السبت، 12 يوليو 2014

ثقافة العمل بأسلوب فرق العمل

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١٣ يوليو ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

يروى أنه في أحد مراكز التدريب العسكري طلب القائد من الجنود التسلق والسباق حتى يحصلوا على إجازة نهاية الأسبوع، وقد حدد مسافة للسباق وزمنا لا يجب تجاوزه، وقال لهم بالحرف: «إذا قطعتم جميعًا المسافة المطلوبة فستحصلون على إجازة مدة يومين»، ولم ينتبه الجنود إلى كلام القائد، فتسابقوا وتركوا وراءهم بعض الجنود من المرضى وربما غير القادرين. وفي الزمن المحدد الممنوح لهم وصلت مجموعة إلى خط النهاية فرحين، وبدلاً من أن يمنحهم القائد الإجازة كما وعدهم عنفهم، وأصدر قراره بحبسهم جميعًا وحرمانهم من الإجازات لفترة معينة. وعندما تظلم أحدهم: لماذا؟ لقد فزنا وقطعنا المسافة المطلوبة وفي الزمن المطلوب.
رد القائد بحزم: «وماذا عن زميلكم المريض أو غير القادر؟ ألم تفكروا فيه؟ لماذا تركتموه خلف ظهرك؟ ألا تعتقدون أن العدو يمكنه أن يتمكن منه فيفقد الفريق زميلاً أو عدد من الزملاء؟».
الشاهد من القصة أن روح المنافسة والتفكير في الذات عند بعض الجنود أو بعض من أعضاء الفريق قد تغلبت على روح التعاون والفريق، وللأسف هنا وفي هذه اللحظة يتفكك الفريق، عندها لا عمل ينجز ولا أهداف تتحقق.
وإن كنا لا ننكر أن التنافس والتفكير في الذات سلوك إنساني ولا بد منه، إلا أن روح الأنا يجب أن تضمحل أو على الأقل تقنن عند العمل مع فريق العمل، حيث يجب أن تتمثل لنا أهداف فرق العمل العليا، فالتعاون في فريق العمل يجب أن تعد عملية تكاملية الأدوار، حيث يرى المتعاون في الآخرين أناسًا مختلفين عنه في المقومات والقدرات لذلك فإنه يجب أن يسعى لتوظيف مقوماتهم وقدراتهم لتحقيق أهداف مشتركة بالتكامل فيما بين قدراته وقدراتهم.
إن العمل بروح الفريق الواحد يتطلب قدرًا عاليًا من مهارات فهم مشاعر الآخرين وتنمية الاحترام المتبادل بين الأفراد وكذلك فن التعامل معهم، فهو يتطلب الانفتاح والأمانة والاتصال المباشر والقدرة على حل الصراعات، والتغلب على الكراهية وتقنين العمل الذاتي الفردي ليذوب مع الأفراد، من أجل تحقيق هدف سامٍ، وهذا لا يعني أبدًا قتل التفرد والطموح وإبراز النفس والتفكير في الذات، إلا أن كل هذه السلوكيات الفردية تحتاج إلى التحكم فيها وتوجيهها الاتجاه الجماعي، وفي نفس الوقت لا يمنع أبدًا إبراز الفردية وصقلها بين الحين والآخر تحت المظلة الجماعية فإن ذلك يعزز العمل بروح الفريق الواحد.
إلا أن ما يحدث على أرض الحقيقة ربما يكون عكس ذلك، فالأفراد – أيًا كانوا – أثناء تحولهم إلى فرق عمل يعانون من الخوف والسيطرة، وإن كانت هذه المشكلات لا نراها على السطح إلا عندما تبرز أعراضها، وتتضح من خلال قلة المشاركة وحجب المعلومات واحتكار المناقشات وتفشي السلبية وكثرة الشكوى. وإذا تعمقنا في تلك المشكلات أكثر فإننا سنجد صراعًا محتدمًا بين الأفراد وبين متطلبات الثقافة الجديدة التي تترتب على تشكيل الفريق.
ولقد أشارت معظم الدراسات التي درست ظاهرة التحول من العمل الفردي والانخراط في عمل الفرق إلى أن الفرق تواجه في فترة التحول مشكلات كثيرة، وتكون السمة الغالبة على الأداء هي الترقب والقلق وكثرة الأخطاء والتجريب الحذر للأفكار الجديدة وتقويم ما يقوم به الآخرون ومقاومة التغيير والتوتر والإحساس بقرب الانهيار. إلا أن معظم تلك الدراسات أكدت أن تلك المشكلات تعتبر أعراضًا صحية ولا يجب الخوف منها، إذ إن جميع الفرق تمر بهذه المرحلة الثقافية المرتقبة.
وإن كنا نؤمن بأن هذه الأمور تعد حقائق علمية مؤكدة إلا أن هذا لا يعطينا مبرر أن يستمر الصراع والخلافات بين الأفراد إلى الأبد أو على أقل تقدير لفترة طويلة، فمن الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى فشل الفريق وجود صراع كامن ومستمر تحت سطح العلاقات القائمة بين أعضائه. وإن كنا لا نؤيد كبت مشاعر أفراد الفريق وإنما نؤيد بصورة تامة أن يعبر أعضاء الفريق عن مشاعرهم بحرية تامة، إلا أننا في المقابل نجد أن على أعضاء الفريق أن يولوا اهتمامًا متوازنًا بين إتمام المهام والعلاقة بين الأفراد والتي تتضمن التعبير عن المشاعر.
ومع ذلك نجد أنه عند احتدام تلك الخلافات والصراعات فإن على رئيس الفريق أن يلعب دورًا حاسمًا في إظهارها ومناقشتها وحلها قبل أن تستفحل ويصعب احتواؤها، وتحتاج أيضًا من الأفراد إلى مشاركة طوعية كاملة وإيمان كبير بالعمل المؤسسي والمكاسب الحقيقية التي يمكن أن نكسبها في حالة حل الخلافات، ويحتاجون كذلك إلى التركيز على المشكلة بدلاً من التركيز على الأفراد، فضلاً عن الالتزام بالقرارات والرغبة في تعديل السلوك.
لذلك نعتقد جازمين أن ثقافة العمل بأسلوب فريق العمل يمكن أن تبدأ ببناء الثقة بين أعضاء الفريق، وتعرف بناء الثقة بأنها «الوجه الإيجابي للخوف»، كما يُعرف أحدهم بناء الثقة في فريق العمل أنه «التأكد من أن الآخرين لن يتميزوا عليّ أبدًا، سواء تمّ هذا بقصد أو بدون قصد، بتعمد أو من دون تعمد، بوعي أو بدون وعي. أي أنني أستطيع أن أضع موقفي في هذه اللحظة، ومركزي وتقديري لذاتي في هذه المجموعة، وحتى حياتي ذاتها في يد من أثق بهم، وهم قائد الفريق وأعضاؤه». لذلك نعتقد أنه يتحدد مستوى ثقتنا – سواء كانت تلقائية أو حذرة موجودة أو غير موجودة – على إدراكنا بوجود توازن بين ما نعطي وما نأخذ، وإن كنا نفكر بصفة مادية بحتة فهي تندرج تحت مبدأ «مكسب/ مكسب»، حيث إنه وكلما زادت أسباب عدم الثقة زاد إحساس كل عضو بالتهديد، وبالتالي بالحاجة إلى السيطرة، ولتقليل هذا التهديد يحاول كل عضو الاستئثار لنفسه بأكبر قدر من مصادر القوة لنفسه.
ولسنا نجافي الحقيقة عندما نقول إن بناء الثقة ليس بالعملية السهلة وإنما هي عملية معقدة، وتحتاج إلى نفوس صافية عالية الهمة، تلك النفوس هي في ذاتها ترغب في بناء تلك الثقة، وتجد أنها بأمس الحاجة إلى تواجد هذه الخصلة الحسنة فيها حتى تتمكن من إنجاز العمل المنوط بها، فلا يمكن لأفراد مهما كانت تربطهم فرق العمل واجتماعات وضحكات وابتسامات وساعات من الجلوس والتحدث معًا من إنجاز أي عمل إن كانت قلوبهم تحمل الحقد والحسد والكراهية على بعضهم البعض، وهذا هو المبدأ الأول في بناء فرق العمل.
أما المبدأ الثاني فإن على أعضاء الفريق – كلهم – المشاركة في وضع الفكرة والأفكار والخطة والمخطط وآلية التنفيذ والتعرف على الأهداف وكل ما يتعلق بالفريق، فلا ينفرد بعض الأعضاء دون الآخرين في ذلك، فالكل سواء على الرغم من الفروق الفردية التي بين الأعضاء، إلا أنه من المهم أن يشترك الجميع في كل ما يتعلق بالفريق، حتى لا يشعر أحد من أعضاء الفريق أنه أقل من بقية الأعضاء وأنه مهمش.
والمبدأ الثالث هو التفكير بصورة جماعية، ولا نعني هنا التسليم والاستسلام والموافقة على كل ما يطرح في الفريق حتى وإن اختلف ذلك مع أفكارنا، وذلك خوفًا على الفريق وتفكيك الفريق، وإن ما نريد أن نقوله إن هناك أساليب كثيرة للتفكير بصورة جماعية مثل العصف الذهني وقبعات التفكير الملونة وما إلى ذلك، حيث إنه يمكننا استخدام هذه التقنيات في التفكير لتوصلنا إلى اتفاقات جماعية خرجت من عقول أعضاء الفريق كلهم، وفي هذه الحالة لا يوجد شخص واحد هو الذي يسيطر على العقول وفكرة تجرجر أفكار الآخرين خلفها.
والمبدأ الرابع والأخير هو أن نقوم بتقسيم أفكارنا إلى ثلاثة أنواع من الأفكار، النوع الأول: ما يتم الاتفاق عليها، النوع الثاني: أفكار تحتاج إلى بعض النقاش والحوار حتى يتم التوافق عليها، والنوع الثالث: الأفكار المختلف عليها.
وبناء على ذلك فإنه يجب العمل – أولاً – على النقاط التي تم التوافق والاتفاق عليها في المرحلة الأولى وهي النوع الأول من الأفكار، أما النوع الثاني من الأفكار فإنه يمكن التوصل إلى خطوط مشتركة وخاصة في النقاط التي لم يتم الاتفاق عليها سابقًا، حيث يمكننا أن نتوصل إلى تداخلات وخطوط مشتركة في نقاط الاختلاف عبر الحوار الهادئ والتفكير بصورة جماعية، فإن وجدنا أننا اتفقنا على بعض النقاط فإنه يمكننا العمل عليها وضمها إلى نقاط التوافق أي إلى النوع الأول، وهكذا حتى نصل إلى توافق تام، وهكذا تبنى الثقة ويتم التخلي عن التحكم والسيطرة الفردية، أما النوع الثالث من الأفكار فلا نتخلى عنها ولكن لنرجئها إلى وقت لاحق.
الخلاصة: إن قرار العمل بروح فريق العمل ليس قرارًا إداريًا فحسب، وإنما هو بالإضافة إلى ذلك إحساس ومشاعر ورغبة في التوافق ورغبة في العمل بهذه النوعية وبهذا الأسلوب من العمل، وكذلك إدراك من أن العمل بروح فرق العمل يمكن أن توصلنا إلى أن اللامركزية في إدارة أعمال فرق العمل هو جوهر نجاحها، فالرأي السديد ليس حكرًا على أحد، فالكل يتحاور مع الكل حتى يصلوا إلى رأي واحد يغلب مصلحة الفريق، عندئذ تتغلب روح وثقافة العمل بروح الفريق بدلاً من الفردية وحب الذات والأنانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق