الاثنين، 7 يوليو 2014

كائنات فطرية - فأر الخلد العاري

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٨ يوليو ٢٠١٤

بقلم الدكتور زكريا خنجي

يعد فأر الخلد العاري من الحيوانات الثديية التي تعيش في صحارى شرق إفريقيا، خاصة في جنوب إثيوبيا وفي كينيا والصومال، ويعيش في مستعمرات كبيرة اجتماعية عليا، وهو بهذا يظهر سلوكا نادرا مقارنة بالثدييات الأخرى.
ولأن هذا الحيوان يعيش في جحور داخل الأرض، فإن الله وهبه بعض الخصائص التشريحية التي تؤهله ليعيش في مثل تلك البيئية، مثل التنفس والشعور بالألم وما إلى ذلك.
فمن المعلوم أن وجود الأوكسجين في الجحور يكاد يكون شبه معدوم، لذلك فإن الرئة تشكلت بصورة صغيرة، وبالتالي غدت قدرة جذب الهيموجلوبين لجزيئات الأكسجين أقوى، بهذا تستطيع فئران الخلد العارية امتصاص الأكسجين في الدم بشكل فعال، على أن تبقي معدلات التنفس والأيض المنخفضة بالقياس إلى حجمها الصغير الذي يستهلك الحد الأدنى من الأكسجين، هذا مع العلم أن لهذه الحيوانات القدرة على خفض هذه المعدلات إلى 25% في فترات الجفاف.
كما أن فئران الخلد العارية لا تشرب الماء، ولكنها تحصل عليه عن طريق الغذاء، بما أن غذاءها ذو محتوى ملوحة عالية، تملك فئران الخلد العارية كلى عالية الكفاءة تعمل على إنتاج بول بدرجة كثافة قصوى إلى 1,5 مول لكل كيلوجرام بول، يعادل 87.5 جرام لكل ليتر.
وفي عام 2013 أعلنت مجلة العلوم، حيوان «فأر الخلد العاري» كحيوان العام (بين الفقاريات)، وذلك بعد أن استطاعت الدراسات العلمية أخيرًا تفسير الظاهرة الغريبة التي تتمثل بعدم إصابة هذا النوع من الحيوانات بالسرطان مهما تعرض للعوامل المؤهلة للإصابة في المخابر، وهو الكشف العلمي الذي يُعول عليه مستقبلاً على أمل القضاء على السرطان بين البشر إلى الأبد.
ولقد وجد أن الخلد العاري يتميز بمجموعة من الصفات الغريبة التي أثارت دهشة العلماء، منها أنه على عكس كل القوارض يعمر حوالي ثلاثين عامًا من دون أمراض، كما أنه الحيوان الوحيد بين الثدييات الذي يملك دمًا باردًا، والوحيد الذي يعيش حياة اجتماعية مماثلة للنحل والنمل بحيث تكون الرئاسة لملكة واحدة تختص بالإنجاب، وذلك برفقة ذكر واحد أو ذكرين، في حين تكون الإناث الأخريات عقيمات بشكل مؤقت حتى وفاة الملكة حين تحل إحداهن مكانها، بينما يختص العمال في إحضار الطعام للصغار والدفاع عن المملكة الموجودة في أنفاق تحت الرمال.
وليست هذه الصفات هي ما دفعت «مجلة العلوم» لاختيار هذا الفأر كحيوان العام، ولا حتى شكله، بل لأنه يقدّم درسًا للبشرية للتخلص من السرطان، فقد استعرضت المجلة أهم دراستين حدثتا خلال عام 2013 استطاعتا تفسير سبب مناعة هذا الحيوان من الإصابة بأي نوع من السرطان، تتحدث إحداهما عن امتلاك خلايا هذا الفأر طريقة تستطيع فيها اكتشاف أي خطأ في عملية إنتاج «البروتينات»، بحيث إنها تتخلص من البروتينات الشاذة التي حدث خطأ أثناء إنتاجها في الخلية.
وأما الدراسة الأهم فهي اكتشاف نوع من السكاكر الضخمة جدًا والتي توجد بين خلايا هذا الفأر، بحيث إن هذه السكاكر تجعل هناك مسافة كبيرة بين خلية وأخرى، وتمنعها من الالتحام وتشكيل الورم، وهو الكشف الذي أذهل العلماء خلال الأشهر القليلة الماضية ودعا إلى التفكير بطريقة للاستفادة منه من أجل إيجاد علاج وقائي قد يقضي على السرطان نهائيًا بين البشر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق