الأحد، 28 سبتمبر 2014

كيف نفكر بطريقة إيجابية؟

 

تاريخ النشر في جردية أخبار الخليج :٢٨ سبتمبر ٢٠١٤

بقلم: د. زكريا خنجي

الكثير من المختصين كتب عن الطرق والأساليب وكذلك الآليات التي يمكن أن نسلكها لنبدأ في التفكير الإيجابي، وعلى الرغم من اختلاف بعض جزئيات تلك الطرق عن البعض، إلا أنها في مجملها متشابهة، ولكن الملاحظ أن كل تلك الطرق تسير في اتجاه واحد، وهو البحث عن أفضل الأساليب للإيجابية والتفكير الإيجابي.
ونحن ليست لدينا وجهة نظر في ذلك، فهذا أمر جيد، إلا إنه نود من خلال هذا المقال أن نفكر بطريقة مغايرة، فبدلاً من أن نفكر بطرق التفكير الإيجابية لنتعرف على ماهيتها دعونا نفكر في أنماط التفكير المخالفة للتفكير الإيجابي وهو التفكير السلبي، وذلك بهدف أن نتجنب هذه الأنماط من التفكير التي يمكن أن تؤدي إلى فشل الإنسان في حل المشكلات، وتسبب له الإحباط، وقد تصل الأمور في بعض الأحيان إلى الانهيار.
من ناحية منهجيه فإنه على الرغم من تعدد أنماط التفكير السلبي، فقد وجدنا أنه يمكن تلخيصها في نمطين أساسيين من التفكير السلبي، وهي كالآتي:

أولاً: التفكير الخرافي: هو نمط من أنماط التفكير المناقض للتفكير العلمي، وإن كان يشترك معه في الموضوع(تفسير الظاهرة أو الظواهر الجزئية العينية)ولكنه يختلف عنه في المنهج، فهو يقوم على إنكار القوانين الموضوعية التي تضبط حركتها أو إنكار حتميتها، بمعنى آخر يقوم على إمكانية انقطاع اطراد هذه السنن الإلهية، كما يقوم على إمكانية قبول أي فكرة تفسر هذه الظواهر- وإن كانت مناقضة للتفكير العقلي- من دون توافر إمكانية التحقق من صدق هذا التفسير بالتجربة والاختبار العلميين، كما يناقض التخطيط، وذلك لإلغائه شرطه الأول بالسلبية والتواكل، وإلغائه شرطه الثاني بالتجريبية والمغامرة.
وقد رفض الإسلام التفكير الخرافي من خلال نهيه عن كثير من أنماط التفكير الخرافي التي كانت سائدة في المجتمع العربي الجاهلي، كالكهانة (من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أنزله الله على محمد) (رواه الطبراني)، والتنجيم (من اقتبس علمًا من النجوم اقتبس شعبة من السحر) (رواه أبو داود وابن ماجه)،والعرافة(من أتى عرافًا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاه أربعين يومًا)والتطير(العيافة والطيرة والطرق من الجبت).
قال لي أحد الأصحاب ذات يوم إنه حضر مجلس أحد مشايخ الدين، ومن خلال الحوارات طرح موضوع (الكسوف والخسوف)، فقال الشيخ: يلاحظ أن ظاهرتي الكسوف والخسوف بدأتا تتزايدان خلال الأعوام العشر الأخيرة، وكل ذلك بسبب، يقول صاحبي: فانتابني الفضول فسألت: وما تعتقد الأسباب التي أدت إلى تزايد ظاهرتي الكسوف والخسوف ؟ قال الشيخ: بسبب الآثام والمنكرات التي يقوم بها الإنسان، وهذا عقاب من الله.
قال صاحبي: لم أتمالك نفسي، فقلت للشيخ: إن هذا الكلام غير صحيح، إن ظاهرتي الكسوف والخسوف مرتبطتين بدوران القمر حول الأرض ودوران الأرض حول الشمس حيث تتغير أوضاع الشمس والقمر بصورة دورية بالنسبة إلى كوكب الأرض، فقد يقع القمر بين الشمس والأرض ويحدث الكسوف الشمسي، وقد تقع الأرض بين الشمس والقمر ويحدث الخسوف القمري، وقد روي عن المغيرة بن شعبة قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله يوم مات إبراهيم، فقال الناس كسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال رسول الله: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم فصلوا وادعوا الله.
لذلك، فإن ربطهما بآثام البشر ينافي العقيدة الصحيحة والتفكير العلمي وكذلك قدرة تحكم الله في الكون.
ثم يقول: هل تدري يا شيخ لماذا تزايدت ظاهرتي الكسوف والخسوف، لأن وسائل الإعلام غدت تغطي لنا تلك الأخبار بالساعة والثانية، كنا في الماضي لا نعرف ماذا يحدث في ماليزيا أو أستراليا أو أمريكا، ولكن اليوم إن حدثت جريمة سرقة أو قتل عادية سمعنا بها في الحال، وهكذا حال الكسوف والخسوف، نسمع عن حدوثهما مباشرة عبر وسائل الإعلام التي حولت الكرة الأرضية إلى غرفة صغيرة جدًا، كل البشر يتحاورون فيها بطريقة مباشرة.
يقول صاحبي؛ لم يرض الشيخ عن هذا فبدأ في الجدل، ولكني انسحبت من المجلس.

ثانيًا: التفكير الأسطوري: وهو نمط من أنماط التفكير المناقض للتفكير العقلاني أيضًا، وإن كان يشترك معه في الموضوع (تفسير الأصول الفكرية الكلية المجردة)، إلا أنه يختلف عنه في المنهج فهو يقوم على عدة نواحٍ منها:
1- القبول المطلق لفكرة وبالتالي الرفض المطلق للأفكار الأخرى.
2- الشك المطلق، أي إنكار إمكانية التحقق من صحة أي فكرة أو النزعة القطعية أي التسليم بصحة فكرة من دون التحقق من كونها صادقة أم كاذبة.
3- الاستناد إلى الإلهام أو الوجدان أو العاطفة والخيال (على الوجه الذي يلغي العقل).
4- اللامنطقيه (التناقض).
هذا النوع من التفكير هو الذي يجعل بعض البشر يلغون عقولهم، ويتركون التفكير لغيرهم ليقوموا بالتفكير عنهم، فإن قالوا لهم أفعلوا ذلك فعلوه وإن لم يقولوا لهم ذلك لم يفعلوه، وهؤلاء مثلهم كمثل الذين وصفهم الله في العديد من السور منها ما ورد سورة المائدة - الآية 104 (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إلى مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ وإلى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ)، فهم كالخرفان التي يقودها الراعي إلى حيثما يشاء ويريد، أليست لنا عقول لنفكر ؟ فلماذا نضع عقولنا بين يدي إنسان آخر ليفكر عنا ؟
أو من يؤمن أن الأولياء والسادة -وإن سكنوا القبور- يمكنهم أن يفعلوا المعجزات، حتى إنهم يستطيعون أن يحيوا العظام وهي رميم؛ فهم يؤمنون أن من في القبور يمكن أن يشفي المرضى، أو يمكن أن يعالج العقيم، أو يمكن أن يعيد الزوج إلى زوجته وما إلى ذلك، فيقف أمام القبر ساعات ويقدم القرابين حتى يشفي ولده من مرض عضال، أليس ذلك تفكيرا سلبيا؟

مهارات التفكير الإيجابي
وحتى نكمل الحديث تحت عنوان هذا المقال، ولتكتمل الصورة، نأتي ولو بصورة جزئية إلى بعض مهارات التفكير الإيجابي للراغبين في هذا الجانب بدلاً من التركيز فقط على التفكير السلبي، فدعونا نلخص بعض مهارات التفكير الإيجابي التي منها:
• اختيار العبارات الإيجابية التي تساعد على النجاح، وتكرارها وكتابتها، حتى تكون جزئية وسمة من سمات الإنسان.
• مراقبة الأفكار، واستبعاد السلبية منها، لأن الاستمرار في التفكير فيها سيحولها إلى عادة، وبالتالي تؤثر سلبًا على التفكير والسلوك.
• تحديد الأهداف، وترتيبها حسب أولويتها، وتحديد وسائل تحقيقها، والتمييز بين الأهداف الممكنة والمستحيلة.
• اكتساب معارف ومهارات في مجالي فن النجاح وفن التفكير الإيجابي.
• تجنب الانطواء على الذات.
• عدم الاسترسال مع الانفعالات السالبة.
• التخلص من الأفكار السلبية والخواطر التشاؤمية بالهدوء والاسترخاء، والتأمل الموضوعي الذي يلغي المبالغة.
• التفاؤل.
• برمجة العقل الباطن على التفكير الإيجابي، عن طريق تكرار الجمل الإيجابية، وعدم تكرار الجمل السلبية، لأن العقل الباطن يتبرمج عن طريق التكرار.
• البحث عن الجوانب الإيجابية لكل أمر من أمور الحياة حتى لو كان أمر سلبيا.
• تفادى التأثير التراكمي؛ لأن التفكير السلبي يبدأ بالتفكير بجملة بسيطة تذكر بأخرى وهكذا حتى تشكل انفعالا سلبيا مستمرا، لذلك فإن التغلب على التفكير السلبي يتم بالتغلب على هذا التأثير التراكمي.
• إيجاد جذر المشكلة؛ لأن التفكير السلبي قد يكون مصدره عدم حل مشكله معينة، وهو ما يؤثر سلبًا على تفكير وسلوك الإنسان.
• البحث عن الأدلة بدلاً من الاستناد إلى افتراضات لا أساس لها من الصحة.
• عدم استخدام المطلقات مثل «دائمًا» و«أبدا»، لأنها تجعل الموقف يبدو أسوأ مما هو عليه.
• الانفصال عن الأفكار السلبية وعدم تتبعها.
• استخدام أسلوب القطع لمكافحة الاجترار؛ فالاجترار هو التركيز المبالغ فيه على أحداث سلبية، وهو نمط من أنماط التفكير السلبي، لأنه ليس منطقيًا أو موجها لحل ولكنه مجرد قلق زائد، لذلك يجب مقاطعته بإجبار النفس على فعل شيء مختلف تمامًا وتغيير البيئة.
• كتابة المشكلات لأنها تساعد على الحد منها وتنظيمها والسيطرة عليها.
• التحدث إلى الآخرين، بمناقشة المخاوف ودواعي القلق مع صديق أو شخص تثق به.
• توسيع نطاق التفكير والخروج من الدوائر الضيقة.
• الابتعاد عن الفراغ وشغل النفس بالهوايات وتطوير المهارات.
• التخلص من الهموم أولاً بأول.
• الانتقال من التقييم السلبي إلى التقييم الإيجابي.
• اجتناب الحديث السلبي مع الذات وتحفيز الذات وبرمجتها بتأكيدات إيجابية.

إن كل هذه المهارات السابقة الذكر لا تخرج عن ثلاثة أنماط: الأول؛ يتصل بنمط معرفة المشكلات التي يواجهها الإنسان، والثاني؛ يتصل بنمط الفكر اللازم لحلها، والثالث؛ يتصل بأسلوب العمل اللازم لتنفيذ هذه الحلول في الواقع.

وتظل الإيجابية والتفكير الإيجابي مطلب الجميع، ولكننا كثيرًا ما نخطئ الطريق إلى هذا المطلب. إلا أنه من المهم أن نؤمن أن هناك إيجابية يجب أن نسعى لها لتصبح جزءا من حياتنا مهما كانت حياتنا سوداء أو رمادية.

وتظل الإيجابية قضية لا تنتهي وإن انتهى كلامنا عنها هنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق