الاثنين، 10 نوفمبر 2014

البيئة بين القبح والجمال

 

تاريخ النشر في جريدة أخبار الخليج :١١ نوفمبر ٢٠١٤

الدكتور زكريا خنجي

في حديث شائق مع الفنان التشكيلي إبراهيم بو سعد عبر برنامجنا الإذاعي الأسبوعي «استديو البيئة»، تحدث بو سعد عما أسماه «تنمية الثقافة الجمالية» و«تنمية الذائقة الجمالية» لدى الناشئة حتى يمكن أن يميزوا ما بين ما هو جميل وما هو قبيح، فإن تمكنت المناهج الدراسية من أن تنمي هذه الثقافة وهذه النوعية من السلوكيات في الطفل فإنه حتمًا سيرفض أي نوع من أنواع التلوث الذي يمكن مشاهدته في البيئة.
فالطفل – مثلاً – عندما يجد أن رمي المخلفات من نافذة السيارة قبح فإنه حينما يكبر ويصبح أبًا أو مدير مصنع أو مؤسسة فإنه نفسه – حتمًا – تأنف أن يقوم بتلويث البيئة أو استهلاك مواردها بطريقة غير مستدامة، وهذا هو الجانب الإنساني في المحافظة على البيئة.
والعكس أيضًا يحدث، فالطفل الذي يعيش ويحس بأن الجمال هو المحافظة على الأشجار والشجيرات وبقية الكائنات الحية التي يمكن أن يقوم بتربيتها وإطعامها فإنه – وعندما يكبر – لن يكن عنصرًا سلبيًا في البيئة التي يعيش فيها، بل حتمًا سيكون عنصرًا إيجابيًا محافظًا على البيئة وعناصرها وكائناتها.
ونحن اليوم نعرف أن هذا علم قائم بذاته يسمى «علم الجمال»، فماذا يمكن أن يحدث إن حاول المشتغلون في حقل التوعية والتعليم البيئي بدمج هذه الفروع من العلم معًا، ترى كيف يمكن أن يكون الجيل القادم ؟
معظم البرامج والأنظمة التي تسير عليها المؤسسات سواء الحكومية أو الأهلية في مجال التوعية بالبيئة لا تتعدى الأوامر والنواهي، لا تلوث البيئة، لا ترمي بالمخلفات من السيارة، اقتصد من استهلاك الماء، لا تفرط في استهلاك الكهرباء، فهل حاولنا يومًا أن نشعر الإنسان بأن ما يقوم به من تلويث للبيئة وإفراط في الموارد وإخلال بالتوازن البيئي هو في الحقيقة أوجاع وآلام تصيب الأم أو الأب؟ هل حاولنا أن نعمل ترابط ما بين البيئة والطبيعة وحياتنا وأمراضنا وآلامنا وأوجاعنا؟ هل يمكننا أن نصل بالإنسان إلى أن يشعر بأنه مربوط بهذه البيئة، وينعكس عليه آلامها وأوجاعها؟ فإن تألمت وبكت فإن جزءا منه يتألم، وإن صرخت تستغيث فإن أطرافه تتخدر!
أيها السادة، أيها المربون، أيها البيئيون، إن البيئة والإنسان وجهان لعملة واحدة، فنحن ندعو للمحافظة على البيئة حتى نحافظ على الإنسان، وإن حافظنا على الإنسان فإننا في الحقيقة نحافظ على البيئة، فأي جزء من هذه المعادلة لا نفهمه؟
لذلك أقول، كما كنت دائمًا أقول، إنه يجب أن تربط برامج التوعية والتثقيف البيئي بالجوانب الإنسانية أكثر منها من أن ترتبط بالجوانب العلمية فقط، فإن كنا نريد – فعلاً – أن نربي جيلاً من المحبين للبيئة المحافظين عليها فإنه يجب أن نربي فيهم حب البيئة والاستشعار بها، وذلك من خلال خليط من البرامج العلمية والبيئية والإنسانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق