الأحد، 20 يوليو 2014

إدارة فريق العمل.. السهل الممتنع

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢٠ يوليو ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

إن المشاهد لفرق العمل وهي تجتمع وتعمل وربما تنجح وتتقدم وتقدم للمؤسسة أو المجتمع الكثير من الإنجازات يعتقد أنه من السهولة جدًا إدارة مثل هذه الفرق ومن السهولة أيضًا التعامل معها ومع أفرادها أيًا كانوا، ولكن هذا الإنسان – في الحقيقة – لا يشاهد إلا الجزء الظاهر من مسرحية أو فيلم، الجزء المسموح له بالمشاهدة، ولكن خلف هذا الجزء وفي الكواليس تحدث الأمور التي لا يستطيع إدراك كنهها وأبعادها ومعاناتها، فإن كان هذا الشخص منصفًا فإنه بعد أن يعرف يسكت ولا يجادل، ولكن إن كان غير ذلك فإنه سيسخر ويجادل ويستهزئ وينكر كل الإنجازات التي تمت ويستصغرها ويستهين بها وكأنها هباء منثور، ليس ذلك فحسب وإنما ربما يعلن على الملأ أن هذه الفرق لم ولن تستطيع أن تقدم ما هو المنوط بها، وهذا يحدث.
وعلى أرض الواقع فإن إدارة فرق العمل تعد من النوع الذي يعرف بالسهل الممتنع، السهل الذي يمكن مشاهدته من بعيد فنعتقد أنه سهل ولكنه في الحقيقة يصعب على أي شخص الولوج فيه، فقد فشل الكثير من المديرين في إدارة فرق العمل، والسبب هو أن فرق العمل لا تحتاج إلى مدير مُنظر فحسب وإنما تحتاج إلى قائد، وللأسف فإن القيادة – كما يقال – تعد من أكثر الظواهر على الأرض وضوحًا، ولكنها أقلها إدراكًا، وباختصار فإن القيادة تعرف بأنها «فن التأثير في الأشخاص، وتوجيههم بطريقة صحيحة، يتسنى معها كسب طاعتهم واحترامهم وولائهم وتعاونهم، في سبيل تحقيق هدف مشترك».
وحتى لا نطيل في هذا الموضوع كثيرًا فإننا نستطيع أن نفهم الفرق المهم بين القيادة والإدارة، إذا ما تخيلت مجموعة من المنتجين – الأفراد – يشقون طريقهم عبر الغابة باستخدام المناجل، وهؤلاء هم المنتجون، إنهم يحلون المشاكل، إنهم يزيلون العواقب التي تعترض طريقهم.
والمديرون يقفون خلف هؤلاء المنتجين يشحذون المناجل، ويضعون السياسات ويجهزون الأدوات ويضعون برامج التنمية، ويعدون التقنيات المتطورة ويضعون جداول العمل وبرامج التعويضات الناجمة عن استخدام المنجل.
والقائد هو الشخص – الوحيد – الذي يتسلق أعلى شجرة ويقوم بعمل مسح شامل للموقف، ويصيح «إننا نسير في الغابة الخطأ».
ولكن ما جواب المديرين والمنتجين المنشغلين والفعليين: «اصمت! إننا نحرز تقدمًا!».
ونحن كأفراد وجماعات وشركات غالبًا ما ننشغل بقطع الشجيرات والحشائش من دون أن نفطن إلى أننا نسير في الغابة الخطأ، وهذا هو دور القائد في فريق العمل.
وعلى مستوى آخر فإن على قائد الفريق أن يدرك أن أعضاء فريق ليسوا قادة أو تابعين، وعليه أن يتقبل هذا الأمر، وإذا كان بعضهم يجيد الحساب ولا يستطيع آخرون القيام بذلك، فعليه تقبل هذا الأمر، وإذا كان بعضهم يجيد العمل من دون رقابة أو متابعة، بينما لا يقوم آخرون بذلك، عليه تقبل هذا أيضًا. ولكي يكون قادرًا على تقبل هذه الأمور، فعليه أن يتعرف على الفريق جيدًا، ومعنى ذلك أن يتعرف على نقاط قوتهم ومواطن ضعفهم، ومميزاتهم وعيوبهم، وإذا لم تستطع ذلك فسيقضي حياته في تحفيز أشخاص غير مؤهلين للعمل الذي يقومون به.
ومع كل تلك المتناقضات الموجودة في أعضاء الفريق عليك – كرئيس للفريق – أن تتحمل العواقب حينما يخطئ فريق العمل، فهذا خطأك أنت، وإذا أحسن الفريق، فالفائدة تعم الجميع، فعلى القائد الكفء أن يتحمل العواقب، واعلم أنه من السهل أن تستخدم فريقك كمبرر للإخفاق، ولكن ذلك لن يكون مقبولاً، فأنت القائد والمدير وصاحب العمل، فإن ساءت الأمور فعليك الصمود وتحمل المسؤولية.
ليس ذلك فحسب، وإنما يجب أن يتحمل قائد الفريق العبء الأكبر في العمل، فهو يتحمل عبء نقل المعلومات والمعرفة والمهارات لبقية أعضاء الفريق وتفسير السياسات وأوامر العمل، ويشرح لهم كيفية إدارة العمل بفعالية ويقوّم النتائج، ويتولى بناء خطوط الاتصال بين الإدارات ويشجع الأعضاء على أداء العمل بطرق ابتكارية وتقبل المخاطرة، ويكون من الناحية السلوكية مثلاً يحتذى به، ويقوم بمكافأة السلوك الفعال، كما عليه أن يقوم بتأييد أهداف الفريق داخليًا وخارجيًا ونقل إنجازات الفريق إلى الإدارة ولعب دور الوسيط عند نشوب صراعات.
لذلك على رئيس فريق العمل أن يكون ملمًا بالعديد من الأمور التالية: إدارة الاجتماعات – التفكير باستخدام العصف الذهني – تحديد الأهداف – كتابة التقارير – إدارة الصراع والأزمات – التعامل مع الأفراد صعبي المراس وما إلى ذلك.
وهذا ما يقع على رئيس الفريق، فهل إدارة فرق العمل عملية سهلة؟
وقبل طرح موضوع فرق العمل جانبًا فإنه يجب أن نشير إلى موضوعين نعتقد بأهميتهما، أولاً: التحفيز والعقاب، وثانيًا: ماذا يمكن أن يحدث إن نشب خلاف بين أفراد فريق العمل؟
أما بالنسبة إلى التشجيع والتحفيز فهي عبارة عن مجموعة الدوافع التي تدفعنا لعمل شيء ما، ومن الناحية الإدارية فإننا نعتقد أننا لا نستطيع أن نحفز الآخرين، ولكنك تستطيع فقط أن تؤثر على ما يحفزهم. ولقد حدد مؤلف كتاب (The Motivation to Work) عالم النفس (فريدريك هيرزبيرج) ستة عوامل تحفيزية تؤدي إلى خلق الرضا الوظيفي لدى الموظف عن عمله، ما يعني أن هذه العوامل تتناسب مع احتياجات الأشخاص لإشباع الرغبات الذاتية أو تحقيق الذات، وهي:
أ- يتحفز الموظف عند شعوره بالإنجاز، أي تحقيق نجاحات معينة مثل إتمام عمل معين، وإيجاد حلول للمشكلات، ورؤية نتائج عمله.
ب- يتحفز الموظف عند شعوره بالتميز عن أقرانه، سواء كان التميز ماديًا أو معنويًا أي بمكافآت أو بدون.
ت- يتحفز الموظف عند شعوره بإمكانية النمو، وذلك عن طريق التطوير المهني أو تسهيل التطوير الذاتي.
ث- يتحفز الموظف عند شعوره بالتقدم في العمل، عن طريق زيادة راتبه السنوي أو إعطائه درجة متقدمة في العمل.
ج- يتحفز الموظف عند شعوره بمزيد من المسؤولية، مثل إعطائه منصبا إداريا ذا سلطة نتيجة لمجهوده في العمل.
ح- يتحفز الموظف عند شعوره بأهمية العمل نفسه الذي يعمله، وأنه عمل مهم وبه مراحل مهمة.
وفي عملنا مع فرق العمل إن لم نلاحظ إنجازات الفريق وأفراد الفريق فإن الحقيقة تقول إن الفتور سيصيب أفراد فريق العمل، فهم يتفانون في عملهم لعدة أسباب منها ما يتعلق بالجوانب المالية أو الجوانب المعنوية. فإذا قمت بتشجيع السلوك الإيجابي فسوف تضمن بذلك قيامهم بالعمل والإنجاز مرة أخرى، أما إذا فشلت في الملاحظة، والتعليق، والشكر على العمل، ستكون النتيجة أن الفريق يمتنع عن بذل أفضل ما لديه من جهد، فمن يستطيع أن يلومهم على ذلك؟
ولكن في المقابل، وإن كنا نقول – دائمًا – إن رئيس الفريق يجب أن يتحمل عبء الأخطاء أمام الإدارة وأمام الجميع إلا أنه على الرغم من ذلك، يجب أن يكون معلومًا أن رئيس الفريق لا يتحمل أخطاء الآخرين ويسكت، وإنما عليه – وسواء في اجتماعات الفريق أو بصفة خاصة – أن يوجه المخطئ والمسيء إلى أخطائه، حتى لا يستمر في الخطأ ويتحمل هو عواقب كل تلك الأخطاء، ففي فرق العمل الكل يعمل والكل يحاسب على عمله وعلى أخطائه بطريقة أو بأخرى.
ويبقى سؤالنا الأخير قبل أن نغلق ملف إدارة فرق العمل وهو، ماذا يمكن أن يحدث إن نشب خلاف بين أعضاء فريق العمل؟
نعتقد أنه تكمن أول خطوة في حل النزاعات بين أفراد الفريق الواحد في الاعتراف بوجودها – وأحيانًا بضرورة وجودها – فإن عدم الاعتراف يؤجل الصراع ولا يلغيه، ودور القائد أو المسؤول هنا هو في البحث عن الأسباب الحقيقية للنزاع، هل هي أسباب متعلقة بجوهر المهمة الموكلة، أم أنها ترجع إلى أسباب شخصية ونفسية؟ إن الكثير من النزاعات التي تحدث في المؤسسات وبين أعضاء الفريق لا تتعلق إلا بشكل هامشي بجوهر القضايا أو المهام، بل تتعلق أكثر بانعدام التآلف النفسي وربما أسباب أخرى شخصية.
وفي حال الصراع ينبغي أن يستمع القائد أو المسؤول إلى كل الأطراف، وينبغي على أعضاء الفريق أن يسمحوا لبعضهم البعض بالتعبير عن آرائهم وأفكارهم، فقد يختلف الناس في تعريف المشكلة، وقد يتفقون في ذلك، ولكن قد تكون لديهم وجهات نظر مختلفة، وربما تتوافق وجهات نظرهم، لكن قد يختلفون في تحديد الحلول المناسبة لتلك المشاكل.
لذلك فمن الضروري عند حل النزاعات، التي تنشأ بين أعضاء فريق العمل، أن يعمل القائد على التوصل إلى حل جماعي، ليس بالضرورة إجماعًا، ولكن بالضرورة يأتي بعد الاستماع لكل وجهات النظر، وتحليلها وإعطائها القدر المناسب من الأهمية. يبقى أن نشير إلى أنه في فرق العمل الشديدة الانسجام، قد يحرص القائد بنفسه على إثارة الصراع عبر استثارة أعضاء فريق العمل بأفكار جريئة – وربما غير ملائمة – ولكنها تبعث الحياة في الأفكار، وتحفز الأعضاء نحو مزيد من الابتكار والتجديد.
الخلاصة: إن العمل مع فرق العمل تحتاج من الأعضاء وخاصة رئيس الفريق إلى روح جديدة، تنظر إلى الأمور بنظرة غير اعتيادية، وخاصة إن كان أعضاء فريق العمل من ذوي الخبرة الفنية الطويلة في مجال العمل المنوط، لذلك فإن إدارتهم تحتاج إلى وعي وثقافة خاصة، وهي بالفعل إدارة السهل الممتنع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق