات قبل حدوثها، وتقديم حلول لها.
10- زيادة فعالية الاتصالات بين الأعضاء مما يؤدي إلى تحسين وتنمية مهارات الاتصال لدى الأفراد.

عمومًا، هذه بعض الأسباب والأمور التي تدعونا إلى العمل ضمن فريق عمل حتى لو كان هذا الفريق صغيرًا، فإن كان العمل الفردي مطلوبا في جزء من الوقت، فإن العمل ضمن فرق العمل مطلوب بصورة دائمة، فهي تشكل شخصياتنا وتنمي قدراتنا وتظهر مؤسساتنا بالصورة الذهنية المطلوبة، ومازال للحديث بقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق