السبت، 6 سبتمبر 2014

لنعش التفكير الإيجابي ونتعايش معه

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :٧ سبتمبر ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

كثيرون يحكمون على إيجابية التفكير لدى البشر أو سلبيته من خلال نظرتهم إلى الكأس، هل نصفه ممتلئ أو فارغ، ولكننا نعتقد أن هذا التفكير وهذا التصنيف جائر نوعًا ما، حيث إننا نعتقد أن الإيجابية أو التفكير الإيجابي هو منهج وأسلوب متكامل في الحياة، بمعني آخر التركيز على الإيجابيات في أي موقف بدلاً من التركيز على السلبيات، إنه حسن الظن بذاتك أولاً، وأن تحسن الظن بالآخرين أيضًا، وأن تتبنى هذا الأسلوب الأمثل في الحياة.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا»، وهذا حديث واحد من عشرات الأحاديث التي يدعوا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حسن الظن بالناس والمجتمع.
وتقول وفاء محمد مصطفى: «هو أن تستخدم قدرة عقلك الباطن (عقلك اللاواعي) للتأثير على حياتك العامة بطريقة تساعدك على بلوغ آمالك، وتحقيق أحلامك». ويقول سكوت دبليو «هو قدرتنا الفطرية للوصول إلى نتائج أفضل عبر أفكار إيجابية».
ويورد خبراء تنميه الذات العديد من تعريفات للتفكير الإيجابي، فعرفه بعضهم أنه مجموعه من المهارات المكتسبة، التي تمكن الإنسان من التغلب على مشاكله، وعرفه آخرون أنه التفاؤل، وقال آخرون إن التفكير الإيجابي هو بداية الطريق للنجاح، فحين يفكر الإنسان بإيجابية فإنه يبرمج عقله ليفكر إيجابيًا، والتفكير الإيجابي يؤدي إلى الأعمال الإيجابية.
وقال أحدهم إن التفكير الإيجابي هو كل نمط تفكير يسهم في تحديد نمط معرفه المشاكل التي يواجهها الإنسان، أو نمط الفكر اللازم لحلها، أو أسلوب العمل اللازم لتنفيذ هذه الحلول في الواقع.
وتعريفات كثيرة ربما لا نريد الإتيان بها فليس لها مكان هنا، ولا نريد أن نعرف الإيجابية أو التفكير الإيجابي، فنحن نريد أن نبتعد عن المصطلحات الأكاديمية لنتعرف على هذه النوعية من التفكير في هذا العصر الذي أصبح فيه الضغط النفسي جزءا من كيان الإنسان، وأصبح الغضب سمة البشر فلا تستطيع أن تتحدث مع أحد إلا وتطاير الشرر من عينيه، حتى مع أولادك وزوجك، أصبحت الضغوط النفسية والمادية تضغط على الإنسان لدرجة أنه يشعر في لحظات أنه وجد في هذا الكون بالخطأ.
نريد أن نستشعر أن الإيجابية والتفكير الإيجابي حياة مليئة بالسعادة والرفاهية وأن الأحداث التي نواجهها يوميًا ودائمًا ما هي إلا إشارات لنجاح متواصل في شتى مجالات الحياة، نريد من خلال هذه النوعية من الحياة أن نحاول جاهدين أن نجلب لأنفسنا ولغيرنا الخير والمصالح المادية والمعنوية، وأن ندفع عن أنفسنا الضرر، نريد أن نستشعر تحسن مستوياتنا الفكرية وذلك بتبني منهج فكري سليم عن أنفسنا وعن مجتمعنا وعن الحياة بصفة عامة، وأن نتخلى عن الأفكار السلبية التي تحد من قدراتنا، وتحقيق ما نصبو إليه من أهداف في حياتنا.
فالإيجابية والتفكير الإيجابي الذي نؤمن به هو الذي يقود الإنسان إلى إزالة المشاعر غير المرغوبة والتي تعيقه من تحقيق الأفضل لنفسه ومجتمعه، فهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنجاح في كل مجال من مجالات الحياة.
عندما كنت أقول ذلك يومًا في محاضرة قالت إحداهن: «هل يعني ذلك أنه لو سقطت من أعلى السلم إلى الأسفل، أن أقوم وأنا مبتسمة لأني وصلت إلى نهاية السلم بسرعة؟».
قلت: لا.. ولكن الإيجابية في الموضوع أن ننظر إلى أنه لم ينكسر عمودنا الفقري، ولم نفقد أي جزء من أعضائنا وخرجنا سالمين من هذه السقطة، وربما ببعض الخدوش فقط.
وقالت الأخرى: حسنٌ، ماذا إذا تعرضنا لخداع من تاجر أو أحد البشر، كيف نفكر معه بإيجابية وهو قد خدعنا وغشنا؟
قلت: من الإيجابية أن نتفاهم معه بهدوء ومن غير غضب، فإن أنصفنا فكان ذلك خيرا، وإن لم ينصفنا فمن الإيجابية أن نتقدم بشكوى أو بلاغ عند الجهات المسئولة أو حتى في المحاكم إن بلغ الأمر ذلك، فترك حقوقنا من غير استردادها هي سلبية وليست إيجابية، ولكن لنأخذ حقوقنا عبر القنوات الشرعية وليس عبر الفوضى والغضب والضرب.
ثم رويت لهم هذه الحكاية، يروى أنه جلس مؤلف كبير أمام مكتبه وأمسك بقلمه وكتب: في السنة الماضية أجريت عملية إزالة المرارة ولازمت فراشي عدة أشهر، وبلغت الستين من العمر فتركت وظيفتي المهمة في دار النشر التي ظللت أعمل بها مدة ثلاثين عامًا. وتوفى والدي، ورسب ابني في بكالوريوس كلية الطب لتعطله عن الدراسة عدة شهور بسبب تعرضه لحادث سيارة، وفي نهاية الصفحة كتب يا لها من سنة سيئة.
دخلت زوجته غرفة مكتبه ولاحظت شروده فاقتربت منه، ومن فوق كتفه قرأت ما كتب فتركت الغرفة بهدوء وعادت بعد دقائق وقد أمسكت بيدها ورقة أخري وضعتها بجوار الورقة التي سبق أن كتبها زوجها، فتناول الزوج ورقة زوجته وقرأ منها:
في السنة الماضية شفيت من ألم المرارة التي عذبتك سنوات طويلة، وبلغت الستين وأنت في تمام الصحة، وستتفرغ بعد التقاعد للكتابة والتأليف بعد أن تم التعاقد معك على نشر أكثر من كتاب مهم، وعاش والدك عمرًا طويلا بغير أن يسبب لأي أحد متاعب وتوفي في هدوء بغير أن يتألم، ونجا ابنك من الموت في حادث السيارة وشفي بغير أي عاهات أو مضاعفات، وختمت الزوجة قائلة: يا لها من سنه أكرمنا بها الله وانتهت بكل خير، والحمد لله على كل شيء.
هكذا هي الإيجابية، نفس الأحداث ولكن هنا تأتي نظرتنا إلى الكأس إن كان نصفه ممتلئ أو نصفه فارغ.
قال سبحانه وتعالي في سورة النمل - الآية 73 «وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون».
وإن لم نستطع أن نصل إلى هذه المرحلة من الحساسية لنستشعر الإيجابية في حياتنا، فعلى الأقل يجب أن نعرف فوائد الإيجابية والتفكير الإيجابي لعلنا نفكر بصورة جدية في اتخاذ هذا المنهج من التفكير أسلوب حياة، وقد قام الباحث الدكتور سعيد بن صالح الرقيب في بحثه «أسس التفكير الإيجابي وتطبيقاته تجاه الذات والمجتمع في ضوء السنة النبوية» بتجميع فوائد ممارسة التفكير الإيجابي، وسنحاول أن نلخص بعضها، وهي كالتالي:
1- هو الباعث على استنباط الأفضل، وهو سر الأداء العالي، ويعزز بيئة العمل بالانفتاح والصدق والثقة.
2- يدعك التفكير الإيجابي تختار من قائمة أهداف الحياة المستقبل الأفضل الذي يحقق أهدافك.
3- تأكد أن التغيير الإيجابي البناء الذي تجريه داخل نفسك سوف يكون له الأثر النافع في شخصيتك وفي كل نشاطاتك.
4- أن تكون مفكرًا إيجابيًا يعني أن تقلق بشكل أقل، وتستمتع أكثر، وأن تنظر للجانب المضيء بدلاً من أن تملأ رأسك بالأفكار السوداء، وتختار أن تكون سعيدًا بدلاً من الحزن، وواجبك الأول أن يكون شعورك الداخلي طيبًا.
5- إن العقل يمتلك فكرة واحدة في أي وقت، فإذا أدخلنا في عقولنا فكرة إيجابية أخرجت الفكرة السلبية التي تقابلها، إن العقل لا يقبل الفراغ فإذا لم نملأه بالأفكار الإيجابية فسوف تملأه الأفكار السلبية.
6- إن هذه الإيجابيات في عقولنا ومشاعرنا تصنع في حياتنا: الإيجابية، والتفاؤل والطاقة، والقدرة على الدفاع عن النفس، وصد الهجوم الذي يصدر إلينا من شياطين الأنس والجن، وأكبر منهما حديث النفس.
7- عندما نفكر بطريقة إيجابية تنجذب إلينا المواقف الإيجابية، والعكس يحدث عندما نفكر بطريقة سلبية فإننا نجذب إلينا الموقف السلبية.
8- إن الشخص الذي يفكر إيجابيًا ويعتمد على نفسه، وينظر نظرة متفائلة يستطيع أن يستهوي ما حوله فعلاً، ويطلق القدرات التي تحقق الهدف.
9- يبحث التفكير الإيجابي عن القيمة والفائدة، وهو تفكير بناء توالدي، وتصدر منه المقترحات الملموسة والعملية حيث يجعل الأشياء تعمل، وهدفه هو الفعالية والبناء.

وفي المقابل فإن الكثيرين يرون أنه لا ينبغي الإفراط في أن التفكير الإيجابي بمفرده، ففي سعي الإنسان لتغيير الحياة إلى الأفضل فإنه من الضروري أن يكون لدى الإنسان بعض الاستراتيجيات، وبعض الخطط التدريجية لتغيير الطريقة التي يفكر بها، والتي يشعر بها، وأيضًا لتغيير ما يفعله في كل يوم يمر عليه، فهؤلاء يعتقدون أن التفكير الإيجابي عملية وإجراء وليس غاية في حد ذاته.
وإن كنا نؤمن بجزئيات من ذلك، إلا أن الموضوع يحتاج إلى وقفات أخرى سنتواصل معكم من خلال هذه الزاوية لنتحاور فيها، ولنا لقاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق