الجمعة، 11 يوليو 2014

الغذاء الملوث بالإشعاع ما هو .. وما أضراره ؟

 

نشر في جريدة أخبار الخليج بتاريخ 27 يوليو 1993

بقلم الدكتور زكريا خنجي

نشرت "اخبار الخليج" في عددها الصادر يوم الأربعاء الموافق 21 / 7 /1993 خبرًا يفيد أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد صادرت شحنة كبيرة من الحليب المجفف المعبأة بسبب تلوثه بالإشعاع، فمنعتها من دخول البلاد. وأن السلطات هناك اكتشفت أن الحليب الملوث كان آتيا عن طريق هولندا وباسمها، إلا أنه أساسًا من إنتاج ليتوانيا – إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي المنهارة – ثم تبين لها أيضًا أن الإشعاع الذي لوث الحليب قد يكون مصدره التسربات التي حدثت من مفاعل "تشرنوبل" عام 1986.

وينتهي الخبر في حدود هذا المعنى، ونحن هنا لا نريد أن نؤكد الخبر أو ننفيه، فليست لدينا حتى الآن الأدلة لذلك، وإنما ما نستطيع – بما لدينا من قرائن – أن نتحدث فيه هو موضوع الأغذية الملوثة بالإشعاع، ومخاطر هذه الأشعة، وكيف تحدث ؟ من الناحية العلمية البحتة.

ما الإشعاع ؟ ومن اين يأتي ؟

ببساطة يمكن أن يقال أن الاشعاع ما هو إلا جسيمات تنطلق من ذرات العناصر الكيميائية غير المستقرة – والتي عادة تعرف باسم (النظائر المشعة) – في أثناء تحولها من عنصر ثقيل إلى آخر أخف، ولتوضيح ذلك نستدل بهذا المثال: تتفكك نواة عنصر اليورانيوم – 238 الثقيل إلى نواة عنصر الثوريوم – 234 الأخف، أثناء هذا التفكك ينطلق إشعاع أو ما يعرف بجسيم الفا .. وهكذا من عنصر إلى آخر مع انطلاق أشعة الفا تارة واشعة بيتا تارة أخرى حتى يستقر العنصر نهائيًا عندما يتحول إلى مادة الرصاص – 206.

وهذا ما يحدث عادة في الطبيعة، التي يستغرق تحولات العنصر فيها عشرات وربما مئات السنين. أما في المفاعلات النووية، فإنهم يستحثون المادة باستفزاز خارجي حتى تتفكك خلال سويعات قليلة فتطلق الأشعة المرغوبة التي يستفاد منها في توليد الطاقة أو في أغراض أخرى.

وغني عن الذكر أن الجسيمات المنطلقة من هذه العناصر تعرف بالجسيمات النووية أو الإشعاعات الذرية، وهي ذات أنواع كثيرة مثل أشعة الفا – أشعة بيتا – أشعة جاما – النيوترونات - الأشعة تحت الحمراء – الأشعة فوق البنفسجية – أشعة الميكروويف – الأشعة السينية (اكس) وغيرها.

غذاؤنا والإشعاع

يتعرض غذاء الانسان للإشعاع نتيجة لانطلاق كميات غير محسوبة من المواد المشعة التي تتراوح ما بين كميات ضئيلة جدًا وكميات كبيرة للغاية من عدة مصادر، منها المفاعلات النووية سواء عن طريق مخلفاتها أو عن طريق التسربات التي تحدث فيها كما حدث في مفاعل جزيرة الثلاث أميال عام 1979 بولاية بنسلفينيا في الولايات المتحدة الأمريكية، وكارثة تشرنوبل التي وقعت في الاتحاد السوفياتي عام 1986 التي اعتبرت اسوأ كارثة للمفاعلات النووية عرفها العالم حتى الآن.

كما تتلوث الأغذية أيضًا بسبب التفجيرات النووية وما يصاحب ذلك من سحابة من الغبار الذري الذى يظل معلقًا في الهواء لحين تساقطه حسب حجم وثقل جزيئاته، وهذا الغبار المتساقط يعتبر من أهم مصادر التلوث الإشعاعي.

ماذا يحدث للغذاء حين تعرضه للإشعاع ؟

عند تعرض الاغذية للإشعاع أيًا كان ومن أي مصدر فإن بعض مكونات الخلية تتأين، خاصة جزيئات الماء الذي يمثل الجزء الأكبر من الخلية الحية، ويؤدي هذا التأين في الماء ومكونات الخلية الحية الأخرى إلى حدوث تغييرات كيميائية تؤدي بدورها إلى إحداث تغيير في تركيب ووظيفة الخلية، فيضعف هذا التأين من تماسك الروابط الكيميائية التي بين الخلايا والأنسجة، مما يسبب – مثلاً – زيادة في نزف اللحوم، وضعفًا عامًا في الخضراوات والفواكه، فتصبح أكثر عرضة للهجوم والفساد الناتج من الكائنات الدقيقة. كذلك فإن بعض التغييرات الكيميائية قد تتسبب في انبعاث بعض الروائح الكريهة وافراز النكهة غير المرغوبة.

كما إنه بالإضافة إلى هذه الآثار الذاتية التي تظهر على الغذاء نفسه، فإن تعرض الكائنات الحية المستخدمة كغذاء – كالأبقار والأسماك وما شابه ذلك – للتلوث الإشعاعي قد ينتج عنه تلف في أعضاءها التناسلية، فتظهر أعراض الضعف أو الاستعداد للتلف والفساد في ذريتها، وهذا ما يعرف بالآثار الوراثية.

مخاطر الإشعاع على الإنسان

يتميز ترسيب الإشعاع في الجسم بأنه ذو صفة تراكمية، بمعنى آخر أن تركيزها يتزايد كلما انتقلت من مادة غذائية إلى أخرى عبر السلسلة الغذائية حتى تصل للإنسان، فتترسب بعض من هذه الملوثات في عظامه وفي أنسجته وخلاياه، فتسبب له في الكثير من الأحيان الأورام الخبيثة (السرطان) في أماكن متنوعة من جسمه. ولسوء الحظ فإن الجسم البشري لا يملك الوسيلة المناسبة للتحذير من مغبة التعرض لهذه الملوثات، فالحواس مهما كانت مرهفة فإنها لا تستطيع أن تدرك الإشعاع.

مختبرات الجودة والنوعية

تحدثنا في هذا الموضوع كثيرًا، فقلنا مرارًا وتكرارًا، ومازلنا نقول بأننا بحاجة ماسة لمختبرات لإجراء اختبارات الجودة والنوعية على جميع المواد التي تدخل البلاد بغير استثناء، فهل يلقى كلامنا هذا القبول ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق