السبت، 20 سبتمبر 2014

الإيجابية والانتخابات والمجلس النيابي

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٢١ سبتمبر ٢٠١٤

بقلم: الدكتور زكريا خنجي

آليت على نفسي منذ أن كتبت هذه الزاوية ألا أكتب في الشأن المحلي، كقضية أساسية، ولكن كنت أسترشد بالشأن المحلي والقصص الواقعية التي تحدث أمامي أو التي يحدثني عنها أحد كشواهد للمقالات التي أكتبها.
ولكن ونحن نكتب عن الإيجابية والتفكير الإيجابي، ومع اقتراب موعد الانتخابات البلدية والبرلمانية، فإن أحاديث الناس والمواطنين تزايدت حول جدوى وجود المجلس النيابي بالتحديد، ومدى فاعليته ومدى الاستفادة التي جناها المواطن من وجود أربعين عضوا تحت قبة البرلمان، يذهبون الى هناك كل يوم، يتناولون الإفطار ثم يدخل بعضهم إلى الاجتماعات ويناقش، والبعض الآخر يغادر ليؤدي مصالحة الشخصية، وفي نهاية اليوم يخرج كل واحد منهم - سواء الذي حضر الاجتماعات أو لم يحضر- بتصريح تنشره الجرائد ووسائل الإعلام ويجب أن يكون الخبر مزين بصورته الشخصية حتى يرى الجميع أن النائب الفلاني قد حضر وناقش وكتب ولذلك أدلى بهذا التصريح المهم الذي لم يغير ساكنا، عندئذ يتساءل المواطنون «ما جدوى كل ذلك؟ ماذا جنيت أنا؟ هل من الضروري أن نعيد الكرة مرة أخرى، ونقوم بعملية أو بالأصح مسرحية الانتخابات ليفوز فيها البعض ويجنوا هم الثروة ويرجع المواطن خالي الوفاض، من غير أن يجني أي شيء؟»
مثل هذه الحوارات تدور في أروقة الكثير من المجالس والأندية والجمعيات، وهذا حتما يؤدي إلى إحباط عام في الشارع، بأن العملية البرلمانية عملية لا جدوى منها، لذلك يرفع الكثيرون الراية البيضاء دلالة على أنهم لن يشاركوا في هذه المسرحية مرة أخرى، فيكفي اللعب على الذقون، فلا انتخابات ولا سباق على الكراسي وامتيازات لفئة خاصة من البشر المستفيد من كل هذه اللعبة والمسرحية.

* (ملاحظة: قامت الجريدة بحذف فقرة من هنا ولم تنشر مع المقال، يمكن قراءتها في أسفل المقال)

وهذا الكلام وهذه الخواطر واقعية جدًا، ولكن دعونا نقوم بتحليل هذا الواقع المرير الذي نعيشه، شئنا ذلك أم أبينا، دعونا نفكر بإيجابية وبعيدًا عن هذه السلبية المنتشرة في الشارع اليوم.
ولنبدأ بالأسوأ، وهو أن أعضاء البرلمان لم يقدموا أي منفعة تذكر للشارع والمواطن، وأن النواب قد فشلوا في توصيل صوت المواطن إلى الجهات التنفيذية، وبالتالي لم تتحقق أي مطالبات أو لم يجنِ المواطن أي حقوق، وربما معضلة زيادة الرواتب أنموذج حيوي لهذا الفشل وكذلك عجزهم التام عن مناقشة تقرير الرقابة المالية وقضايا الفساد المالي والإداري الضارب في أعماق العديد من المؤسسات.
ولكن نسأل: أنعيب على وجود المجلس النيابي؟ أم نعيب على مثل هؤلاء النواب؟ هل نحن مع التجربة البرلمانية أم نحن ضدها؟ هل نود أن يكون لدينا برلمان يستطيع أن يحقق مطالب المواطن في يوم ما أم نريد إلغاء المجلس بما فيه من خير وشر؟
لا أعتقد، وللحقيقة أقول إنه مع كل الذين فتحوا باب الحوار معي حول هذا الموضوع لم أسمع أحد منهم لا يرغب في وجود برلمان في البحرين، فوجود المجلس - بأي صورة كانت - فتح أبواب كثيرة وخاصة أبواب الحريات، حتى إن كان هامش الحريات ليس بالمستوى المطلوب إلا أنه أفضل مما كان.
قبل وجود البرلمان لم نكن نسمع بشيء اسمه «تقرير الرقابة المالية» يمكن أن يحاسب بناء عليه المؤسسات الحكومية، لو أراد النواب أن يحاسب، لم يأتِ علينا يوم كنا نعتقد فيه أن الوزير يمكن أن يُساءل وأن تطرح عنه الثقة، وأمور كثيرة وأدوات برلمانية نصت عليها اللوائح الداخلية للبرلمان، حتى إن جبن النواب في استخدامها فهذا لا يعني أبدأ أنها غير موجودة وأنها غير مُفعلة أو أن البرلمان - كفكر وثقافة- فاشل، وإنما يعني أن النواب يجب أن يعرفوا مدى قوتهم وماذا يمكن أن يفعلوا بهذه القوة.
إذن، يمكن أن نقول إن التجربة البرلمانية وأن وجود البرلمان في حياة المواطن حالة إيجابية وتفكير إيجابي صائب وانه يجب أن يتم احتضانه حتى إن كان ضعيفًا، حتى إن كان النواب الذين يقتاتون عليه ضعفاء ولا يمكن الاعتماد عليهم.
أما النواب، فهم فئة من المجتمع، وما يسري على أفراد المجتمع يسري عليهم، فهم يفكرون في أنفسهم ومستقبلهم ومستقبل أولادهم، قبل أن يفكروا في الناس ورضا الناس، يخافون من انتقام المسئولين ومن يوم يرجعون فيه إلى حياة العامة، لذلك فإنهم يرهبون محاسبة المسئول الفلاني ويحاولون أن يستعطفوا ويستميلوا وأن يرضوا هذا وذلك، حتى لا يخسروا كل شيء، لذلك تراهم يزورن فلانا في مكتبة ويصاحبون فلانا في بعض الزيارات الميدانية لافتتاح شارع أو حديقة، وعينه على رضا هذا المسئول أو ذلك، وعينه الأخرى على راتبه وامتيازاته وتقاعده.
كما أنهم ليسوا أفضل أفراد المجتمع، وربما ليسوا قادة حتى يشعروا بشعور الناس وآلامهم ومعاناتهم، ولكن من الذي أتى بمثل هؤلاء إلى قبة البرلمان، ألسنا نحن؟ إن لم نكن نحن فمن يكون إذن؟ وقد يقول قائل: خُدعنا، ونحن نقول: كيف تم خداعكم؟
خُدعنا وخدعنا أنفسنا، بأحد ثلاثة أمور: إما باستخدام الرشوة المالية أو العينية، وإما بالكلام المعسول والوعود التي لا يمكن تنفيذها ولا يمكن أن يصدقها عاقل ولكننا صدقناها، وإما بالانتماء الطائفي والفكري، وبالتالي وصل كل هؤلاء إلى البرلمان، وبعد السنوات الأربع الماضية تبين لنا عجزهم وربما فشلهم. إذن من الملام في توصيل مثل هؤلاء النواب إلى البرلمان؟ أعتقد أن الإجابة هي: «نحن» الملامون، لأننا لم نكن صادقين مع أنفسنا وجرينا خلف سراب لا يسمن ولا يغني من جوع.
نحن من قمنا بالتصويت لفلان وأوصلناه الى البرلمان لأنه ينتمي الى الطائفة التي ننتمي إليها حتى إن لم يكن كفاءة، فلان لأنه يقرب من حيث النسب إلى فلان، وفلان لأنه قام بتوزيع الهدايا والعطايا، وفلان كان مقره الانتخابي يزدان بأكبر بوفيه وأحلى الأطعمة.
إذن الإيجابية والحل ليس في مقاطعة البرلمان والانتخابات، وإنما الحل أن نعي نحن ما المطلوب منا أثناء الانتخابات، أن نعرف كيف ومن ننتخب، ولماذا يجب أن يصل فلان ولا يجب أن يصل فلان من الناس، هذا الشخص لأنه كفاءة والآخر ليست لديه الكفاءة المناسبة حتى إن كان ابن عمي، ما برنامج فلان الانتخابي، وماذا يريد أن يقدم، مثل هذا الأمور يجب أن توضع في الاعتبار عندما نتقدم إلى صندوق الاقتراح ونضع ورقتنا وصوتنا، إن حدث ذلك فإنه حينئذ يكون برلماننا برلمانا حقيقيا يستطيع أن يقدم للمواطن ما يريد.
وموضوع آخر، كم منا طالب بصورة فردية أو بصورة جماعية بمحاسبة النواب؟ إن لم يستطيع الفرد أن يفعلها فلماذا لا تقدم الجمعيات ورقة عمل، ليس للمحاسبة وإنما لنقل على الأقل تقييم عمل البرلمان خلال الدورة الإنعقادية، كم جمعية سياسية تقدمت بذلك؟ ومن الجدير بالذكر ان تقييم عمل البرلمان حق من حقوق المواطن، فلماذا لا نمارس هذا الحق؟ ثم نطالب بمقاطعة الانتخابات؟
الخلاصة، لنكن إيجابيين، وذلك لنعرف دورها الصحيح وحقنا في الاختيار الصحيح للأفراد، ولنختار بصورة صحيحة ولا نخضع للأهواء، وأخيرًا لنقيّم عمل النواب بين الفينة والأخرى، ولا نطالب بمقاطعة الانتخابات لأن وجود البرلمان في حياة الشعوب مصلحة وفائدة يفتقدها الكثير من الشعوب الأخرى.

 

* المفقرة المحذوفة

يقول أحدهم: لو أن حكومة البحرين استغنت عن مجلس النواب لمدة سنتين فقط، وقامت باستثمار رواتبهم في شراء أبقار حلوب، فإنها وفي شهر واحد يمكنها أن تشتري 150 بقرة حلوب، وبحسبة بسيطة فإنه بعد سنتين فقط سيكون لدينا حوالي 3600 بقرة حلوب، وعليه فإنه سيصل إنتاج الحليب في البحرين حوالي ربع مليون لتر يوميًا، وبما أن اللتر الواحد يعطي خمس أكواب من الحليب، لذلك فإننا نعتقد أنه هذه الكميات تكفي لتسقي جميع طلاب البحرين حليب مجانًا.

وأما تغذية هذه الأبقار فيمكن أن تكفيها بدلات سفر النواب والعديد من الامتيازات وما إلى ذلك، وهذا يعني إننا وبعد دورة برلمانية واحدة يمكننا أن ننافس هولندا ونيوزلندا في إنتاج لحوم الأبقار والحليب، وكل ذلك لأننا استعضنا النواب بالأبقار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق